دور الإعلام في التصدي للانحراف باستعمال السلطة

د. حيدر حسين الكريطي

2016-10-27 07:23

تعد ظاهرة الإنحراف بإستعمال السلطة من أخطر مهددات الحياة الإجتماعية وأعقد مشكلات البناء والتقدم الحضاري لما يترتب عليها من تحريف المسار الحياتي وإختلال القيم العليا وتبديد الموارد البشرية والمادية على الصعد كافة.

وبالنظر لخطورة هذه الظاهرة كان لزاما السعي نحو التصدي لها بنظم رقابية تكفل الحد من الإنحراف المذكور، ومن بين هذه النظم رقابة الإعلام على سلطات الدولة المتعددة والتي ستكون مدارا لورقة العمل هذه من خلال تقسيمها على ثلاثة محاور هي:

أولا: طبيعة دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة.

ثانيا: نطاق دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة.

ثالثا: التحديات التي تواجه الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة.

وسيتم توضيح هذه المحاور فيما يأتي:

أولا: طبيعة دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة

يحتل الإعلام بوسائله المتنوعة: (القنوات الفضائية والإذاعات والإنترنت والصحف والمنشورات ونحو ذلك) دورا رياديا في تحديد توجهات الحياة الإجتماعية وفي تسيير عملية التقدم الحضاري من خلال جمع الحقائق وتحليلها وعرضها للرأي العام مع مراعاة التداعيات والظروف المحيطة بها وآراء المعنيين بها سواء كانت المادة الإعلامية تتصل بالمجال السياسي أو الإقتصادي أو الفني أو التقني أو الرياضي أو الثقافي.

ومن هذا المنطلق صنف الإعلام بوصفه مرادفا للصحافة بمعناها الواسع بأنه السلطة الرابعة وعند بعض الإتجاهات السلطة الأولى إلى جانب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية لموقعيته الكبرى في تشكيل الرأي العام والتعبير عن تطلعات المواطنين وبيان المشكلات التي يعانون منها وإبداء الحلول والمقترحات المتعلقة بها فكل هذه الموقعية جعلت الإعلام يملك وسائل تأثير على سلطات الدولة موازية لوسائل تأثير السلطات الثلاث بعضها على البعض الآخر.

فحين تقدم وسائل الإعلام للجمهور المعلومات المرتبطة بما يدور في أروقة السلطة من نشاطات وتكشف الإنحرافات ومواطن الخلل والفساد وما يترتب على ذلك من تحركات فإنها تمثل جهازا رقابيا على سلطات الدولة وتسعى إلى تقييدها وفقا لما حدده لها الدستور والقانون من اختصاصات وطبقا لما مرسوم لها من غايات في إطار تعزيز سيادة القانون وكفالة حقوق الإنسان، والإعلام بوسائله المتطورة أضحى منظومة متكاملة مؤثرة في النظم السياسية وقد بلغت درجة هذا التأثير في بعض الدول تغيير النظام السياسي برمته، ومما يدلل على مكانة الإعلام في الحياة العامة أن الثورات والإنقلابات تسعى بادئ ذي بدء إلى السيطرة على وسائل الإعلام من أجل إحتواء دورها وإعادة توجيهه وتجارب الأمم والشعوب حافلة بمدى التأثير الكبير لوسائل الإعلام في تغيير الواقع السائد تغييرا جذريا دون إستعمال الآلة الحربية والمدافع في دك أسوار الحكام.

وعليه فإذا كان قيام أي مجتمع متحضر يستلزم وجود مؤسسات عدة تختص بتسيير شؤونه المتنوعة فإن من الضرورة بمكان وجود وسائل إعلامية تنقل للمجتمع النشاطات التي تؤديها مؤسسات الدولة ومن رؤية واقعية وتزويد أفراد الشعب بالحقائق والمعلومات لكي تشكل اتجاها ضاغطا على مؤسسات الدولة وبالتالي تقويم مسارها والحد من انحرافها.

