حقوق الانسان في اليمن وازدواجية المواقف الدولية
عبد الامير رويح
2016-07-20 07:38
تعاني اليمن وفي ظل استمرار الغارات الجوية والحصار الجائر المفروض من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، أزمة إنسانية خطيرة حيث أكدت التقارير الدولية التي أعلنت عنها بعض المنظمات، أن الوضع الإنساني في اليمن صعب جدا وكارثي خصوصا وان هذا البلد الذي يعد من أفقر دول المنطقة يستورد 90% من احتياجاتها الغذائية وأن الطرق البحرية والجوية والأرضية مقطوعة. كما أن هذه الحرب أثرت بشكل كبير على البنى التحتية كشبكات المياه والمؤسسات الصحية وغيرها.
وما يزال التحالف العربي بقيادة السعودية وعلى الرغم من المطالبات الدولية يشن غارات مكثفة وعشوائية، اعتبرها بعض الخبراء انتهاك صارخ للقانون الدولي خصوصا وإنها تستهدف التجمعات المدنية، حيث أكدت بعض التقارير ان قوات التحالف العربي، الذي تقوده السعودية في اليمن قد ارتكبت الكثير من الأخطاء العسكرية والانتهاكات الخطيرة، الامر الذي دفع منظمة الأمم المتحدة الى إدراج السعودية وحلفائها في القائمة السوداء، الخاصة بالدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق الصراعات.
فعاصفة الحزم السعودية قتلت بصواريخها وقذائفها أكثر من 500 طفل يمني، و1168 قاصرا، حسب إحصاءات الأمم المتحدة التي اعلنت فيما بعد وتحت الضغوط والتهديدات التي مارستها المملكة حذف اسم السعودية وحلفائها من القائمة السوداء. الامر الذي اثار الكثير من الانتقادات والشكوك حول مصداقية وحيادية منظمة الأمم المتحدة، وكان بان كي مون الأمين العام للمنظمة الدولية قد أعلن سحب اسم التحالف من القائمة السوداء إلى حين الانتهاء من مراجعة مشتركة بين التحالف والأمم المتحدة لنتائج التقرير الذي نشرته المنظمة الدولية. وتقول الأمم المتحدة إن الصراع في اليمن أدى إلى مقتل 6400 شخص إضافة إلى أن 80 في المئة من سكان البلاد يحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
قتل الاطفال
وفي هذا الشأن قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية لن تكشف للتحالف الذي تقوده السعودية عن مصادر حساسة للمعلومات دفعت المنظمة لإدراج التحالف لفترة قصيرة على قائمة سوداء تضم المتهمين بقتل أطفال في اليمن. وطالب المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في رسالة بعث بها للأمين العام للمنظمة بان جي مون بكشف تفاصيل مصادر المعلومات في تقاريرها عن انتهاكات لحقوق الأطفال في الصراعات المسلحة.
وقال دوجاريك إن الأمم المتحدة لم ترد على الخطاب حتى الآن لكنه أوضح أنها لن تكشف تفاصيل عن المصادر التي استندت إليها في التقرير. وأضاف للصحفيين "حماية مصادر المعلومات التي استخدمناها في هذا التقرير أو في أي تقرير شيء أساسي خاصة في منطقة صراعات. لكننا سنرحب بالتأكيد بأي معلومات قد يرغب التحالف الذي تقوده السعودية في مشاركتنا إياها." بحسب رويترز.
وعبر المعلمي في رسالته إلى بان "عن تقديره الكبير لرفع" اسم التحالف من القائمة السوداء وأعاد التأكيد على ما وصفه باحترامه والتزامه بالقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. وأضاف المعلمي إن التحالف "يطلب مراجعة مفصلة للمنهجية والكيفية التي كتبت بها الأرقام في التقرير والمصادر التي اعتمد عليها في الأرقام المذكورة." وأثار رفع اسم التحالف من القائمة السوداء ردود فعل غاضبة من جماعات حقوقية اتهمت بان بالرضوخ لضغوط دول قوية. وقالت المنظمات الحقوقية إن بان وهو في العام الأخير من فترته الثانية بالمنصب خاطر بالإضرار بإرثه كرئيس للمنظمة الدولية.
