في فلسطين.. هتك الحقوق بين العنف والعنف المضاد

عبد الامير رويح

2016-03-09 04:07

سعت اسرائيل وفي ظل ضعف الاهتمام الدولي والعربي بالقضية الفلسطينية، الى تصعيد حملتها الاجرامية ضد ابناء الشعب الفلسطيني حيث شهدت الأراضي المحتلة في الفترة الاخيرة، وكما تنقل بعض التقارير موجة عنف كبيرة أسفرت منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن مقتل اكثر من 180 فلسطينيا في مواجهات وإطلاق نار وعمليات طعن قتل فيها أيضا 28 إسرائيليا، إضافة إلى أميركي وإريتري وسوداني، وهو ما اثارت قلق مخاوف العديد من الجهات الحقوقية خصوصا وان قوات الأمن الإسرائيلية قد سعت الى استخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، هذا بالاضافة الى اعتماد بعض القوانين والقرارات المتشددة والاستمرار بسياسة الاستيطان وهو ما قد يزيد حالة التوتر الحالية، خصوصا مع استمرار مسلسل القتل اليومي الذي تمارسه اسرائيل بحجة توفير الامن لليهود ومنع الاعتداءات و محاولات الطعن، وفي تقرير لهيئة شؤون الاسرى والمحررين فأن ما يقارب (%85) من الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي قد إعدموا ميدانياً خارج نطاق القضاء. وقالت الهيئة أن سلطات الإحتلال وبقرار رسمي إسرائيلي إستباحت دماء الفلسطينين واستخدمت القتل العمد بدل الإعتقال، وأن معظم الشهداء كان بالإمكان إعتقالهم ولم يشكلوا خطراً على حياة الجنود كما تدعي سلطات الإحتلال.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل فلسطينيين تسللا إلى مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة وجرحا مستوطنا. وقالت الشرطة الفلسطينية إن الشابين هما لبيب عازم ومحمد زغلوان ويبلغان من العمر 18 عاما، وهما من قرية قريوت القريبة من المستوطنة. وقال الجيش الإسرائيلي في البيان إن فلسطينيين تسللا إلى مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة وجرحا مستوطنا قبل أن يقتلهما جنود إسرائيليون. وأضافت الناطق باسم الجيش أن مستوطنا كان يحاول اعتراضهما قبل وصول الجنود، جرح أيضا.

كما هدمت اسرائيل منزلين جنوب الضفة الغربية المحتلة يعودان لفلسطينيين نفذا هجمات ادت الى مقتل خمسة اسرائيليين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بحسب ما اعلن الجيش الاسرائيلي. وكان محمد الحروب قام في 19 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بفتح النار عند تقاطع طرق مستوطنات اسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة قبل ان يصدم عمدا مجموعة من المشاة بسيارته، مما ادى الى مقتل اميركي واسرائيلي وفلسطيني واصابة عدة اشخاص بجراح. وفي ذات اليوم، اقدم رائد مسالمة على طعن اسرائيليين اثنين في مبنى في تل ابيب.

ويعد 19 من تشرين الثاني/نوفمبر اكثر الايام دموية بالنسبة للاسرائيليين منذ بداية اعمال العنف في تشرين الاول/اكتوبر الماضي. وقال الجيش الاسرائيلي انه هدم منزل محمد الحروب في قرية دير سامت ومنزل رائد مسالمة في قرية دورا، قرب الخليل. والشابان معتقلان لدى اسرائيل الان. وفي مواجهة اعمال العنف الحالية، قرر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تسريع عمليات هدم منازل منفذي الهجمات. ويعتبر معارضو هذا الاجراء بانه عقاب جماعي يلحق ضررا بالعائلات التي تجد نفسها بدون مأوى.

قتل بلا هوادة

وفي هذا الشأن قالت الشرطة الإسرائيلية إن أفرادا من الشرطة قتلوا بالرصاص فلسطينيين أطلقا النار عليهم خارج مدينة القدس القديمة وذلك في يوم قال فيه مسؤولون إن ثلاثة مهاجمين فلسطينيين آخرين قُتلوا في حادثين آخرين. وقالت متحدثة باسم الشرطة إن رجلين استخدما أسلحة آلية في إطلاق النار على رجال شرطة كانوا موجودين في ساحة بوابة دمشق وهو مدخل مزدحم للقدس القديمة ومسرح حوادث عنف كثيرة سابقة وإنهم ردوا بسرعة وأطلقواالنار على الشخصين.

وكان يمكن سماع صوت إطلاق عدة أعيرة نارية في شريط فيديو صوره أحد الهواة أثناء الحادث في ساعة متأخرة من المساء مع توقف حركة المرور بما في ذلك حافلة للركاب بالقرب من المكان. ولم ترد تقارير عن سقوط ضحايا آخرين. وفي وقت سابق قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده قتلوا بالرصاص مراهقين فلسطينيين كانا يرشقان السيارات بالحجارة في الضفة الغربية المحتلة بعد أن فتح أحدهما النار على الجنود. وفي حادث ثالث قالت الشرطة إن فلسطينيا حاول طعن جندي عند نقطة تفتيش في الضفة الغربية قرب القدس قبل قتله بالرصاص. وقال بيان عسكري أنه في حادث إطلاق النار الذي وقع قرب بلدة جنين في الضفة الغربية "رشق مهاجمان السيارات بالحجارة. "ولدى وصول القوات أطلق مهاجم النار عليها. ورد الجنود بإطلاق النار على المهاجمين مما أسفر عن مقتلهما."

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن فلسطينيين عمر كل منهما 15 عاما قُتلا. وقال واصف ابو بكر (56 سنة) الذي يسكن قرب مكان الحادث "سمعت صوت اطلاق نار. توجهت الى المنطقة في سيارتي. كنت قريبا حوالي 40 مترا. شفت (رأيت) واحدا على الأرض كان لساه (مازال) يتحرك. صرخت علي الجنود ارجع. والشاب على الارض أطلقوا عليه النار مرة أخرى يمكن 12 رصاصة. ثم سمعت مرة أخرى إطلاق نار لكن انا ما كنت شايف (أرى) الجثة الثانية." وقال أبو بكر انه لم يتمكن من رؤية ما إذا كان الشخص الملقى على الارض كان مسلحا. ونشر متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حسابه على موقع تويتر صورة لبندقية ام-16 ملقاة على الرصيف وقال انها السلاح الذي استُخدم ضد الجنود.

الى جانب ذلك طالبت السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي بممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على اسرائيل للإفراج الفوري عن جثامين الفلسطينين التي تحتجزها، بعضها منذ اسابيع طويلة. وقال امين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات في رسالة بعث بها الى الامين العام للأمم المتحدة بان كيمون ومنسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني ووزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، "بالنيابة عن رئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية، أدعوكم الى التحرك العاجل وممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية على إسرائيل للإفراج الفوري عن جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنون".

وذكر ان اسرائيل "تقوم وبصورة غير شرعية باحتجاز عشرة جثامين لشهداء فلسطينيين"، معددا اسماءهم. وقال عريقات في الرسالة التي وزع مكتبه نصها "ان احتجاز اسرائيل لجثامين الشهداء الفلسطينين يشكل ضربا من العقوبات الجماعية التي تمارسها اسرائيل ضد ابناء شعبنا والتي تحظرها جميع القوانين والمواثيق والاعراف الدولية، وتهدف بهذه الممارسة غير القانونية الى التنكيل باهالي الشهداء والحاق اكبر قدر من الاذى والظلم بهم". بحسب فرانس برس.

وقررت منذ تشرين الاول/اكتوبر الماضي، تاريخ بدء موجة من اعمال العنف في اسرائيل والاراضي الفلسطينية، احتجاز جثامين فلسطينيين نفذوا هجمات على اسرائيليين وقتلوا برصاص اسرائيلي كاجراء عقابي. ويثير هذا الاجراء الاستياء والغضب في المجتمع الفلسطيني. وسلمت السلطات الاسرائيلية خلال الاسابيع الماضية عددا كبيرا من الجثامين، لكنها لا تزال تحتفظ ببعضها. وتفرض اسرائيل شروطا على العائلات قبل تسليمها الجثامين، مثل ان يتم دفنها ليلا وعدم تشريحها ودفع كفالة مالية في بعض الاحيان.

طرد أُسر المهاجمين

على صعيد متصل قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يأمل في الحد من موجة هجمات يشنها فلسطينيون بطرد أُسر المهاجمين التي يثبت أنها حرضتهم على مهاجمة إسرائيليين إلى غزة. وطلب نتنياهو في خطاب للمدعي العام أفيخاي ماندلبليت أتيح لوسائل الإعلام النصح القانوني بشأن هذه الخطوة التي قال إنها "ستؤدي إلى خفض كبير في الأنشطة الإرهابية ضد الدولة ومواطنيها." وقالت مصادر سياسية إن ماندلبليت تولى منصبه الشهر الماضي وكان سلفه قد رفض مقترحات مشابهة لطرد الأسر طرحها وزراء يمثلون الجناح اليميني. لكن مع تنامي الضغوط على نتنياهو لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من موجة العنف التي دخلت شهرها السادس لا يبدو أنه سيخسر سياسيا بدرجة تذكر إذا ما طلب رسميا موافقة المدعي العام حتى لو لم يكن من المرجح حصوله عليها.

وفي الضفة الغربية أدانت منظمة التحرير الفلسطينية اقتراح الطرد قائلة "هذه سياسة تطهير عرقي وعقاب جماعي تمارسها حكومة نتنياهو لن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني." وقالت حركة حماس الإسلامية التي تدير قطاع غزة "كل هذه الإجراءات التي تقوم بها حكومة نتنياهو من عمليات قتل بدم بارد وهدم المنازل والتصعيد الذي تقوم به تتحطم على صخرة إرادة الشعب الفلسطيني وصموده." وأضافت "الحل يكمن بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وإقامته دولته الفلسطينية المستقلة." بحسب رويترز.

وقال موشي نجبي المحلل القانوني لراديو إسرائيل إن الطرد من الضفة الغربية والقدس الشرقية وهي المنطقة التي تتركز فيها أعمال العنف سيكون "خارج إطار القانون" ويتعارض مع القانون الدولي والإسرائيلي. ويقول زعماء فلسطينيون إن العديد من المهاجمين الفلسطينيين تصرفوا بدافع اليأس من غياب أي تحرك باتجاه إقامة دولة مستقلة. وقال مسؤولون إسرائيليون إن المهاجمين يحرضهم على العنف قادتهم ومواقع التواصل الاجتماعي. وقال نتنياهو في خطابه للمدعي العام إن بعضا من أسرهم كانت متواطئة كذلك. وكتب نتنياهو يقول "العديد من الأنشطة الإرهابية التي نفذت في الأشهر الأخيرة نفذها إرهابيون وصفوا بأنهم يعملون بشكل منفرد.. هؤلاء المهاجمون أحيانا ينتمون لأسر تشجع أفعالهم وتحرض عليها." وهدمت إسرائيل منازل أسر العديد ممن قالت إنهم مهاجمون في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة بهدف معلن هو ردع الهجمات.

تصريحات تثير الجدل

من جهة اخرى اثارت تصريحات رئيس الاركان الاسرائيلي جادي ايزنكوت جدلا واسعا في اسرائيل بعد دعوته الى عدم الافراط في استخدام القوة مع الفلسطينيين كرد على اعمال العنف التي بدأت في تشرين الاول/اكتوبر الماضي. وقال ايزنكوت الشهر الماضي في مداخلة على قناة تلفزيونية اسرائيلية خاصة "حين تحمل فتاة في الثالثة عشرة مقصا او سكينا وهناك مسافة بينها وبين الجنود، لا اريد ان ارى جنديا يطلق النار ويفرغ بندقيته عليها، حتى لو كانت ترتكب عملا بالغ الخطورة".

ولقيت تصريحات ايزنكوت (55 عاما) الذي تولى رئاسة اركان الجيش الاسرائيلي العام الماضي، ترحيبا من الداعين الى اعتماد اسلوب اكثر ليونة في مواجهة عمليات الطعن، مقابل غضب كبير من الجناح اليميني، بما في ذلك وزراء في الائتلاف الحكومي بزعامة بنيامين نتانياهو. وتشهد الاراضي الفلسطينية واسرائيل اعمال عنف اسفرت منذ الاول من تشرين الاول/اكتوبر عن مقتل 181 فلسطينيا وعربي اسرائيلي في مواجهات واطلاق نار وعمليات طعن قتل فيها ايضا 28 اسرائيليا اضافة الى اميركي واريتري وسوداني، وتقول الشرطة الاسرائيلية ان نحو نصف الفلسطينيين قتلوا برصاص عناصرها او الجيش خلال تنفيذهم او محاولتهم تنفيذ هجمات بالسكين على اسرائيليين. ويشكك الفلسطينيون غالبا في هذه الرواية.

وحصلت حالات عدة اتهم فيها الجيش والشرطة الاسرائيليان باستخدام القوة المفرطة، كما حدث في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما قامت فتاتان تبلغان من العمر 14 و16 عاما بطعن رجل باستخدام مقص. واظهرت اشرطة مصورة التقطتها كاميرات مراقبة اطلاق النار على الفتاتين، وبعدها قام شرطي اسرائيلي باطلاق النار مجددا على احداهما وهي ممددة ارضا. ويرى ضابط سابق في الجيش كان مسؤولا عن ايزنكوت ان تصريحات هذا الاخير تعكس اسلوبه ومقاربته التي وصفها "بالمتوازنة جدا، وغير المتسرعة". ويقول الميجور جنرال المتقاعد ايلان بيران "كان عليه ان يشرح ذلك بتفسير بسيط للغاية"، مضيفا "لكن الواقع ان الجدل المثار متعلق بالسياسة".

ونشأ ايزنكوت في مدينة ايلات الصحراوية المطلة على البحر الاحمر من ابوين مغربيين هاجرا الى اسرائيل. وعمل والده في المناجم القريبة. ووصفه احد معلميه في الثانوية بالطالب الجاد. ويؤكد اييلي ياكوف (63 عاما) الذي علم ايزنكوت في السبعينات ان توليه مناصب في الجيش كان امرا مفاجئا، قائلا "كانت مفاجأة بالنسبة الي، لقد كان فتى هادئ". ويتابع "اصبح جديا جدا" في السنوات الاخيرة. وروى شقيقه مرة لاحدى الصحف الاسرائيلية ان ايزنكوت اراد الانضمام الى سلاح البحرية الاسرائيلي، ثم غير رايه في اللحظة الاخيرة لانه اضحى مهتما بلواء غولاني في الجيش الذي يقاتل في الصفوف الاولى، وفي وقت لاحق تولى قيادة هذا اللواء.

ثم اصبح ايزنكوت قائدا للجيش في الضفة الغربية المحتلة وشمال اسرائيل قبل ان يصبح نائبا لرئيس الاركان. ويحمل شهادة في التاريخ من جامعة تل ابيب، وشغل في عام 1999 منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء في حينه ايهود باراك. واصبح رئيسا للاركان في شباط/فبراير 2015. ولا تعني تصريحات ايزنكوت الاخيرة انه يرفض استخدام القوة بالمطلق. فقد قال في التصريح نفسه الذي اثار جدلا ان على الجنود او عناصر الامن "استخدام القوة اللازمة" فقط.

في عام 2008، حذر ايزنكوت حزب الله اللبناني من ان اسرائيل سترد على اي غارة ب "تدمير هائل" للقرى اللبنانية التي انطلقت منها. وقال بعد عامين على الحرب بين حزب الله واسرائيل، ان على حزب الله الا يستخدم تلك القرى ك"قواعد عسكرية". ويستبعد للفلسطينيون ان تؤدي تصريحات ايزنكوت الاخيرة الى تغيير في السياسة الاسرائيلية. وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي " قال امرا منطقيا وعبارة عن مسؤولية اخلاقية، لا ارى لماذا اصبح فجأة عظيما للغاية، ربما مقارنة مع الوضع السياسي" السائد. بحسب فرانس برس.

ويؤكد مؤيدوه ان ايزنكوت يتبع باستمرار مقاربة متوازنة. ويروون انه ارسل رسالة الى نتانياهو عندما كان قائدا للمنطقة الشمالية عارض فيها شن هجوم على المنشآت النووية الايرانية. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، اكد الرجل ان الاتفاق النووي الذي تم التوصل اليه مع ايران في عام 2015 قد يحمل في طياته بعض المخاطر ولكنه يحمل ايضا بعض الفرص، خلافا لتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي وصف الاتفاق ب "الخطأ التاريخي".

في السياق ذاته اعلن الجيش الاسرائيلي ان الجنود الاسرائيليين تلقوا اوامر بحمل اسلحتهم الشخصية عند عودتهم الى منازلهم، حتى خارج خدمتهم العسكرية، من اجل ان يتمكنوا من التدخل في حال وقوع هجمات، في وقت تتصاعد هجمات الفلسطينيين. وقالت متحدثة باسم الجيش الاسرائيلي "امر رئيس الاركان الجنرال جادي ايزنكوت الجنود بحمل اسلحتهم حتى خارج خدمتهم" عند عودتهم الى منازلهم في اجازة مثلا. ويأتي هذا القرار بعد مقتل جندي مستوطن كان في اجازة طعنا بالسكين على يد شابين فلسطينيين فيما كان يتسوق في منطقة تجارية استيطانية في الضفة الغربية المحتلة.

وقالت زوجة الجندي لوسائل الاعلام انه كان طلب من رؤسائه السماح له بالاحتفاظ بسلاحه لحماية نفسه، ولكنهم رفضوا ذلك. واضطر الجندي لتسليم سلاحه في قاعدته. وكان الزوجان يقيمان في مستوطنة معاليه مخماس القريبة من موقع الهجوم. واثارت اقوال الزوجة جدلا كبيرا في وسائل الاعلام الاسرائيلية التي انتقدت عدم حمل الجنود الاسرائيليين اسلحتهم لدى عودتهم الى منازلهم في اجازة، ما لا يمكنهم من الدفاع عن انفسهم او التدخل في حال وقوع هجمات من فلسطينيين. وحتى الان، لم يسمح للجنود الاسرائيليين بحمل اسلحتهم خوفا من سرقتها او استخدامها للانتحار.

بنادق بدائية

الى جانب ذلك وخلال موجات سابقة من العنف الفلسطيني كانت حملات المداهمة الإسرائيلية في الضفة الغربية تعثر على كميات صغيرة من البنادق الهجومية. أما الآن فإن هذه الكميات تحتوي غالبا على لعب أطفال على شكل بنادق لكنها مزودة بما يجعلها قاتلة. وبعد عمليات ضبط ومصادرة على مدى سنوات أدت إلى كبح إمدادات البنادق غير المرخصة من طرز ام-16 والكلاشنيكوف ورفع أسعارها في السوق السوداء تحول بعض الفلسطينيين إلى صنع أسلحة نارية بدائية لشن هجمات في الشوارع على الإسرائيليين.

وبعد مرور أشهر على بدء موجة العنف الراهنة التي شملت عمليات قتل وطعن ودهس بالسيارات بدأ البعض في تصعيد الهجمات باستخدام أسلحة بدائية الصنع. وقد يسبب هذا التصعيد مشكلات للسلطات على الجانبين التي تسعى للحيلولة دون تحول موجة العنف إلى انتفاضة أخرى قد تجتذب فصائل فلسطينية مسلحة وتدفع إسرائيل إلى شن حملة كاسحة. وأظهرت حصيلة حملة مداهمة إسرائيلية لورشة معادن في الضفة الغربية المحتلة مثل هذا التحول. وكشفت صور أصدرها جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) عن بندقية قنص وبندقية أخرى تشبه البنادق التي كانت تستخدم في الغرب الأمريكي مثبت عليها كاتم صوت إضافة إلى مخرطة معادن.

وقد تكون مداهمة ورشة الخراطة شهادة على فاعلية حملات المداهمة السابقة التي شنتها أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء. وقال فلسطيني مطلع على تجارة هذه الأسلحة "البندقية ام-16 سعرها الآن ما بين 60 ألف و70 ألف شيقل (من 15 ألف إلى 18 ألف دولار) في الشارع في حين أن بندقية بدائية الصنع يمكن شرائها بمبلغ زهيد قد يصل إلى 2000 شيقل (512 دولارا). وأضاف قائلا "بالنسبة لشاب يتطلع لتنفيذ هجوم بموارد محدودة فإن الخيار واضح."

وتثير مثل هذه الأسلحة البدائية الصنع قلق المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وقال زعماء فلسطينيون وقوى دولية بالفعل إن إسرائيل كثيرا ما استخدمت القوة المفرطة ضد المهاجمين والكثير منهم من الشبان لكن إسرائيل تنفي ذلك قائلة إنها منعت هجمات قاتلة على مدنيين وقوات أمن. وحذر خبراء أمنيون من أن إسرائيل ستكون على الأرجح أقل قدرة على ضبط النفس إذا ما تعرضت قواتها ومواطنوها لهجمات منظمة ببنادق بصرف النظر عن قدرة هذه الأسلحة على القتل.

وقال عامي أيالون الذي رأس الشين بيت في الفترة من 1996 إلى 2000 عندما اندلعت أحدث انتفاضة فلسطينية ضد إسرائيل "أن يواجه جندي شخصا يحاول طعنه بمقص أمر مختلف تماما عن أن يواجه مسلحا ببندقية.. فهو لا يعلم إن كان هناك المزيد من الذخيرة أو ما إذا كانت البندقية مازالت تمثل تهديدا لذلك من المرجح أكثر أن يطلق عليه الرصاص." وأضاف "لذلك فإن الرد سيكون أعنف وسيتعين على المسؤولين السياسيين الدفاع عن هذا الأمر."

وتصاعد العنف بسبب عدة عوامل منها تزايد التوتر بشأن الحرم القدسي وفشل عدة جولات من محادثات السلام في ضمان إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين على الأراضي التي تحتلها إسرائيل. وقال زعماء فلسطينيون إنه مع غياب أي مؤشر في الأفق على حدوث انفراجة لا يرى الشبان اليائسون مستقبلا يتطلعون إليه. وتقول إسرائيل إن الشبان الفلسطينيين يقدمون على العنف بتحريض من قادتهم ومن جماعات إسلامية تدعو إلى تدمير دولة إسرائيل. وقالت السلطات الإسرائيلية إن فلسطينيين قتلا شرطية إسرائيلية وأصابوا آخر في القدس الشهر الماضي قبل أن يقتلا بالرصاص كانا مسلحين ببنادق بدائية الصنع تعرف باسم "كارلوس". وتقول السلطات إن بندقية كارلوس عبارة عن نسخة مقلدة من البندقية كارل جوستاف السويدية الصنع وتصنع في ورش الخراطة وتعد من بين أرخص البنادق التي تباع في السوق السوداء.

وقال مصدر أمني إسرائيلي إن انخفاض عدد القتلى الإسرائيليين نسبيا في الهجمات يرجع جزئيا لفشل المسلحين بهذه البنادق في إطلاق النار سريعا وذلك ربما بسبب انحشار الرصاصة في ماسورة البندقية. وتحتجز إسرائيل كذلك شقيقين فلسطينيين من مدينة الخليل بالضفة الغربية في أربع هجمات بالبنادق أسفرت عن إصابة جنديين ومدنيين اثنين. ويقول جهاز شين بيت أنهم استخدموا البندقية كارلوس وبندقية قنص بدائية الصنع مزودة بكاتم صوت مصنوع من علبة زيت وفقا لإرشادات تسجيل فيديو عثرا عليه على الانترنت.

وقال متحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية أنهم على علم بالأسلحة البدائية الصنع التي تصنع هناك. وقال اللواء عدنان الضميري المتحدث باسم الأجهزة الأمنية "تصنيع السلاح محليا موجود في كل مكان في الدنيا ونحن نعمل على مصادرة هذا السلاح لأنه أصلا يشكل خطرا على من يحمله ولا نسمح بوجوده." وأضاف "لا معلومات لدينا حول استخدامه في الأحداث الأخيرة لأننا لم نشارك في تحقيقات يدعي الإسرائيليون فيها استخدام هذا السلاح. الرواية كلها إسرائيلية الأداة المستخدمة والقاتل والمقتول كلها رواية إسرائيلية نحن نسمي ما تقوم به إسرائيل عمليات قتل بدم بارد." بحسب رويترز.

وأشار أنه لا معلومات لديه عن مدى انتشار مثل هذه الأسلحة وقال "نحن نعمل على ضبطه ومصادرته لما يمثله من خطورة على حامله أولا وعلى المجتمع ثانيا." وقال المصدر الفلسطيني إن البنادق البدائية الصنع قد تكون بنادق صوت طورت لتستخدم الرصاص الحي. وقال مسؤول بالشين بيت إن بعض صناع السلاح في الضفة الغربية يفككون أجزاء من بنادق إم-16 أو كلاشنيكوف المحطمة ويعيدون تركيبها بحيث تصلح للاستخدام ويكملون الأجزاء الناقصة في ورش الخراطة ويمكن بيع مثل هذا السلاح في السوق السوداء الفلسطينية بسعر خمسة آلاف شيقل (1280 دولارا). وقال مسؤول الشين بيت "بالطبع لن تكون مثل هذه الأسلحة بدقة السلاح المجمع في مصنع... أغلب الهجمات بالبنادق في الفترة الأخيرة استخدمت فيها بنادق بدائية الصنع. يبدو أنها كانت تتعطل في الكثير من الحالات".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي