شيعة بورما وجرائم الابادة
محمد طاهر الصفار
2016-06-07 12:58
لعل ما جرى ويجري على مسلمي بورما من المذابح والفظائع التي يقوم بها (الماغ) البوذيون يفوق التصوّر، فلا تزال تلك الجرائم تمارس بحق المسلمين من القتل والحرق والتشريد والترويع وشتى صنوف التعذيب النفسي والجسدي دون رحمة أو وازع من ضمير، ولم يسلم منها حتى الأطفال والنساء، إزاء صمت مطبق من قبل العالم على تلك الجرائم التي يُندى لها جبين الإنسانية.
لقد مارس البوذيون شتى أنواع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المسلمين أمام أنظار الجيش البورمي الذي وقف موقف المتفرج بل والمشجع وهو ينظر إلى عمليات الحرق والقتل المنظمة التي شارك بها حتى كبار السن وأطفال البوذيين ونسائهم وهم يحملون شتى آلات القتل من السيوف والسكاكين والهراوات لإبادة المسلمين في منازلهم وقراهم حتى بلغ القتلى أعداداً كبيرة جداً من العسير حصرها، أما الجرحى فلا مجال لحصرهم بسبب الخوف والتكتيم الإعلامي.
الإسلام في بورما
تقع جمهورية بورما (ميانمار) جنوبي الصين وتقدر نسبة المسلمين فيها بـ (15%) من مجموع السكان الذي يبلغ (50) مليون نسمة، ويشكل البوذيون بشتى طوائفهم الأغلبية الساحقة في هذا البلد، ويعيش نصف المسلمين في إقليم أراكان - ذي الأغلبية المسلمة- حيث تصل نسبة المسلمين فيه إلى أكثر من (70%) والباقون من البوذيين (الماغ) وطوائف أخرى.
ويطلق على المسلمين في بورما كلمة (روهينغا) وهم ينحدرون من أصول عربية وتركية وفارسية ومنغولية وباتانية وبنغالية إضافة إلى المور، وهم شديدو التمسك بدينهم وبعقيدتهم رغم ما أصابهم من الويلات والمآسي على مدى قرون طويلة.
ورغم أنه لا يعرف على وجه التحديد وصول المسلمين إلى هذه الأرض إلا أن جميع الدلائل تشير إلى عراقة الإسلام في بورما، حيث يعزوه بعضهم إلى القرن الأول الهجري (السابع الميلادي)، وقد وصل إلى بورما عن طريق التجار كما يقول الشيخ (دين محمد أبو البشر) رئيس منظمة تضامن الروهينغا: (إن الإسلام دخل في بورما عن طريق أراكان في القرن الأول الهجري، بواسطة التجار العرب).
أراكان أول دولة مسلمة
ثم توالت هجرات العرب والمسلمين إلى بورما وخاصة في عهد الأمويين والعباسيين فهاجر إليها الشيعة هرباً من الممارسات القمعية التي كانت تمارس ضدهم من قبل هاتين السلطتين، ثم تدفّق المهاجرون المسلمون عليها من مختلف الدول الإسلامية، حتى استطاعوا تأسيس دولة إسلامية في أراكان عام (1430م)، وكان الحاكم عليها سليمان شاه، وقد استمرت هذه المملكة الإسلامية فيها أكثر من ثلاثة قرون ونصف إلى أن هجم عليها البوذيون عام (1784م).
الغريب أن البوذيين يعتبرون المسلمين دخلاء على بورما وغرباء عنها فصادروا أراضيهم ومزارعهم ومارسوا حرباً اقتصادية عليهم وطالبوا بسحب جنسيتهم البورمية، في حين أن تاريخ بورما يدل ويؤكد على أن المسلمين هم أصحاب الأرض وقد دافعوا عنها وكان لهم الفضل في ازدهارها علمياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وكانوا بُناة حضارة إنسانية فيها دامت زهاء ثلاثة قرون ونصف.
فقد كانت (أراكان) التي يقطنها المسلمون الآن مملكة مستقلة عن بورما يحكمها ملك بوذي، وفي عام (1406م) نشبت حرب بينه وبين ملك بورما انتهت بانتصار الملك البورمي الذي احتل (أراكان)، فهرب ملك (أراكان) مع أسرته واستجار بملك البنغال وهو ملك مسلم يدعى السلطان ناصر الدين شاه عام (1406م)، وبقي في ضيافته لمدة (24) سنة، ولما رأى ملك (أراكان) كرم الملك البنغالي المسلم وأخلاقه الإسلامية في إكرام الضيف اعتنق الإسلام واختار لنفسه اسم سليمان شاه.
ثم طلب (سليمان شاه) من ملك البنغال المسلم مساعدته على استرجاع مملكته، فأمده بجيش كبير، فسار به حتى استطاع انتزاع مملكته أراكان من الملك البوذي فأسس بذلك أول دولة مسلمة في بورما، وقد استمرت هذه الدولة لثلاث مائة وخمسين عاماً حكم فيها 48 ملكاً، وفي هذه الفترة من حكمهم عاشت أراكان نهضة فكرية وعلمية واقتصادية، وأصبحت مركزاً للثقافة والحضارة واستقطبت إليها الكثير من طلاب العلم، كما أصبحت مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً بين الدول المجاورة، ولم تزل أراكان تعيش عصرها الذهبي حتى عام (1784م).
الغزو البوذي على أراكان
في تلك السنة داهمها الغزو البوذي الوحشي الذي قام بمجزرة بشعة في أراكان فقتل الكثير من أهلها وأحرق ودمر المنازل والمساجد والمدارس الإسلامية، وقاد منذ ذلك اليوم حملته لإبادة الإسلام والمسلمين من بورما ومارس شتى الأساليب القمعية لمحو أثر الإسلام فيها.
علاقة الشيعة بالسنة في بورما
ويعيش الشيعة في بورما مع إخوانهم السنة في علاقة تسودها المحبة والسلام والتكاتف والتعاون، وهم يتعاملون فيما بينهم على أساس من الأخلاق الإسلامية ومبادئ السنة النبوية التي تؤكد على أن المسلم أخو المسلم حرام عليه ماله وعرضه، ولم يحدث أن جرى بين هاتين الطائفتين ما يعكر صفو هذه العلاقة المنسجمة على مدى قرون طويلة، وقد عانى الشيعة مع إخوانهم السنة من جرائم البوذيين التي لم تفرق بين هاتين الطائفتين في ارتكاب أبشع الجرائم ضدهما فالبوذيون هدفهم محو الإسلام وإبادة المسلمين دون تفرقة طائفة عن أخرى.
الوهابية وزرع الفتنة
ولكن الغريب العجيب والمضحك المبكي في آن واحد هو ما أفرزته أقلام الوهابية المأجورة التي أفرغت ما في قلوبهم من الأحقاد، والتي ما فتأت تكيد للإسلام والمسلمين في كل البلاد وهي تزرع الفتنة والتفرقة بين المسلمين، فطبلت أياديهم الخبيثة على آلام المسلمين في بورما، ورقصت ضمائرهم الميتة على جراحهم فيها، ولم تطرف لهم عين، ولم تهتز لهم شعرة على تلك المذابح والمحارق التي يرتكبها البوذيون، بل إنهم شحذوا سكاكين البوذيين بأقلامهم، ووضعوا فوق تلك المحارق من نفطهم الذي كان ولا يزال يؤجج الفتنة ويسيل دماء المسلمين.
والله لو نظر مثقفو ومفكرو ومنصفو العالم الإسلامي نظرة موضوعية محايدة متفحصة بعيدة عن الأهواء والمغريات إلى تاريخ المسلمين منذ ابتداع الضال محمد عبد الوهاب لهذه الفرقة القذرة المجرمة، لوجدوا أن كل المآسي والويلات والمذابح والخراب والدمار والفرقة والتفرقة والتناحر الذي أصاب المسلمين كان بسبب هذه الجرثومة الخبيثة.
وكان آخر بدعهم وابتداعهم وأضاليلهم مما جُبلت عليه نفوسهم المريضة والتي حاولوا بها زرع التفرقة حتى بين مسلمي البلاد المنكوبة البعيدة هو ما سوّلت لهم أنفسهم بافترائهم على طائفة من المسلمين وكذبهم عليها الذي بيّن حقدهم على الشيعة فقالوا: إن البوذيون يقتلون السنة فقط، وإن مساجد السنة تعطى للشيعة لجعلها حسينيات وإن الشيعة راضون على قتل إخوانهم من أهل السنة !!!!
اسمع واعجب وإن كان ذلك ليس بعجيب على هؤلاء الذين تربّوا على الكذب ولُقّنوه وغُذوا به، فليس بعجيب على من أخذ دينه من أبي هريرة وسمرة بن جندب وابن تيمية وأشباههم أن يتقوّل بهذا القول الذي لم يقل به النشطاء المدنيون والصحفيون الأجانب والمسلمون وغيرهم، بل لم يقل به من المسلمين من أهل السنة في بورما الذين صرحوا وأكدوا للوكالات العربية والعالمية إن الجرائم التي ترتكب ضدهم طالت المسلمين من السنة والشيعة على حد سواء.
فهذا القول الزائف مردود عليهم، فلم لا يدعو شيوخ الوهابية إلى الجهاد في بورما ضد البوذيين أو ضد الشيعة الموالين للبوذيين فيها كما يزعمون هم، وحماية المسلمين السنة فيها بدلاً من نباحهم في تأجيج الصراع في العراق وسوريا والدعوة إلى قتال الشيعة في هذين البلدين ؟
لم لا يقومون بالدفاع عن المسلمين ويحثونهم للقتال ضد البوذيين الكفار المعتدين بدلاً من تحريض المسلمين بعضهم على بعض وزرع الفتنة بينهم التي تؤدي إلى الاقتتال فيما بينهم وإرسال المفخخين لقتل النساء والأطفال والمدنيين العُزل وخاصة في العراق وسوريا الذين كان يعيش فيهما السنة والشيعة ولا يزالوا في حالة انسجام تام قبل أن تخلق فتاوى الوهابية البغيضة الطائفية المقيتة ؟
لم لا يصرفون أموالهم وعائداتهم النفطية على مساعدة وإغاثة المنكوبين من المسلمين في بورما بدلاً من صرفها على قتل المسلمين الشيعة والسنة في العراق وسوريا من خلال دعم مقاتلي داعش وغيرهم من الإرهابيين والانتحاريين ؟
لم لا يعملون على التوحيد ورص صفوف المسلمين وتوجيه إعلامهم على ما يتعرّض له المسلمون في بورما من المذابح والمحارق والدعوة إلى إيقاف هذه المجازر، بدلاً من الفتاوى المسمومة والخطب الخبيثة التي تبثها فضائياتهم لقتل المسلمين الشيعة في العراق وسوريا ؟
كل تلك الأسئلة وعلامات الاستفهام يقابلها صمت مطبق !!
تاريخ الشيعة وجذورهم في بورما
يعيش الشيعة في بورما من مئات السنين وتربطهم مع إخوانهم السنة هناك علاقات طيبة، ويقدر عدد المسلمين في بورما بخمسة ملايين مسلم منهم (300.000) نسمة من الشيعة، وتعود جذورهم إلى المهاجرين من شبه القارة الهندية وإيران الذين استوطنوها وتزوجوا من نساء بورميات أسلمن على أيديهم فنشأت من ذلك أجيال بورمية خالصة، ولهم في رانغون مسجد كبير يعتبر من أكبر مساجد العاصمة، وهو مقسم إلى ثلاثة أقسام: مسجد للنساء، وآخر للرجال، والقسم الثالث مخصص للإحتفالات الدينية وخاصة الحسينية في شهري محرم وصفر، وللمسجد كذلك مخازن موقوفة عليه متصلة به.
ولهم كذلك سبع حسينيات غير هذا الجامع متفرقة في العاصمة، كما أن لهم جمعيتان هما الهيئة العباسية وجمعية الخوجا الأثني عشرية، وتشرف على المسجد والوقف هيئة من الشيعة البورميين إيرانيي الأصل، وقد برز من شيعة بورما الكثير من رموز المجتمع البورمي، وكان لهم مكانة كبرى ومتميزة في رانغون كما تميز الشيعة في بورما بطيبتهم وخلقهم وتمسكهم بدينهم، ومن أبرز احتفالاتهم التي يقيمونها هي المآتم السنوية بذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، فيبدؤون فيه من أول محرم ثم تخرج مواكبهم في العاشر منه وتستمر المآتم حتى آخر شهر صفر .
كربلاء في بورما
وبلغ من حب الشيعة في بورما للإمام الحسين (عليه السلام) أنهم أقاموا رمزاً لمقام الإمام الحسين في كل بلدة، هو عبارة عن صورة مصغرة للمقام في كربلاء أطلقوا عليه اسم (كربلاء)، والسبب في إقامة هذا الرمز هو بعد المسافة بين بورما وكربلاء وصعوبة الرحلة إليها والظروف القاسية التي تمنعهم من الذهاب إلى كربلاء مما يتعذر عليهم زيارة قبر الإمام الحسين، فأقاموا هذه الرموز للمقام وسموها كربلاء ليزوروها، ويتواجد الشيعة في غير العاصمة رانغون بكثرة في ماندلا ولهم فيها مساجد وحسينيات وبيوت موقوفة إضافة إلى تواجدهم في العديد من المدن والقرى، وقد أقاموا في ماندلا أيضا مقاماً للإمام الحسين ففي رانغون كربلا وفي ماندلا كربلا
تمسك الشيعة بدينهم
ولم يترك الشيعة في بورما ذكرى سيد الشهداء (عليه السلام) رغم كل ما تعرّضوا له من الظلم والقهر والتعسف، حيث لا يزال الشيعة هناك يحيون هذه الذكرى الأليمة رغم أجواء الرعب التي يعيشونها، فقد أوردت وكالة أهل البيت (عليهم السلام) للأنباء ـ أبنا ـ في (26 اكتوبر 2015) خبراً بالرقم (716961) موثقاً بالصور تقول فيه:
(نظم المسلمون الشيعة مراسم العزاء الحسيني بمدينة (تانجي) في ميانمار (بورما) شارك فيها المؤمنون والمؤمنات،
بورما وتعرف أيضاً باسم ميانمار التي تقوم السلطات فيها بالاعتداءات الممنهجة والمنظمة ضد سكان الروهنغيا المسلمين في ميانمار، أقام المسلمون الشيعة مراسم العزاء الحسيني، في الحسينية التابعة لهم.
وكان حجة الاسلام والمسلمين الشيخ (جمال حسين) ألقى كلمة حول استشهاد الامام الحسين وأخيه العباس وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف.
وقام المعزون بتشييع رمزي لشهداء كربلاء في مسيرة جماعة شارك فيها المؤمنون والمؤمنات.
كما شارك عدد غير قليل من شيعة مدينة (يانغو وبروم) في مراسم العزاء الحسيني في هذه الدولة.
وشيد الحسينية في مدينة (تانجي) المرحوم (محمد علي المازندارني) وهو من المهاجرين الايرانيين إلى بورما قبل (115) عام.
وتقام في هذه الحسينية مراسم العزاء الحسيني وبرامج دينية وأعياد مذهبية في مناسبات مختلفة أخرى).
هذه بعض المقتطفات من تاريخ الشيعة في بورما والتي توضح أصلهم وأصالتهم وجذورهم في هذه الأرض التي ولدوا وعاشوا وتناسلوا فيها وكان لهم تاريخ عريق وحضارة فيها امتزج بتاريخها وتغلغل في عمقه جعلتهم يدافعون عن عقيدة راسخة وعميقة عن أرضهم ودينهم ويذودون عنهما بدمائهم.
مسلسل جرائم البوذيين بحق المسلمين
في عام (1824) احتلت بريطانيا بورما فقاومها المسلمون على العكس من البوذيين الذين دعمهم الاحتلال البريطاني مما زاد من تسلطهم وجعلهم يرتكبون مذبحة كبرى عام (1942) قتلوا فيها أكثر من ألف مسلم وشرّد أكثر من خمسمائة ألف مسلم خارج بورما، وذلك قبل أن تنهي بريطانيا احتلالها لبورما.
وقد عاقبت بريطانيا المسلمين جراء مقاومتهم احتلالها فعندما أعلن استقلال بورما عام (1948) شكّلت بورما كدولة تحت سلطة البوذيين في محاولة لإضعاف المسلمين فيها وجعلهم تحت مطرقة ونار البوذيين.
وفي عام (1962) قاد الجنرال (نيوتن) انقلاباً عسكرياً على الحكم فاشتدت معاناة المسلمين تحت وطأة التسلط البوذي، حيث سيطر الجيش على السلطة السياسية في بورما وفرض أحكاماً تعسفية بحق المسلمين في محاولة لطمس الإسلام من هذه الأرض، ومن هذه الأحكام الجائرة فرض البوذية على المسلمين وطمس هويتهم الدينية، وإخلاء المسلمين من أراكان ـ موطن المسلمين ـ وتهجيرهم من قراهم وأملاكهم.
فبعد السيطرة على الحكم مباشرة قامت السلطة بطرد أكثر من (300.000) مسلم من قراهم ومنازلهم ومزارعهم ليتم تهجيرهم بشكل قسري إلى بنغلاديش ليعيشوا على حدود البلدين في العراء وإعطاء أراضيهم وأملاكهم للبوذيين، واعتبار المسلمين غرباء حيث تم سحب جنسيتهم البورمية كما قامت السلطة بهدم وحرق المساجد والمدارس الدينية التي تدرس فيها علوم القرآن والحديث.
وكانت سنة (1967) شديدة وقاسية جداً على المسلمين حيث أجلت حكومة بورما (1600) مسلم من سكان (أكياب) الأصلاء وأبعدتهم من أماكنهم فالتجأوا إلى حدود باكستان، وقد نشرت جريدة الشعب البورمية في عددها الصادر يوم (27/6/1967) خبراً عن هذا الإجلاء ادعت فيه: (أن هؤلاء المبعدين كانوا باكستانيين) في حين أن هؤلاء المبعدين كانت لديهم وثائق وطنية رسمية تؤكد على أنهم من سكان بورما الأصلاء.
واستمرت عمليات التهجير القسري ففي نفس السنة أجلت الحكومة (13000) ألف مسلم من سكان كياوك تاوي ومينبيا وميهونغ وغيرها من ولايات أكتاب وأبعدتهم عن منازلهم وقراهم وأصبحوا بلا مأوى، كما أصدرت الحكومة أمراً على سكان مدينة مونغداي وبوتيدونغ في مقاطعة أراكان بعدم مغادرة أماكنهم ومحلاتهم إلى أي مكان آخر دون ترخيص من الحكومة، وفرضت أحكاماً تعسفية شديدة على سكان مدينة كيوتار واستولت على جميع ما يملكه المسلمون من وثائق تثبت إثباتاً قاطعاً إنهم من شعب بورما المواطنين الأصلاء، وأجبرتهم على توقيع أوراق بيضاء وضعت عليها بصماتهم بالقوة وبين ليلة وضحاها أصبحوا بلا مأوى يقيهم البرد وتحت الأمطار الغزيرة.
التجأ بعضهم إلى مدرسة عالية في مدينة شيكدار وغيرها من المدارس وإلى المدارس الإسلامية في مدينة مونغدو، فقام المسلمون هناك بمساعدة هؤلاء الضحايا المنكوبين، لكن تلك المساعدات لم تكن كافية لسد حاجة هؤلاء النازحين، فأصيب الكثير منهم بالوهن والضعف وخاصة من كبار السن والأطفال والنساء، فقام النازحون بالهتاف ضد هذه المعاملة وصاموا تعاطفاً مع أهلهم وذويهم الذين أضر بهم التهجير القسري، واحتجاجاً على المعاملة اللاإنسانية من قبل السلطات، فقام الجيش البورمي بإجلاء اللاجئين بالقوة من المدرسة، وتعامل مع النساء معاملة استفزازية لا أخلاقية وفظة، كما تعامل مع الشيوخ والعجزة بوحشية وبدون رحمة.
مقاومة الاستبداد
أبى النازحون أن ينصاعوا لأوامر الحكومة ودافعوا عن أنفسهم بالعصي والهراوات ومقاعد المدرسة، ووقعت اشتباكات عنيفة بين المسلمين والجيش البورمي الذي قابل هذا الإحتجاج بإطلاق النار عليهم فسقط بعض القتلى والجرحى من المسلمين، كما أصيب في هذه الإشتباكات ضابط في الجيش البورمي إصابة بليغة نقل على أثرها إلى المستشفى.
وقد اعتقل بعد هذه الاشتباكات ستة من المسلمين، وأصدرت الحكومة أمراً بمنع سكان المدينة من الوصول إلى المدرسة وتقديم الطعام أو أية مساعدة لهؤلاء المهجرين البالغ عددهم ألفي مهجر، ثم نقلوا جميعاً من المدرسة بالقوة على سيارات الناقلات الكبيرة بحجة إعادتهم إلى منازلهم، ولكن في الحقيقة أن الحكومة لم تعدهم إلى منازلهم، بل نقلتهم إلى مدينة مانغدي البعيدة مع المسلمين الآخرين من المدن الأخرى لترحيلهم إلى باكستان وسط إجراءات مشددة وفرضت على قانون عدم التجول بعد الغروب في مدينة مانغدي، ولكن المسلمين استطاعوا الفرار من هذه المدينة وعادوا إلى أماكنهم في أراكان وغيرها حتى صارت البلاد مزدحمة بالمهجرين من أماكن كثيرة
الإجلاء ليلاً
ولما رأت الحكومة فشل هذه الخطة عمدت إلى إجلاء المسلمين فئة بعد فئة بدلاً من إجلائهم جماعياً فكانت تُجلي أعداد صغيرة منهم عبر الزوارق ليلاً وتنزلهم على الحدود الباكستانية، وكل قارب تحرسه مجموعة من الجند، ولكن حكومة باكستان رفضت استقبال هؤلاء المهجرين قسراً وأرجعتهم إلى بورما، وهكذا أصبح المسلمون في بورما ضحايا لا يجدون مأوى تحت أشعة الشمس اللافحة أو تحت البرد القارس والأمطار الغزيرة فأقاموا في مخيمات لا تتوفر فيها أبسط متطلبات العيش فكان وضعهم مزرياً وقاسياً جداً.
وقد أصدرت الحكومة في نفس السنة قانوناً تقضي فيه بإلقاء القبض على كل من يساعد هؤلاء اللاجئين بالطعام والغذاء والملبس والدواء وغيرها من الاحتياجات في أي مكان يقيم فيه هؤلاء المهجرون ومحاسبته محاسبة صارمة، وقد نفّذت هذا القانون حيث ألقت القبض على (17) مسلماً أغلبهم من المثقفين وأصحاب الشهادات العليا لمحاولتهم تقديم المساعدة لإخوانهم المهجرين.
إلغاء نتائج الانتخابات واستمرار سياسة الإجلاء
وتتوالى الأعمال الوحشية من قبل البوذيين ضد المسلمين وتأخذ أبعادا أكثر قساوة وقمعاً ففي عام (1978) قامت السلطة البورمية بتهجير أكثر من (500.000) مسلم في أجواء قاسية جداً وعاملتهم معاملة وحشية، مما تسبب بوفاة (40.000) أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ وذلك حسب إحصائية غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
واستمرت الحكومة البورمية في ممارساتها القمعية لتهجير المسلمين بشتى الطرق وإخلاء البلاد منهم ففي عام (1988) قامت بتهجير (150000) مسلم من منازلهم وقراهم بحجة بناء قرى جديدة أكثر تطوراً، ثم قامت بإعطاء تلك المنازل والقرى للبوذيين في السلطة، وفي عام (1991) جرت انتخابات عامة في بورما شارك فيها الحزب الوطني المعارض الذي دعمه المسلمون، وقد فاز في هذه الانتخابات فوزاً ساحقاً، فقامت الحكومة البورمية بإلغاء نتائج الانتخابات وإجلاء أكثر من (500000) ألف مسلم لأنهم دعموا الحزب الوطني المعارض.
سياسة الضغط على المسلمين
كما فرضت على المسلمين أحكاماً تعسفية زيادة في الضغط عليهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم ومن هذه الأحكام العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء الثكنات العسكرية، وحرمان أبناء المسلمين من حق التعليم أو مواصلته، وحرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كانت مؤهلاتهم العلمية، ومنعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج إلا إلى بنغلاديش ولمدة يسيرة، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة رانغون أو أية مدينة أخرى جريمة يعاقب عليها القانون، وكذلك عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة أكياب، بل يمنع التنقل من قرية إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريح إضافة إلى عدم السماح لهم باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته.
كما فرضت قوانيناً اجتماعية مجحفة بحقهم تتعلق بتقييد الزواج ووضع العراقيل المشددة أمامه وفرض الضرائب الباهظة والغرامات المالية التي تثقل كاهلهم ومنع بيع المحاصيل الزراعية والتي هي مصدر العيش الوحيد لديهم إلا للسلطة التي تستغلهم أبشع استغلال فتشتريها منهم بأسعار بخسة لا تلبي أبسط متطلباتهم المعيشية كما فرضت عقوبات لأبسط المخالفات أقلها التهجير القسري خارج البلاد والسجن.
لقد ذاق المسلمون ومنهم الشيعة في بورما شتى صنوف الانتهاكات والتعذيب النفسي والجسدي وارتكبت بحقهم أبشع الجرائم المنكرة في حرب إبادة من قبل البوذيين وقد راح ضحيتها الآلاف وشرد الكثير و نهبت اموالهم وأحرقت منازلهم وقراهم في صمت عالمي غربي واسلامي مطبق.
وهذه بعض الأخبار التي أوردتها وكالات الأنباء العربية والعالمية عن الأوضاع القاسية التي يعيشها المسلمون في بورما:
يقول الناشط البورمي محمد نصر: (إن مسلمي إقليم أراكان في دولة بورما، يتعرضون حالياً لأبشع حملة إبادة من قبل جماعة (الماغ) البوذية المتطرفة، وأن عدد القتلى لا يمكن إحصاؤه.
وقال أيضاً: إن الجماعات الراديكالية البوذية المناصرة لـ (الماغ) تنتشر في أماكن تواجد المسلمين في بورما بعد إعلان بعض الكهنة البوذيين الحرب المقدسة ضد المسلمين.
وأشار إلى أن مسلمي إقليم أراكان يتنقلون في ساعات الصباح الأولى فقط وبعدها يلجؤون إلى مخابئ لا تتوفر فيها أي من مستلزمات الحماية، خوفاً من الهجمات التي وصفها بأنها الأشد في تاريخ استهداف المسلمين في بورما.
وأوضح أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لن يصلونا قبل أن نموت جميعاً فالوقت ينفد).
وتداولت وكالات الأنباء عن آخر المعلومات التي بينت أن أعداد القتلى قد تجاوز (400) قتيل، وارتفاع حصيلة الجرحى إلى درجة يصعب معها إحصاؤهم بسبب حالة الخوف والذعر التي تجتاح المسلمين في بورما.
وقد اضطر المئات من المسلمين البورميين للفرار من هذه المذابح عبر القوارب التي تقلهم إلى بنغلاديش فقامت حكومة بنغلاديش بإعادة عشرات القوارب الصغيرة المتهالكة المملوءة بالفارين، بحجة عدم إمكانيتها توفير المكان والطعام والمستلزمات الإنسانية لهم.
وقال عبد الله حبيب محمد إمام مسجد في إقليم أراكان: (أن المسلمين في بورما يحتاجون لكل شيء تقريباً، فلا مأوى ولا طعام ولا أمان.
وأشار إلى أن تشتت العائلة الواحدة في أكثر من مخبأ ساهم في حالة من الخوف على مصير الأبناء وخاصة الفتيات اللواتي يتعرضن للاغتصاب، ما دفع البعض منهن إلى رمي أنفسهن في البحر أثناء رحلة العودة إلى بورما بعد إرجاع حكومة بنغلاديش لقوارب الفارين من الموت).
ويقول محمد نصر عن سبب عودة المذابح التي ترتكب ضد المسلمين هو إعلان حكومة بورما الجديدة عن نيتها منح بطاقة المواطنة للمسلمين في أراكان، وهو ما اعتبرته الجامعة البوذية الماغ حرباً ضدهم لأنهم مازالوا يعتبرون المسلمين عرقاً دخيلاً على بورما ويصنفونهم كدخلاء.
كما أوضح أن الموقف غير حيادي بالنسبة للجيش الذي أحاط المساجد في (مانغدو) ذات الأغلبية المسلمة وفرض حظر التجوال ومحاصرة أحياء الروهنجيا المسلمين حصاراً محكماً من قبل الشرطة البوذية الماغيّة.
ومن أمثلة مسلسل الجرائم الوحشية المستمر ضد المسلمين ما أوردته وكالات الأنباء العالمية في (8/9/2015) هذا الخبر :
(اقتحمت الشرطة البورمية منزلاً روهنجياً بقرية هوروديل (نوارونغ دونغ) شمال مدينة منغدو، وقامت بالإعتداء على فتاتين روهنجيتين على مرأى من ذويهما، قبل إخضاع المنزل لتفتيش دقيق أسفر عن العثور على شريحة جوال بنغالية، وذلك وفقاً لما ذكرت وكالة أنباء أراكان.
وقالت الوكالة أن عناصر الشرطة برفقة عمدة القرية قامت بالاعتداء بالضرب المبرح على صاحب المنزل، وحاولت اقتياد إحدى الفتاتين إلى مركز قريب للشرطة بتهمة اقتناء شريحة الجوال قبل أن تضطر بضغط من الأهالي والجيران إلى إطلاق سراحها مقابل 300 ألف كيات بورمي.
يذكر أن بورما هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجرّم امتلاك شريحة جوال، وتحظر على الروهنجيا في أراكان اقتناء جوالات ذكية تحسباً لاستخدامها في التواصل مع العالم الخارجي وتزويد وسائل الإعلام بأخبار وصور الاضطهاد الواقعة بشكل يومي، تنفيذا لسياسة فرض التكتم الإعلامي على المنطقة وعزلها كليا عن العالم الخارجي).
كما أوردت وكالة شيعة نيوز في (29/4/2013) خبراً صاعقاً جاء فيه:
(ألقت السلطات البورمية القبض على 11 طفلا روهينجيا مساء أمس السبت بمدينة أكياب عاصمة ولاية أراكان، وتم صعقهم بالكهرباء ورميهم في البحر وسط أمطار غزيرة تشهدها المدينة)
الله أكبر حتى الحيوانات المفترسة لا تقدم على هذا الفعل لقد تجرد البوذيون من إنسانيتهم تماماً
لقد جرى على مسلمي بورما من الانتهاكات مالا طاقة لإنسان على تحمله مما دفعهم للوقوف والتحدي للسلطة والدفاع عن أرضهم وعرضهم وأموالهم وممتلكاتهم وحقهم في العيش في وطنهم فقاموا بالتصدي للجيش البورمي وهو يسلبهم حق وطنيتهم وقد جاء في نفس الخبر:
(اندلعت مواجهات بين المسلمين والجيش البورمي بمدينة أكياب إثر محاولة لجان التحقيق والجيش سحب وثائق من المسلمين تثبت جنسيتهم البورمية ، ليستبدلوها بمستندات تحمل صفة (بنغالي).
كما انتشر أكثر من 5000 مسلم في شوارع (أكياب) للدفاع عن دينهم وعرقيتهم، فقام الجيش بإطلاق طلقات نارية تجاه المحتجين، كما قامت السلطات البورمية بالهجوم على (13) قرية مسلمة في المدينة، وقامت باعتقال عشرات الروهنجيين، وداهمت عدة منازل وﻻ سيما منازل العلماء والتجار المسلمين.
وأضاف مراسل الوكالة أن مئات من الجيش البورمي ربطوا قطع قماش أحمر على رؤوسهم للدلالة على أنهم فرق الموت، لكن أهالي مدينة أكياب وقفوا ببسالة أمام تلك الهجمات العدوانية.
وبدأت سلطات الدولة إجراء دراسات استقصائية عن أسر الروهنجيا في أعقاب العنف يونيو حزيران في (منغدو) و(بوثيدونغ) و(سيتوي) في (أكياب) ومناطق أخرى من الدولة، مع محاولة طمس هويتهم وإبدالها بالجنسية البنغالية).