إجراءات التحالف
الى جانب ذلك ضغط الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون على السعودية لتقدم معلومات عن الإجراءات التي تتخذها للحيلولة دون قتل وإصابة الأطفال في اليمن بينما قالت الرياض إنها تنفذ عملياتها العسكرية بمنتهى الحرص. واجتمع بان مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في نيويورك لمزيد من المناقشات حول تقرير الأمم المتحدة عن الأطفال والصراع المسلح وهو التقرير الذي وضع التحالف الذي تقوده السعودية في قائمة سوداء لقترة وجيزة بسبب قتل الأطفال في اليمن.
ورفع بان التحالف من القائمة السوداء لحين إجراء مراجعة مع الرياض على أساس أنها من كبار المانحين للأمم المتحدة وهددت بخفض التمويل الذي تقدمه للمنظمة الدولية. ونفت السعودية إطلاق تهديدات لكن بان وجه انتقادات لاذعة للرياض لأنها تمارس ضغطا "غير مقبول". وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم بان بعد الاجتماع "رحب الأمين العام باستعداد التحالف لاتخاذ الإجراءات الضرورية الملموسة لإنهاء ومنع الانتهاكات ضد الأطفال." وأضاف أن بان قال للجبير إنه يأمل "أن يكون يإمكان التحالف تقديم معلومات عن الإجراءات الملموسة التي اتخذها" قبل اجتماع مجلس الأمن حول التقرير في الثاني من أغسطس آب.
واجتمع بان أيضا مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهد السعودية ووزير الدفاع الشهر الماضي. وتقول السعودية إن التقرير استند إلى معلومات غير دقيقة. وجاء في تقرير الأمم المتحدة أن التحالف الذي بدأ حملة جوية في اليمن في مارس آذار العام الماضي مسؤول عن 60 في المئة من وفيات وإصابات الأطفال في الحرب العام الماضي وأنه قتل 510 أطفال وأصاب 667 آخرين.
وسُئل الأمير محمد إن كان لا يزال غاضبا من بان بسبب القائمة السوداء فقال "لست غاضبا". وقال مصدر دبلوماسي إن الأمير محمد الذي تأخر 45 دقيقة عن الاجتماع لم تصدر عنه سوى ابتسامة عندما أبلغه بان بأنه يؤيد تقرير الأمم المتحدة بشأن الأطفال والصراعات المسلحة. وجاء في بيان رسمي للأمم المتحدة أن بان والأمير محمد بحثا "اتخاذ إجراءات محددة لتحسين الوضع على الأرض" لتوفير حماية أفضل للأطفال والمدنيين في اليمن. وقال البيان "عبر الأمين العام عن الأمل في أن يتمكن من الإشارة إلى إحراز تقدم بشأن حماية الأطفال والمدنيين في اليمن عندما يقدم التقرير الخاص بالأطفال والصراعات المسلحة لمجلس الأمن في أغسطس." بحسب رويترز.
وذكرت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة أن ليلى زروقي ممثلة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة عارضت قرار بان رفع التحالف من القائمة السوداء رغم تهديدات سعودية بأن المنظمة الدولية قد تواجه فتوى تعلنها معادية للمسلمين. وقال الجبير بعد الاجتماع إن التحالف ينفذ عملياته بحرص شديد لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين وخاصة الأطفال. وشدد على التزام التحالف بالقانون الإنساني الدولي خلال تنفيذ عملياته في اليمن. ويضم التحالف الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر ومصر والأردن والمغرب والسنغال والسودان. وقال مراقبو العقوبات التابعون للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني إن التحالف استهدف مدنيين في اليمن وإن بعض هجماته يمكن أن تكون جرائم ضد الإنسانية.
