المسؤولية الجنائية للسعودية عن جريمة القاعة الكبرى بصنعاء
جميل عودة ابراهيم
2016-10-23 09:40
قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، منسق الإغاثة الطارئة ستيفن أوبراين في بيان إن "الأمم تدين بقوة وبشكل قاطع ولا لبس فيه القصف الجوي الذي تعرض له مجلس العزاء، ما أدى إلى مقتل مدنيين بينما كان المجلس يعج بآلاف المشيعين". ومع ذلك أصرت السعودية أن الحادث مدبر من الداخل؛ وليس لها صلة به.
لكن... وبعد مضي نحو أسبوع على وقوع جريمة "الصالة الكبرى" بصنعاء، والتي صدمت ليس اليمنيين وحسب بل المجتمع الدولي بأسره نتيجة فضاعتها وبشاعتها، والتي راح ضحيتها "420" بين قتل وجريح، أعلنت السعودية -بشكل رسمي-أنها كانت وراء ارتكاب تلك الجريمة.
إذ أصدر "الفريق المشترك لتقييم الحوادث" التابع لقوات التحالف السعودي بيانا بشأن حادثة استهداف القاعة الكبرى بمدينة صنعاء اليوم الموافق (8 /10 / 2016م). جاء فيه "... وفي ضوء ما تم الاطلاع عليه من الحقائق والأدلة والبراهين، وحيث ثبت للفريق أنه بسبب المعلومات التي تبين أنها مغلوطة- وبسبب عدم الالتزام بالتعليمات وقواعد الاشتباك المعتمدة، فقد تم استهداف الموقع بشكل خاطئ مما نتج عنه خسائر في أرواح المدنيين وإصابات بينهم..."
فما هو الوصف القانوني لهذه الجريمة الدولية؟ وما هي المسؤولية الدولية الجنائية عن الأعمال غير المشروعة؟ وكيف يمكن أن يُعاقب الذين ارتكبوا الجريمة، سواء الذين أعطوا المعلومات أو الذين أمروا بها، أو الذين نفذوها مباشرة؟ وما هي الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها الضحايا وأسرهم لمحاسبة المجرمين أمام القانون الدولي الإنساني؟
تُعرف لجنة القانون الدولي في مشروعها لتقنين قواعد المسئولية الدولية عن الأعمال غير المشروعة دولياً، الجريمة الدولية على أنها "تلك التي تقع مخالفة لقواعد القانون الدولي الواردة في نصوص اتفاقية مقبولة على نطاق واسع أو الثابتة كعرف دولي أو كمبادئ عامة معترف بها من قبل الدول المتمدنة، وأن تكون تلك الجريمة من الجسامة بحيث أنها تؤثر في العلاقات الدولية أو تهز الضمير الإنساني" (المادة 19 من المشروع).
تشمل الجريمة الدولية الجنائية أربعة أركان هي:
1- الركن الشرعي: ويقصد به وجود نص قانوني يجرم الفعل، وفي العادة يكون النص موجوداً في الجريمة الدولية من خلال العرف الدولي والاتفاقات الدولية.
2- الركن الشرعي: ويقصد به النشاط أو الفعل الخارجي الذي يرد فيه نص قانوني يجرمه، ويؤدي إلى نتيجة يجرمها القانون الجنائي الدولي.
3- الركن المعنوي: ويقصد به كافة الصور التي تعبر عنها الإرادة في الجريمة، سواء كانت عمدية أو غير عمدية.
4- والركن الدولي: ويشترط في الركن الدولي، صفة الدولية أي أن يكون النشاط، والفعل "الإيجابي أو السلبي" يمس مصلحة من المصالح التي يسعى القانون الدولي إلى حمايتها مثل قيام مجموعة إجرامية من دولة معينة بالتخطيط على ارتكاب جريمة مدبرة ضد دولة أخرى.
وفقا للقانون الدولي الجنائي، هناك ثلاثة أنواع أساسية من الجرائم الدولية التي اتفق على ملاحقة مرتكبيها ومحاسبتهم ومعاقبتهم، وهي جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ولا شك أن من أخطر هذه الجرائم الدولية وأبشعها على الإطلاق هي "الجرائم ضد الإنسانية" فقد أخذت هذه الجريمة النصيب الأكبر من اهتمام المجتمع الدولي -منذ القديم -نتيجة الحربين الأولى والثانية.
و"الجرائم ضد الإنسانية" هي تلك الجرائم التي يرتكبها أفرادٌ من دولةٍ ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، وبشكل منهجي، وضمن خُطَّةٍ للاضطهاد والتمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمَّد ضد الطرف الآخر، وذلك بمشاركةٍ مع آخرين لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيِّين يختلفون عنهم من حيث الانتماء الفكري أو الديني أو العِرْقي أو الوطني أو الاجتماعي أو لأية أسبابٍ أخرى من الاختلاف.
وغالبًا ما تُرتكب هذه الأفعال ضمن تعليماتٍ يصدرها القائمون على مُجْرَيَات السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة، ولكن ينفذُها الأفراد. وفي كل الحالات، يكون الجميع مذنبين، من مُصَدِّرِي التعليمات إلى المُحَرِّضين، إلى المقْتَرِفين بشكلٍ مباشر، إلى الساكتين عنها على الرغم من علمهم بخطورتها، وبأنها تمارَس بشكلٍ منهجيٍّ ضد أفراد من جماعة أخرى. وفي بعض الحالات قد تمارس الدولة المعتدية هذه الجرائم على دولة من نفس العقيدة الدينية، ومن نفس جنسها وتنطق بلغتها، وربما تقع تلك الجرائم على مواطنيها الذين يحملون جنسية الدولة.
وفي الواقع، تطورت الملاحقة الدولية لمرتكبي "الجرائم ضد الإنسانية "حسبما جاء في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، بحيث يصبح الفرد مذنبًا بـ "جريمة ضد الإنسانية" حتى لو اقترف اعتداءً واحدًا أو اعتداءين يُعتبران من الجرائم التي تنطبق عليها مواصفات الجرائم ضد الإنسانية، كما وردت في نظام روما، أو أنه كان ذا علاقة بمثل هذه الاعتداءات ضد قلة من المدنيين، على أساس أن هذه الاعتداءات جرت كجزء من نمطٍ متواصلٍ قائمٍ على سوء النيَّة يقترفه أشخاصٌ لهم علاقة بالمذنب.
تبعا لذلك، أصبحت محاسبة رؤساء الدول والمسؤولين الرسميين كأفراد عن الجرائم التي يقترفونها من القواعد الأساسية في القانون الدولي، حيث أن من المبادئ الدولية المعمول بها هو "مبدأ عدم إعفاء رئيس الدولة الذي يرتكب مثل هذا النوع من الإجرام الدولي أو أي جريمة دولية أخرى حتى ولو كان وقت ارتكابها يتصرف بوصفه رئيس للدولة" حيث نصت المادة 7 من ميثاق نورمبورغ صراحة على أن "مركز المتهمين الرسمي سواء كانوا رؤساء دول أو مسؤولين في إدارات الحكومة، لا يعفهم من المسؤولية أو يخفف عنهم العقاب"
وقد أكد ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقد نصت المادة (27) منه على أن "يطبق هذا النظام على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فان الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسا للدولة أو للحكومة أو عضو في حكومة أو برلمان أو عضو منتخب أو موظفا حكوميا، لا يعفيه بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي كما إنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقوبة".
وبناء على ما تقدم، فان جرائم السعودية بحق الشعب اليمني من المدنيين، لاسيما الأطفال والنساء والمباني والمنشئات المدنية، أضحت واضحة للمجتمع الدولي ولا تحتاج إلى المزيد من لجان التحقيق. فمنذ بدء هذا العدوان تتعمد الطائرات السعودية الاعتداء على المدنيين، وإلحاق أكبر الخسائر بهم وبممتلكاتهم، وتعمد إلى قصف المنازل السكنية والممتلكات العامة باستخدام مختلف الأسلحة الفتاكة، وقد أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنها "تمتلك أدلة حول استخدام السعودية أسلحة محرمة دوليا في عدوانها ضد اليمن". وقالت المنظمة في تقرير لها "إن السعودية والدول المتحالفة معها استخدمت قنابل عنقودية في غاراتها الجوية لقصف اليمن".
ونظرا لما أعلنته الأمم المتحدة وما رصدته المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية، ناهيك عن الاعترافات السعودية الأخيرة بقصفها المدنيين في "الصالة الكبرى" بصنعاء، فان السعودية-دون أدنى شك- قد ارتكبت "جرائم ضد الإنسانية" بحق اليمنيين المدنيين والمباني والممتلكات المدنية، بقصد إحداث آلام شديدة أو إضرار خطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، كما أشارت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة.
إن جريمة "القاعة الكبرى" بحق المدنيين اليمنيين التي ارتكبتها السعودية مؤخرا توجب محاسبتها ومحاسبة المسؤولين الحكوميين، سواء كانوا سعوديين أو يمنيين، وسواء كانوا من الذين حرضوا على قصف القاعة مع علمهم بوجود غالبية مدنية وأن القاعة تستخدم للمناسبات الاجتماعية، أو من الذين أمروا بها أو شاركوا في تنفيذها.
فاستنادا للمادة (27) والمادة (28) من النظام الأساسي للمحكمة يمكن مساءلة ومحاسبة فئتين من المجرمين: الفئة الأولى: رؤساء الدول وذوو المناصب العليا. والفئة الثانية: القادة والرؤساء العسكريون المسؤولون عن أعمال مرؤوسيهم.
ومع ذلك، ومهمــا كــان دور القضــاء الجنــائي الــدولي فــلا يمكــن الاعتمــاد عليــه كليــا لضمان تحقيـق العدالـة الدوليـة الجنائيـة؛ إذ لا يمكـن الاسـتغناء عـن القضـاء الجنـائي الــوطني إذا كــان قــادرا فــي مجــال الحــد مــن الجــرائم ًعلــى تــأمين قــدر مــن الضــمانات الدوليــة، حيث أن المحكمــة الجنائيــة الدوليــة وكمــا ورد فــي ديباجة نظامها الأساس، مكملــة للولايــة القضــائية الجنائيــة الوطنيــة...
نخلص مما سبق إلى ما يأتي:
1- أن الطابع الدولي للجريمة يتحقق، إما بقيام الدولة نفسها بالفعل غير المشروع دوليا، وإما لجسامة الفعل غير المشروع ومساسه بمصلحة دولية محل حماية جنائية دولية، حتى ولو أتى هذا الفعل فرد ولحسابه الخاص.
2- أن المجتمع الدولي أكد مرارا وتكرارا من نصف قرن من الزمن على مبدأ عدم حصانة رؤساء الدول والمسؤولين الرسميين واعتبرها كقاعدة دولية أساسية، وبذلك أصبحت هذه القاعدة بمثابة حجز الزاوية للمسؤولية الجنائية الدولية الشخصية.
3- يجب على المجتمع الدولي التحرك العاجل لحماية اليمنيين من العدوان السعودي، وتفعيل الملاحقة والمساءلة لمن أمر أو نفذ جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ومع أن السعودية لم توقع على نظام المحكمة الجنائية لكنه يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لعرض هذه الجرائم وإحالة ملف السعودية إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر استخدام قرار الاتحاد من أجل السلام.
4- لا يجب أن يركز اليمنيون وضحايا جريمة "القاعة الكبرى" على القضاء الدولي الجنائي، وحسب بل لابد من تأسيس محاكم وطنية جنائية يسأل ويحاسب من خلالها السعوديون واليمنيون الذين تسببوا بهذه الجريمة والجرائم الأخرى، ولابد من جعل التشريع الجنـائي الـوطني اليمني جـاهزا للتصـدي لمثـل تلـك الجـرائم، ولا يـتم ذلـك إلا إذا أدرجـت الجرائم الدولية في صلب التشريع الجنائي الوطني اليمني.
...................................................