العنف في امريكا والحرب الاهلية الوشيكة

عبد الامير رويح

2016-07-12 06:21

اعمال العنف الدموية الاخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، تعكس وبحسب بعض الخبراء تصاعد ظاهرة التطرف والتفرقة العنصرية في المجتمع الأمريكي، فالاحداث الاخيرة التى أدت إلى مقتل 5 من أفراد الشرطة وجرح 11 آخرين على خلفية قتل الشرطة لاثنين من السود و، تؤكد تصاعد العنف وتفشي العنصرية فى الولايات المتحدة التي تعيش اليوم وبحسب البعض حرب داخلية بسبب التميز وسهولة اقتناء الأسلحة.

يضاف الى ذلك صعود بعض الشخصيات و التيارات المتطرفة، التي سعت الى اشعال نار العنصرية من خلال بعض الخطابات في سبيل تحقيق مصالح سياسية وهو ما سعى اليه المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب. وقال سكوت سيمبسون الناطق باسم مؤتمر الحقوق المدنية وحقوق الإنسان إن الحملة الانتخابية الرئاسية وما تتضمنه من خطاب عنصري ومعاد للمهاجرين يعتمده المرشح الجمهوري تولدُ أيضا بيئة يصبح التطرف فيها اكثر مقبولية. وأوضح عندما يصبح خطاب الكراهية مهيمنا، فإنه يتيح للناس التعبير عن اراء متطرفة ما كانوا ليعبروا عنها علنا، مضيفا ان هذا يتيح للناس استهداف المجموعات ايضا.

وقد اعتبر مركز بوفرتي لوو سنتر الذي يتابع الحركات العنصرية والمتطرفة في الولايات المتحدة، ان التوترات العرقية والسأم من النخب السياسية، وعدم المساواة الاقتصادية، كلها عناصر تغذي الاستقطاب في البلاد. مع مقتل فيلاندو كاستيل في مينيسوتا الأمريكية، وكما تنقل بعض المصادر يرتفع عدد الأمريكيين من أصول أفريقية الذين سقطوا بيد الشرطةِ خلال 2016 فقط إلى 136 شخصا، وإلى نحو خمسَمائة من أولئك الذين فقدوا حياتهم على يد الشرطة بنفس العام.. فيما بات يصفه حقوقيون بعنف الشرطة.

من جانبه وفي ل ما تشهده الولايات المتحدة من احداث دموية، حث الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأمريكيين على ألا ينظروا إلى البلاد وكأنها تتمزق إلى مجموعات متعارضة ساعيا لتهدئة المشاعر المحتقنة. وقال أوباما "بقدر ما كان هذا الأسبوع مؤلما فإنني أعتقد جازما بأن أمريكا ليست منقسمة مثلما يرى البعض." وأضاف أوباما "علينا ألا ندع أفعال قلة تصمنا جميعا". مشيرا إلى أنه لا يعتقد أن البلاد تنزلق إلى الاستقطاب الذي حدث في الستينات من القرن الماضي. وتابع أوباما "بقدر ما كان إزهاق أرواح أناس أمرا قاسيا وعصيبا ومحبطا إلا أننا وضعنا أساسا للبناء عليه." وقال أوباما "الشخص المعتوه الذي نفذ هذه الهجمات في دالاس لا يمثل الأمريكيين من أصل أفريقي ولا مطلق الرصاص في شارلستون يمثل الأمريكيين البيض وكذلك من أطلق النار في أورلاندو أو سان دييجو لا يمثل المسلمين الأمريكيين". وكان أوباما يشير إلى سلسلة من عمليات القتل الجماعي خلال الشهور الماضية. وقال "إنهم لا يمثلوننا."

عنف الشرطة

وفي هذا الشأن خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع في مدن أمريكية للتنديد بقتل الشرطة لاثنين من الرجال السود بالرصاص بعد يوم من قيام مسلح بقتل خمسة من ضباط الشرطة في مظاهرة مماثلة في دالاس. وأغلق المتظاهرون الطرق في مدينة نيويورك وأتلانتا وفيلادلفيا وجرى التخطيط أيضا لمظاهرات في سان فرانسيسكو وفينيكس. ولم تتحدث تقارير وسائل الإعلام المحلية عن وقوع أي اشتباكات أو إصابات خطيرة.

وأظهر فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي آلافا يتظاهرون في أتلانتا فيما بدت أكبر مظاهرة وردد المتظاهرون هتافات ولوحوا بلافتات تطالب بالعدالة. وأظهرت لقطات لمحطات تلفزيونية محلية حشدا هائلا في مواجهة عشرات من سيارات الشرطة التي تم إيقافها على طريق سريع محلي. وقال قاسم ريد رئيس بلدية أتلانتا في تغريدة على حسابه بموقع تويتر إن المسيرة كانت سلمية إلى حد كبير على الرغم من اعتقال نحو عشرة أشخاص. بحسب رويترز.

وفي باتون روج ردد المتظاهرون هتاف "لا عدالة لا سلام... لا لعنصرية الشرطة". وحاولت شرطة مكافحة الشغب منع المتظاهرين من غلق طريق مزدحم. وأثار الحادثان التوترات العرقية التي اندلعت مرارا في مختلف أنحاء البلاد عام 2014 في أعقاب مقتل مايكل براون وهو مراهق أسود غير مسلح على يد ضابط شرطة أبيض في فيرجسون بولاية ميزوري.

كما شاركت أعداد كبيرة من الأشخاص في تأبين رجال الشرطة وقال نائب الرئيس جو بايدن "نشعر كأمريكيين بجرح بعد كل أعمال القتل هذه". وأضاف "علينا جميعا أن نتحرك ونتحدث عن الفروقات في نظامنا القضائي الجنائي، مثلما علينا جميعا أن ندافع عن الشرطة التي تحمينا في مجتمعاتنا كل يوم". وأشاد بايدن بالشرطيين القتلى الذين قال إنهم انضموا الى الشرطة لأنهم آمنوا بقدرتهم على تقديم المساعدة "ولذلك عندما استهدف رصاص قاتل قوة الشرطة في دالاس فإنه أصاب روح الأمة".

من جانب اخر دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إصلاح الشرطة الأمريكية، وذلك بعد الصدمة التي أثارها في البلاد حادث مقتل شاب أسود برصاص الشرطة والذي أعاد إلى الواجهة طرح مسألة عنف الشرطة ولا سيما تجاه الشبان السود. و قدم أوباما تعازيه لعائلة الشاب الأسود الذي قتل في ولاية مينيسوتا (شمال) بأربع رصاصات أطلقها عليه شرطي غداة مقتل شاب أسود آخر في لويزيانا (شمال) بنفس الطريقة.

وأعرب الرئيس الأمريكي عن أسفه لأن الولايات المتحدة شهدت "مرات كثيرة مآسي مماثلة". وإذ ذكر بأن الأمريكيين من غير البيض هم الأكثر عرضة للاعتقال أو التفتيش أو القتل على أيدي الشرطة، دعا أوباما مواطنيه البيض إلى عدم اعتبار الموضوع شأنا يهم الأقليات فقط. وقال "هذه ليست فقط مشكلة السود. هذه ليست فقط مشكلة الهسبانيين. هذه مشكلة أمريكية يجب أن تهمنا جميعا". وأضاف "علينا جميعا أن نقول إن بإمكاننا أن نقوم بما هو أفضل فنحن نستحق ما هو أفضل".

ودافع الرئيس الأمريكي عن مقترحات الاصلاح التي أعدها البيت الأبيض العام الماضي، داعيا جميع الولايات إلى الأخذ بها. وقال "إذا كان هناك من أمر إيجابي في هذه المآسي فهو، كما آمل، أن تعكف المجتمعات في سائر أنحاء البلاد على هذه المسألة وأن تتساءل +كيف يمكن تطبيق هذه التوصيات". وأضاف "هناك بعض السلطات التي طبقت هذه التوصيات، ولكن هناك عدد كبير لم يفعل".

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد ندد في نهاية شهر نيسان/أبريل من العام الماضي بعد أعمال العنف التي اندلعت في بالتيمور عقب جنازة الشاب الأمريكي من أصل إفريقي فريدي غراي (25 عاما) الذي توفي بعد إصابته في العمود الفقري أثناء احتجاز الشرطة له، قائلا إن "لا مبرر" للعنف، إلا أنه أقر بوجود "أزمة ظهرت بشكل بطيء" في كيفية تعامل الشرطة مع المجتمع وخصوصا الأمريكيين من أصل أفريقي.

وصرح أوباما للصحافيين في البيت الأبيض "لقد شهدنا العديد من الأمثلة على ما يبدو أنه تعامل ضباط الشرطة مع أفراد وخصوصا أمريكيين أفارقة غالبا فقراء، بطرق تثير تساؤلات مقلقة". وأضاف "أعتقد أن على بعض أقسام الشرطة مراجعة نفسها. وأعتقد أن على بعض المجتمعات مراجعة نفسها. وأعتقد أن علينا كبلد مراجعة نفسنا".

عنف مستمر

من جانب اخر قالت الشرطة الأمريكية إن شرطيا في منيابوليس أطلق الرصاص على رجل أسود بعد أن توقف بسيارته جانبا فأرداه قتيلا ونشرت امرأة تسجيلا مصورا على الإنترنت تقول إنه يصور ما حدث بعد الواقعة بقليل. ويأتي الحادث بعد إعلان وزارة العدل الأمريكية أنها فتحت تحقيقا في مقتل رجل أسود على يد ضابطي شرطة في باتون روج بولاية لويزيانا. وأصبح استخدام الشرطة للقوة ضد الأمريكيين من أصل أفريقي في مدن من بينها فيرجسون وميزوري وبلتيمور ونيويورك محل تدقيق شديد.

وقال إدارة الشرطة في سانت أنتوني في بيان إن رجلا أسود أصيب برصاص شرطي حين أوقف سيارته في فالكون هايتس في ولاية مينيسوتا. وقالت الشرطة إن الرجل نقل إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه. وبثت امرأة تسجيلا على يوتيوب وفيسبوك يصور ما وصفته بأنه ما وقع بعد إطلاق النار. وبدأ التسجيل بالمرأة التي لم تعرف هويتها وهي تجلس في المقعد المجاور لمقعد قائد السيارة الذي كان عليه رجل أسود مغطى بالدماء بينما كان شرطي يصوب مسدسه نحو السيارة.

وذكرت المرأة أن الشرطة طلبت من صديقها أن يتوقف بالسيارة على جانب الطريق لأن المصباح الخلفي مكسور وأنه أبلغ عن وجود سلاح مرخص بحوزته. وتابعت "كان يحاول استخراج بطاقة هويته ومحفظته من جيبه... أبلغ الشرطي أنه يحمل سلاحا وبينما كان يبحث عن محفظته أطلق الشرطي النار على ذراعه." وقالت الشرطة إنه تم العثور على مسدس في مكان الحادث.

وطلب أفراد الشرطة من المرأة أن ترفع يديها بينما سمع صوت طفل يبكي في المقعد الخلفي. وذكرت صحيفة منيابوليس ستار أن أقارب الرجل وأصدقاءه قالوا إن اسمه فيلاندو كاستايل (32 عاما) ويعمل مشرفا في مقصف مدرسة في حي سانت بول. وسمعت المرأة في الفيديو تبكي وتقول "هو لا يستحق هذا... كان رجلا صالحا."

الى جانب ذلك جرح عشرة أشخاص في صدامات بين نازيين جدد ومناهضين لهم في مدينة ساكرامنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وقال جهاز الإطفاء إن الصدامات خلفت عددا من الجرحى الذين نقلوا إلى المستشفى وأن البعض منهم أصيبوا بأسلحة بيضاء وإصاباتهم خطيرة. وأفادت مصادر صحفية بأن تجمع النازيين الجدد كان مرخصا له.

وقال كريس هارفي المتحدث باسم جهاز الإطفاء في مدينة ساكرامنتو عاصمة الولاية أن محتجين واجهوا تجمعا لأنصار تفوق العرق الأبيض أمام مبنى الكابيتول في ساكرامنتو (كبرى مدن الولاية) حيث مقر حاكم الولاية وبرلمانها. وفي تغريدة على تويتر قال جهاز الإطفاء إن العديد من الجرحى الذين نقلوا إلى المستشفى "أصيبوا بجروح خطيرة بالسلاح الأبيض". وبحسب صحيفة "ذي ساكرامنتو بي" المحلية فإن معركة بالسلاح الأبيض اندلعت بين حوالى 25 شخصا من النازيين الجدد الذين كان مرخصا لهم التظاهر أمام مبنى الكابيتول، وأكثر من 150 متظاهرا مضادا من الفوضويين و"المناهضين للفاشية".

