اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال: العراق في قائمة البلدان الأكثر انتهاكاً
أوس ستار الغانمي
2024-06-12 05:34
حددت منظمة الأمم المتحدة يوم 12 حزيران من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، وفيه تقام فعاليات حول العالم بمشاركة الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، للتنبيه على ضرورة مكافحة الظاهرة، والتأكيد على إستراتيجيات العمل للقضاء عليها.
يقصد بعمالة الأطفال: التحاق الأطفال في كل أنحاء العالم بأعمال روتينية، سواء كانت شاقة أو مقدورا عليها، ولأسباب أبرزها الفقر والعوز، وتكون تلك الأعمال مقابل أجر حينا، وبلا أجر حينا، أو بحد أدنى من الرعاية يكفل لهم الحياة.
وقد لا تكون تلك الأعمال شاقة لكنها تدخل ضمن مفهوم عمالة الأطفال، كأن يكون الأطفال أضعف أو أصغر من أن يمارسوها، أو أن تعرضهم للخطر بشكل يؤثر على نموهم البدني والعقلي والاجتماعي.
ومن شأن هذه الظاهرة أن تفاقم الفقر والحرمان في المجتمعات التي تنتشر فيها. وخلال جائحة كوفيد-19، لوحظ أنها ازدادت بشكل واضح، بسبب الأزمات الاقتصادية في تلك الفترة.
وفي عام 2022، رفعت الأمم المتحدة شعار "الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمالة الأطفال"، بعد أن استنزفت الأزمات الاقتصادية أنظمة الحماية الاجتماعية في الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل، مما جعل من الصعب تحييد الأطفال عن العمل.
ولا يتلقى أكثر من 26.4% من الأطفال في العالم مزايا نقدية للحماية الاجتماعية، ويبلغ إجمالي الإنفاق الوطني على حمايتهم 1.1% من الناتج المحلي في العالم كله.
وفي أفريقيا حيث تنتشر عمالة الأطفال، ينفق ما يعادل 0.4% من الناتج المحلي على الحماية الاجتماعية للطفل.
وتقول منظمة الأمم المتحدة "إن طفلا من بين أربعة أطفال (ممن تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و17 سنة) في البلدان الفقيرة، ملتحق بأعمال تعتبر مضرة بصحته ونموه".
أشكال عمالة الأطفال
ويحظر القانون الدولي ثلاثة أشكال من أنواع عمالة الأطفال، ويعد أسوأ أشكال عمل الأطفال ما يعرف دوليا بالاستعباد والاتجار بالبشر، أو العمل لسداد الدين وكل أنواع العمل الجبري، أو استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة.
في عام 2002، اختارت منظمة العمل الدولية يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام ليكون يوما عالميا لمكافحة عمل الأطفال، من أجل تسليط الضوء على هذه الظاهرة وبذل الجهود اللازمة للقضاء عليها، واتخاذ إجراءات فورية وفعالية لإنهائها.
ويجتمع يوم 12 يونيو/حزيران الحكومات وأرباب الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني لتحقيق أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدت من قادة دول العالم عام 2015، لتجديد الالتزام بإنهاء عمالة الأطفال.
ويدعو الهدف 8.7 من أهداف التنمية المستدامة إلى "اتخاذ تدابير فورية وفعالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والاتجار بالبشر، لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025".
ويناقش الخبراء في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال التقدم الذي أحرزته الهيئات التابعة لمنظمة العمل الدولية، فيما يخص السعي لتحقيق هذا الهدف.
وعُدّ الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في 2023 لحظة زمنية لإثبات إمكانية التغيير، دعا فيها الملتزمون بإنهاء عمل الأطفال إلى أمرين رئيسين:
الأول: إعادة تنشيط العمل الدولي لتحقيق العدالة الاجتماعية، باعتبار إنهاء عمالة الأطفال من أهم عناصرها.
الثاني: التصديق العالمي على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 (اتفاقية بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام) التي صدرت عام 1919، والتصديق على اتفاقية المنظمة رقم 182 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال، واتخاذ إجراءات فورية للقضاء عليها.
