ما هي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وما هي محكمة العدل الدولية؟
شبكة النبأ
2024-01-15 05:07
رفعت جنوب أفريقيا، في 29 كانون الأول/ديسمبر 2023، دعوى قضائية في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة "انتهاك" التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في قطاع غزة. من بين أمور أخرى، ذكرت الدعوى أن إسرائيل، "ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على وجه الخصوص، فشلت في منع الإبادة الجماعية وفشلت في مقاضاة التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية".
إذن ما المقصود باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها؟ في مقالتنا التوضيحية هذه، نستعرض أبرز ما تودون معرفته بشأن هذه الاتفاقية المهمة.
أولا، ماذا تعرفون عن هذه الاتفاقية؟
اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها هي أول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتشير الاتفاقية إلى التزام المجتمع الدولي بألا تتكرر فظائع الإبادة أبدا، كما تتيح كذلك أول تعريف قانوني دولي لمصطلح "الإبادة الجماعية". وهي تنص أيضا على واجب الدول الأطراف في منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. تتكون الاتفاقية من 19 مادة.
ثانيا، ما المقصود بالإبادة الجماعية؟
وفقا للمادة الثانية من الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
ثالثا، ما الأفعال التي يُعاقب عليها؟
وفقا للمادة الثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، يعاقب على الأفعال التالية:
(أ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
(هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.
رابعا، هل يتمتع أي شخص بحصانة ضد المحاكمة بتهمة الإبادة الجماعية؟
لا يتمتع أي شخص بحصانة ضد تهمة الإبادة الجماعية. فوفقا للمادة الرابعة، يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا. ووفقا للمادة الخامسة، يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كلٌ طبقا لدستوره، التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.
خامسا، أين تتم المحاكمة؟
وفقا للمادة السادسة، تتم محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها.
سادسا، إذن وما دور محكمة العدل الدولية؟
تنص المادة التاسعة من الاتفاقية على أنه "تعرض على محكمة العدل الدولية، بناء على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسؤولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة".
سابعا، يوم دولي لتكريم ضحايا الإبادة الجماعية
في التاسع من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، يحيي مكتب المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية باعتماد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي تعد التزاما عالميا حاسما قٌدّم مباشرة قبيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عند تأسيس الأمم المتحدة.
وبموجب قرار الجمعية العامة 323/69 المؤرخ 29 أيلول/سبتمبر 2015، أصبح ذلك اليوم يُعرف باليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة.
ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة "أن تبقى الاتفاقية ورسالتها الصالحة لكل زمان بمثابة قوة حية في عالمنا، قوة تدفعنا إلى الوفاء بالوعد المَهيب الذي انبثق عن الاتفاقية، مشددا على أن الوفاء بهذا الوعد "يتطلب التصديق على الاتفاقية وتنفيذها بالكامل من جانب جميع الحكومات، مع الحرص في الوقت ذاته على محاسبة الجناة".
ما هي محكمة العدل الدولية وما أهميتها؟
زاد الاهتمام الإعلامي بمحكمة العدل الدولية في كانون الثاني/يناير، في أعقاب قرار جنوب أفريقيا برفع دعوى ضد إسرائيل فيما يتصل بادعاءات الانتهاكات الإسرائيلية لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة.
فيما يلي استعراض لدور محكمة العدل الدولية والدور الذي تقوم به وكيفية عملها من خلال الإجابة على 6 أسئلة مهمة.
ما هو الغرض من محكمة العدل الدولية، وكيف تعمل؟
تأسست محكمة العدل الدولية، التي يقع مقرها في قصر السلام في مدينة لاهاي بهولندا، عام 1945 كوسيلة لتسوية النزاعات بين الدول. وتقدم المحكمة أيضا آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي أحيلت إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى المعتمدة.
تُعرف محكمة العدل الدولية على نطاق واسع باسم "المحكمة العالمية"، وهي واحدة من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، التي تشمل الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة. كما أنها الجهة الوحيدة من الأجهزة الستة التي لا يوجد مقرها في نيويورك.
وعلى عكس محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن محكمة العدل الدولية ليست محكمة عليا يمكن للمحاكم الوطنية أن تلجأ إليها، فهي لا تستطيع النظر في النزاع إلا عندما يُطلب منها ذلك من قبل دولة واحدة أو أكثر.
تتألف المحكمة من 15 قاضيا، يتم انتخابهم لولاية مدتها تسع سنوات من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتجرى الانتخابات كل ثلاث سنوات لثلث المقاعد، ويجوز إعادة انتخاب القضاة المتقاعدين. ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم، بل هم قضاة مستقلون، ولا يوجد سوى قاض واحد في المحكمة من أي جنسية.
تبدأ القضايا عندما تقوم الأطراف بتقديم المرافعات وتبادلها والتي تحتوي على بيان تفصيلي للوقائع والقانون الذي يعتمد عليه كل طرف، ومرحلة شفهية تتكون من جلسات استماع عامة يخاطب فيها الوكلاء والمحامون المحكمة.
وتقوم البلدان المعنية بتعيين وكيل للدفاع عن قضيتها، وهو شخص يتمتع بنفس الحقوق والالتزامات التي يتمتع بها المحامي في المحاكم الوطنية. في بعض الأحيان، قد يدافع أحد السياسيين البارزين عن بلاده، كما كان الحال في قضية غامبيا/ميانمار في عامي 2019 و2020.
وتميزت تلك القضية، التي رفعتها غامبيا، بظهور أونغ سان سو تشي، الزعيمة المدنية لميانمار آنذاك، في لاهاي للدفاع عن بلدها. وبعد هذه المرحلة، يتداول القضاة على انفراد خلف أبواب مغلقة، ومن ثم تصدر المحكمة حكمها. ويمكن أن تتراوح المدة الزمنية التي يستغرقها هذا ما بين بضعة أسابيع وعدة سنوات.
لماذا تعتبر محكمة العدل الدولية مهمة؟
محكمة العدل الدولية هي المحكمة الدولية الوحيدة التي تتولى تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. وهذا يعني أنها تقدم مساهمة مهمة في السلم والأمن العالميين، وتوفر وسيلة للدول لحل القضايا دون اللجوء إلى الصراع.
ما نوع القضايا المرفوعة أمام المحكمة؟
يمكن للمحكمة أن تحكم في نوعين من القضايا، وهما "القضايا الخلافية" وهي نزاعات قانونية بين الدول؛ و"الإجراءات الاستشارية" وهي طلبات للحصول على فتاوى بشأن المسائل القانونية المحالة إليها من أجهزة الأمم المتحدة وبعض الوكالات المتخصصة.
والدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في 29 كانون الأول/ديسمبر 2023 هي المرة الأولى التي يتم فيها رفع قضية خلافية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. يذكر أنه في 2004 خلص رأي استشاري للمحكمة إلى أن الجدار الذي بنته إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في وحول القدس الشرقية والنظام المرتبط به، يتعارض مع القانون الدولي.
ووفقا للدعوة التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، فإن أفعال إسرائيل "تعتبر ذات طابع إبادة جماعية، لأنها ترتكب بالقصد المحدد المطلوب" لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية. كما تشير الدعوى إلى أن سلوك إسرائيل - "من خلال أجهزة الدولة ووكلاء الدولة وغيرهم من الأشخاص والكيانات التي تعمل بناء على تعليماتها أو تحت توجيهها أو سيطرتها أو نفوذها" - يشكل انتهاكا لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين في غزة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
وتسعى جنوب أفريقيا إلى تأسيس اختصاص المحكمة على اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية لعام 1948، والتي وقعت عليها البلدان، بينما ترفض إسرائيل هذه الاتهامات. أما بالنسبة للإجراءات الاستشارية أو الفتاوى، ففي نهاية عام 2022، طلبت الجمعية العامة فتوى من المحكمة بشأن "الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".
وفي آذار/مارس 2023، اعتمدت الجمعية العامة قرارا يطلب من المحكمة إصدار فتوى بشأن التزامات الدول فيما يتعلق بتغير المناخ، حيث أشاد معظم المتحدثين في النقاش بتلك الجلسة باعتبارها علامة فارقة في مسيرتهم المستمرة منذ عقود في النضال من أجل العدالة المناخية. ولا تزال الإجراءات الاستشارية سارية.
من يمكنه رفع دعاوى أمام المحكمة؟
يمكن لأي دولة عضو أن ترفع دعوى ضد أي دولة عضو أخرى، سواء كانت في صراع مباشر أم لا، عندما تكون المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي على المحك. في قضية غامبيا ضد ميانمار على سبيل المثال، لم تكن غامبيا معنية بشكل مباشر بمزاعم الإبادة الجماعية الموجهة ضد ميانمار، لكن هذا لم يمنعها من رفع الدعوى نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي.
ما هي النتائج المترتبة على حكم المحكمة؟
أحكام محكمة العدل الدولية نهائية، وليست هناك إمكانية للاستئناف. والأمر متروك للدول المعنية لتطبيق قرارات المحكمة في ولاياتها القضائية الوطنية. وفي معظم الحالات، تحترم التزاماتها بموجب القانون الدولي وتمتثل إليها. وإذا فشلت دولة ما في أداء الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب حكم ما، فإن الحل الوحيد المتبقي هو اللجوء إلى مجلس الأمن الذي يمكنه التصويت على قرار، وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
حدث هذا في قضية رفعتها نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة عام 1984، للمطالبة بتعويضات عن الدعم الأمريكي لمتمردي الكونترا. وحكمت محكمة العدل الدولية لصالح نيكاراغوا، لكن الولايات المتحدة رفضت قبول النتيجة. ثم رفعت نيكاراغوا الأمر إلى مجلس الأمن، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد القرار ذي الصلة.
كيف تختلف محكمة العدل الدولية عن المحكمة الجنائية الدولية؟
هناك خلط متكرر بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. لكن أبسط طريقة لشرح الفرق هي أن قضايا محكمة العدل الدولية تشمل دولا، أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة جنائية تُرفع فيها قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
بالإضافة إلى هذا، فإنه في حين أن محكمة العدل الدولية هي أحد أجهزة الأمم المتحدة، فإن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونا عن الأمم المتحدة (على الرغم من اعتمادها من قِبل الجمعية العامة).
الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ليست جميعها أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية. ويجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها عندما يكون الشخص المدعى ارتكابه الجريمة من مواطني دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية أو في إقليم دولة طرف كما يجوز لدولة غير طرف أن تقرر قبول اختصاص المحكمة.
منذ دخول قضيتها الأولى في 22 مايو / أيار 1947، نظرت محكمة العدل الدولية في 178 قضية حتى نوفمبر / تشرين الثاني 2019.
ويشترط في القضاة وبحسب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ان يكونوا «مستقلين ينتخبون من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية الحائزين في بلادهم للمؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، أو من المشرعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي وكل هذا بغض النظر عن جنسيتهم.». يمكن عزل القاضي عن كرسيه فقط بموجب تصويت سري يجريه أعضاء المحكمة. وقد شككت الولايات المتحدة بنزاهة القضاة إبان قضية نيكاراغوا، عندما ادعت أنها تمتنع عن تقديم أدلة حساسة بسبب وجود قضاة في المحكمة ينتمون إلى دول الكتلة الشرقية.
يجوز للقضاة أن يقدموا حكماً مشتركاً أو أحكاماً مستقلة حسب آراء كل منهم. وتؤخذ القرارات وتقدم الاستشارات وفق نظام الأغلبية، وفي حال تساوي الأصوات، يعتبر صوت رئيس المحكمة مرجحاً. تسمى غالبًا المحكمة العالمية وهي أعلى وكالة قضائية في هيئة الأمم المتحدة. وهي توفر وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية. وتعالج فقط القضايا التي تتقدم بها الدول وتستند قراراتها على مبادئ القانون الدولي ولا تقبل الاستئناف. وتستمع المحكمة إلى عدد قليل نسبيًا من القضايا. ولكن كثيرًا من النزاعات بين الحكومات تسوى في محاكم دولية أخرى، أو محاكم قومية مستندة إلى القانون الدولي. لا تَمْثُل أية دولة أمام المحكمة، ما لم تكن راغبة في ذلك.
رُفعت القضية الأولى في مايو 1947 من قبل المملكة المتحدة ضد ألبانيا بشأن حوادث في قناة كورفو.
ما هي قواعد الحرب وماذا يحدث عندما يتم انتهاكها؟
حول القانون الدولي الإنساني، تحدث فريق أخبار الأمم المتحدة مع إريك مونجيلارد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان:
للحرب قواعد قديمة قدم الحرب نفسها، من النصوص الواردة في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، إلى الفروسية الأوروبية في العصور الوسطى، تهدف هذه المجموعة المتزايدة من المعايير إلى الحد من آثار الصراع على المدنيين أو غيرهم من غير المقاتلين.
قال مونجيلارد إن هذه القوانين تمثل "الحد الأدنى من القواعد للحفاظ على الإنسانية في بعض أسوأ المواقف التي عرفتها البشرية"، مشيرا إلى أن قواعد الحرب تنطبق في اللحظة التي يبدأ فيها النزاع المسلح.
وتستند القوانين المعمول بها اليوم في المقام الأول إلى اتفاقيات جنيف، التي تم التصديق على أولها قبل إنشاء الأمم المتحدة بنحو مئتي عام.
ما هي اتفاقيات جنيف؟
في عام 1859، قام هنري دونان، وهو مواطن سويسري، برعاية ضحايا معركة في سولفرينو، وهي تجربة دفعته إلى اقتراح ما أصبح يعرف باسم اللجنة الدولية لمساعدة الجرحى.
وتحولت تلك المجموعة بعد ذلك بوقت قصير إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتبعتها اتفاقية جنيف الأولى، التي وقعتها 16 دولة أوروبية عام 1864. ومنذ ذلك الحين، اعتمد عدد متزايد من البلدان اتفاقيات جنيف الأخرى اللاحقة.
وقد أصبحت أكثر من 190 دولة أطرافا في اتفاقيات عام 1949، مما يجعلها قابلة للتطبيق عالميا.
تطورت قواعد الحرب الجديدة والبروتوكولات الملحقة باتفاقيات جنيف، حيث أصبحت الأسلحة المستخدمة في المعارك أكثر تطورا وفتكا.
كما ظهرت معاهدات دولية لحظر مجموعة من الأسلحة التي تم استخدامها في الصراعات خلال القرن العشرين، بدءا من استخدام غاز الخردل في خنادق الحرب العالمية الأولى وحتى إسقاط النابالم جوا عبر فيتنام. وتشكل هذه الاتفاقيات الملزمة أيضا جزءا من القانون الدولي الإنساني.
من هم الأشخاص المحميون؟
المستشفيات والمدارس والمدنيين وعمال الإغاثة والطرق الآمنة لتقديم المساعدة الطارئة، من بين الأشخاص والأماكن التي يحميها القانون الدولي الإنساني.
وقال السيد مونجيلارد إن بروتوكول اتفاقيات جنيف الذي تم اعتماده عام 1977 يحتوي على "معظم القواعد" بشأن ما يتعين القيام به لحماية المدنيين من القتال.
وبشكل عام، تنقسم المبادئ الأساسية إلى مجموعتين من القواعد، تركز الأولى على احترام كرامة الإنسان وحياته والمعاملة الإنسانية. ويشمل ذلك حظر عمليات الإعدام بإجراءات موجزة (أي بدون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة) والتعذيب.
وأضاف أن المجموعة الثانية تتعلق بالقواعد التي يجب على الأطراف المتحاربة الالتزام بها عند إجراء العمليات العسكرية، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والاحتياط، وهي مبادئ ملزمة لكل طرف متحارب.
ووفق ذلك لا يجوز للأطراف استهداف المدنيين، وعليها التأكد من أن العمليات والأسلحة التي تختار استخدامها ستقلل أو تتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، كما يجب عليها توفير تحذير كاف للسكان المدنيين بشأن هجوم وشيك.