ثانياً: نطاق دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة

يشمل دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة سلطات الدولة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وسنوضح هذا الدور في نطاق كل سلطة من هذه السلطات:

أولاً: دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة التشريعية

من المفترض أن يكون الإعلام متصديا للإنحراف بإستعمال السلطة التشريعية سواء كان هذا الإنحراف للسلطة التشريعية بأكملها كمؤسسة أو للأعضاء المكونين لهذه السلطة، ويتحقق النوع الأول عند مخالفة السلطة التشريعية للمبادئ والنصوص التي أوردها المشرع الدستوري مادام الدستور هو الذي ينشئ السلطة التشريعية ويحدد اختصاصاتها وينظم العلاقة بينها وبين السلطات الأخرى، وحتى في حدود السلطة التقديرية التي خولها الدستور للسلطة التشريعية لا تملك هذه السلطة الإنحراف عن الصالح العام أو عن الغاية التي يعينها الدستور ذلك أن الإنحراف هنا لا ينحصر بمخالفة المشرع ظاهر نصوص الدستور وإنما مخالفة روح النصوص ومقاصدها وفحواها أيضا.

ومن مظاهر الإنحراف بإستعمال السلطة التشريعية التي ينبغي على الإعلام التصدي لها في العراق ما يأتي:

1- صناعة التشريع وفقا للمصالح الفئوية والحزبية بعيدا عن المصلحة العامة ضمن سياسة التوافقية ومنهج المحاصصة الذي يسود في أغلب الأحيان.

2- تكريس التشريعات لإمتيازات أعضاء السلطة التشريعية وتدعيم مكاسبهم وتوسيع نطاق حصاناتهم.

3- التخلي عن مسؤولية سن التشريعات التي أوجبها الدستور والمتعلقة بمفاصل مهمة في الدولة التي تقتضيها مصالح المواطنين وتمس الشؤون الأساسية لعيشهم الكريم.

4- تعطيل الدور الرقابي للسلطة التشريعية في الغالب الأعم على أجهزة السلطة التنفيذية بفعل عوامل حزبية وانتخابية وتسيد عملية المحاصصة.

5- طغيان السلطة التشريعية على حساب السلطة التنفيذية في ممارسة الصلاحيات التنفيذية ومن أمثلة ذلك قيام البرلمان بإلغاء قرارات لمجلس الوزراء أو فرض قرارات أخرى على المجلس المذكور أو إحدى وزاراته.

أما مظاهر الإنحراف بإستعمال السلطة التشريعية من جانب الأعضاء المكونين لهذه السلطة فمن بينها: (عدم إلتزام بعض الأعضاء بحضور جلسات المجلس وعدم إنجاز المهمات الملقاة على عاتقهم ضمن اللجان البرلمانية وعدم إتقان الواجبات البرلمانية على النحو المطلوب خلال مناقشة مشروعات القوانين أو التصويت عليها والاكتفاء بما يقرره زعماء الكتل السياسية واستغلال العضوية البرلمانية لتحقيق مكاسب إنتخابية أو مصالح خاصة من خلال التوسط لدى إدارات الأجهزة التنفيذية من أجل الحصول على وظائف أو إمتيازات لأشخاص مقربين أو تابعين لهم

بالإضافة إلى إساءة إستغلال البعض من الأعضاء للموارد البشرية والمادية العائدة للمجلس وكذلك الإدلاء بتصريحات تحرض على العنف والإرهاب تارة أو تمس قيم عليا في المجتمع تارة أخرى من خلال الإحتماء بالحصانة النيابية.

ثانياً: دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة التنفيذية

بالنظر لخطورة المهام التنفيذية وارتباطها بموارد بشرية أو مادية هائلة فإنها تشكل ميدانا واسعا وخطيرا للإنحراف بإستعمال السلطة مما يتطلب مجهودات إعلامية تعرض للرأي العام مكامن الخلل والقصور والفساد التي تتخذ صورا شتى منها إساءة إستعمال السلطة العامة لتحقيق منافع خاصة كالانتفاع من المقاولات والعقود والتعاملات الأخرى وهدر المال العام وتوظيف الجهاز لمصلحة الجهة السياسية التي ينتمي إليها أو التقاعس والتأخير في إنجاز معاملات المواطنين أو إنتهاك حقوقهم وحرياتهم على الوجه المحدد قانونا.

