مركز آدم ناقش.. حماية حقوق الإنسان من مخاطر المشاريع الإنشائية
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
2025-10-12 04:24
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات موضوع (حماية حقوق الإنسان من مخاطر المشاريع الإنشائية)، بحضور عدد من الأساتذة ومدراء المراكز البحثية والأكاديميين المختصين، وقد جاء في الورقة التي قدمها وتلاها الأستاذ الدكتور حيدر حسين الكريطي الأستاذ في كلية القانون بجامعة كربلاء:
تشكل موضوعة المشاريع الإنشائية عصب الحياة المعاصرة، من خلالها تقدم الخدمات، وتكفل حقوق الإنسان، في الوقت ذاته هي تمثل مقياسا لتقدم الدول عمرانيا، بل وحتى حضاريا.
تتمثل هذه المشاريع بالمباني على مختلف ألوانها وأشكالها، سواء كانت مباني سكنية، أو مباني غير سكنية كالمدارس، المستشفيات، يضاف إليها مشاريع البنى التحتية ك الجسور، السدود، مشاريع الطاقة.
نريد من خلال ما تقدم ان ننصرف نحو المشاريع التي ينفذها القطاع العام لخطورتها من جهة، ولأهميتها من جهة أخرى، لا سيما المخاطر الفنية المتعلقة بتلك المشروعات، وما ينتج عنها من إضرار تمس حياة الإنسان، والضمانات الواجب توفرها لمواجهتها.
المشاريع الإنشائية التي تنفذها دوائر الدولة والقطاع العام، تتم إما من خلال التنفيذ المباشر، وإما من خلال عقود الأشغال العامة، ما يخص التنفيذ المباشر فمجاله محدود، ويتطلب اجراء خاصة وتعليمات خاصة.
لكن الاسلوب الأكثر شيوعا هو عقود الأشغال العامة، لإنشاء هذه المشاريع وصيانتها وترميمها، هذه العقود تخضع لمعايير مشددة، وإجراءات متعددة، ومراحل فنية ومالية وقانونية، وذلك من اجل الوصول إلى أكفأ المتقدمين، وبأقل الأسعار.
هذا وغير معمول به في العراق مع الأسف الشديد، بمعنى إننا قلبنا تلك القاعدة رأسا على عقب، فبعض المشاريع الإنشائية لا تخضع للسياقات الأصولية والعامة، التي تحكم المناقصات والعقود، بل أصبحنا نبحث عن أردء العطاءات، بأعلى الأسعار، وذلك بفعل عوامل سنأتي على ذكرها لاحقا.
بطبيعة الحال ان إعداد هذه المعايير المشددة قانونا، تحتاج إلى تدخل دستوري أحيانا لتنظيمها، على سبيل المثال المادة (127) من الدستور العراقي منعت كلا من رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، والوزراء، وأعضاء مجلس النواب العراقي، وأصحاب الدرجات الخاصة ان يبرموا عقودا مع الدولة كمقاولين، أو موردين، أو ملتزمين، وهذا مما يصنف أعلى مرتب الحظر القانوني، وهو في الوقت ذاته ملمح من ملامح انضباط موظفين الدولة، ومنعهم من الاشتراك في المناقصات بصورة مطلقة، او المزايدات في حالات معينة.
هذه المشروعات الإنشائية تمر بسلسلة من المراحل الفنية، فالإدارة على سبيل الاستدلال عندما تريد ان تبرم عقد أشغال لإنشاء مشروع إنشائي، بادئ ذي بدء هناك دراسة جدوى للمشروع، فبعض المشروعات على سبيل المثال تعود بجدوى اقتصادية وفنية. فبعد دراسة جدوى المخططات والمواصفات، وجداول الكميات، تأتي من بعد ذلك مرحلة المتطلبات المالية، والمتطلبات القانونية، من اجل تخصيصات الأرض، من بعد ذلك تختار الإدارة الاسلوب الأمثل في تنفيذ اختيار المتعاقد، إما بالمناقصة وهو الاسلوب الأكثر شيوعا، أو بالدعوات المباشرة، والأساليب الأخرى.
المشكلة عندنا في العراق، ان قانون العقود في المادة (87) للعام (2004) فتح الباب على مصراعيه للاستثناءات، من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية، لذلك خولوا المحافظين، الوزراء، في توجيه الدعوات المباشرة.
وهذا اسلوب خطير جدا، فيما يخص الاستثناءات في العقود، فلو طالعنا قرارات مجلس الوزراء في اغلب الأحيان، يستثنى الدائرة الفلانية من مادة تنفيذ العقود، فهذا الاستثناء حقق للإدارة حرية اختيار المتعاقد، من دون ضوابط قانونية صارمة لمنع الفساد في هذا المجال.
وهو سلاح ذو حدين، فأحيانا تحتاج هذا الاستثناء لتوفير مثلا.. المواد الطبية، والمستلزمات العاجلة، التي تتوقف عليها حياة المواطنين، ولكن ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للاستثناءات، يقوي شهية بعض الشخصيات النافذة بان تسيطر على مجموعة من العقود الإنشائية دافعة واحدة.
بينما التعليمات القانونية تتحدث على ان الشركة التي تحال إليها ثلاثة عقود، لا يمكن ان تدخل في مناقصة جديدة، فهذه واحدة من الإشكاليات، وهي منشأ هذه المخاطر، فعندنا الإعداد القانوني والمالي، من بعد ذلك اختيار اسلوب العقد، وإعداد العقد وتنفيذه، ومن ثم تأتي فقرة تسليم الأعمال، ومادة الصيانة وهي سنة واحدة، ثم الاستلام النهائي.
وهذه هي حياة العقد الإداري، يشترك بها المقاول أو الشركة من جهة، والإدارة من جهة أخرى، وذلك على اعتبارها هي من تعد التصاميم، وعلى المقاول العمل وفق هذا الدستور، أو المخططات، أو الجداول.
في التنفيذ والإشراف هناك دائرة المهندس المقيم، هذه الدائرة تشرف على كل صغيرة وكبيرة في موضوعة العقود الإنشائية، هناك دليل المسح الكمي الذي يتناول كل الفحوصات الخاصة بالمشاريع، لا سيما ما يتعلق منها بالركائز، والمواد الخرسانية، فالخرسانة المائلة على سبيل الشاهد تعامل بطريقة تختلف عن الخرسانة المستقيمة، موضوعة المشاريع الفاشلة وغير الناجحة لا يقتصر على العراق فقط.
هذا ما يتعلق في تعريف هذه المشروعات ومراحل تنفيذها وإعدادها.
المحور الثاني: المخاطر الناشئ عنها
فكل مشروع إنشائي ينطوي على مخاطر محتملة، ولكن من خلال التخطيط المسبق يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية لتفادي هذه المخاطر، للأسف الشديد عندنا في العراق أصبحت المخاطر المحتملة واقعة في العديد من المشاريع.
ففي العام (2022) انهار المختبر الوطني للتحليلات في منطقة الكرادة بسبب رفع عدد من الأعمدة لتوسعة الفضاءات، حادثة الكوت التي قضت على عشرات الأرواح حرقا، من دون وجود مخارج طوارئ، هذا خلل واضح في التصميم، فبعض المخاطر تظهر في التصميم، أو في مرحلة أشغال البنايات.
أخرها تلك الحادثة المأساوية التي تخص جسر ناحية العطيشي في كربلاء المقدسة، هذا الجسر انهار بسبب بعض التغييرات التي أجرتها الشركة في جداول الكميات، والتصاميم، والمواصفات.
وهنا محل اشكال كبير فكيف تصرفت تلك الشركة بالجداول، مع وجود الرقابة الفنية المشددة، البعض تذرع باستعمال القوالب المقوسة بدلا عن المستقيمة، مما تسبب حينذاك في زيادة الأحمال، الخلل الحاصل هو في أسفل بسبب التدعيم.
علما ان دليل المهندس المقيم يوجب اتخاذ الإجراءات، تسييج منطقة العمل، إقامة السقوف الثانوية والشبكات، بالنتيجة نحن أمام ضوابط تخص السلامة المهنية حفاظا على العاملين من جهة، وعلى سلامة المواطنين من جهة أخرى.
هذه المخاطر لها مناشئ..
أولا: العامل القانوني: يتعلق بموضوعة الاستثناءات وما يحيط فيها من محددات ضابطة، فقانون برايمر يحمل بين طياته عبارات فضفاضة يمتلكها الضبابية والغموض، على الجانب الأخر ليس لدينا قانون موحد للعقود في العراق، بل هناك تناثر تشريعي مربك.
ثانيا: مناشئ العقود: في العقد الإداري كفة الإدارة راجحة على كفة المتعاقد، وليس في مركز متساو، وهذا مما يجعل فرضية التعاقد من الباطن، أو التنازل عن العقد، أمر غير مباح قانونيا الا في حدود معينة بموافقة الإدارة.
ما يحصل اليوم هو وجود المتعاقد الخفي، فعندما تتعاقد مع الشركة على التنفيذ عليها ان تقدم أعمال مماثلة، وعلى حسن التنفيذ من الدائرة المعنية، أيضا هناك تفاصيل أخرى تخص الخبرة التخصصية، ووجود كادر قيادي.
بالنتيجة نحن أمام ضوابط قانونية مشددة جدا في تنفيذ العقود الإنشائي، ولكن تجاوز الضوابط القانونية والتعليمات يضع العقود أمام إشكالات عظيمة أساسها الاستثناءات.
ثالثا: العامل المالي: هذا شكل من أشكال المخاطر التي تتعرض لها العقود الإنشائية، ففي حال تأخر الصرف المالي يضر بانسيابية العمل الإنشائي.
رابعا: العامل السياسي: هو نوع من أنواع التنافس غير المشروع، خاصة في مضمار الدعايات الانتخابية واستعجال تلك المشاريع، فهذا يتسبب بمخاطر إنشائية تضر بحقوق الإنسان.
المحور الأخير: مساس هذا المخاطر في حقوق الإنسان
قطعا ان حقوق الإنسان التي تكون عرضه لهذه المخاطر هي..
- الحق في الحياة
- الحق في السلامة الجسدية
- الحق في العمل
- انتهاك حق الإنسان في الصحة
- الحق في بيئة نظيفة ومستدامة
- الحق في الملكية
- ملكية الدولة
الضمانات التي وفرها القانون في مواجهة هذه المخاطر هي..
أولا- الضمانات الجنائية
ثانيا- الضمان العشري للعقود
ثالثا- الضمانات السياسية
ولاستيعاب تلك الحقيقة أكثر كان لابد من الاستئناس بآراء الإخوة الحضور وذلك من خلال طرح الأسئلة التالية:
السؤال الأول: ما هي العوامل التي تؤدي إلى تزايد مخاطر المشاريع الإنشائية؟
السؤال الثاني: ما هي المعالجات المقترحة لصيانة حقوق الإنسان في مواجهة المخاطر الناجمة عن تنفيذ المشاريع الإنشائية؟
المداخلات
قوة الرقابة تقلل المخاطر
- الدكتور خالد عبد النبي الأسدي؛ باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
هناك لجنة اعمار في كل محافظة من محافظات العراق، هذه اللجنة مختصة في تحديد السقف المالي لهذا المشروع أو ذاك، فعندما يتم خفض تلك النسب المالية لمستويات اقل، سيكون يكون هناك شائبة أو خلل فني في تفاصيل هذا المشروع.
بالتالي فان المهندس المقيم هو المسؤول الأول والأخير عن أدق التفاصيل، لذلك ان قوة الرقابة تقلل من تلك المخاطر، كذلك ان العقوبات الرادعة مقيدة في العراق، هي التي أعطت لتلك الظاهرة زخما كبيرا.
توفير الضمانات الرقابية
- الدكتور علاء الحسيني؛ مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
ان القواعد والأسس القانونية التي تحكم هذا الموضوع كثيرة ومتعددة، لكن بطبيعة الحال هناك عوامل كثيرة أدت إلى عدم الالتزام بهذه القواعد، من ضمن هذه العوامل هي ضعف الرقابة، وتشظّي هذه الرقابة.
وهذه الجهات الرقابة المتعددة وبسبب عدم وجود التنسيق فيما بينها، سبب حالة من التهطل في عملها، لدينا الهيئات الرقابة التي تراقب مثلا الرقابة الداخلية، الرقابة الإدارية، الرقابة المالية، الرقابة السياسية، الرقابة الشعبية، وما شاكل.
بالتالي لدينا عشرات الرقابات في العراق، لكن للأسف الشديد هناك غياب تام في التنسيق ما بين تلك الرقابات، فعلى سبيل المثال الرقابة الإدارية، لا بد ان تفعل، وذلك من خلال إبرام هذا العقد ومروره بهذه المراحل الكثيرة.
بمعنى ان يكون هذا العقد تحت مظلة الرقابة الإدارية، حتى نتجنب الوقوع في أخطاء صياغة هذا العقد، أو وضع بعض البنود التي تكفل حقوق الإنسان، من ثم تبدأ الرقابات الأخرى المرافقة مثل الرقابة الفنية التي مصدرها المهندس المقيم.
أيضا الرقابة الإدارية من قبل الجهة التي منحت هذا العقد، كذلك الرقابة المالية من قبل الجهة التي منحت العقد، تأتيك بعد ذلك الرقابة البرلمانية، والرقابة الشعبية.
أخيرا وليس أخرا رقابة الرأي العام غير المفعلة بشكل حقيقي، من ثم الهيئات المستقلة كالنزاهة هي الأخرى مدعوة للرقابة، بدل ان تنتظر الأخبار من جهة أخرى، لذلك ان الإكثار من هذه الرقابات شكل عقبة أمام الإدارة، وعطل أعمال تلك الإدارة.
فالإكثار من هذه الرقابات شكّل عقبة أمام الإدارة أولاً، وسبب تعطل أعمال الإدارة حقيقة، وتعطيل أعمال الإدارة هو خطر بحد ذاته أيضاً واعتداء على حقوق الإنسان؛ لأنه سوف يشكل تأخيراً في إنجاز المشاريع المهمة لحياة الناس. لكن الإكثار منها مشكلة، وعدم الإكثار منها أيضاً مشكلة.
بالتالي من المفترض ان تكون هناك استراتيجية مدروسة من قبل الدولة للتركيز على الدراسات الإستراتيجية، وان تكون هناك تهيئ للكوادر في كل دوائر الدولة للتعامل مع العقود ابتداء من مرحلة الإعداد لها، إلى مرحلة الإبرام، إلى مرحلة التنفيذ، إلى مرحلة الإنهاءات، وتسوية المطالبات المالية.
أو ما شاكل من الضمانات الأخرى التي تمس ناحية الضمان العشري، حسن الأداء، بالتالي لابد ان نزج فيها الكوادر الإدارية والوظيفية الحكومية لمعالجة تلك الإشكالات، الأمر الأخر لا بد ان تكون هناك دائرة مختصة في العقود، وفي النظم القانونية.
تحول المسؤولين إلى مقاولين
- الدكتور خالد العرداوي، مركز الفرات للدراسات والتنمية الإستراتيجية:
يطرح مجموعة أسباب تقف خلف هذه المخاطر وأسبابها..
تُعد إدارة المشاريع الإنشائية في العراق واحدة من أكثر القضايا تعقيداً، حيث تتشابك فيها عوامل الفساد والإدارة غير الرشيدة. وفيما يلي تحليل معمق لهذه الإشكالية:
عندما يبني الفرد منزله، يتحرى بدقة عن المقاول المناسب، لكن هذه الآلية تنعدم في المشاريع الحكومية نتيجة:
1. غياب ثقافة المسؤولية تجاه المال العام:
- اعتبار المال العام "مجهول المالك"
- انعدام الشعور بالمسؤولية المجتمعية
- ضعف الوازع الديني والأخلاقي
2. تحول النخبة السياسية إلى مقاولين:
- استغلال المناصب عبر واجهات أسرية
- توظيف "المكاتب الاقتصادية" للأحزاب
- تكريس نظام المحسوبية والوساطة
3. هيمنة ثقافة العمولات:
- انتشار ظاهرة "العمولة" (10-20%)
- إفلات المخالفين من العقاب
- تحول الفساد إلى ثقافة مؤسساتية
4. تحول الدولة إلى إقطاعيات:
- توزيع الوزارات والدوائر كمناطق نفوذ
- غياب التخطيط الاستراتيجي الموحد
- انهيار نظام الرقابة المتكامل
- استغلال حاجات المواطنين انتخابياً
5. الإدارة غير الرشيدة للمواصفات:
- غياب المعايير الفنية
- تكرار الصرف على مشاريع غير مجدية
آليات المعالجة المقترحة:
1. الإصلاح المؤسسي:
- تفعيل الرقابة الإدارية المستقلة
- إنشاء قاعدة بيانات للمقاولين
- توحيد معايير التنفيذ
2. الإصلاح القانوني:
- تفعيل العقوبات الرادعة
- تطبيق مبدأ "المساءلة"
- حماية المبلغين عن الفساد
3. الإصلاح الإداري:
- تأهيل الكوادر الفنية
- اعتماد أنظمة الجودة
- توثيق مراحل التنفيذ
4. الإصلاح المجتمعي:
- تعزيز الرقابة الشعبية
- تفعيل دور الإعلام
- بناء شراكات مع المجتمع المدني
الخلاصة:
تمثل هذه الإشكاليات تحدياً وجودياً للدولة العراقية، حيث:
- الخسائر المادية تتجاوز مليارات الدولارات
- الخسائر البشرية تتمثل في الأرواح البريئة
- الخسائر المجتمعية تظهر في انعدام الثقة
"الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إرادة سياسية حقيقية، ووعي مجتمعي راشد، وآليات تنفيذ فاعلة". فالدول التي استطاعت تجاوز تحديات مماثلة اعتمدت على:
- الشفافية المطلقة
- المحاسبة العادلة
- الاستعانة بالخبرات
- التخطيط الاستراتيجي
وهذا بالضبط ما يحتاجه العراق لتحقيق النهضة المنشودة في قطاع الإنشاءات وغيرها من القطاعات الحيوية.
الاستثمار في البناء المعنوي
- الأستاذ باسم الزيدي؛ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان المشاريع الإنشائية هي نوع من أنواع الاستثمار، وهذا الاستثمار عادة ما يكون في الأشياء المادية، وليس في الأشياء المعنوية، ما يعنينا في هذا المقام هو الجانب المعنوي على اعتباره هو الأخطر، هنا نعني الاستثمار الحكومي في الجوانب المعنوية.. على شاكلة التعليم، بناء الإخلاص، الأخلاق، الفضائل، أو ما شاكل.
لذلك نجد إي مجتمع مهما بلغت مرحلة أعماره إذا لم يستثمر في الجانب المعنوي، الجانب المادي سينهار والعكس صحيح، في المجتمع العراق وخلال عقدين من الزمن ونحن نعاني من وجود خلل قانوني وسياسي واقتصادي وعمراني، في الحرب العالمية الثانية سبيل الشاهد شهدت أوروبا انهيار عمراني، لكن في المقابل الجانب القيمي لم ينهار من مثل.. حب الوطن، الإخلاص في البناء.
بالنتيجة هذا هو البناء الحقيقي الجامع للبناء المعنوي والمادي، وهذا ما أورده القرآن:
(فمْن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، بالنتيجة نحن نحتاج لحلول تركز على هذا الجانب.
تفعيل الضوابط وتطبيق الانظمة
- الدكتور عقيل كريم الحسناوي؛ أكاديمي وباحث:
في إحدى الجامعات الأهلية، استضافوا مغترباً عراقياً مقيمًا في بريطانيا. تحدث الرجل عن أنظمة ضمان الجودة في الجامعات البريطانية، فكان رد المسؤول الجامعي - وبحماس - أن كل ما ذكره "موجود عندنا، كل البرامج نفسها موجودة لدينا!"
هنا تكمن المعضلة: الفرق ليس في وجود الأنظمة والضوابط، بل في الفرق بين الوجود الورقي والوجود الفعلي.
ففي العراق كل الضوابط موجودة نظرياً (في المشاريع الإنشائية وغيرها)، كما يمكنك تضييق الشروط كما تشاء ("شدّد شروطك")، وحتى لو وجد قصور في تعليمات العقود، يمكن سد الثغرات.
والسؤال الجوهري: "المشكلة ليست في وجود الضوابط، بل في: كيف تفعل هذه الضوابط وتشغلها؟"
وفي مثال حي من أرض الواقع: "سيارة تمر تحت جسر يشهد أعمال بناء؟ ولا يوجد حتى طريق بديل... الأمور واضحة جداً. كل الضوابط موجودة لكن التطبيق غائب."
ان القانون موجود ولا نقص فيه، وإذا كان هناك قصور يمكن سده عبر بنود العقد. لكن السؤال الحقيقي: كيف تجد الشخص الذي يعمل بشكل صحيح؟ هنا يكمن الخلل!
يتبع البريطانيون قاعدة 20% ضد 80%: فيكفي 20% من الكوادر، يديرون البلد ويقودون الـ 80% الباقين. هذه النسبة القليلة كافية لقيادة الكل."
ان المشكلة العراقية ليست في نقص التشريعات، بل في:
غياب آلية التفعيل الحقيقي للضوابط، ونقص الكوادر الكفؤة التي تطبق الأنظمة، والافتقار إلى ثقافة الالتزام التي تجعل النصوص حية.
ان الفرق بيننا وبينهم ليس في ما نملكه من أوراق، بل في من يحوّل هذه الأوراق إلى واقع ملموس.
تخوين المصلح واستلاب البيئة
الشيخ مرتضى معاش:
ان تمركز السلطات هو الذي يجعل الجميع مشترك في الجريمة، بمعنى آخر ان الكل يحمي الكل، ونتيجة ذلك ان يخرج الجميع سالمين غانمين من هذه المحمصة، هذه هي احد الأسباب الأساسية للمخاطر الإنشائية.
إلى جانب ذلك هناك نوع جديد من أنواع الاستبداد وهو الاستبداد التشريعي الذي يرافق الاستبداد السياسي الحاكم، هذا المعطى يوفر شكل من أشكال الاستبداد القانوني الذي يتناسب مع الحكام، بالإضافة إلى ذلك هناك المخاطر البيئية الناجمة عن المشاريع الإنشائية.
في مدينة كربلاء المقدسة على سبيل المثال لا يوجد لدينا مشروع إنشائي يلاحظ القضية البيئية، بل على النقيض من ذلك هناك عملية استلاب كاملة للبيئة، على حساب حق المواطن في بيئة صحية صالحة، فالمدينة اليوم أصبحت ملوثة مما يتسبب بالكثير من الأمراض وذلك لتراكم المشاريع الاسمنتية على حسب الغطاء الأخضر، والاسوء من ذلك ان بعض تلك المشاريع لم تخضع للتخطيط المديني الشامل، مما جعلها مؤثرة بشكل سيء على انسيابية المرور وتكاثر الازدحامات المزعجة،، أيضا مسالة عشوائية الأعمار التي تكتنف كل عمليات البناء للمشاريع وغالبها أصلاً غير ذات جدوى حقيقية لحاجة المواطن المولات، بل ان الكثير من المشاريع قامت بتدمير هوية المدينة، فكان من الأفضل بناء المدارس والجامعات خارج المدينة لتكون نموذجية وواسعة، وبناء الحدائق داخل المدينة لتكون الرئة التي تتنفس بها.
إلى جانب ما تقدم هناك معضلة تخوين المصلح في أي نقد رقابي مما يفسح المجال واسعا أمام المفسد، وهي مشكلة ثقافية كبيرة.
انتاج الفساد
الدكتور علاء الدين الكاظمي؛ باحث واكاديمي:
ان المشهد العراق تتملكه الكثير من المشاكل والأزمات في جميع المناحي الاقتصادية والعمرانية والسياسية والاجتماعية، وهذا بسبب الفساد السياسي، بالنتيجة ان ضبط إيقاع هذا المجتمع لا يقف عند حدود النص الوضعي، بل يحتاج إلى الواعز الداخلي.
والمشاكل التي تظهر للعلن - مثل حادثي الهايبر ماركت والعطيشي - ليست سوى قمة جبل الجليد. نحن نتفاعل معها بحماس، لكن المشاكل الحقيقية أعمق بكثير ومطمورة في أساسات نظامنا.
نشبه وضعنا الحالي بمن يبني عمارة من 20 طابقاً على أساس لا يتحمل أكثر من طابقين. كلما أضفنا طوابق جديدة (مشاريع وتطورات سطحية)، ازدادت احتمالية الانهيار الكارثي.
ان الفساد السياسي هو "الأساس المتآكل" لكل الأزمات، والخوف الحقيقي من "انهيار شامل يعيدنا إلى ما دون الصفر، والمعالجة يجب أن تبدأ من "إصلاح الأساس" قبل البناء عليه.
كما ان القانون والسلطة وحدهما لا يكفيان لضبط السلوك. الإنسان يحتاج إلى وازع داخلي نابع من التقوى والأخلاق، ثم تنعكس هذه على تصرفاته."
كذلك نحن نميل إلى لوم المسؤولين فقط، بينما جزء كبير من المسؤولية يقع علينا، والتساؤل الجوهري: "من أوصل هذه الوجوه إلى السلطة؟ لكننا نعيد انتخاب نفس الأشخاص ثم نتوقع نتائج مختلفة!
ان رفض الشعب البريطاني لتشرشل بعد انتصاره في الحرب يمثل نموذجاً للوعي المجتمعي: فهذا الشخص المؤهل للحرب لن يكون مؤهلا للسلام. بينما نحن نصر على توريث المناصب لأجيال!
والمشكلة ان الحكومة تروج لمشاريع ترقيعية مع غياب تام للبنية التحتية الحقيقية لبناء الدولة، وانعدام الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة.
نحن نبني على جرف هش... والكارثة ليست مسألة إذا بل متى. الإصلاح يجب أن يبدأ من أساسات النظام، ومن وعي النخبة والمجتمع، وإلا فمصيرنا الانهيار الذي سيعيدنا إلى ما دون الصفر."
النهضة الحقيقية تحتاج إلى عقول
الأستاذ خليفة التميمي؛ كاتب وإعلامي:
أدوات التغيير الإداري مرت بمراحل تطورية حتى وصلت إلى ما نعرفه اليوم: فقد بدأت بمرحلة ضمان الجودة، ثم تطورت إلى الجودة الشاملة، ثم تحولت إلى الأيزو (بمعنى الشهادة)، وأخيراً وصلت إلى الكايزن (أخذُ الحسن من الأحسن).
أما في مؤسساتنا ودوائرنا، فإن مفهوم الجودة الشاملة لا يزال محصوراً في فكرة رضا الموظفين والجمهور (أي تقييم الخدمة المقدمة بأنها جيدة أو غير جيدة). وهذا المفهوم في واقعنا يظهر، على سبيل المثال، عندما تكون خدمة الكهرباء متوفرة، فيقول المواطن إن الخدمة جيدة، بينما هذه الجودة ليست محققة على مدار العام.
كما أن التقارير الخاصة بالأداء ترفع إلى القيادات العليا، ولكن لا أحد ينظر فيها، وهذه العادة تتكرر سنة بعد سنة.
ما نحتاجه حقاً – ومثلاً ما فعلته اليابان عندما استعانت بالمفكر الاستراتيجي "ديمينغ" لإعادة بناء مفهوم الأيزو وتحسين جودة منتجاتهم – هو عقول مفكرة. فالنّهضة الحقيقية تحتاج إلى عقول قادرة على القيادة.
هذه العقول التي تتولى الإدارات اليوم تواجه تراثاً إدارياً ضخماً جداً، يمتد إلى فترة ما قبل الدمار الذي تعرض له البلد، ثم جاءت مرحلة الفوضى الخلاقة، التي أعقبها سيطرة المصالح الذاتية.
وهذا التراث الضخم كان من المفترض أن تتم استيعابه منذ البداية، لو بدأت مرحلة تخطيطية حقيقية للمستقبل. فأنت لا تنطلق من الصفر، لكننا في العراق – للأسف – سنضطر لأن ننطلق من الصفر لأن كل ما كان قائماً قد تحول إلى دمار.
حياة الإنسان العراقي مهددة في جميع المناحي
- الأستاذ محمد علاء الصافي؛ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:
من أهم الإشكالات الموجودة اليوم في المشاريع الإنشائية بالعراق هو غياب الجانب الرقابي. فبلد مثل العراق مر بحروب وانتكاسات وصراعات كثيرة، ومن المنطقي أن تُقام فيه المئات بل الآلاف من المشاريع سنوياً، خاصة مع زيادة السكان والطلب على الخدمات. ومن الطبيعي أيضاً أن تحدث أخطاء أثناء التنفيذ.
لكن الإشكال الحقيقي في المشاريع الحكومية بشكل عام هو غياب الرقابة، وهي التشخيص الأساسي للمشكلة.
ويمثل الاستهداف السياسي أحد المخاطر الرئيسية في المشاريع الإنشائية. ومثال ذلك حوادث حرق المستشفيات التي تكررت لسنوات طويلة، في تلك الفترة، كانت الأمور تصل إلى حد أن "مجرد موظف يُعد الشاي قد يتسبب في حريق". هناك بالفعل جزء من الإهمال مرتبط بغياب الجانب الرقابي داخل المؤسسات نفسها (واستهانة بالأرواح)، لكن النتيجة النهائية كانت وجود استهداف سياسي.
لاحقاً تبيّن أن الأمر كان بالفعل استهدافاً سياسياً لحزب معين له وزير معين، حيث أرادوا إسقاط هذا الحزب في قضية معينة، فتم إسقاط صورته وتياره، وبالنتيجة كان لابد أن يشمل الجميع بعملية التسقيط.
"والدليل أنه بعد إزاحة هذا الوزير أو المسؤول، لاحظنا أن هذه الحوادث اختفت، واتجهت إلى جانب آخر".
"وكذلك موضوع الاستهداف السياسي وعدم تورع الأحزاب الحالية عن استهداف بعضها البعض، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المواطن".
"هذا السيناريو يجب أن نأخذه في الحسبان. هم لا يهتمون حتى لو حدثت خسائر، ففي سبيل إسقاط الخصم سياسياً، أنا مستعد لفعل أي شيء".
في النهاية، تعود المخاطر التي تحدث إلى جانب الفساد وغياب الرقابة وعدم المحاسبة.
"عندما تتكرر هذه الأحداث ويتم إدانة جهة أو شخص مسؤول معين، يمر الموضوع مرور الكرام دون محاسبة حازمة لهذا الاستهتار، مما يعني أن عدم المحاسبة يؤدي إلى تكرار النتائج، وتكرار المآسي بشكل كامل".
لذلك، على الأجهزة القضائية أن تمارس دورها الحقيقي وبحزم في مواجهة هذه الأمور.
وفي حادثة الكوت، أكد مسؤولون في الدفاع المدني أن القوانين والإجراءات المطبقة في العراق في جانب الدفاع المدني هي الأعلى والأفضل في المنطقة، لكننا نرى النتائج كارثية، "مما يعني أن المشكلة في الفساد". فـ"الفساد وعدم محاسبة المقصرين دائماً ما يقودان إلى كوارث جديدة".
دورات قانونية وهندسية
- الأستاذ حسين شاكر العطار؛ باحث واكاديمي:
من أهم التحديات في المشاريع الإنشائية بالعراق هو تغيير المسؤول والاستراتيجية مع كل إدارة جديدة. فالمؤسسات الحكومية بحاجة إلى استراتيجية موحدة ومستقرة، بغض النظر عن تغير المسؤولين. لكن الواقع يشير إلى أن كل مسؤول جديد – سواء في وزارة أو مديرية أو دائرة – يأتي بأولويات تختلف عن سلفه، مما يؤدي إلى توقف ما تم بناؤه سابقاً والبدء من جديد.
ومثال ذلك إطلاق "رؤية 2050" من قبل حكومة غير مستقرة في الشهر الأخير من دورتها كمثال على التخطيط غير الفعال. والعمل ببعض المشاريع غير ذات الأولوية، مثل إنشاء جسر لعبور شارع عريض بتكلفة تصل إلى 20 مليار دينار، في حين توجد حاجة ماسة لبناء مدارس ومراكز صحية.
من الحلول الجوهرية إعادة تفعيل الضمان العشري للمقاولين. فتفعيل هذا البند كفيل بإلزام جميع المقاولين والمهندسين بمراجعة أدائهم وضمان جودة أعمالهم.
إضافة إلى ذلك، أصبح الاستثناء هو القاعدة، بينما أصبحت التعليمات العامة هي الاستثناء. هذه معضلة حقيقية، حيث أن "جميع ما شهدناه من كوارث ومشاكل وملفات فساد كان أساسها منح الاستثناءات".
ان غياب تحرك الادعاء العام يمثل إشكالية كبيرة. المفترض أن أي حادث – مثل انهيار شارع أو سقوط جسر – يستدعي تحرك الادعاء العام فوراً وفتح تحقيق مباشر مع مدير الدائرة المعنية.
كما أن عدم وجود قانون موحد يجمع التعليمات المتناثرة، وعدم وجود محكمة متخصصة في النزاعات الفنية للعقود الإدارية والهندسية، يزيد من تعقيد المشكلة. فالنتيجة هي أن القاضي يحيل القضية إلى خبير، والخبير بشر قد يخطئ. لذلك، من الضروري إنشاء محاكم مختصة ومؤسسات موثوقة تعمل كـ "مرشح قضائي" لأي مشروع قبل تنفيذه.
ويتساءل المرء عن دور وزارة الصحة (خاصة بعد دمج وزارة البيئة معها). فهل سمعنا يوماً أن وزارة الصحة أوقفت مشروعاً لأنه يضر بصحة الإنسان؟ الجواب هو لا، وهذا غير مقبول.
والمشكلة تظهر جلية في المشاريع النفطية والغازية، وحتى في تلوث الهواء والتربة.
ومن الحلول المقترحة:
تشخيص أسباب تزايد المخاطر: عوامل سياسية واضحة، وانتشار الفساد، وسوء الإدارة الذي يتجلى في وضع "الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب".
الحلول المؤسسية: توسيع صلاحيات مجلس حقوق الإنسان واعتباره هيئة مستقلة، وإنشاء قسم متخصص لحماية حقوق الإنسان من مخاطر المشاريع الإنشائية والهندسية.
بناء القدرات: إنشاء مدرسة وطنية وتنظيم دورات تدريبية مستمرة وفق استراتيجية حقيقية لتدريب جميع العاملين في القطاع.
جودة التدريب: ألا تكون الدورات مجرد "حضور ومغادرة"، بل يجب أن تكون برامج تدريبية حقيقية لتخريج كوادر مدربة بشكل جيد، وتوحيد إجراءات الترشيح (الفلتر) في جميع دوائر الدولة. فالشركات الضعيفة تتجنب الدوائر ذات الكوادر القوية وتلجأ إلى الوزارات الأخرى ذات المعايير الأقل.
مشاريع لتزويق الحكومة
- الدكتور منتصر العوادي؛ أكاديمي وباحث:
ان حقوق الإنسان في العراق على طول الخط مغيبة، وهي أخر ما يفكر بها الإنسان العراقي، وهذا على النقيض تماما من منطلقات احترام حقوق الحيوان والأشجار في الدول الأخرى، في العراق نبحث عن الحقوق الأساسية للحياة كالماء والسكن والطعام والكهرباء.
في الدول الأخرى هناك حرص شديد على المال العام، عكس الدولة في العراق هي تهدر المال العام، بل هي تسمح للشركات الوهمية والقطاع الخاص ان يأخذ أكثر من استحقاقه، بالتالي المسؤول عن هذه المخاطر الدولة وليس الفرد، يضاف إلى ذلك غالبية تلك المشاريع هي ليست ذات جدوى وتنفق عليه المليارات، بالنتيجة العملية برمتها مجرد شعارات انتخابية وهمية أساسها المشاريع الفاشلة والفاسدة لتزويق الحكومية.
إشكالية التفريط بالمال العام
- الدكتور لطيف القصاب؛ إعلامي وباحث:
نحتاج إلى ترسيخ مفهوم "المال العام" في أذهاننا وقلوبنا باعتباره مالاً مقدساً، فالكثيرون ينظرون إليه على أنه مال مجهول المالك أو لا يخص أحداً، وهي نظرة خطيرة تستدعي التصحيح.
تعتبر الرقابة أساس معالجة هذه الإشكالية، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف أن من أسباب هلاك الأمم السابقة: "إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". هذا يذكرنا بضرورة المساواة في المحاسبة.
هل سيتم محاسبة المتنفذين المسؤولين عن الكوارث؟" للأسف، كثيراً ما يفلت هؤلاء من العقاب بسبب نفوذهم وحمايتهم من جهات داخلية أو خارجية.
نحتاج بشدة إلى رقابة صارمة، فكلما كانت الرقابة مشددة، تحقق العدل والحق والجودة. وكما يقول المثل: "من أمن العقاب أساء الأدب".
مشاريع من اجل المال والربح
- الاستاذ صادق الطائي، كاتب واعلامي:
عادةً التغيرات السياسية او الانقلابات العسكرية التي تحدث في بلدان العالم الثالث هي تشجع على بناء مشاريع ومراكز عمرانية عديدة لتحقيق اهداف منها، إظهار نفسها انها جاءت من اجل الشعب. والبحث عن فرص عمل جديدة تقدمها للناس. والاستفادة من الطاقات المعطلة لدى الناس.
مثلا مجموعة او مجموعات انشائية تتفق ان تنافس دولة معينة كي تفتح لها اماكن عمل جديدة وتفتح لها سوق جديد للعمل، هذه تعد من اكثر الطرق شهرة. فمن اجل المال والربح تدخل مجموعات من الناس ليس لها خبرة وقدرة على انجاز مشاريع انشائية تلتزم بها تحت ظروف
مشبوهة، وجود هولاء تزيد من مخاطر المشاريع الانشائية هناك مجموعة وسائل وطرق تقف امام اخطار المشاريع الانشائية هي فقط الشركات ذات الخبرة والاسبقية والتاريخ في البناء وتنفيذ المشاريع الانشائية بهذه الطريقة يمكن صيانة حقوق الانسان في مواجهة مخاطر المشاريع الانشائية.
تفعيل العقوبات بحق المفسدين والمقصرين
احمد جويد عنيد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
جميع الملاحظات والمداخلات تكاد تتفق على أن "مَن أَمِنَ العقوبة أساء التّنفيذ".
تعمل الشركات بتنزّه وأخلاقيات وجودة عندما تواجه منافسة حقيقية في بيئة عمل نزيهة.
ومثال ذلك الشركة التي نفذت ملعب البصرة والجسور، وأثبتت كفاءتها ونزاهتها، حيث كانت تنجز الأعمال قبل المواعيد المحددة، مما يدل على تمكينها مالياً وفنياً.
مثل هذه الشركات يجب أن تحظى بالأولوية في المناقصات، بعيداً عن المحسوبية والترتيبات غير الشفافة مثل "أُهديك مشروعاً وتهديني مشروعاً"، وهي الممارسات التي أوصلتنا إلى الوضع الحالي.
في العهد الملكي، كان مجلس الإعمار هو الجهة التي نفذت خطوات كبيرة في تعمير العراق، وظل تخطيطه معمولاً به حتى في العهدين الجمهوريين الأول والثاني.
هذا النجاح يؤكد ضرورة تأهيل الكوادر (الفنية والإدارية والقانونية) ضمن هيئات مماثلة، لضمان تراكم الخبرات واستمراريتها.
يجب وضع الشركات المتورطة في مخالفات في قوائم سوداء، لكننا نلاحظ أن بعض الأشخاص يظلون نفسهم مع تغيير أسماء شركاتهم فقط، مما يؤدي إلى تكرار الأخطاء ذاتها.
"هذه الثغرات جميعها ناتجة عن ضعف الرقابة، والمحاباة، والمجاملات، ونفوذ اللجان الاقتصادية بين الوزارات وغيرها، مما يؤدي إلى خلل هيكلي في تنفيذ الأعمال".
هذا الخلل لا يقتصر على المشاريع الإنشائية فحسب، بل يمتد إلى صفقات كبرى تمس أمن الدولة.
كل هذه القضايا تمثل خطراً جسيماً على حقوق الإنسان، وتهدد حقه الأساسي في العيش بأمان وكرامة.
ثالوث الحلول لمخاطر المشاريع الإنشائية
- محمد علي جواد تقي؛ إعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تزايد المخاطر في المشاريع الإنشائية الانحدار الأخلاقي والمعنوي، وتحديداً غياب قيمة الأمانة. فهذا الجانب يمثل دافعاً وحافزاً حقيقياً للعمل الجاد والمسؤول.
الأداء الكفؤ والشامل يتجسد في أمثال من يتحرك بدافع من خوفه من الله. فـ "من لا يخاف رب العالمين، لا يخاف لا من قانون ولا من عواقب". إن الوازع الذاتي النابع من الضمير والأخلاق هو الذي يمكّن الإنسان من صنع المعجزات في عمله.
فالجانب الأخلاقي أمر في غاية الأهمية والأساسية، إلى جانب الكفاءة المهنية".
بالانتقال إلى السؤال المتعلق بالمقترحات، أرى قضية بالغة الأهمية، خاصة في ضوء الحادث الأخير (انهيار الجسر)، تتعلق بدور الإعلام.
أين كان الصحفيون من موقع الجسر المنهار؟ هل لاحظ أحدهم القضية واستدعى المشرفين والمراقبين وهيئة النزاهة والخبراء؟ هذه مسؤولية تقع على عاتق الإعلاميين تحديداً. فالإعلامي يتمتع بهامش من الحرية، وتدفعه أخلاقيات المهنة ورسالته الإعلامية. لذا، أعتقد أن عليه القيام بهذا الدور، حيث يمكن أن يساهم في تقليل مخاطر المشاريع الإنشائية.
"لكن للأسف، الصحافة الاستقصائية محظورة عملياً عند التعامل مع الوزارات والدوائر الحكومية".
إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب مقاربة شاملة تعيد ربط الجانب الأخلاقي بالمهنية، وتعزز رقابة الإعلام المستقل، وتوفر الحماية للصحفيين الاستقصائيين الذين يكشفون مواطن الخلل. فبدون هذا الثالوث (الوازع الأخلاقي، الرقابة الإعلامية، الحماية القانونية) ستستمر المآسي الهندسية وتتكرر الكوارث.
الهيئات الاقتصادية الثقوب السوداء
- الأستاذ عدنان الصالحي؛ مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
الإشكالية والتي لم يتم التطرق لها بشكل جوهري حتى الآن، هي إشكالية الهيئات الاقتصادية النافذة وهي في "الثقوب السوداء" وهي المشكلة الأساسية التي يقوم عليها الفساد في العراق،
"ما هو المنشأ الحقيقي لهذه الهيئات الاقتصادية؟ وما مدى مشروعيتها القانونية؟ وكيف وصل بها الحال إلى درجة التمكن من تنصيب رئيس وزراء وإسقاط آخر؟"
هذه "الثقوب السوداء" – من أين جاءت؟
من الحق الطبيعي لأي شخص أن ينشئ شركة، والعراقي مسموح له بهذا، ومن حقه ممارسة التجارة. لكن ليس من حقه أن يتضخم كيانه ليتجاوز حجم الدولة ذاتها ويتعالى على القانون.
هذا الكيان الجديد الذي نشأ بعد عام 2003 يجب وضع حدٍ لنفوذه، أو – بالأصح – تطويقه وترويضه بسلطان القانون، وإلزامه بالعمل ضمن الأطر القانونية مثل سائر الشركات.
"إذا استمر هذا الكيان في الانتفاخ والتضخم، فلن يوجد حل."
لقد وصل الأمر إلى مراحل خطيرة، حيث أصبح لهذا الكيان حتى "جناح مسلح" خاص به. مما يجعل موظف الدولة العادي غير قادر على مجرد تحمل مسؤولية مواجهته أو فضحه، خوفاً على حياته.
"لا حل أمامنا سوى أن يأخذ القانون دوره الكامل في ترويض هذه الكيانات الهجينة، ووضعها داخل الإطار القانوني، وإجبارها على العمل وفقاً له."
وفي ختام الحلقة الحوارية تقدم الدكتور حيدر الكريطي بالشكر للمداخلات التي أثرت الموضوع وأغنت نقاشه، حيث تم التأكيد على حقيقة جوهرية، وهي أن الاهتمام بالبنى الفوقية (من قيم وأخلاقيات) هو الضامن الحقيقي لسلامة البنى التحتية (مشاريع الإنشاءات) وغيرها من القطاعات. كما اكد الكريطي في ختام هذه الورشة على ضرورة تفعيل دور استشاري السلامة، الذي يفترض أن يُعيّن في كل مشروع، على غرار وجود المهندس المقيم، ليتم تفعيل هذا الدور الحيوي في الجانب الوقائي."