وأوردت صحيفة "لوس إنجليس تايمز" أن التظاهرة دعت إليها مجموعة تطلق على نفسها اسم "حزب العمال التقليدي" وتؤمن بتفوق العرق الأبيض وتناهض الهجرة. وأظهرت الصور التي نشرت على الإنترنت حشدا يزداد عنفا وأشخاصا يضربون آخرين بما يبدو أنه قطع من الخشب بينما راح آخرون يرشقون الحجارة. ونشرت "ذي ساكرامنتو بي" شريط فيديو يظهر فيه رجل أسود ممدد على الرصيف ومصاب بجروح ومدمى بينما يهرع متظاهرون لإسعافه. بحسب فرانس برس.

وأعلن زعيم "حزب العمال التقليدي" ماثيو هايمباخ في بيان نشرته شبكة "سي إن إن" أن "المعادين للفاشية استخدموا سكاكين وزجاجات وأحجارا من الطوب وقطع إسمنت انتزعوها من ورشة بناء قريبة". وأضاف إن أعضاء حزبه تعرضوا للهجوم و"دافعوا عن أنفسهم لحمل المهاجمين على الفرار".

الحصول على الاسلحة

من جانب اخر جدد الرئيس الاميركي باراك اوباما دعوته الى خفض العنف الناجم عن انتشار الاسلحة ووصف سهولة الحصول على الاسلحة بانه امر "غير معقول". وقال اوباما "حتى بعد ان نرى حسرة الاباء والامهات على ابنائهم القتلى، فان عدم تحرك البلاد لوقف عملية قتل ماسوية جديدة هو امر غير منطقي بتاتا". وقال اوباما "ان اتخاذ موقف حازم ضد الارهاب خصوصا ذلك الذي ينبع من داخل البلاد كما شهدنا في اورلاندو وفي سان برناردينو، يعني ان علينا ان نجعل من الاصعب على الناس الذين يريدون قتل الاميركيين الحصول على اسلحة هجومية تستطيع قتل عشرات الابرياء بسرعة كبيرة".

وقال اوباما "مثل كل الاباء فانني اقلق على سلامة ابنتيّ دائما، وخصوصا الان عندما نرى اعمال عنف كان يمكن منعها في اماكن يتوجه اليها ابناؤنا وبناتنا كل يوم، مدارسهم وبيوت العبادة وصالات السينما والملاهي الليلية". واضاف "من غير المعقول ان نسمح بالحصول السهل على اسلحة الحرب في هذه الاماكن". بحسب رويترز

وتعتبر الولايات المتحدة من اكثر الدول بالنسبة لأعلى نسبة امتلاك للسلاح بين المواطنين، ومع عدم وجود قوانين اتحادية لتشديد شروط حمل السلاح، يصبح من الصعب الحد من حوادث إطلاق النار الناجمة عن أسلحة شخصية. وهناك 40% من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون الأمريكي في التدقيق بالخلفية الإجرامية للمشتري. فضلا عن أن عمليات القتل الجماعي والانتحار باستخدام الأسلحة تشكل 98% من جرائم القتل في أمريكا.

من جهة اخرى اغلقت الشرطة لفترة وجيزة الجمعة مبنى الكونغرس الاميركي ومركز الزوار وسط انباء عن احتمال وجود شخص يحمل سلاحا، الا ان الشرطة رفعت الاغلاق بعد اعلانها انه ليس هناك اي خطر. واكد مسؤول الامن في الكونغرس اغلاق المبنى، الا انه لم يكشف السبب. وكانت شرطة الكونغرس امرت الموظفين والزوار في مبنى الكونغرس ومركز الزوار المجاور له بالاحتماء او الابتعاد عن الابواب والنوافذ فورا. الا انها اعلنت عدم وجود خطر بعيد ذلك.

وذكرت وسائل الاعلام المحلية ان هذا التدبير اتخذ بعد الابلاغ عن وجود شخص مسلح على الارجح في المبنى. واستمر امر الاغلاق اقل من نصف ساعة بعد مقتل خمسة من عناصر الشرطة وتسعة اشخاص آخرين، منهم سبعة شرطيين في دالاس بتكساس، برصاص قناص واحد على الاقل. وحصلت موجة العنف هذه خلال تظاهرة في هذه المدينة جنوب الولايات المتحدة تضامنا مع اثنين من السود يشتبه بانهما قتلا بيد الشرطة في ولايتين اخريين.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي