معركة حلب: اخطر كارثة انسانية تشهدها سوريا
عبد الامير رويح
2016-10-05 10:31
مأساة انسانية كبيرة تعيشها مدينة حلب السورية بسبب استمرار العمليات العسكرية، بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة التي تصاعدت بشكل كبير بعد فشل اتفاق الهدنة الذي وقعته روسيا والولايات المتحدة في وقت سابق، ويرى بعض الخبراء ان معركة حلب دخلت اليوم ما يمكن أن يطلق عليه مرحلة الحسم، ولمدينة حلب كما تنقل بعض المصادر اهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الأطراف المتنازعة، فهي تقع في قلب الصراع الجيواستراتيجي الدائر في سوريا، واحد اهم معقلين كبيرين للمعارضة على الحدود الشمالية مع تركيا، والمعقل الآخر هو إدلب. وتعتمد المعارضة في الشمال بشكل كبير على تأمين المساعدات والإمدادات عبر تركيا إلى حلب وإدلب من خلال معبري باب السلامة وباب الهوى على الترتيب. ومع قطع طريق الإمدادات في حلب فإنه لا يبقى سوى المعارضة سوى طريق إدلب للحصول على الإمدادات مع المعلم أن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة تتمتع بنفوذ كبير في إدلب مقارنة بحلب.
إضافة إلى ذلك، فإنه ووفقا لتقارير عدة فإن المعارضة تعاني في الوقت الحالي نقصا شديدا في إمدادات الأسلحة اللازمة لخوض معركة حيوية بهذا الحجم تحت القصف الروسي. وخاصة بعد أن تعرضت المعارضة لتضييق شديد على إمداداتها تحت ضغط من الولايات المتحدة من إجبارها على حضور محادثات جنيف، كما أن سقوط حلب، إضافة إلى كونه نكسة استراتيجية، فإنه سوف يمثل انتكاسة معنوية كبيرة للمعارضة خاصة بعد الخسائر المتتالية التي لحقت بالمعارضة.
ويرى بعض المراقبين ان معركة حلب تسهم بتغير موازين القوى في هذه الحرب التي تحولت لصالح روسيا والجيش السوري، وهو ما اثار قلق بعض الدول والحكومات الداعمة للجماعات المسلحة، ودفعها الى اعتماد خطط واجراءات جديدة من اجل الحفاظ على مكاسبها الحالية، من خلال زيادة الدعم العسكري والاعلامي للجماعات المسلحة، وهو ما اسهم بتفاقم الازمة الانسانية في حلب، خصوصا وان بعض هذه الدول قد سعت الى فبركة احداث هذه المعركة و تحميل مسؤولية ما حدث ويحدث على طرف واحد. وقد أكد مدير العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبريان ان الوضع في حلب هو اخطر كارثة انسانية تشهدها سوريا حتى الان. وقال امام مجلس الامن ان النظام الصحي في القسم الشرقي المحاصر من المدينة على وشك الانهيار بشكل كامل وان الاطفال هم الاكثر تأثرا بهذه الازمة. كما دعا الجهات المتحاربة على السماح بإجلاء مئات المدنيين الذين يحتاجون لرعاية طبية عاجلة.
وفيما يخص اخر تطورات الحرب في حلب فقد اعلنت الامم المتحدة ان مليوني شخص تقريبا يعانون من انقطاع المياه في حلب ثاني كبرى مدن سوريا بعد قصف احدى محطات الضخ وقامت الفصائل المقاتلة بتوقيف العمل في محطة اخرى انتقاما. واوردت منظمة الامم المتحدة للطفولة "يونيسف" ان "الغارات العنيفة الحقت اضرار بمحطة باب النيرب لضخ المياه التي تزود نحو 250 الف شخص بالمياه في المناطق الشرقية في حلب". واضافت ان "اعمال العنف تحول دون وصول فرق الصيانة الى المحطة".
ومضت تقول ان "الفصائل المعارضة قامت بوقف العمل في محطة سليمان الحلبي الواقعة ايضا في شرق المدينة مما ادى الى انقطاع المياه عن 1,5 ملايين شخص في الاحياء الغربية في حلب" التي تسيطر عليها قوات النظام. وشددت اليونيسف على المخاطر الصحية التي تترتب على قطع المياه في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المقاتلة وحيث الخيار البديل للحصول على مياه الشفة هو الابار الملوثة الى حد كبير". بحسب فرانس برس.