وأضاف: "عندما تواجه أطراف النزاع ادعاءات بشن ضربات ضد المدنيين أو البنية التحتية المدنية، على سبيل المثال، فإنها تسعى دائما إما إلى الإنكار أو إلى التفسير، مما يعزز حقيقة إدراكها لأهمية هذه القواعد".
إنهاء الإفلات من العقاب
وقال السيد مونجيلارد إن "الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تعتبر جرائم حرب". وعلى هذا النحو، فإن جميع الدول ملزمة بتجريم تلك السلوكيات والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها.
لا يمكن أن تقع جرائم الحرب إلا في إطار نزاع مسلح. وفي الوقت نفسه، يمكن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء الحرب وفي وقت السلم. رغم عدم وجود معاهدة مخصصة حاليا بشأن الجرائم ضد الإنسانية، فقد بدأت الجمعية العامة عام 2022 عملية مدتها عامين لمناقشة إمكانية صياغة اتفاقية بهذا الشأن.
يوفر نظام روما الأساسي حاليا أحدث توافق في الآراء للمجتمع الدولي بشأن ما يقع ضمن نطاقه. ويعد نظام روما أيضا المعاهدة التي تقدم القائمة الأكثر شمولا للأفعال المحددة التي قد تشكل جريمة.
لمحاسبة الفاعلين على انتهاكاتهم، يتم إنشاء آليات دولية، بما في ذلك المحاكم بشأن رواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو من خلال الجهود الوطنية، كما حدث عام 2020 في جمهورية الكونغو الديمقراطية عندما قدمت محكمة عسكرية مجرم حرب إلى العدالة.
تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي، وهي تتمتع بسلطة قضائية على المزاعم المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي الإنساني.
المحكمة الجنائية الدولية
المحكمة الجنائية الدولية هي أول محكمة جنائية عالمية دائمة تم إنشاؤها للمساعدة في إنهاء إفلات مرتكبي الجرائم الأكثر خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي من العقاب. وهي منظمة دولية مستقلة، وليست جزءا من منظومة الأمم المتحدة.
لكن الأمم المتحدة لديها صلة مباشرة بهذه المحكمة. فيمكن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يفتح القضايا أو التحقيقات المحالة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، أو بناء على معلومات من مصادر موثوقة.
وفي حين لا تعترف جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، بالمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المحكمة يمكنها إجراء تحقيقات وفتح قضايا تتعلق بالادعاءات من أي مكان في العالم. وقد تم الاستماع إلى قضايا، وصدرت قرارات بشأن مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك قضايا تتعلق باستخدام الاغتصاب كسلاح حرب وتجنيد الأطفال.
تحقق المحكمة حاليا في 17 قضية حول العالم، ويتضمن عملها إصدار أوامر اعتقال بحق الجناة المشتبه بهم. وقد أصدرت مؤخرا مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتعلق بغزو بلاده واسع النطاق لأوكرانيا.
وقال السيد مونجيلارد إنه في حين أن القانون الدولي الإنساني يحكم سلوك الأطراف المتحاربة في النزاع، إلا أن هناك دورا مهما يمكن لعامة الناس القيام به لمنع انتهاكه. وحذر من أن تجريد مجموعة من الأشخاص من إنسانيتهم يمكن أن يبعث إلى القوات العسكرية رسالة مفادها أن "بعض الانتهاكات ستكون مقبولة".
وقال: "من المهم تجنب تجريد الطرف الآخر من إنسانيته أو تجريد العدو من إنسانيته، وتجنب خطاب الكراهية، وتجنب التحريض على العنف. هذا ما يمكن أن يفعله عامة الناس للمساهمة في منع الانتهاكات".
أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فبعد تصاعد الصراع في إسرائيل وغزة في 7 تشرين الأول / أكتوبر، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مستمرا، وقامت بتشغيل رابط لتقديم تقارير عن مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والعدوان، التي جميعها تعتبر انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
كما صدر عن منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، تذكير بالتزامات الأطراف المتحاربة في سياق الأزمة عندما قال أمام مجلس الأمن الدولي إن هناك "قواعد بسيطة للحرب". وشدد على أنه "يجب على أطراف النزاع المسلح حماية المدنيين".