إحصاءات صادمة
وفي مطلع عام 2020، شارك طفل من بين 10 أطفال بعمر 5 سنوات فأكثر في عمالة الأطفال حول العالم، وهو ما يعادل إجمالا 160 مليون طفل، منهم 63 مليونا من الإناث، و97 مليونا من الذكور.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة، فإن عمالة الأطفال تنتشر في القارة الأفريقية أكثر من غيرها، إذ يصل عدد الأطفال العاملين فيها إلى 72 مليون طفل، تتبعها قارة آسيا والمحيط الهادي، بـ62 مليون طفل عامل.
ويتوزع 11 مليون طفل عامل بين الأميركيتين، وهو ما يعادل 5% من الأطفال. وفي أوروبا وآسيا الوسطى، يعمل 4% من الأطفال، ويبلغ عددهم 6 ملايين طفل.
وفي العالم العربي تصل نسبة عمالة الأطفال إلى 3%، وهو ما يعني أن مليوني طفل عربي منخرطين في الأعمال.
ورغم كون هذه الظاهرة من المفترض أن تبلغ أعلى نسبها في الدول المنخفضة الدخل، إلا أن نسبة الأطفال العاملين في الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض تصل إلى 9%، في حين تبلغ 7% في الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن 84 مليون طفل (56% من جميع الأطفال العاملين) يعيشون في بلدان متوسطة الدخل، ويعيش مليونا طفل في البلدان ذات الدخل المرتفع.
وأعلنت منظمة العمل الدولية إحراز تقدم في الحد من عمالة الأطفال خلال العقدين ما بين عام 2000 وعام 2020، من نسبة 26.4% إلى 9.6%.
وتوقعت تقديرات تلك الإحصاءات أن ترتفع عمالة الأطفال بمقدار 8.9 ملايين طفل بحلول نهاية 2022، إذا لم تُتّبع إستراتيجيات للتخفيف منها.
المنطقة العربية
وفي العالم العربي، يعد طفل واحد من كل 35 طفلا منخرطا في عمالة الأطفال. وتتعدد أشكال عمالة الأطفال في العالم العربي تبعا لتنوع أسبابها في المنطقة.
وبحسب الحكومة المصرية، فإن عمالة الأطفال تتفشى في قطاعات معينة، منها أعمال المناجم والمحاجر وصناعة الطوب، وغيرها من أعمال البناء والزراعة، كما تتساهل الثقافة الشعبية في القاهرة وبعض مناطق الريف مع هذه الظاهرة.
وبحسب مسح مصري، فإن 9.3% من إجمالي الأطفال في مصر يعملون، وتعمل نسبة 82.2% منهم في ظروف سيئة وغير آمنة.
وفي اليمن، ارتبطت هذه الظاهرة بظروف الحرب خلال العقد الأخير، وما ترتب عليها من هجرة داخلية وتدهور في أوضاع الأسر اليمنية واستقرارها، مما دفعها لتشغيل أبنائها في الزراعة الريفية.
ونتاجا لذلك يعاني 192 ألف طفل يمني من العمى أو الربو، بسبب الأعمال الخطرة في القطاع الزراعي، وما فيه من استخدام للسموم والأسمدة والكيمياويات، كما تطورت عند الأطفال أمراض أخرى، مثل الالتهابات الجلدية والأمراض المعوية ونوبات الصرع والتهابات العيون.
وأشارت اليونيسيف إلى أن ثلث أطفال العراق تدفعهم ظروف مادية صعبة للعمل، بغرض مساعدة أسرهم ماديا، مما أدى إلى توسع نطاق عمالة الأطفال غير المنظمة، والتي تغيب عنها السيطرة والمراقبة من قبل الحكومة والنقابات.
وتنشط عمالة أطفال العراق في الأحياء الصناعية، وأنشطة جمع الخردوات من مكبات النفايات، مما يزيد المخاطر الصحية التي يتعرضون لها.
أما في لبنان، فساهمت حركة اللجوء إثر الحرب في سوريا في ازدياد عمالة الأطفال، إذ يعمل كثير من أطفال اللاجئين السوريين في قطاعات اقتصادية مختلفة في لبنان.
وفي العقد الأخير، ساهمت ظروف الحرب في بلدان عربية مختلفة إلى غياب الدور الرقابي في سوق العمل، وزيادة أعداد الأسر التي تشغل أطفالها لتأمين احتياجات أساسية، إضافة إلى نشاطات أكثر خطورة مثل تجنيد الأطفال وإشراكهم في النزاعات العسكرية. وفقًا لموقع “الجزيرة نت”.
مشهد مأساوي
بفعل التغيّر المناخي والأزمات والحروب وجائحة كورونا، عمالة الأطفال في ارتفاع حول العالم، والأمم المتحدة تطالب في اليوم العالمي لمكافحة الظاهرة بسياسات "فعّالة"، وألمانيا تطالب بقانون أوروبي يشمل سلاسل التوريد العالمية.
وكتب غوتيريش على موقع تويتر: "ليس لعمالة الأطفال مكان في عالم اليوم. ولكنها للأسف تبقى واقعاً لـ 160 مليون طفل". ولفت إلى أن مناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال "تذكّر بأن علينا مضاعفة الجهود لإنهاء هذه الممارسة الضارة، وحماية الأطفال من الاستغلال".
ويعادل الرقم الذي ذكره غوتيريش عُشر عدد أطفال العالم أي 10 بالمائة منهم. فيما تقول الأمم المتحدة إن نحو 79 مليون طفل يعملون في ظل ظروف استغلالية، على سبيل المثال في المزارع أو في المناجم أو في الصناعة أو يسقطون ضحايا للاستغلال الجنسي التجاري.
ووفقا لهذه الأرقام تكون النسبة تواصل ارتفاعها المُسجّل في السنوات الأخيرة، نتيجة لأسباب عدة من بينها التغيرات المناخية وتداعيات جائحة كورونا، إلى جانب صراعات مسلحة وانعدام الأمن الغذائي والمجاعات.
وتحتل إفريقيا المرتبة الأولى في ما يتصل بعدد الأطفال الملتحقين بأعمال، حيث يصل عددهم إلى نحو 72 مليون طفل، ثم منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنحو 62 مليون طفل.
إلى ذلك، لفتت الأمم المتحدة إلى أن القضاء على عمالة الأطفال يتطلب سياسات فعالة لتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية والتعليم وفرص العمل اللائق للآباء ومقدمي الرعاية لمعالجة الظروف التي تدفع إلى عمالة الأطفال.
وتأتي فعالية هذا العام تحت عنوان "الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمل الأطفال"، وتهدف لزيادة الاستثمار في أنظمة وخطط الحماية الاجتماعية لإنشاء أرضيات حماية اجتماعية متينة وحماية الأطفال من عمالة الأطفال.
ودعت العديد من المنظمات الإنسانية والمنظمات المعنية بحقوق الطفولة الحكومات والدول إلى العمل لمكافحة الظاهرة، فيما دعت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه قبل أيام إلى سنّ قانون أوروبي يكافح عمالة الأطفال في سلاسل التوريد العالمية، مشددة على ضرورة أن "لا يساهم" الاستهلاك في الدول الغنية في "استغلال الأطفال في الدول الفقيرة".
وحسب الوزيرة الألمانية فإن قانون سلاسل التوريد الألماني يعد خطوة مهمة ضد عمالة الأطفال، ويجب أن تكون الخطوة التالية قانوناً أوروبيّاً "قويّاً"، وقالت: "بصفتنا ثاني أكبر منطقة اقتصادية في العالم، فإننا في أوروبا نتحمل المسؤولية عما يسببه استهلاكنا في أجزاء أخرى من العالم". وفقًا لموقع “DW”.
ثم ما لبثت عجلات الثورة الصناعية أن وصلت إلى سويسرا. ففي القرن التاسع عشر، ظل مفهوم اعتبار الطفل كقوة عاملة سائداً وتحول المشهد فقط من المزرعة إلى المصنع. وهناك بدأ الاستغلال الحقيقي: فبخلاف العمل في المزرعة لم يعد في المصنع فرق بين عمل البالغ وعمل الطفل. إذ أن إدخال الخيط في ماكينات النسيج لا يحتاج إلى الكثير من القوة العضلية.
وأمام ماكينات النسيج والتطريز كان يجلس بصفة خاصة الكثير من “أطفال المصانع”. وكانت أغلب مصانع النسيج تقع في شرق سويسرا وفي كانتون زيورخ. فعلى امتداد بحيرة آباخ، بين بحيرتي “بفيفيكرزيه” و”غرايفنزيه”، نشأ مركز لصناعة النسيج، وتبعا لذلك نشأ مركز لعمل الأطفال. وكان حوالي ثلث العاملين والعاملات في هذه المصانع من الأطفال دون السادسة عشر.
بعض العائلات كانت تمتلك في بيتها آلة غزل أو ماكينة تطريز وكانت تعمل بهذه الطريقة لحساب مصانع النسيج الكبيرة. وحتى في هذه الأعمال المنزلية كان يتم استخدام الأطفال كعمال.
العمل من الصباح إلى المساء
لقد كان مصير أبناء وبنات الأسر التي تعمل في صناعة النسيج سواء في المصنع أو من المنزل محتوماً منذ وقت مبكر. فلم يكن لديهم فرصة لأن يتغيروا وفقاً لإرادتهم. فمنذ نعومة أظفارهم وهم يقضون معظم وقتهم في العمل الرتيب داخل البيت أو في المصنع، ونادراً ما كانوا يقضون وقتاً في المدرسة، أما اللعب فكان غير وارد لديهم بالمرة.
وقد تم استغلال الأطفال وهم دون سن السادسة في لضم الخيوط داخل إبر التطريز، حيث مارسوا عملاً معاوناً للمطرزين. فقد كانت عملية لضم الإبرة عملاً مضيعاً للوقت ويتطلب أصابع رقيقة، لهذا كان يقوم به النساء والأطفال في المقام الأول.
وإذا ما وصل هؤلاء الأطفال إلى سن المدرسة، فقد كان من الطبيعي أن يقضوا بجانب وقت المدرسة حوالي ست ساعات يومياً في لضم الخيط ـ وهذا في الصباح الباكر قبل المدرسة، وفي الظهيرة وبعد المدرسة وحتى ساعة متأخرة من الليل.
كان من الطبيعي أن تتأثر صحة الأطفال بالعمل الكثير. وقد لاحظ المفتشون الأظهر المحنية والأعين الشاحبة والانطباع المرهق الخالي من القوة الذي يتركه الأطفال. وقد كتب أحد قساوسة أبنزل رودس – الخارجية في عام 1905 عن حياة الأطفال العاملين أن إرهاقهم الزائد يؤدي إلى أن يصبحوا “مرهقين، وناعسين ومنهكين، وأن تنعدم لديهم القدرة العقلية والجسمانية، وأن يكونوا غير منتبهين وأن يجلسوا مشتتين، بدون أن يُظهروا أي نوع من الاهتمام، وأن يشيحوا بنظرهم بسطحية ولامبالاة لكل شيء”.
لقد كان هناك نظام لاستغلال أطفال العاملين، إلا أن ذلك لم يكن بدافع الإيذاء أو التجاهل. فبسبب الرواتب المتدنية كانت العائلات في كثير من الأحيان تعتمد على الدخل الإضافي. فضلاً عن أن الطفل الذي ينشأ في عائلة من العاملين أو الحرفيين أو العمال كان لديه في بداية القرن العشرين مكانة أخرى تماماً عن تلك التي يتمتع بها اليوم. فقد كان لايزال يمثل لوالديه يداً عاملة في المقام الأول.
وقد رأى أصحاب الأعمال في هذا فرصة سانحة، إذ وجدوا في الأطفال قوة عاملة رخيصة جداً. واستناد إلى هذه الحجة الاقتصادية، كان الكثير من المواطنين من ذوي التوجه الليبرالي يدافعون عن عمل الأطفال. وهكذا كتب فيكتور بومرت، وهو واحد من أهم رجال الاقتصاد آنذاك، أن أفضل طريقة كي تواجه مصانع الغزل منافسيها من الدول الخارجية هو الاعتماد الحتمي على “عمل الأطفال والسيدات ذوي الرواتب المتدنية”.
في أواخر القرن التاسع عشر ارتفعت الأصوات الناقدة بإطراد، حيث نُظر إلى عمل الأطفال على أنه مشكلة حقيقية. حتى أن بومرت، رجل الاقتصاد الذي اقتبسنا قوله سابقاً، أصبحت لديه تحفظات. فقد وصف عمل الأطفال بأنه “الجانب المظلم والمقلق للصناعة الحديثة”.
ومن المستغرب اليوم أن النقد الذي وُجّه لعمل الأطفال جاء من البورجوازية ولم يأت من أسر العاملين. فقد كانت هذه الأسر تخاف ألا تستطيع العيش بدون الرواتب الإضافية لأبنائها. وبرغم أن هؤلاء الساسة البورجوازيين قد أدركوا المشكلة، إلا أنهم لم يقوموا سوى بالقليل لتغيير الأوضاع. أما أول من ألقى حجراً في المياه الراكدة فقد كان أحد الساسة المُغرّدين خارج السرب.
في عام 1867، تقدم النائب المستقل في الغرفة العليا بالبرلمان الفدرالي فيلهلم يوس بأول مقترح لوضع قانون فدرالي للمصانع. وكان ابن مدينة شافهاوزن هذا معروفاً بتكريس نفسه للدفاع عن الفئات الأضعف في المجتمع. وكان هذا في وقت لا تثير فيه مثل هذه الموضوعات الاجتماعية سوى الاستهجان. وبينما كان يُنظر إليه أثناء حياته على أنه شخصية عنيدة، فإنه يُعتبر اليوم سياسياً صاحب رؤية.
حينما تقدم يوس بأول مقترح على المستوى الفدرالي، كانت لدى بعض الكانتونات بالفعل قوانين تنظم العمل داخل المصانع ـ بما فيه عمل الأطفال. إلا أن هذه القوانين كانت فضفاضة إلى حد بعيد وكانت متباينة بشدة في قواعدها.
وقد استغرق الأمر الكثير من الوقت حتى وجد مقترح يوس بسن قانون فدرالي آذاناً صاغية. إلا أنه في النهاية وتحديداً في عام 1877، أي بعد مرور عشر سنوات على التقدم بأول مقترح بهذا الشأن، سنت سويسرا أول قانون فدرالي للعمل بالمصانع. بهذا تم أيضاً منع عمل الأطفال. وقد كان القانون الفدرالي الأول للعمل بسويسرا واحداً من أشد قوانين العمل في العالم صرامة. وقد أطلق عليه الوزير الفدرالي الاشتراكي السابق هانز بيتر تشودي أنه “إنجاز رائد بالمعايير العالمية”.
نظرياً كان من المفترض أن يختفي الأطفال بعد ذلك من المصانع. لكن حتى يتم احترام القانون الجديد في كل أرجاء سويسرا تطلب الأمر مرور بعض الوقت. ففي كانتون تيتشينو على سبيل المثال، ظل الأطفال يعملون بالمصانع حتى بعد مرور عشرين عاماً على دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
صحيح أن الأمر قد استغرق وقتاً، إلا أنه رويداً رويداً بدأ عمل الأطفال يختفي من المصانع. بينما اختلف الأمر في مجال الزراعة، فقد استمر عمل الأطفال به حتى وقت متأخر من القرن العشرين. بل إن هناك الكثير من عائلات الفلاحين التي احتفظت بأطفال أيتام وغيرهم يعملون لديها مقابل إيوائهم وإطعامهم. ولم يتم تناول هذا الفصل الأسود من تاريخ سويسرا إلا قبل سنوات قليلة. بحسب ما نشره موقع “swissinfo ch auf Deutsch”.
حراك للحد من ظاهرة عمالة الأطفال
اشارت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الى وجود حراك لتعديل قانون العمل للحد من ظاهرة عمالة الأطفال في البلاد، موضحة أبرز أسباب هذه الظاهرة.
وقال مسؤول مكافحة عمل الأطفال في قسم تفتيش العمل بدائرة التدريب المهني للوزارة حسن عبد الصاحب في تصريح صحفي، إن "الأسباب التي تؤدي إلى زيادة ظاهرة عمل الأطفال رغم كافة الإجراءات التي تقوم بها وزارة العمل، هي الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد، وزيادة مستوى الفقر وفقدان المعين لكثير من العوائل بسبب الحروب والصراعات، فضلا عن قلة الوعي بقانون العمل 37 لسنة 2015 والعقوبات المترتبة على من يخالف المواد المذكورة في مكافحة عمل الأطفال".
وأضاف عبد الصاحب، أن "وزارة العمل ومن خلال الزيارات الميدانية للجانها رصدت العديد من عمالة الأطفال في الأسواق"، مبينا أن "الوزارة وجهت بمحاسبة المخالفين من أصحاب العمل وانذارهم واحالتهم الى محاكم العمل في عموم القطاعات العاملة في البلد".
وأكد، أن "عمليات المحاسبة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب بسبب قلة اللجان التفتيشية في بغداد وعموم المحافظات"، مشيرا إلى أن "قانون العمل يغطي القطاع المنظم بسبب وجود من يمكن
محاسبته من باب العمل وغير ممكن ذلك في القطاعات غير المنظمة التي تشمل البسطات والتقاطعات والباعة المتجولين".
ولفت عبد الصاحب، الى أن "العمل جار على معالجة هذا القطاع من خلال تعديل قانون العمل 37 لسنة 2015"، موضحا ان "وزارة العمل شملت شريحة الأطفال بالخدمات حال رصد حالات لأطفال على أن يتعهد رب الأسرة بإعادة الطفل إلى المدرسة وعدم إعادته إلى العمل مرة أخرى".
العمالة تنهش بجسد 900 ألف طفل عراقي
تشير إحصائيات عراقية إلى وجود نحو 900 ألف طفل منخرط في سوق العمل لأسباب مختلفة، أبرزها - البطالة والفقر - حتى بات أجيال المستقبل شيوخ اليوم.
ورفعت الأمم المتحدة، شعار احتفالية هذا العام "تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.. إنهاء عمل الأطفال"، بهدف تحفيز الحركة العالمية المتزايدة ضد عمل الأطفال، والتأكيد على الصلة بين العدالة الاجتماعية وعمل الأطفال.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، أكدت الأمم المتحدة أن "احتفالية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال لعام 2023 بمثابة اللحظة الزمنية المناسبة لإثبات إمكانية تحقيق التغيير عندما تتضافر
الإرادة والعزم تضافراً يتيح زخماً للجهود المبذولة التي ينبغي التعجيل بها في موقف له ضرورته الملحة".
وذكرت الأمم المتحدة أن "التجربة المشتركة في التصدي لعمل الأطفال على مدار العقود الثلاثة الماضية، أظهرت أن من الممكن إنهاء ظاهرة عمل الأطفال إذا عولجت الأسباب الجذرية لها، ومن الملح المساهمة في إيجاد حلول لمشكلات الناس اليومية، ولعل عمل الأطفال هو أحد أكثر هذه المشكلات وضوحاً.
شيخوخة مبكرة
في هذا الصدد، قالت الناشطة في مجال حقوق الأطفال، سعاد الحيالي، إن "أطفال العراق باتوا شيوخاً لما يتعرضون له من عنف أسري وفقر وعوز، ما اضطرهم إلى ترك الدراسة والتوجه إلى العمل".
وأوضحت الحيالي، لوكالة شفق نيوز، أن "الأطفال في العراق لا يعرفون معنى الطفولة واللعب، ما يستدعي الاهتمام بهم، وتقديم الرعاية والتوجيه لهم، وعدم رميهم على أرصفة الشوارع أو زجهم في سوق العمل".
وتُعرِّف منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنها "عمل يحرم الأطفال من طفولتهم وإمكاناتهم وكرامتهم، ويضر بنموهم البدني والعقلي".
ومنذ عام 2002، حثت منظمة العمل الدولية المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لإلغاء وحظر عمل الأطفال بأي شكل من الأشكال.
أرقام مقلقة
من جانبه، ذكر العضو السابق بمفوضية حقوق الإنسان، أنس العزاوي، أن "نسبة الأمية في العراق تقدر بـ47%، بحسب إحصائيات اليونيسف، فيما يشكل الأطفال من هم دون سن (10 سنوات) ما يقارب 13% منهم"، لافتاً إلى أن "هذه الإحصائيات متغيرة وفقاً للتقديرات السنوية، وفي كثير من الأحيان لا تتطابق الإحصائيات الحكومية مع الإحصائيات الأممية".
ونبّه العزاوي خلال حديثه للوكالة، إلى أن "إحصائيات وزارة التخطيط تقدر الأطفال في سوق العمل بحدود 900 ألف طفل".
وأكد أن "الطفل العراقي لكي يتمتع بالحقوق الدستورية الأساسية يحتاج الى تشريع قانوني حماية حقوق الطفل ومناهضة العنف الأسري، وتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، وتعديل الأنظمة والتعليمات الخاصة بالطفل في المؤسسات الحكومية، وتعديل النصوص العقابية الخاصة بالأطفال والأحداث بقانون العقوبات العراقي".
وكانت منظمة العمل الدولية وضعت مجموعة من المعايير عام 1999 لتسريع جهودها للقضاء على عمالة الأطفال والاتجار بالبشر من أي نوع.
وكان المقصود أن تكون هذه المعايير بمثابة مبادئ توجيهية عندما يتعلق الأمر بتوظيف أو استخدام الأطفال كعمالة بأي صفة. وشملت حداً أدنى لسن العمل، والذي لم يكن من المفترض أن يكون أقل من سن التعليم الإلزامي.
قانون العمل
بدوره، أوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن "الدستور العراقي أوجب رعاية الطفولة والأسرة والأمومة وفق المادة 29 منه، كما أن قانون العمل 37 لسنة 2015 منع تشغيل الصغار دون سن 15 عاماً".
وأضاف التميمي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هذا القانون ألزم وزارة العمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية منع ذلك، وإنذار أرباب العمل بمنع تشغيل القاصرين، وفق المادة 95 من القانون، وفي حال الإصرار على المخالفة يحال الموضوع إلى محكمة العمل لمحاسبة المقصرين". وفقًا لموقع “شفق نيوز”.
معدلات مقلقة
تقول لجنة الإنقاذ الدولية في العراق إن معدلات عمالة الأطفال مرتفعة بشكل مقلق في البلاد، وتستمر في تعطيل تعليم الأطفال وحرمانهم من طفولتهم ونيل حقوقهم الأساسية، إلى جانب تعرضهم لظروف غير آمنة، فالحكومة مطالبة بإنفاذ قوانينها الخاصة برعايتهم وحمايتهم.
وتعمل اللجنة في العراق منذ عام 2003 في تقديم المساعدات للأطفال والمجتمعات المتضررة من النزاع في البلاد ودعم النازحين والعائدين إلى مساكنهم.
وأوضحت اللجنة في تقرير صدر قبل أيام، أن بيانات جديدة أظهرت أن غالبية الأطفال في شرق الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) يعملون في ظروف غير آمنة، ويفتقر 95% منهم لوثائق، وأن أكثر من نصف الأسر لديها طفل واحد على الأقل منخرط في العمل.
تردي الاقتصاد
وأشار التقرير الذي صدر بمناسبة اليوم العالمي للطفل (20 نوفمبر/تشرين الثاني) إلى أن التعافي الاقتصادي البطيء في العراق أدى إلى لجوء العائلات لتشغيل أطفالها، حيث يفتقد الأطفال العراقيون للحقوق الأساسية للطفولة.
وذكر التقرير أن 85% من الأطفال المنخرطين في العمل لا يشعرون بالأمان في أماكن عملهم، مشيرين إلى حالات التحرش وعدم امتلاكهم المعدات المناسبة لحماية أنفسهم أثناء العمل في المصانع أو في الشوارع.
ظروف مزرية
وبعد ما يقرب من 5 سنوات على إعلان هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، لا تزال الظروف الاقتصادية في الموصل (أحد أبرز معاقل التنظيم سابقا) مزرية للعديد من العائلات، بما في ذلك أولئك الذين نزحوا داخل البلاد والذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية بعد نزوحهم.
وقال التقرير إن اللجنة أجرت مسحا شمل 211 أسرة في أحياء التسعين والانتصار والعرباشية والسماح واليرمجة في شرق الموصل، وأجرت مسوحات إضافية مع 265 طفلا تم تحديدهم على أنهم منخرطون في عمالة الأطفال.
وأظهرت النتائج أن هذه العمالة هي آلية تكيف سلبية شائعة لدى العائلات في هذه المناطق التي تكافح لإعادة بناء حياتها بسبب فرص كسب العيش المحدودة، وسوء الظروف المعيشية، وبسبب فقدان الوثائق الضرورية مثل بطاقات الهوية الوطنية أو شهادات الميلاد.
التوثيق المدني
وأشارت اللجنة إلى أن التوثيق المدني أمر بالغ الأهمية للأطفال في سن المدرسة، فمن دونه لا يمكن للأطفال التسجيل في المدرسة، وفي الحالات التي يحضرون فيها الفصول الدراسية دون تسجيل رسمي لا يتم منحهم شهادات تسمح لهم بالانتقال عبر نظام الدرجات أو تمكنهم من تلقي نتائج الامتحانات. وقد أبلغ 95% من الأطفال شرقي الموصل عن فقدان الوثائق المدنية الضرورية.
وأفاد نحو 75% من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع أنهم يعملون في أعمال غير نظامية وخطيرة مثل جمع القمامة، وأعمال البناء اليومية، وجمع المعادن الخردة.
وأورد التقرير أن الظروف المرتبطة بانتشار عمالة الأطفال في شرق الموصل موجودة في جميع المحافظات العراقية التي شهدت حربا ضد تنظيم الدولة، وأبرزها الأنبار وكركوك وصلاح الدين. وبعد انتهاء الصراع فيها لا يزال هناك نقص لوثائق مدنية للعديد من الأطفال، وتردٍ في الأوضاع الاقتصادية.
أضرار صحية جسدية ونفسية
ونقل التقرير عن مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في العراق سمر عبود قولها إن العائلات عندما لا تتمكن من تلبية احتياجاتها الأساسية، يكون الملاذ الأخير لها في بعض الأحيان هو إرسال أطفالها
للعمل، مضيفة أن اللجنة الدولية تعلم أن عمالة الأطفال تعرضهم للأذى، وتحرمهم من التمتع بطفولة طبيعية وآمنة، وتؤدي إلى آثار طويلة المدى على صحتهم الجسدية والنفسية.
ومن المشاكل السائدة المتعلقة بتعليم الأطفال أن العائلات التي يعتقد أن أحد أفرادها كان منتميا لتنظيم الدولة، تواجه صعوبات في إعادة اندماجها في مناطقها الأصلية أو مجتمعاتها الجديدة، وقد يتسبب ذلك في شعور الأطفال بأنهم غير مرحب بهم في المدارس أو حتى منع العائلات من اجتياز عمليات التسجيل الشاقة.
واقع بعيد عن الدستور والقوانين
وذكر التقرير أن العراق من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وينص دستوره على إلزامية التعليم الابتدائي لجميع الأطفال، لكن الواقع يختلف كثيرا بالنسبة للأطفال في أنحاء البلاد.
ودعت اللجنة إلى زيادة ضمان إنفاذ قوانينها التي تحمي الأطفال من العمل، وأن يتم التركيز بشكل خاص على تسجيل الأطفال الذين ظلوا من دون وثائق مدنية لأكثر من 5 سنوات منذ نهاية النزاع.
كما دعت المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة، إلى توسيع نطاق البرامج التي تعالج بشكل مناسب الأضرار التي يتعرض لها الأطفال في العراق. بحسب ما نشره موقع “الجزيرة نت”.