اليمن والمجاعة
في السياق ذاته تقول مصادر في مجالي التجارة والمساعدات الانسانية إن مناطق كثيرة في اليمن توشك على الانزلاق إلى المجاعة لأسباب منها عجز المستوردين عن شراء كميات جديدة من السلع الغذائية من الخارج في الوقت الذي تسببت فيه الحرب الأهلية في احتجاز أكثر من 200 مليون دولار بالبنوك. وكانت بنوك غربية قد قلصت بالفعل خطوط الائتمان للشركات التجارية التي تشحن مواد غذائية إلى اليمن خشية أن تعجز عن السداد بسبب الفوضى الأمنية وهشاشة النظام المالي.
والآن تزايد عزوف البنوك عن إصدار خطابات الائتمان التي تضمن للجهات البائعة السداد في الموعد المتفق عليه. وترفض البنوك تقديم ضمانات لأن النظام المصرفي أصيب بالشلل. وقال مصدر يعمل في تجارة السلع الأولية الدولية ويشارك في تجارة المواد الغذائية مع اليمن وعلى دراية بمشاكله المالية إنه لا يمكن تحويل ما يصل إلى 260 مليون دولار محتجزة بعملات أجنبية مختلفة في بنوك يمنية إلى الخارج لأسباب منها انقطاع العلاقات مع كثير من البنوك الغربية.
وأكد مسؤول في مجال المساعدات أيضا أن حجم المبالغ المجمدة لا يقل عن 260 مليون دولار. ويعني هذا أن على التجار سحب الأموال في اليمن ثم ارسالها إلى الخارج - بالطائرة في العادة - وهو حل محفوف بالصعوبات في زمن الحرب. ودون توفر سلع أساسية مستوردة مثل القمح والطحين (الدقيق) تقول الأمم المتحدة إن مناطق كثيرة في اليمن تقترب الآن من المجاعة مع سحب معظم المخزونات الاحتياطية.
وقال المصدر الذي يعمل بتجارة السلع الأولية "هذه المشكلة تزداد سوءا ولا يستطيع أي بنك يمني تحويل أموال للخارج مباشرة. وعليه نقل الأموال جوا إلى أقرب بلد وإيداع الأموال في حسابات في الخارج." وأضاف "هذه الأموال ستظل على الأرجح محجوزة في المستقبل المنظور. وفي نظر مستوردي القطاع الخاص هذه مجرد عقبة أخرى وعلامة أخرى على الأزمة المتدهورة في جلب السلع إلى البلاد."
وامتنع مسؤولون في البنك المركزي اليمني عن التعقيب. وفي الشهر الماضي قال متحدث باسم المركزي إن البنك قرر عدم إجراء مقابلات خلال الأزمة. كما أكد مصدر المساعدات الانسانية المطلع أيضا على مشاكل التمويل إن جهودا بذلت لنقل أموال للخارج جوا لاستخدامها في سداد قيمة سلع. وقال المصدر "ما زالت هناك أموال كبيرة محتجزة داخل اليمن بسبب غياب عمليات المراسلة المصرفية أو التمويل التجاري الأساسي للمستوردين اليمنيين." وأضاف "لا يوجد تمويل خارجي يمكنهم الحصول عليه لتوفير ضمانات للشركات الأخرى التي يشترون منها بأنهم سيحصلون على مستحقاتهم. ونقل المال جوا للخارج أحد الوسائل لكن حتى هذا من الصعب تدبيره."
وقال مسؤول في بنك من بنوك الدولة في اليمن إن التحالف العربي بقيادة السعودية سمح بنقل ما يصل إلى 100 مليون دولار من ثلاثة بنوك تجارية بالطائرة إلى البحرين في وقت سابق. وقال المسؤول والمصدر التجاري إن هذه الأموال أودعت في حساب لدى بنك التضامن الإسلامي الدولي اليمني في السعودية وهي عملية استغرق اتمامها شهورا. وقال المسؤول "مع ذلك خسرت البنوك مالا كثيرا من خلال ذلك لأن قيمة استئجار الطائرة التي نقلت الأموال بلغت نحو 600 ألف دولار." وقال مسؤولون آخرون ببنوك تجارية يمنية إن مساعي أخرى بذلت لمحاولة نقل مزيد من الأموال إلى البحرين.
قالت الأمم المتحدة إن الاقتصاد يوشك على الانهيار وإن مناطق كثيرة معرضة لخطر المجاعة وهي كلمة تقتصد المنظمة الدولية في استخدامها ولا تستعملها إلا عندما تتوفر معايير معينة. وأضافت إن عشرة من محافظات اليمن البالغ عددها 22 محافظة أصبحت الآن في المرحلة الرابعة أي بلغت وضعا استثنائيا. وإذا بلغت منطقة المرحلة الخامسة تعلن المجاعة فيها. وقال عبد السلام ولد أحمد الممثل الاقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) "الواردات الغذائية تتراجع وهو ما سيترجم إلى انخفاض المخزونات." وأضاف أنه رغم عن بلوغ المرحلة الخامس فثمة تدهور كبير لا سيما في مدينة تعز بوسط اليمن.
وتعلن المجاعة عندما يواجه 20 في المئة على الأقل من الأسر نقصا حادا في الغذاء مع قدرة محدودة على التعايش مع هذا الوضع وعندما تتجاوز معدلات سوء التغذية الحاد 30 في المئة ويتجاوز معدل الوفيات شخصين يوميا لكل عشرة آلاف نسمة. وقالت الأمم المتحدة إن 21 مليونا من سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة يحتاجون شكلا من أشكال المساعدات الانسانية وإن أكثر من نصف السكان يعانون من سوء التغذية. وتبلغ احتياجات القطاع التجاري من استيراد الحبوب ثلاثة ملايين طن في العام الجاري لكن إجمالي ما تم استيراده من القمح حتى الآن بلغ 580 ألف طن فقط بسبب مشاكل الصرف الأجنبي ونقص العملة الصعبة وتعطل موانيء البلاد التي لحقت أضرار ببعضها بسبب الاشتباكات.
وقال سجاد محمد ساجد مدير مجموعة أوكسفام للمساعدات في اليمن إن "الحصار الاقتصادي الفعلي يمنع التجار من إبرام صفقات في اليمن والقيود المصرفية غير المنصفة تجعل من الصعب على التجار اليمنيين شراء الغذاء في الأسواق العالمية." وأضاف "ما لم تفتح السلطات المصرفية من جديد حسابات اليمن المصرفية وتسمح لشركات الغذاء بالتعامل فلن يمر وقت طويل قبل أن تصبح نذر الكارثة حقيقة واقعة." بحسب رويترز.
وقالت المصادر إن البنك المركزي اليمني توقف في فبراير شباط عن إعلان أسعار الصرف التفضيلية للتجار المحليين المستوردين للأرز والسكر. وكان ذلك أيضا سببا في تعطيل إمدادات الغذاء. وقال محمد عبد اللطيف مهندس الاتصالات العاطل عن العمل وعمره 28 عاما ويعيش بالقرب من مدينة إب بوسط البلاد إن سعر عبوة الطحين التي تزن 40 كيلوجراما ارتفع إلى سبعة آلاف ريال يمني أي نحو 25 دولارا في المدن وإلى ثمانية آلاف ريال في المناطق الريفية من خمسة آلاف ريال من قبل. وأضاف "الناس عايشة مأساة. فلا نستطيع أن نوفر لأسرنا ما تحتاجه من غذاء بسبب زيادة الأسعار وخصوصا هنا في الريف حيث هرب الآلاف".