الهجرة من أفريقيا الى اوروبا.. مجازفة الفقراء نحو فردوس الموت
عبد الامير رويح
2016-07-04 07:40
قضية الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا اصبحت تحتل اهمية كبيرة، جراء تزايد اعداد المهاجرين والهاربين من الدول الأفريقية بسبب تفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، كالفقر المدقع والصراعات والقمع وتفشي الفساد على كل المستويات وغيرها من المشكلات الاخرى، التي دفعت الآلاف من البشر الى ترك ديارهم والنزوح منها، ومع تفاقم هذه المشكلة، فقد اتخذت دول الاتحاد الأوروبي جملة من الخطط والقرارات الجديدة في سبيل الحد من تزايد اعداد المهاجرين، الامر الذي اسهم بتفاقم معاناتهم وعرضهم للكثير من المخاطر والتجاوزات من قبل عصابات التهريب، الامر الذي اثار الكثير من الانتقادات وقد عارضت أكثر من مئة منظمة مساعدة إنسانية وكما تنقل بعض المصادر، خطط الاتحاد الأوروبي الرامية لإبرام اتفاقية هجرة مع بعض الدول الأفريقية مثل التي تم إبرامها مع تركيا.
وشددت منظمة العفو الدولية ومنظمة أطباء العالم ومنظمة أوكسفام وكذلك منظمة أنقذوا الأطفال ومنظمة الرؤية العالمية وغيرها من منظمات المساعدة الإنسانية على ضرورة أن يوقف رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي اقتراح المفوضية الأوروبية بشأن صد الهجرة. وأضافت المنظمات أن بروكسل قوضت مصداقية أوروبا فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان وأضرت بالحق في اللجوء على مستوى العالم. وجاء في الدعوة المشتركة للمنظمات الإنسانية أن المفوضية الأوروبية تعتزم استخدام العلاقات التجارية والمساعدة التنموية من أجل منع مهاجرات ومهاجري دول العالم الثالث من الوصول إلى أوروبا.
وحذرت المنظمات من أن ذلك يهدد برفض الأشخاص الذين يواجهون مخاطر على حياتهم في مواطنهم. وأشارت المنظمات إلى أن سياسة الهجرة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي لن تقضي أيضا على نموذج العمل الخاص بالمهربين، ولكنها ستفاقم معاناة الأشخاص الباحثين عن الحماية الذين يضطرون للتوجه للمهربين لمساعدتهم
وفي وقت سابق ايضا نشرت صحفة الفايننشال تايمز في وقت سابق مقالا، يتناول فيه توني باربر، موجات الهجرة إلى أوروبا، وإحتمالات تحولها من شرق البحر الأبيض المتوسط، إلى شمال أفريقيا، بعد الاتفاق الذي يتوقع أن يبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا. ويقول الكاتب إن الاتحاد الأوروبي سيواجه موجات من الهجرة تأتيه من شمال أفريقيا، وإن تحديات شمال أفريقيا، ستكون أقسى من تلك التي واجهها مع تركيا. ويضيف باربر أن شبكات تهريب البشر موجودة ونشطة في ليبيا، ولكنها لا تحمل المهاجرين الافغان والعراقيين والسوريين، وإنما أغلبهم من أريتريا ونيجيريا والصومال. ويرى أن إنهاء الحرب في أفغانستان والعراق وحتى ليبيا لن يقلل من موجات الهجرة القادمة دول الساحل والصحراء الأفريقية، بل أن الاتفاق مع تركيا سيجعل المهربين يركزون في تهريبهم على ليبيا. ويوضح الكاتب أن الاتحاد الأوروبي سيجد صعوبات في التعامل مع بعض الدول الافريقية.
محاولات ومخاطر
وفي هذا الشأن قالت متحدثة باسم البحرية الإيطالية إن سفن خفر السواحل والبحرية الإيطالية أنقذت أكثر من 3300 مهاجر في 26 عملية منفصلة في البحر المتوسط في مطلع الأسبوع. وقالت قوات خفر السواحل في بيان منفصل إن هؤلاء كانوا على متن 25 زورقا صغيرا إضافة إلى قارب واحد شمالي السواحل الليبية. وأفادت المتحدثة باسم البحرية بالعثور على جثة أحد البالغين ونقل أربعة مهاجرين مصابين جوا إلى أقرب مستشفى في جزيرة لامبيدوسا.
وتواجه إيطاليا أسوأ أزمة مهاجرين في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ولا يوجد أي مؤشر على انحسار موجات تدفق القادمين من شمال أفريقيا. وأكدت وزارة الداخلية وصول ما يقرب من 60 ألف قارب يقل مهاجرين إلى إيطاليا منذ بداية العام. بحسب رويترز.
وأنقذت الأطقم البحرية في وقت سابق أكثر من ألفي شخص كانوا على متن قوارب مكتظة بالمهاجرين. ويشجع تحسن الطقس في المتوسط مزيدا من المهاجرين ومهربيهم على محاولة عبوره رغم خطورة ذلك. وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من 3700 مهاجر فارقوا الحياة في البحر المتوسط العام الماضي.
من جانب اخر قضى مهاجران غرقا خلال محاولة مئات المهاجرين الافارقة الوصول الى مدينة سبتة الاسبانية سباحة او بتسلق السياج الحدودي مع المغرب، على ما اعلن الصليب الاحمر الاسباني ومصدر رسمي مغربي. وافاد الصليب الاحمر الاسباني ان 185 مهاجرا نجحوا في الوصول الى الجيب الاسباني من المغرب لكنهم كانوا مصابين بجروح مختلفة ما استدعى نقل 12 منهم الى المستشفى.
في الوقت نفسه، حاول 200 مهاجر الوصول الى المدينة الاسبانية سباحة من السواحل المغربية، على ما نقلت الوكالة المغربية الرسمية. وافادت الوكالة ان السلطات المغربية اعترضت 104 مهاجرين وانتشلت جثة مهاجرين اثنين من البحر قرب خط الحدود. وافاد بيان الصليب الاحمر ان متطوعيه عالجوا المهاجرين الذين عبروا الحدود واصيب اغلبهم بجروح، ووفروا لهم الملابس والاحذية. واضاف ان 12 منهم نقلوا الى المستشفى لاصابتهم بكسور وجروح.
وتنفذ السلطات المغربية حملات لملاحقة واعتقال مهاجرين غير شرعيين من دول جنوب الصحراء يختبئون في الغابات والكهوف المحيطة بجيبي سبتة ومليلية الإسبانيين. كما قامت بحسب مصادر حقوقية بتعزيز نقاط المراقبة المتحركة على طول الشريط الممتد بين مدينتي الفنيدق وطنجة (شمال) بنشر مئات من أفراد القوات المساعدة وسيارات ثابتة عند مداخل الشواطئ. كما تم تشديد المراقبة على السياج المحيط بجيب سبتة (طوله 9 كلم وارتفاعه 6 أمتار) ما يدفع المهاجرين الى اختيار العبور بحرا.
وتشكل سبتة ومليلية صلة الوصل البرية الوحيدة بين اوروبا وافريقيا، وتجذبان آلاف المهاجرين الفارين اساسا من مناطق النزاع والراغبين في الوصول الى اوروبا. وردا على تدفق المهاجرين، اعلن المغرب في نهاية العام 2013 سياسة جديدة لادارة ملف الهجرة، اتاحت بحسب السلطات، جمع 27643 طلبا لتسوية الاوضاع، منها 18694 طلبا تلقى أصحابها ردا إيجابيا من اللجان المختصة، اضافة الى 8644 ملفا توصي لجنة الطعون بقبول 92% منها. وسبق ان اكد وزير الداخلية المغربي ان المغرب يقوم بدوره، مشيرا الى ان عملية مراقبة الحدود تتطلب 13 الف عنصر أمن و250 مليون دولار سنويا.
ضحايا الهجرة
على صعيد متصل مئات من ضحايا مراكب الهجرة غير الشرعية الذين قضوا على مدى الأعوام الماضية في البحر أمام السواحل الليبية، يدفنون في مقبرة "بئر الأسطى ميلاد" قرب العاصمة الليبية، وغالبا دون أسماء ومجهولة الهوية، بانتظار أن تستعيد هويتها من جديد بعد التعرف عليها لتعود وتدفن في بلادها. لايتوانى خفر السواحل الإيطالي عن إنقاذ آلاف المهاجرين، كان آخرهم إنقاذ أكثر من 4600 مهاجر في البحر المتوسط قبالة السواحل الليبية في يومين فقط.
إلا أن الحظ لايحالف قسما آخر من هؤلاء المهاجرين فيموتون دون بلوغ حلمهم، ويبتلع البحر بعضهم والآخر يصار إلى دفنهم في مقابر غالبا لاتحمل أسماء لتعذر معرفة هوياتها، وفي مقبرة عند الأطراف الشرقية للعاصمة الليبية، يمسح التونسي عماد التراب عن قطعة رخام وضعت فوق مكان دفن شقيقه الذي قضى غرقا أثناء إبحاره نحو أوروبا. لا اسم عليها ولا جنسية، بل رقم وتاريخ وكلمتين فقط: مجهول الهوية.
وتأكد عماد بن سالم (29 عاما) بمساعدة الهلال الأحمر الليبي أن شقيقه قابيل (25 عاما) دفن تحت قطعة الرخام هذه. لكن خطأ في تقرير الطب الشرعي وبطء آلية عمل السلطات يعيقان مسعاه المتواصل منذ أكثر من شهر لاستعادة جثمان شقيقه ونقله إلى تونس. وقابيل واحد من مئات ضحايا مراكب الهجرة غير الشرعية الذين قضوا على مدى الأعوام الماضية في البحر أمام السواحل الليبية.
ويقول عماد وهو يقف قرب مكان دفن قابيل "في ثالث أيام عيد الأضحى (أيلول/سبتمبر) قضى شقيقي غرقا بعدما كان على متن مركب مع 127 شخصا آخر". ويضيف الشاب التونسي الذي ترك عمله كسائق أجرة رغم أنه يعيل عائلته المؤلفة من ثمانية أفراد منذ وفاة شقيقه "جئت إلى هنا على أساس أن أبقى لثلاثة أيام أو لأسبوع. لكنني عندما حضرت لم أجد أي ملف. قمت بأربع محاولات، وفي كل مرة أواجه عراقيل جديدة". ويتابع بغضب "أوجه نداء استغاثة إلى السلطات الليبية والتونسية والهلال الأحمر والصليب الأحمر. كل ما أريده هو أن أعيد جثمان شقيقي إلى تونس".
وفي مقبرة بئر الأسطى ميلاد، تفترش مئات القبور الأرض الترابية وتتوزع بين الأشجار الصغيرة والعشب العشوائي. ويحمل عدد قليل من هذه القبور أسماء الضحايا الغارقين الذين عثرت السلطات الليبية على أوراق ثبوتية كانت بحوزتهم، بينما تعود غالبيتها إلى أشخاص لا يزالون مجهولي الهوية.
ونقش على قطع الرخام التي توضع عند بداية كل قبر رقم لملف الضحية، وجنسيته واسمه متى عرفا، وتاريخ العثور على الجثة، وهي تواريخ تمتد من العام الحالي 2015 لتعود بالزمن إلى أعوام ماضية، تصل حتى 2012. ولم يكن بالإمكان الحصول على عدد دقيق لضحايا حوادث الغرق الذين دفنوا في "مقبرة المفقودين" كما يسميها سكان طرابلس، غير أن مسؤولي الهلال الاحمر الليبي يقدرون هذه الأعداد بمئات الأشخاص من نساء وأطفال ورجال أتوا من دول يمزقها الفقر والحروب ليصعدوا على متن مراكب متهالكة سعيا لبلوغ أوروبا.
ويقول عبد الحميد السويعي رئيس مجموعة إدارة الجثث في الهلال الأحمر الليبي "لا يمكن أن تمحى هذه الفترة من ذاكرتنا"، في إشارة إلى الأشهر الماضية التي شهدت ارتفاعا كبيرا في أعداد المهاجرين. ويضيف السويعي الذي يمتلك فريقه سيارة نقل واحدة تعمل أحيانا على نقل عشرات الجثث في يوم واحد ذهابا وإيابا "ننتشل جثامين أطفال ونساء وشبان، وفي بعض الأحيان نخشى أن ننتشل جثة شخص كنا نعرفه. نتمنى أن تقل الأعداد أو أن تتوقف حتى".
وفي الزاوية اليمنى للمقبرة قرب سياج يفصلها عن محطة للكهرباء، حفر في الأرض نحو 300 قبر مفتوح ضمن مجموعتين متشابهتين: مستطيلات إسمنتية غرزت في التراب استعدادا لدفن مزيد من جثث المهاجرين في هذه المقبرة التي يتم الدفن فيها حسب الطريقة الإسلامية. ويروي عبد الرزاق عبد الكريم الذي يعمل ضمن فريق تجهيز القبور أنه قبل أكثر من شهر "غرق قارب كان على متنه 120 شخصا وعلى مدى يومين، قمنا بدفن كل هؤلاء هنا".
ويتبع الهلال الأحمر الليبي آلية محددة في عمله: فريق يتلقى بلاغات عن حوادث غرق، وفريق آخر يتأكد منها وفريق ثالث يقصد الموقع ويقوم بانتشال الجثث، قبل أن تحول إلى الطب الشرعي حيث تحصل على رقم تسلسلي وملف، ثم تنقل إلى هذه المقبرة لدفنها. ويقول حسام نصر الذي يعمل ضمن فريق انتشال الجثامين وهو متطوع في الهلال الأحمر الليبي منذ 12 عاما "قبل فترة قصيرة عملنا بلا توقف ولأسبوع كامل". ويوضح "في أحد الأيام وضعنا خمس جثث في مركب وكنا ثلاثة أفراد، فتوقف المحرك بسبب ثقل الوزن. بقينا نجدف بأيدينا لمسافة نحو مئتي متر حتى وصلنا إلى البر، ثم رفعنا الجثث بالحبال فوق مجموعة من الصخور لنحو عشرين مترا". بحسب فرانس برس.
وقام الهلال الأحمر الليبي في مناسبات عدة بإعادة نقل الجثث بعد دفنها وتسليمها إلى عائلاتها عقب التعرف عليها. لكن عماد، ورغم أن الهلال الأحمر أكد التعرف على جثة شقيقه موقع دفنه، لا يزال ينتظر قرار السلطات. ويقول الشاب التونسي "هناك أخطاء في تقرير الطب الشرعي إذ أنه لم يشر إلى الوشم، كما أن السلطات ترفض اخضاعي لفحص الحمض النووي. لكن رغم ذلك، لدي الأدلة الكافية بأنه شقيقي، وأعلم أنه هنا". ويتابع "كان صغير العائلة. لا أريد أن أتركه هنا. لا أريد أن أغادر بدون شقيقي".
إريتريا وحقوق الانسان
في السياق ذاته قال دبلوماسي إريتري كبير إن عصابات تهريب البشر وليس انتهاكات لحقوق الإنسان هي التي تدفع الناس للرحيل عن بلده الذي اتهمته وكالة تابعة للأمم المتحدة في تقرير بالإشراف على عمل مواطنين بالسخرة وتعذيبهم الى جانب انتهاكات أخرى للحقوق. وقال السفير تسفاميكايل جيراهتو إن هناك "مؤامرة" دولية لتشويه صورة إريتريا مضيفا أن دولا منافسة بالمنطقة أقنعت دولا غربية بالتحرك ضدها.
ولطالما اتهمت إريتريا التي تحكمها قبضة من حديد جارتها الأكبر إثيوبيا وآخرين في المنطقة بمحاولة زعزعة استقرارها. وخاضت إريتريا حربا ضد إثيوبيا بين 1998 و2000 بسبب نزاع حدودي. وتبادل البلدان الاتهامات باستمرار بينما طالبت الجارتان الصومال وجيبوتي الأمم المتحدة بمزيد من التدقيق في أوضاع حقوق الإنسان في إريتريا.
وتقول المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن خمسة آلاف شخص يفرون من إريتريا كل شهر وربما ينتهي بهم المطاف الى البحر المتوسط حيث يحاولون العبور إلى أوروبا. ويقول المهاجرون إنهم يفرون من التجنيد في الجيش لفترات مفتوحة الى جانب انتهاكات أخرى. ورفض تسفاميكايل هذه الاتهامات ويقول إن عدد المهاجرين من إريتريا "ليس كبيرا" وإن الكثير ممن يزعمون أنهم إريتريون من أجل الحصول على حق اللجوء يكذبون. بحسب رويترز.
كما قال إن تقدير الفارين بخمسة آلاف شخص شهريا غير صحيح. وقال إنه تم حشد الدول الغربية بالكامل ضد إريتريا. وأضاف "تأسست شبكات لتهريب البشر حتى في المدن الكبرى بالدول الغربية." ويقول مسؤولون من مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في معسكرات قريبة من إريتريا إنهم يريدون إثناء المهاجرين عن القيام بهذه الرحلة الخطرة إلى أوروبا التي تكلف الكثيرين حياتهم.
الفساد في النيجر
الى جانب ذلك في مدينة أجاديس الصحراوية بوسط النيجر يمكن لأي شخص تقريبا أن يرشد المرء على أماكن إخفاء المهربين للمهاجرين الأفارقة الحالمين بالوصول إلى أوروبا وأن يبلغه أيضا عن موعد مغادرة القافلة الأسبوعية عبر الصحراء. بإمكان أي شخص تقريبا القيام بذلك باستثناء رجال الشرطة. وعند نقطة تفتيش على مشارف المدينة يغض ضباط الشرطة الطرف عن عشرات من شاحنات المهربين المحملة بالمهاجرين التي تمر عند حلول الظلام ضمن قافلة عادية لتبدأ رحلة بالعربات تستمر ثلاثة أيام عبر الصحراء إلى ليبيا.
وقال أحد رجال الشرطة وهو يشير بشكل مبهم إلى الظلام "لا يمكننا أن نوقف شاحنات المهاجرين فهم لا يمرون من هنا... يذهبون من حولنا بعيدا في الصحراء." بمجرد أن تمر شاحنتان للمهاجرين يظهر رجل يرتدي عمامة استأجره المهرب ليدفع الأموال للشرطة ويعود إلى دراجته ويبتعد بعد أن انجز مهمته. وخلص تقرير حكومي سري عن الهجرة غير الشرعية في أجاديز إلى أن الفساد متأصل بدرجة تجعل معالجة تهريب المهاجرين تتطلب تغيير كل المسؤولين العسكريين والأمنيين تقريبا.
تقول منظمة الهجرة الدولية إن 100 ألف مهاجر من المتوقع أن يعبروا حدود النيجر هذا العام للوصول إلى ليبيا مستغلين الفوضى التي تمر بها هذه الدولة والتي منحت المهربين بابا مفتوحا إلى أوروبا. ويرى الاتحاد الأوروبي أن ما يزيد قليلا عن نصف المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا يسافرون أولا عبر النيجر. ويتزايد قلق الاتحاد الأوروبي بسبب تدفق الناس في قوارب متهالكة من شواطئ ليبيا.
وأقرت حكومة رئيس النيجر مامادو إيسوفو قانونا مشددا لمكافحة تهريب المهاجرين ينص على أحكام بالسجن تصل إلى 30 عاما للمهربين وقالت إنها محاولة لحماية الشبان الأفارقة. ولا يقتصر الأمر على استغلال المهربين للمهاجرين الذين يسقطون ضحية للعمل القسري أو البغاء لكن يموت عدد كبير منهم في الصحراء عندما تتعطل العربات التي تقلهم أو يتخلى عنهم المهربون.
ويعرف المسؤولون في النيجر -التي تقول الأمم المتحدة إنها أفقر بلد في العالم- أن تطبيق القانون الجديد يعني القضاء على الفساد المستشري في البلاد التي يتقاضى فيها الشرطي الشاب أقل من 190 دولارا شهريا. وقال جوج ميمونا جازيبو رئيس الوكالة الوطنية لمكافحة تهريب البشر في النيجر وهي هيئة حكومية "بالنسبة لشاحنة من المهاجرين غير الشرعيين تعبر النيجر وتصل إلى ليبيا فإن كثيرا من المسؤولين يغضون الطرف عنها." وأضاف "من الآن فصاعدا أي مسؤول سيسمح لحافلة بعبور الحدود سيعتبر مذنبا بالتهريب والفساد."
وحاولت النيجر في السابق مكافحة الهجرة. وبعد العثور على 92 جثة للمهاجرين في الصحراء عام 2013 شنت الحكومة حملات على عدد من مجمعات المهربين والمعروفة باسم "الجيتو" وغيرت عددا من ضباط الشرطة. وبعد مرور عامين لم يتغير شيء يذكر. وبات تدفق المهاجرين من دول مثل جامبيا والسنغال ونيجيريا ومالي وغانا أكثر من أي وقت مضى في حين شهد المهاجرون والمهربون أنهم اضطروا لرشوة رجال الشرطة في عملية تبلغ قيمتها ملايين الدولارات سنويا.
وعلى طريق إلى الشمال من العاصمة نيامي يقف رجال الشرطة بشكل ممنهج مع المهاجرين على جانب نقاط التفتيش للمطالبة بالأموال. وعلى الرغم من أن مواطني دول غرب أفريقيا لهم الحق في السفر للنيجر يقول كثير من المهاجرين إنهم يفضلون عدم اظهار أوراق هويتهم خوفا من أن يصادرها رجال شرطة فاسدون. وقال لامين بانداوجو وهو فتى هزيل يبلغ من العمر 17 عاما كان يحاول الفرار من الفقر في بوركينا فاسو "إذا أوقفوك فعليك أن تدفع" مشيرا إلى أن الرشاوى تتراوح بين دولارين و20 دولارا.
وأضاف بانداوجو بينما كان يقف في مستودع للحافلات على الطريق إلى أجاديز "إذا لم تكن تملك شيئا عليك التوسل من أجل الصفح." ومنذ توليه السلطة في عام 2011 حقق الرئيس إيسوفو بعض التقدم في مكافحة الفساد وارتقت النيجر إلى المركز 103 في تقرير منظمة الشفافية الدولية عام 2014 بعدما كانت في المركز 134 عند توليه منصبه.
لكن يتساءل البعض عما إذا كانت قوات الأمن على استعداد للتنازل عن العائدات المربحة من الهجرة. وخلص تقرير سري للشرطة الوطنية عام 2013 إلى أن أجاديز التي تعد بوابة إلى الشمال أصبحت تمثل إل دورادو (مدينة الذهب) للقوات الأمنية. وكشف التقرير وجود أكثر من 70 جيتو للمهربين في المدينة ويقوم بحماية كل منها شرطي مقابل أموال.
وقال تقرير منفصل للهيئة العليا لمكافحة الفساد وهي وكالة أخرى لمكافحة الفساد في نفس العام إن الأموال التي دفعت لقوات الأمن والسلطات المحلية بلغت 450 دولارا للعربة الواحدة و30 دولارا للمهاجر الأجنبي على الطريق بين أجاديز والحدود الليبية. وكشفت مهمة الهيئة العليا لمكافحة الفساد أن الرشاوى التي يدفعها المهاجرون ضرورية للحفاظ على استمرار عمل قوات الأمن لأن الأموال المخصصة في الميزانية العسكرية لشراء الديزل للسيارات وقطع الغيار والمواد الغذائية تختفي تماما في نيامي.
وقال عثمان بايدو نائب رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد "تعترف قوات الأمن أنها تأخذ الأموال لكن ليس لديهم أي خيار. هذا هو المال الذي يستخدمونه في القيام بأعمالهم." وفي محاولة لتجاوز قوات الأمن الفاسدة يضع القانون الجديد المسؤولية القانونية على شركات النقل التي تسافر على الطريق إلى أجاديز لضمان أن المسافرين يحملون وثائق سليمة. وقال جازيبو رئيس الوكالة الوطنية لمكافحة تهريب البشر "أي شركة نقل لا تفحص الوثائق سنقاضيها بتهمة التواطؤ" مضيفا أن هذا من شأنه أن يساعد في خفض عدد المهاجرين بحلول العام المقبل. وتابع "بمجرد أن نصادر حافلتين أو ثلاث حافلات ستبدأ شركات النقل في التعاون."
وقال وزير العدل أمادو مارو إن النيجر لا يمكنها معالجة هذه المشكلة بمفردها وناشد الدول المجاورة اعتماد قوانين مماثلة لمعاقبة أولئك الذين يستفيدون من الهجرة غير الشرعية والاتفاق على شروط لعودة المهاجرين. ويخشى المسؤولون في النيجر من أن أي طرد من جانب واحد لمواطني غرب أفريقيا قد يؤدي إلى إتخاذ إجراءات انتقامية. وتخطط النيجر لإنشاء "مراكز استقبال" في أجاديز في محاولة لمنع المهاجرين من الوقوع في براثن المهربين لإطلاعهم على مخاطر الرحلة المحفوفة بالمخاطر ولإعادة أولئك الذين يريدون العودة إلى بلدانهم. وقال مارو "ليس هذا قانونا لحماية أوروبا... فعلنا ذلك لإنقاذ الأرواح لأن الحكومات الأفريقية عليها مسؤولية أيضا."
لكن في ظل اعتماد بعض دول غرب أفريقيا الفقيرة على التحويلات المالية من المهاجرين لا تزال هناك علامات استفهام حول مدى عزم هذه الدول مكافحة الهجرة غير الشرعية. وقال مارو إن أوروبا عليها الاستجابة من خلال تيسير الهجرة الشرعية. وأضاف "إذا كان من الممكن للمواطنين الأوروبيين القدوم إلى أفريقيا فينبغي أن يذهب الأفارقة إلى هناك بنفس السهولة."
والنيجر أكبر متلق للمساعدات الأوروبية من حيث متوسط نصيب الفرد حيث تم تخصيص 600 مليون يورو (680 مليون دولار) من الآن وحتى عام 2020. وقال سفير الاتحاد الأوروبي في النيجر راؤول ماتيوس بولا إن هذه المساعدات سيتم دعمها بمبلغ 30 مليون يورو على الأقل هذا العام. وستفتح بعثة تدريب شرطية تابعة للاتحاد الأوروبي مكتبا لها في أجاديز وستركز أنشطتها على مكافحة تهريب المهاجرين. وسيسهم الاتحاد الأوروبي أيضا في مراكز لتوعية المهاجرين وإعادتهم لديارهم.
وتدرك النيجر وشركاؤها الأوروبيون أنهم إن أرادوا وقف تدفق المهاجرين فإن المهاجرين والمهربين على حد سواء في حاجة إلى بدائل اقتصادية. وحذر تقرير للشرطة الوطنية في 2013 من أن أجاديز تعيش على التهريب وأن أي محاولات لإنهاء ذلك قد تؤدي إلى أعمال شغب. ومع تدمير السياحة بفعل التشدد الإسلامي في منطقة الصحراء يقول كثيرون في المدينة إنه لا يوجد لديهم أي شيء آخر يمكنهم من كسب قوت يومهم. بحسب رويترز.
ويمكن للمهرب كسب ثلاثة ملايين فرنك (5212 دولارا) من عربة واحدة رباعية الدفع تقل 30 مهاجرا. وهذا المبلغ يمثل ثروة في دولة يعيش معظم سكانها على أقل من دولارين في اليوم. وتكمن عشرات من مجمعات التهريب وراء الجدران الطينية الحمراء في الشوارع الخلفية القذرة لأجاديز وتغلق المجمعات ببوابات معدنية تكشف قليلا من ملامح الشبان في الداخل. وقال بشير الذي يملك جيتو للمهاجرين "لا يمكنهم وقف الهجرة تماما. ما لم تكن هناك هجرة فسوف تنتهي أجاديز تدريجيا." ويقول بشير إنه يريد ترك هذا العمل بسبب القانون الجديد ويريد أن يهاجر هو نفسه أيضا. وأضاف "إذا كانت أوروبا ستعطينا المال فعندئذ سنبقى هنا."
أبناء السنغال يجازفون
من جهة اخرى فقد محمد ديابي مدخراته في محاولة فاشلة أنفق خلالها 4000 دولار للوصول إلى أوروبا ساعده خلالها مهربون على عبور الصحراء الكبرى قبل أن تطلق الشرطة النار نحوه وتودعه السجن في ليبيا لستة أشهر. والآن وبعد أن عاد إلى قريته سيجوكورا في السنغال التي تنعم بالسلام رغم فقرها يقول الشاب البالغ من العمر 23 عاما إنه سيعاود الكرة. وقال ديابي بينما كان محاطا بأفراد أسرته "أحمد الله على أنني عدت ولم أمت. لكن إن سنحت لي الفرصة ثانية فسأحاول... ليس لي أن أجلس هكذا مع العجائز."
وقصة ديابي قصة متكررة تروي دوافع آلاف السنغاليين الذين يخاطرون بحياتهم كل عام. وتشير بيانات منظمة الهجرة الدولية إلى أن السنغال هي سادس أكبر دولة انطلق منها مهاجرون هذا العام حتى الآن. أما الدول الخمس المتقدمة عليها فهي إريتريا والصومال ونيجيريا وسوريا وجامبيا وكلها دول إما تعاني صراعا أو مخاوف تتعلق بانتهاكات الحقوق.
لكن السنغال على النقيض من هذه الدول هي من أكثر دول أفريقيا استقرارا كما أنها تحقق معدل نمو اقتصادي قدره خمسة في المئة وهو معدل قد تحسدها عليه كثير من دول أوروبا. ومع هذا يقول ديابي الذي كان جالسا في الظل أمام منزل أسرته إنه يحلم دائما بالفرار. وأخفقت محاولاته الثلاث للحصول على تأشيرة سفر لفرنسا. وقال وهو يمسك بمظروف يحوي أوراقا مثنية بحرص "منذ كنت صغيرا وأنا أريد الذهاب لأوروبا... أعمل هنا لكني لا أكسب مالا. أريد الذهاب لأوروبا لأساعد أسرتي."
ويعيش بمنطقة تامباكوندا الفقيرة التي ينتمي إليها ديابي ثلثا مهاجري السنغال الذين رحلتهم منظمة الهجرة الدولية من ليبيا وبلغ عددهم 541 مهاجرا. وفي سيجوكورا يقول كبار المنطقة إن ما بين 70 و80 شابا غادروها منذ يناير كانون الثاني. وفي حين تنتشر مراكز التسوق المبهرة والمباني الشاهقة في العاصمة دكار الواقعة على بعد 500 كيلومتر إلى الغرب تتلخص مساكن سيجوكورا في مجموعة مبان من الطوب اللبن يتعيش سكانها على الزراعة وبيع القليل من الأغنام.
ويعاني ثلثا سكان تامباكوندا من الفقر بينما يعانيه أقل من نصف سكان البلاد ككل والبالغ عددهم 15 مليون نسمة. وفي حين أن مشقة العيش تمثل أحد العوامل الطاردة لشبان المنطقة توجد أيضا رغبة في تحقيق نجاح كذلك الذي حققه مهاجرون يرسلون المال للديار. وديابي مثله مثل كثير من الشبان هنا يأمل في أن ينضم لأصدقاء وأقارب يعيشون في فرنسا. أكبر البيوت في سيجوكورا هي تلك البيوت التي بناها من هاجروا للخارج. والكهرباء المتوافرة تتولد من ألواح شمسية تعلو أسقف تلك البيوت فتدير أجهزة التلفزيون التي تعرض نموذجا مغويا للحياة في الغرب.
وقال أبو باجي (35 عاما) الذي يعمل بالفرع المحلي لجمعية (سئمنا) وهي إحدى منظمات المجتمع المدني "لا توجد وظائف... هؤلاء الناس يظنون أن الهجرة قدرهم المكتوب." ويقر سوري كابا الذي يرأس الإدارة المعنية بالمواطنين في الخارج بوزارة الخارجية السنغالية بأن معدل البطالة الذي يزيد على 25 في المئة من العوامل الدافعة للسعي للهجرة. لكنه يقول مثله مثل كثير من الخبراء إن هجرة كثيرين من أبناء المنطقة إضافة إلى الرغبة في تحسين معيشة الأسر تحفزان آلاف السنغاليين على الهجرة. قال كابا "الفقر المدقع ليس هو العامل المحفز للهجرة لأنك لو كنت فقيرا فعلا لما أمكنك دفع ثمن هذه الرحلة" مشيرا إلى آلاف الدولارات التي يتعين على المهاجرين أن يدفعوها.
ويبغي معظم من يحلمون بالهجرة لأوروبا تأمين حياة أسرهم. ويشجع كثيرون أقاربهم الشبان على الهجرة بل ويمولون رحلتهم أملا في جني الثمار يوما. وقال كابا إن المواطنين السنغاليين يرسلون للديار كل عام ما يقدر بنحو 800 مليار فرنك أفريقي (1.37 مليار دولار). وتشير أحدث بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن تحويلات العاملين في الخارج مثلت أكثر من 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011. بحسب رويترز.
محمد كامارا يعيش في فرنسا منذ عام 1993. لديه الآن مسكن في فرنسا لكنه يمضي ثلاثة أشهر من كل عام في سيجوكورا مع عائلته الكبيرة ومع زوجتيه وأبنائه الثمانية. وجنى كامارا ثمار تعبه.. فبنى منزلا كبيرا للعائلة تربض في فنائه سيارة دفع رباعي. وفي الآونة الأخيرة لحق به أحد أبنائه في فرنسا. أما بالنسبة لمن أجبرتهم الظروف على العودة إلى سيجوكورا فلا يرون فرصا تذكر. من هؤلاء نفامارا دياوارا الذي رحلته منظمة الهجرة الدولية من ليبيا بناء على طلبه بعد أن عانى انتهاكات على أيدي المهربين. ويجلس الآن دياوارا -وهو أب لثلاثة أبناء- أمام بيت كامارا الكبير بلونيه الأخضر والأبيض ولا يرى أمامه فرصا تذكر. ويقول "أفقت اليوم. أريد أن أعود. لا أملك شيئا هنا."