واشارت الى ان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام فيها ابار جوفية عميقة. وتابعت انها ستقوم بتوسيع نطاق عمليات توزيع المياه عبر الصهاريج الى مختلف انحاء المدينة لكنها شددت انه حل مؤقت. وقالت "من الحيوي لبقاء الاطفال ان يتوقف اطراف النزاع عن استهداف البنى التحتية للمياه وان يؤمنوا الوصول والصيانة لمحطة باب النيرب واعادة تشغيل محطة سليمان الحلبي".
قتل ودمار
الى جانب ذلم فمشاهد مروعة تضم بركا من الدماء وجثثا مشوهة ومشاف تغص بالجرحى، سادت الاحياء التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في حلب، وقال الطبيب احمد الذي فضل عدم الكشف عن هويته واسم المشفى خوفا من استهدافه "ان الجرحى يموتون امام اعيننا فيما نحن عاجزون". وبالكاد يسمع صوت الطبيب وهو يعمل وسط رجال واطفال يصرخون من الالم، وقد تمدد معظمهم على الارض التي صبغتها دماء الضحايا باللون الاحمر. ويضيف الطبيب "ليس بوسعنا فعل شيء لهم خاصة للمصابين بالرأس. نحن بأمس الحاجة للدماء والامصال ونفتقر الى المتبرعين". ولم يبق في حلب الشرقية سوى ثلاثة او اربعة مشاف لا تكفي لاستقبال مئات الجرحى وغالبيتهم بحالة حرجة مع استمرار القصف بوابل من القنابل والصواريخ، خصوصا بعد اعلان الجيش السوري بدء عملية واسعة. وقال الطبيب احمد ايضا "لقد استقبلنا 60 جريحا في ساعات الصباح وحدها" مضيفا "لقد اضطررنا الى القيام بعمليات بتر كثيرة لابقاء الجرحى على قيد الحياة لاننا عاجزون عن معالجتهم".
وعلى احد الاسرة، ينظر فتى مصاب بصمت الى يديه المغبرتين والملوثتين بالدماء، في ما يشبه صورة الطفل عمران المذهول بعد ان اصيب بغارة على حلب، والتي تصدرت اخبار كل وسائل الاعلام العالمية في اب/اغسطس الماضي. وبدا الالم على ملامحه عندما قام احد الممرضين بتنظيف وجهه من آثار الدماء. وفقد هذا الطفل شقيقه الاصغر الرضيع في الغارة نفسها.
والمأساة طالت احياء اخرى غير حي باب النيرب. ففي حي بستان القصر، كان نساء ورجال واطفال يصطفون من اجل شراء اللبن الذي يندر الحصول عليه كباقي الاطعمة في هذه الاحياء المحاصرة منذ شهرين، عندما استهدفتهم غارة اسفرت عن مقتل سبعة اشخاص على الاقل. ونال القصف العنيف من بنايات كاملة وسواها بالارض، ليحولها الى كتل من الركام، وشوهدت اعمدة كهرباء محطمة على الارض مع سيارات مدمرة او محروقة ما يشهد على عنف الغارات. بحسب فرانس برس.
ووقف المارة القلائل ينظرون بذهول الى الابنية المدمرة والشرفات المنهارة والنوافذ المحطمة ويحدقون في السماء لرصد اي طائرة قد تنذر باستئناف القصف. وشوهدت سيدة تمر امام منزل سوي بالارض ومعها فتاة كانت تحمل سجادة تكاد تكون اطول منها بعد ان سحبتها من ركام بنايتها. وفي كل مكان، بدت الشوارع وقد ابتلعتها الانقاض حتى كادت تختفي. وفي حي الكلاسة، قال محمد فيما كان يقوم بازالة الانقاض بيديه بحثا عن عمه "لقد جاء الدفاع المدني لانقاذه لكن وقعت ضربة ثانية واصيب ستة من المتطوعين. لقد رحلوا جميعا".
30 طبيبا فقط
من جانب اخر قال أطباء سوريون إن 30 طبيبا فقط لا يزالون موجودين في شرق حلب الذي تسيطر عليه المعارضة حيث تشتد حاجتهم إلى المستلزمات الطبية والجراحية لعلاج مئات الجرحى من بين السكان المحاصرين البالغ عددهم 300 ألف. وأضافوا أن ما لا يقل عن 40 مصابا في المستشفيات الثماني التي لا تزال عاملة - وبعضها مراكز مؤقتة مقامة تحت الأرض خوفا من الغارات الجوية والقصف - تستلزم حالاتهم الإجلاء الطبي.
وذكرت جماعة مراقبة وعامل في الدفاع المدني إن عشرات الغارات الجوية أصابت مناطق تسيطر عليها المعارضة في المدينة السورية الشمالية في استمرار للحملة الجوية الضارية من جانب الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها منذ انهيار وقف إطلاق النار. وقال عبد الرحمن العمر وهو طبيب أطفال يعمل لحساب الجمعية الطبية السورية الأمريكية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إفادة صحفية في جنيف "هناك 30 طبيبا لا يزالون داخل شرق مدينة حلب."
ويفتقر هؤلاء الأطباء للأجهزة وأدوية الطوارئ لعلاج حالات الصدمة العديدة ويوجد وقود يكفي لتشغيل مولدات المستشفيات لمدة 20 يوما فقط. وأضاف العمر أن طبيب نساء واحد وطبيبي أطفال فقط يعتنون بالنساء الحوامل و85 ألف طفل. ووثقت الجماعة مقتل أكثر من 280 شخصا في الأيام الثلاثة الأخيرة في شرق حلب وإصابة 400 بينهم 61 طفلا في يوم واحد. وأضاف العمر "نذهب إلى الجبال ونعمل تحت الأرض بل إن منشآتها تحت الأرض وفي الجبال استهدفت مرات عديدة. إذا استمر هذا فإننا سنصل إلى نقطة الصفر حيث لا حماية للمنشآت ولا للعاملين في المجال الطبي." بحسب رويترز.
وقال مازن كيوارا مدير الجمعية الطبية السورية الأمريكية في تركيا "لدينا احتياجات ضخمة للسوائل داخل حلب. لا توجد السوائل التي تعطى عن طريق الوريد." وتقول وكالات الأمم المتحدة وخبراء طبيون إن الهجمات على المنشآت الطبية والعاملين في المجال الطبي دمرت نظام الرعاية الصحية.. وقال دينيوس بوراس مقرر الأمم المتحدة الخاص بشأن الحق في الصحة "الاستهداف المباشر للوحدات الطبية والعاملين في المجال الطبي أصبح علامة صادمة لهذا الصراع المروع في سوريا." وأضاف أن الهجمات الدولية تمثل جرائم حرب وربما تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية.
اطفال حلب
على صعيد متصل اكدت المنظمة غير الحكومية "سيف ذي تشيلدرن" ان الاطفال لم يعودوا بامان في حلب ولا حتى في المدارس تحت الارض التي يفترض ان تحميهم بسبب استخدام "قنابل خارقة للتحصينات" ضد الاحياء المحاصرة في المدينة الواقعة في شمال سوريا. وقالت المنظمة في بيان ان استخدام هذه القنابل قد يشكل جريمة حرب. واضافت ان "المدارس الواقعة في شرق حلب ستبقى مغلقة.
وقال مدير العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين في مجلس الامن الدولي اان الوضع في حلب هو "اخطر كارثة انسانية تشهدها سوريا حتى الان". واضاف ان النظام الصحي في القسم الشرقي المحاصر من المدينة "على وشك الانهيار بشكل كامل". والاطفال ال100 الف الموجودون في هذه المنطقة المحاصرة التي تقصف باستمرار "هم الخاالاكثر تأثرا" بهذه الازمة، على حد قوله.
وتحدث الامين العام للامم المتحدة عن استخدام "قنابل خارقة للتحصينات" تهدف الى تدمير منشآت تحت الارض وهي بالتالي قادرة على اختراق غرف محصنة تحت الارض. واوضحت المنظمة انها تدعم 13 مدرسة بينها ثماني مدارس اقيمت تحت الارض. واضافت "بسبب استخدام قنابل خارقة للتحصينات يمكن ان تخترق الارض على عمق اربعة او خمسة امتار قبل ان تنفجر، حتى هذه المدارس اصبحت اماكن خطيرة". بحسب فرانس برس.
ونقلت "سيف ذي تشيلدرن" عن عمر الذي يتولى ادارة واحدة من هذه المدارس في شرق حلب ان "الاباء يخشون ارسال ابنائهم الى المدرسة لان كل شئ يستهدف"، موضحا ان "دوي القنابل المضادة للتحصينات بحد ذاته يثير الذعر والهلع". من جهة اخرى دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد، إلى ضرورة القيام بفعل لوقف المأساة الإنسانية التي تعيشها مدينة حلب، وحض مجلس الأمن على اعتماد سياسة تحد من استخدام أعضائه لحق النقض (فيتو) عند وجود مخاوف جدية بشأن ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو عمليات إبادة. ومنذ انهيار الهدنة، التي اتفق عليها بوساطة روسيا أمريكية، تشن القوات الحكومية أيضا هجوما بريا على المعارضة المسلحة. وأثار تصاعد اعداد القتلى المدنيين في حلب احتجاجات دولية. وتقول تقديرات الأمم المتحدة أن 400 شخص على الأقل، بينهم الكثير من الأطفال، قتلوا في المدينة خلال الأيام الأخيرة نتيجة لهجمات القوات السورية والروسية.
مشروع فرنسي
في السياق ذاته طرح سفير فرنسا في الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر مشروع قرار أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي يهدف إلى فرض وقف إطلاق النار في حلب، ووضع آلية لمراقبة احترام أطراف النزاع لوقف القتال. وصرح السفير الفرنسي أن مشروع القانون يهدف إلى "إنهاء معاناة حلب" وضمان دخول المساعدات الإنسانية، إلا أن السفير الروسي أكد أن مشروع القرار ليس لديه "أية فرصة في النجاح".
وتعتبر هذه أحدث محاولة لممارسة الضغوط على النظام السوري وحليفته الأساسية روسيا لوقف الحملة الجوية في حلب التي أثارت غضبا دوليا وخاصة بسبب قصف المستشفيات. وبموجب مشروع القرار الذي شاركت إسبانيا في رعايته، فإن المجلس يهدد باتخاذ "إجراءات إضافية" في حال لم تلتزم الأطراف بوقف إطلاق النار، إلا أنه لا يدعو إلى تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بفرض عقوبات أو استخدام القوة العسكرية. وقال سفير فرنسا في الأمم المتحدة فرانسوا دولاتر "مسؤوليتنا تحتم علينا أن نفعل كل ما بوسعنا" لمحاولة توحيد المجلس وراء جهود "إنهاء معاناة حلب".
ويعرب مشروع القرار عن "الغضب من مستوى التصعيد غير المقبول في العنف" ويدعو جميع الأطراف إلى التطبيق الفوري لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف تحليق جميع الطائرات الحربية فوق حلب. كما يدعو نص المشروع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الإسراع في تقديم خيارات لوضع آلية مراقبة لوقف إطلاق النار بمساعدة من الدول الـ23 التي تدعم عملية السلام في سوريا. ويطالب مشروع القرار "جميع أطراف النزاع السوري وخاصة السلطات السورية بالتطبيق الفوري لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي". بحسب فرانس برس.
كما يدعو جميع الأطراف إلى "تطبيق وضمان التطبيق الكامل لوقف الأعمال القتالية، بما في ذلك وقف جميع عمليات القصف الجوي". ويدعو مشروع القرار كلا من روسيا والولايات المتحدة إلى "ضمان التطبيق الفوري لوقف الأعمال العدائية ابتداء من حلب، ولتحقيق ذلك، إنهاء جميع الطلعات العسكرية فوق المدينة". وصرح دبلوماسي طلب عدم الكشف عن هويته أن الفكرة "ليست في دفع روسيا إلى فرض فيتو، بل محاولة التغلب على الجمود والاتهامات المتبادلة" بين موسكو وواشنطن في انهيار وقف إطلاق النار القصير الشهر الماضي. لكن السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أكد أن هذا المشروع ليست لديه "أية فرصة في النجاح".