ثالثاً: دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة القضائية

على الرغم من أن مبدأ إستقلال القضاء يعد ضمانة أساسية لسيادة القانون وتحقيق العدالة وحماية الحقوق العامة والخاصة إلا أن هذا المبدأ لا يعني بقاء السلطة القضائية بأشخاصها ونشاطاتها بعيدة عن أية رقابة، وكما تملك السلطتان التشريعية والتنفيذية وسائل للرقابة على السلطة القضائية إنطلاقا من حق التعبير عن الرأي الذي يقابل مبدأ إستقلال القضاء من حيث المكانة الدستورية، وتطال هذه الرقابة أعلى الهيئات القضائية كالمحكمة الإتحادية العليا في العراق والتي مارست دورا في تفسير نصوص الدستور وفي حسم المنازعات بين السلطات وأعضائها يستحق أن يكون مجالا للتصدي الإعلامي من خلال تحليل مضامين القرارات التي أصدرتها ومناقشتها بصورة علمية من أجل معرفة مدى انحرافها عن الضوابط الدستورية والقانونية بهذا الشأن كما تشمل هذه الرقابة جميع الهيئات القضائية الأخرى عند مخالفة المنظومة التشريعية نصا وروحا أو إنتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم.

ثالثا: التحديات التي تواجه دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة القضائية

يمكن إجمال أهم التحديات التي تواجه دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة بما يأتي:

1- عدم مراعاة أغلب وسائل الإعلام في العراق لمقومات ومعايير حرية الإعلام والنشاط الإعلامي وهي: (الإستقلالية والحياد والموضوعية) إذ أن قيام الأفراد أو الهيئات بتأسيس وسائل الإعلام وتمويلها وتوجيهها نحو غاية معينة أو إرضاء جهة معينة ينعكس على مصداقيتها وحيادها بفعل سيطرة السياسيين أو أصحاب المال على هذه الوسائل.

2- عدم ارتكاز أغلب وسائل الإعلام لمبادئ الإعلام والسعي نحو غاياته المتمثلة بتوعية أبناء المجتمع من خلال كشف الحقائق ونقل الأخبار والتقارير وتحذير المجتمع من الدعايات وكشف الإنحراف بأساليب حضارية لا تعتمد التعميم ولا تتنكر للجوانب الإيجابية وإنما تعزيز أواصر المجتمع وبث القيم الأصيلة والوطنية لدى أبناء المجتمع بالكلمة الصادقة المؤثرة.

3- افتقار أغلب وسائل الإعلام لأصحاب الكفاءات التخصصية العالية اللذين يملكون القدرة على تقييم أداء السلطات لمهماتها وتبيان صور الإنحراف بإستعمال السلطة بطريقة علمية هادئة لكي يتسنى للجمهور فرض الرقابة الشعبية على أعضاء السلطات أثناء شغلهم لوظائفهم أو عند تجديد الثقة بهم في الإنتخابات التشريعية أو المحلية.

4- عدم كفالة حق الحصول على المعلومة على النحو المطلوب الذي يحقق التوازن بين مبدأ الحفاظ على الأسرار والمعلومات الوظيفية وبين حق الشعوب في الاطمئنان لنزاهة وشفافية النشاط الإداري.

بالإضافة إلى إساءة إستغلال البعض من الأعضاء للموارد البشرية والمادية العائدة للمجلس وكذلك الإدلاء بتصريحات تحرض على العنف والإرهاب تارة أو تمس قيم عليا في المجتمع تارة أخرى من خلال الإحتماء بالحصانة النيابية.

2- دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة التنفيذية

بالنظر لخطورة المهام التنفيذية وارتباطها بموارد بشرية أو مادية هائلة فإنها تشكل ميدانا واسعا وخطيرا للإنحراف بإستعمال السلطة مما يتطلب مجهودات إعلامية تعرض للرأي العام مكامن الخلل والقصور والفساد التي تتخذ صورا شتى منها إساءة إستعمال السلطة العامة لتحقيق منافع خاصة كالانتفاع من المقاولات والعقود والتعاملات الأخرى وهدر المال العام وتوظيف الجهاز لمصلحة الجهة السياسية التي ينتمي إليها أو التقاعس والتأخير في إنجاز معاملات المواطنين أو إنتهاك حقوقهم وحرياتهم على الوجه المحدد قانونا.

3- دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة القضائية

على الرغم من أن مبدأ إستقلال القضاء يعد ضمانة أساسية لسيادة القانون وتحقيق العدالة وحماية الحقوق العامة والخاصة إلا أن هذا المبدأ لا يعني بقاء السلطة القضائية بأشخاصها ونشاطاتها بعيدة عن أية رقابة، وكما تملك السلطتان التشريعية والتنفيذية وسائل للرقابة على السلطة القضائية إنطلاقا من حق التعبير عن الرأي الذي يقابل مبدأ إستقلال القضاء من حيث المكانة الدستورية، وتطال هذه الرقابة أعلى الهيئات القضائية كالمحكمة الإتحادية العليا في العراق والتي مارست دورا في تفسير نصوص الدستور وفي حسم المنازعات بين السلطات وأعضائها يستحق أن يكون مجالا للتصدي الإعلامي من خلال تحليل مضامين القرارات التي أصدرتها ومناقشتها بصورة علمية من أجل معرفة مدى انحرافها عن الضوابط الدستورية والقانونية بهذا الشأن كما تشمل هذه الرقابة جميع الهيئات القضائية الأخرى عند مخالفة المنظومة التشريعية نصا وروحا أو إنتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم.

ثالثا: التحديات التي تواجه دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة القضائية

يمكن إجمال أهم التحديات التي تواجه دور الإعلام في التصدي للإنحراف بإستعمال السلطة بما يأتي:

1- عدم مراعاة أغلب وسائل الإعلام في العراق لمقومات ومعايير حرية الإعلام والنشاط الإعلامي وهي: (الإستقلالية والحياد والموضوعية) إذ أن قيام الأفراد أو الهيئات بتأسيس وسائل الإعلام وتمويلها وتوجيهها نحو غاية معينة أو إرضاء جهة معينة ينعكس على مصداقيتها وحيادها بفعل سيطرة السياسيين أو أصحاب المال على هذه الوسائل.

2- عدم ارتكاز أغلب وسائل الإعلام لمبادئ الإعلام والسعي نحو غاياته المتمثلة بتوعية أبناء المجتمع من خلال كشف الحقائق ونقل الأخبار والتقارير وتحذير المجتمع من الدعايات وكشف الإنحراف بأساليب حضارية لا تعتمد التعميم ولا تتنكر للجوانب الإيجابية وإنما تعزيز أواصر المجتمع وبث القيم الأصيلة والوطنية لدى أبناء المجتمع بالكلمة الصادقة المؤثرة.

3- افتقار أغلب وسائل الإعلام لأصحاب الكفاءات التخصصية العالية اللذين يملكون القدرة على تقييم أداء السلطات لمهماتها وتبيان صور الإنحراف بإستعمال السلطة بطريقة علمية هادئة لكي يتسنى للجمهور فرض الرقابة الشعبية على أعضاء السلطات أثناء شغلهم لوظائفهم أو عند تجديد الثقة بهم في الإنتخابات التشريعية أو المحلية.

4- عدم كفالة حق الحصول على المعلومة على النحو المطلوب الذي يحقق التوازن بين مبدأ الحفاظ على الأسرار والمعلومات الوظيفية وبين حق الشعوب في الاطمئنان لنزاهة وشفافية النشاط الإداري.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي