الحق في الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية
جميل عودة ابراهيم
2024-07-10 07:18
يندرج الحق في الضمان الاجتماعي ضمن الحقوق الاجتماعية التي تكفلها الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان، وهو من الحقوق ذات الأهمية المعتبرة، ذلك أن القانون الدولي لحقوق الإنسان قد أولى أهمية خاصة لهذا النوع من الحقوق.
عُرف الضمان الاجتماعي بأنه (نظام قانوني يرمي إلى ضمان عيش المواطنين في حد أدنى يليق بالكرامة الإنسانية عن طريق حماية قدرتهم على العمل، وتأمين دخل بديل يعوضهم عن الدخل المنقطع، بسبب البطالة أو المرض أو الإصابات أو العجز أو الشيخوخة، ومساعدتهم على تغطية الأعباء العائلية الناشئة عن الزواج والولادة والنفقات الاستثنائية الناشئة عن العجز والمرض والوفاة، وكل ذلك ضمن الحدود التي يقررها القانون).
كما يُعرف الضمان الاجتماعي بأنه (مجموعة البرامج التي تقوم بها الحكومة أو الفئة المسئولة في مجتمع ما، من أجل تعزيز رفاهية السكان ويتم ذلك عن طريق اتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن حصولهم على ما يلزمهم من مواد غذائية، ومأوى وخدمات صحية وحماية، ويشمل الضمان الاجتماعي كذلك التامين الاجتماعي، والذي يوفر المنافع والخدمات منها رواتب التقاعد والتأمين والعجز وتعويضات البطالة، ويشمل كذلك الخدمات التي تقدمها الحكومة أو الهيئات المكلفة بالضمان الاجتماعي، كالخدمات الطبية والدعم المالي وتعويضات إصابات العمل والصحة وجوانب العمل الاجتماعي).
ومصطلح "الضمان الاجتماعي" في القانون الدولي لحقوق الإنسان هو مجموعة من الاستحقاقات الفرديّة التي تحمي الشخص من انعدام الأمن في الدخل طيلة حياته، بما في ذلك أثناء مراحل الحياة العادية، مثل الشيخوخة، والبطالة، والمرض، وإنجاب الأطفال ورعايتهم".
وبهذا المعنى فان الضمان الاجتماعي لا يقتصر على العمال المضمونين العاملين في القطاع الخاص أو المختلط أو العاملين لحسابهم، بل يشمل كل دعم حكومي أو غير حكومي يقدم للفئات غير القادرة على تأمين مستوى معيشي لائق أو غير قادرة على تأمين الصحة أو التعليم أو السكن وغيره. أي انه شامل لما يُعرف في العراق بنظام الحماية الاجتماعية.
فالضمان الاجتماعي تعبير شامل يعني كل أنواع الحماية الاجتماعية التي تقدم للمواطنين سواء عن طريق التأمينات الاجتماعية أو المساعدات الاجتماعية أو غيرها من صنوف الخدمات والرعاية التي تكفل رفاهية المجتمع وأمنه الاقتصادي، أما التأمينات الاجتماعية فهي إحدى وسائل الضمان الاجتماعي في مجال تحقيق الحماية والأمن الاجتماعيين.
صرحت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن (الضمان الاجتماعي يسهل الوصول إلى الرعاية الصحية، ويحمي الناس من الفقر، ويضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، بما في ذلك الغذاء والسكن والصحة والتعليم)، فالضمان الاجتماعي بالإضافة لكونه يقدم خدمة اقتصادية للدول من خلال توفير مصادر للأموال تساعد الدولة من الناحية الاقتصادية من خلال الاستثمار في المشاريع وخلق فرص للعمل، فهو كذلك يعتبر وسيلة لتوفير الأمن السياسي والاجتماعي والحماية لكافة أفراد المجتمع.
وعلى هذا الأساس فان الضمان الاجتماعي حق من حقوق الإنسان، يعود تاريخه إلى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" عام 1948، ومكفول في عدد من المعاهدات والدساتير. وهو على صلة وثيقة بالحق في مستوى معيشي لائق وبحقوق اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة أخرى. حيث تنص المادة 22: "لكلّ شخص، بوصفه عضوا في المجتمع، حق في الضمان الاجتماعي". والمادة 25: "(1) لكلّ شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحّة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبيّة وصعيد الخدمات الاجتماعيّة الضروريّة، وله الحق فيما يؤمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه. (2) للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين. ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعيّة سواء وُلدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار".
أكّدت لجنة الخبراء الدوليين المكلّفة بتفسير العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة في (الفقرة 13): يكتسب الحق في الضمان الاجتماعي أهمية كبيرة في ضمان الكرامة الإنسانية لجميع الأشخاص عندما يتعرضون لظروف تحرمهم من قدرتهم على إعمال حقوقهم الإنسانية إعمالاً تاماً. ويشمل الحق في الضمان الاجتماعي الحق في الحصول على الاستحقاقات والحفاظ عليها بدون تمييز لضمان الحماية من أمور تشمل: غياب الدخل المرتبط بالعمل بسبب المرض، أو العجز، أو الأمومة، أو إصابة تحدث في إطار العمل، أو البطالة، أو الشيخوخة، أو وفاة أحد أفراد الأسرة؛ ارتفاع تكلفة الوصول إلى الرعاية الصحية؛ عدم كفاية الدعم الأسري، خصوصاً للأطفال والبالغين المعالين.
منذ ذلك الوقت، تمّ تكريس الحق في الضمان الاجتماعي على نطاق واسع في الدساتير الوطنيّة للدول وتمّ تعزيزه من خلال مجموعة من الاتفاقيات الدوليّة والأطر الأخرى. وقد كفل الدستور العراقي لعام 2005 واستناداً للمواد ( 29،30، 31، 32، 33 ) الضمان الاجتماعي والصحي لجميع العراقيين بدون تمييز، إذ تضمنت تلك المواد بأن تحافظ الدولة على الأسرة العراقية باعتبارها أساس المجتمع، وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة والمقومات الأساسية للعيش الكريم في حياة حرة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم وترعاهم في حالة العجز والعوز أو المرض أو البطالة أو التشرد أو اليتم ووقايتهم من الجهل والخوف والفاقة وأن تؤمن وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء المؤسسات الصحية والمستشفيات، وان ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة والأرامل والمطلقات من خلال بيئة سليمة.
وقد حددت المادة (أولا) من قانون الحماية الاجتماعية في العراق رقم (11) لسنة 2014 الفئات المشمولة بالقانون (تسري أحكام هذا القانون على الفئات التالية من الأسر والأفراد ممن هم دون خط الفقر من العراقيين، ورعايا الدول الأخرى المقيمين في جمهورية العراق بصورة دائمة ومستمرة وقانونية فيما يتعلق بمساعدات الحماية الاجتماعية في تلك الدول. وعلى النحو الآتي ـ ذو الإعاقة والاحتياج الخاص. ب ـ الأرمـلة، الـمطلقة، زوجـة المفقود، المهجورة، الفتاة البالغة غير المتزوجة، العزباء. ج ـ العاجـز. د ـ اليتـيم.هـ ـ أسرة النزيل أو المودع إذا زادت مدة محكوميته عن سنة واحدة واكتسب قرار الحكم الدرجة القطعية. و. المستفيدون في دور الدولة الإيوائية. ز ـ الأحداث المحكومين ممن تزيد مدة محكوميتهم عن سنة واحدة واكتسب قرار الحكم الدرجة القطعية.ح ـ الطالب المتزوج ولغاية الدراسة الإعدادية. ط ـ الأسر معدومة الدخل أو التي يكون دخلها دون مستوى خط الفقر. ثانياً ـ لمجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير شمول فئات أخرى من غير الفئات المذكورة في القانون.
ومع ذلك؛ تكمن المشكلة الرئيسية بأن القوانين النافذة والأنظمة والتعليمات الخاصة بالضمان الاجتماعي قاصرة عن تأمين الحاجات الفعلية للمضمونين مقارنة مع تقدم الحياة وزيادة الأعباء، وعدم وجود الرغبة الحقيقية في تطبيق ضمانات المشمولين بتلك القوانين، وعدم وجود قانون يشكل مؤسسة موحدة لكل الأمور المتعلقة بالضمان الاجتماعي، فضلاً عن التضخم النقدي في العراق في الوقت الحاضر مع تزايد الأعداد الهائلة من الأيتام والأرامل والمطلقات ومعوقي الحروب المتلاحقة وغيرها من الظروف، بالإضافة إلى إغفال أعداد كبيرة بلا معيل ولا رعاية، وتأخر التشريعات العراقية في مواكبة التغييرات الاقتصادية والاجتماعية في العراق، مما يتسبب في حرمان أعداد كبيرة من المستحقين للإعانة والرعاية الاجتماعية.
نخلص مما تقدم أن نظام الضمان الاجتماعي بما فيها نظام الحماية الاجتماعية يُعد حقا من حقوق الإنسان على المستوى الدولي والوطني، والدولة ملزمة بتوفيره لحماية الفئات الأكثر تضررا في المجتمع وهو يمثل حماية لكل الفئات المهمشة، لذا ينبغي أن تتوافر في نظام الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية العناصر الأساسية الآتي:
1. التوافر: أي يجب إعداد نظام للضمان الاجتماعي بموجب القوانين المحلية لضمان إدارة الاستحقاقات والإشراف عليها بفعالية.
2. الكفاية: أي يجب أن تكون الاستحقاقات، سواء نقداً أو عيناً، كافية من حيث الكمية والمدة كي يتمكن كل إنسان من إعمال حقه في الحماية والمساعدة الأسرية، وفي مستوى معيشي لائق، وفي الوصول إلى الرعاية الصحية.
3. القدرة على تحمل الكلفة: أي يجب على التكاليف والأعباء المرفقة بالاشتراكات في الضمان الاجتماعي أن تكون ميسورة للجميع، وألا تمس بإعمال الحقوق الأخرى التي ينصّ عليها العهد.
4. إمكانية الوصول: أي يجب على أي نظام للضمان الاجتماعي أن يغطي جميع الأشخاص، بما في ذلك الأشخاص الذين ينتمون إلى الفئات الأكثر حرماناً وتهميشاً، بدون تمييز. كما يجب أن يكون الوصول المادي إلى الاستحقاقات ممكناً.