مركز آدم ناقش أزمة المياه وحقوق الانسان العراقي
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
2023-09-14 05:51
تحرير: حسين علي حسين
عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، جلسة حوارية حول أزمة المياه في العراق تحت عنوان (حق الإنسان العراقي في المياه)، شارك فيها عدد من الكتاب والمفكرين والباحثين المهتمين بهذا الشأن.
وقد قدم الدكتور الباحث في المركز الدكتور علاء الحسيني ورقة حول هذا الموضوع جاء فيها:
"كانت المياه العذبة في ذلك الوقت كانت تكفي على أقل تقدير أو تسد غالب احتياجات الناس من الماء، ولم تكن هناك صراعات كبيرة على المياه العذبة الصالحة للاستعمال، كان الكلام كثيرا عن العقيدة وعن الفكر لذلك تجد الكثير من مواد الإعلان العالمي لحقو الإنسان، أو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تتطرق إلى الحقوق الأخرى، ولم يبرز الاهتمام بقضية المياه إلا في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم لما بدأت بعض العواصم تزيد من الطلب على المياه العذبة فأصبحت محورا من محاور اهتمام الناس على مختلف الأصعدة، بل أضحت ميدانا للصراع الدولي بين الدول وبين المصالح والأجندات المختلفة.
لذلك برزت الحاجة لتنظيم هذا الحق، ولذا قد نقرأ في كثير من الأحيان أنها هل المياه حق أم أنه حاجة من الحاجات الأساسية التي يحتاجها الإنسان وينبغي أن تكون على كيفية معينة، هذه الإشكالية أفضت إلى النتيجة التالية، أفضت إلى أنه اليوم غالبا لا توجد شرعة دولية موحدة تنظم مسألة الحق في المياه كما لو أخذنا مثلا الشرعة الدولية التي تتعلق بالمأوى والمسكن وبالحياة الكريمة وغير ذلك، على الرغم من أن الحق بالمياه لا يقل أهمية عن هذه الحقوق بل يعد مكملا لها بل يعد متوِّجا لها، الآن ونحن نتكلم عن الحق في الحياة الكريمة فهي لا تتحقق إلا بحفظ الأمن المائي، على المستوى العراقي والعالمي.
يتحقق الأمن المائي بثلاثة أسباب:
السبب الأول: أن تكون هذه المياه متوفرة.
السبب الثاني: أن تكون ملائمة.
السبب الثالث: أن تكون متناسبة، والمقصود بـ متناسبة، أي بمتناول الإنسان، فإن كانت بأموال فتكون هذه الأموال بما يتلاءم مع مدخولات الناس بحيث لا يتعرضون للإرهاق إذا تم شراءها بمبالغ كبيرة وما شاكل ذلك.
المياه واحتياجاتها اليومية بالنسبة للإنسان في العراق والعالم حاجة متناهية جدا، والصلة بين الماء والحياة لا تقبل الانفكاك، لذلك نحتاج اليوم إلى الوقوف عند الحق في المياه، وهذا الحق كما ذكرنا قبل قليل لا ينفك عن الحق في الحياة الحرة الكريمة التي أشار لها الدستور العراقي وجل الوثائق الأخرى، لكن على المستوى الوطني لاحظنا تخلفا كبيرا في مسألة تنظيم هذا الحق، وعلى المستوى الدولي لاحظنا أيضا تخلفا كبيرا في تنظيم هذا الحق وسوف نعطي دليلا على كل جزئية من هذه الجزئيات.
نبدأ بالمستوى الدولي، لو أخذنا العراق مثالا لأزمة المياه العذبة الصالحة للاستعمال، سوف نجد أن العراق بلد ما بين النهرين له حقوق تاريخية في مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما، لكن الواقع يؤشر إلى انخفاض حاد في مناسيب نهرين دجلة والفرات ويؤشر خطر كبير جدا يطال الإنسان العراقي في كل جوانب حياته، على الجانب الزراعة، الزراعة مهددة، الجانب الإنساني، فالإنسان العراقي يفتقد الآن في كثير من المحافظات والمدن للمياه الصالحة للشرب، وعلى مستوى الأمن المائي الذي يرتبط بالأمن الغذائي يُفتقد إلى حد كبير، وهذا الأمر مرتبط بسياسة دول الجوار إزاء نهري دجلة والفرات.
فتركيا تحاول اليوم أن لا تعترف بأن نهري دجلة والفرات من الأنهار الدولية، وتقول فيما تقول إنها من الأنهار العابرة للحدود، وتدعي إنهما حوض واحد وتدعي عشرات الادعاءات التي قد سمعتم بها جميعا، ولعل الحكومات العراقية المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا في أن تضع أسسا قانونية متينة تنظم حقوق العراق في مياه نهري دجلة والفرات.
الفرق بين الحق الأصيل والمكتسب
وهذا الأمر انعكس على حقوق المواطن العراقي، لذلك نحن اليوم مهددون في أمننا المائي، ولو أخذنا مثلا الجانب التاريخي لحقوق العراق في نهري دجلة والفراق، فقد اطلعت على كثير من الأبحاث لباحثين عراقيين مختصين بالقانون وفي غيره، بعضهم مسؤولون في وزارة الخارجية، أجدهم يستعملون مصطلح الحقوق المكتسبة للعراق وهذا مصطلح خاطئ للأسف، فحقوق العراق ليست مكتسبة بل هي حقوق أصيلة، وهناك فرق كبير جدا بين الحق الأصيل والحق المكتسب، لكن يبدو أن صانع القرار العراقي لا يعلم الفرق بينهما.
فالحق الأصيل متأتٍ من أصالة الحق نفسه وهو ليس مكتسبا بمرور الزمن وبالتالي نسميه التقادم المكسب، فلما تجد لُقْطة في الشارع وتحتفظ بها يوما واثنين وثلاثا وأربعا تكسبها بالتقادم المكسب، فنقول إنها أصبحت ملكك بالتقادم، لكن هذه اللقطة هي ملكك أصلا وضاعت منك ثم عثرت عليها فهذا حق أصيل، ولا يستطيع أحد أن يجردك من ملكيتها ولا تحتاج إلى سند من القانون يدعم رأيك في هذا الموضوع لأنه حقك الطبيعي، فحتى لو لم يوجد نص في القانون يسعفك فالقانون الطبيعي، قانون السماء، قانون الأرض يسعفك في أن هذا الحق هو حقك، وهذا الشيء هو ملكك.
لكن للأسف تركيا لا تزال تنكر الأمرين، تنكر أن هذا حق مكتسب للعراق، أو أن هذا الحق حق أصيل، وتمانع وتعارض في ذلك، لذا كان المقتضى من صانع القرار العراقي أن يتعامل معها بالمثل، بمعنى ينكر على تركيا بعض الحقوق التي تدعيها علينا، وبالتالي نعاملها بالمثل حتى تذعن إلى مطالبنا، وهذه القضية فيها أبواب كثيرة منها باب الاقتصاد وباب المشاكل مع الأخوة الكرد، من الممكن للسياسي الحاذق أن يلج من هذه الأبواب ويمكن أن يحصل على مكتسبات تعيد للعراق جزءا من حقوقه المائية وهذا بعيد عن محور موضوعنا في ورقتنا هذه لكننا نشير له إجمالا.
فعلى مستوى الحق الوطني في المياه وجدنا هناك تخلفا، وعلى المستوى الدولي أيضا، وبما أن الورقة تتحدث عن حقوق المواطن العراقي، فلابد أن نسير إلى أن الحقوق التي نبحث عنها أو الأساس الذي نبحث عنه في القواعد القانونية الدولية، يحتاج من أن نسير مع بعض النصوص القانونية التي وجدناها وهي نافذة لحد الآن، مع أن تركيا حاولت أيضا أن تتنكر لها.
هناك مثلا اتفاقية في عام 1847، لها علاقة بحقوق العراق المائية، وهناك اتفاقية باريس في عام 1920، بين باريس ولندن والدولة العثمانية عقب احتلال سوريا والعراق ولبنان من قبل فرنسا وبريطانيا، عقدوا اتفاقية باريس وداء في المادة ستة 6 صريحة بأنه بالنسبة للمياه الداخلة إلى سوريا والعراق من تركيا هي من حق الدولتين المنتدبتين ولهم الحق أن يقيموا بعض المشاريع وما شاكل لكي تنمّي بها مشاريع الري.
معاهدات دولية حول ملف المياه
هناك معاهدة الصلح التي عُقدت مع الدولة العثمانية، عام 1923 المادة ستة أيضا تتطرق إلى حقوق العراق في مياه نهري دجلة والفرات، وهنالك عام 1946 جرت اتفاقية بين الملك الحاكم في البلد وبين تركيا سميت باتفاقية الصداقة وحسن الجوار وفيها نصان واضحان يتحدثان عن إن تركيا يجب أن تُعلِم العراق بمشاريع الري التي ستحدث في أراضيها حتى لا تؤثر على حقوق العراق، ومن حق العراق أن يقيم مشاريع إروائية وبزل حتى ينظّم مياه الفيضان التي كانت تأتي من دجلة والفرات وتهدد بغداد في خمسينيات القرن الماضي وعلى أثرها بالفعل عمد العراق إلى بناء السدود المعروفة لنا اليوم ومنها سدة سامراء وغيرها من السدود التي تم تأسيسها في تلك الحقبة على اثر تلك الاتفاقية.
وبعد ذلك هنالك برتوكولات عقدت بين الحكومتين العراقية والتركية، في عام 1980، 1988، ومذكرات تفاهم عام 1989، لكن كلها لم ترتق إلى اتفاقية حقيقية ثنائية تنظم مسألة المياه، أو على أقل تقدير يجب إشراك الدولة السورية باعتبارها شريكة في نهري دجلة والفرات، وكلاهما لها حصص مائية سورية.
في عام 1990 عُقِدت مذكرة تفاهم مع الجانب السوري وعلى أثرها حُددت حصة العراق بـ 58% من الاطلاقات المائية التي تأتي من تركيا للعراق و42% إلى سوريا من الإطلاقات الكلية التي تأتي إلى نهر الفرات، لكن نهر دجلة لم يحدد ذلك، ولو أتينا إلى الواقع الجغرافي لوجدنا أن 80% أو أكثر من نهر دجلة يسير في العراق، والفرات 45% تقريبا ويلتقي النهران كما نعلم في البصرة ويذهبان إلى الخليج.
الإخلال بتطبيق الاتفاقات الدولية
لكن أين تكمن المشكلة، إنها تكمن في أن التنظيم الدولي لهذين النهرين ليس ناضجا إلى حد كبير لاسيما إذا علمنا أن المجتمع الدولي لا يزال حتى اليوم لديه مشكلة في تنظيم الأنهار بين الدول المتشاطئة، وانتهى الأمر إلى إقرار معاهدة هلسنكي عام 1966، ومن ثم بعد ذلك إلى اتفاقية الأمم المتحدة في عام 1997، التي من المفروض أن نستفيد منها خصوصا المادة 5 التي تتعلق بحقوق الدول المتشاطئة على الأنهار، لكن (لا اريد أن أظلم صانع القرار العراقي) لكن يُفترض له أن يستفيد من هذه الاتفاقية ويذهب إلى المحاكم الدولية ولاسيما محكمة العدل الدولية ويقيم الدعاوى على تركيا حتى يحافظ على جزء من مكتسبات العراق أو من حقوق العراق الأصيلة فيما يتعلق بمياه نهري دجلة والفرات.
وهناك عوامل أخرى أدت إلى قلة اطلاقات المياه بالنسبة للمواطن العراقي، واحد هذه العوامل مسألة التغيّر المناخي، وارتفاع درجات الحرارة وهناك من يقول أن هناك 9 مناطق عراقية وصل فيها درجة الحرارة إلى اكثر من نصف درجة الغليان من أصل 11 مدينة على مستوى العالم كله، وهذا رقم مخيف جدا ومهول.
التعامل المتخلف مع المياه
أضف إلى ذلك أننا لا زلنا نعتمد على كثير الاليات المتخلفة جدا في التعامل مع المياه، فلا زلنا نخزنها في خزانات مفتوحة مثل بحيرات الثرثار وسواها وهي مباحة للشمس والتبخّر، ولا زالت الكثير من طرق الري لدينا متخلفة جدا، وتعود إلى العصور البابلية في الزراعة، خصوصا بعض المحاصيل المعينة في النجف والديوانية وغيرها ونقصد محاصيل الشلب، وهناك الكثير من العوامل التي لا زالت السلطات العامة في العراق مقصرة في مسألة التعامل معها أو الحد من آثارها السلبية.
كذلك لا زالت الكثير من الأنهار غير مبطنة ولم يتم إدامتها بشكل صحيح، وهناك كثير من المشاكل الأخرى. فتعاظمت هذه العوامل واجتمعت مع بعضها، فهددت حق الإنسان العراقي بالمياه، وهذا الحق لا يقتصر على الشرب أو على الاستخدام اليومي وما شاكل ذلك، فالزراعة والصناعة النفطية كلها تعتمد على المياه، وبالتالي هذه كلها ترتبط بحق الإنسان العراقي بالمياه وتحتاج إلى وقفة من صانع القرار العراقي ولابد أن يلتفت إلى هذه المسألة.
على المستوى الدولي قلنا أن هناك تخلف وأشرنا إلى انه لا توجد اتفاقيات شارعة حتى اليوم، عدا اتفاقيات 97 فيها نوع من الإشارات غير الملزمة لتركيا، لأنها من الدول التي امتنعت عن التوقيع على هذه الاتفاقية، وتعلم ما تريد، وقد تعاملت تركيا الكيل بمكيالين، فبالنسبة لأنهارها مع بلغاريا كانت هنالك اتفاقيات ثنائية دولية نظمت حقوق بلغاريا مع تركيا، لكن في تعاملها مع العراق وسوريا لم يكن كذلك، وهذا يعود إلى التوازنات السياسية، وتبدو أنها مسألة سياسية أكثر مما هي إنسانية.
أضف لذلك لو نرجع إلى بعض النصوص الدولية التي لها علاقة بالتأسيس لحق المواطن العراقي بالمياه، على سيبل المثال المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التي تشير إلى أنه ينبغي عدم المساس بعوامل الحياة الأساسية للمواطنين جميعا على مستوى العالم ككل، وكذلك المادة 11 تشير إلى الحق بالعيش اللائق وهذا يتصل بحق الإنسان بالمأكل والمأوى وما شاكل ذلك.
هناك اتفاقية الأمم المتحدة لقمع جميع أنواع التمييز ضد المرأة في المادة السادسة إشارة صريحة إلى أن الدول تلتزم جميعا بتوفير الماء الصالح للشرب للنساء وعدم التمييز فيما بينهم في هذه القضية، هناك أيضا اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1998، تشير صراحة إلى الحقوق التاريخية لجميع الأطفال بالحصول على المياه الصالحة للشرب، لذلك فإن التعنت التركي والإيراني في التعامل مع ملف المياه يخالف العهد الدولي وبموجب اتفاقية حقوق الطفل، لأنه يهدد الأمن المائي.
بالمناسبة الجارة إيران كان لها سلوك سلبي ربما لم نعرّج على ذلك كثيرا، لأن سلبية إيران أكثر تركيا باعتبار أن إيران حوّلت مسار الأنهار تماما عن الأراضي العراقي في الكارون والطيب وغير ذلك ونهر ديالى وغيرها من الأنهار، حيث حولت مسارها تماما، عن الأراضي العراقية، فهذه مشكلة أكبر، إذ لعل الأتراك ربما يعطونا إطلاقات مائية معينة 25% مما كان عليه الأمر سابقا، لكن الجانب الإيراني أغلق المياه نهائيا في كثير من المواطن وهذا خلاف حتى المنطق وحتى تعاليم الدين الإسلامي والتعاليم أو الشرعة الدولية أو ما نسميه بمبدأ المعقولية في التعامل مع الحقوق.
الأنهار الدولية التعامل معها بموجب المادة 6 من اتفاقية 98 يلزم الدول لاسيما دول المنبع أن لا تضر بدول المصب أو دول الممر، لكن أين تقع المشكلة، بالنسبة للعراق وتركيا وايران وسوريا، هذه الدول تعاملت مع ملف المياه بمبدأ التغانم ومبدأ التسابق وليس بمبدأ التكامل والعمل المشترك، ولذلك نلاحظ أن كل دولة تعمل كي تحقق مصالحها فقط، دون أن ترعى مصالح الدول الأخرى، في حينمن الأولى أن يكون هنالك عمل مشترك للاستفادة المشتركة من المياه لجميع الدول الأربع، لذا نجد أن العراق أقام المشاريع دون أن يتفق مع تركيا أو مع إيران أو سوريا، سوريا أقامت سد الثورة عام 1976 وغيره من المشاريع دون التنسيق مع العراق أو مع تركيا، وكذلك تركيا أقامت عدة مشاريع لاسيما الحديثة منها دون التنسيق مع أي دولة من الدول، لأنها أصر تنكر حق هذه الدول في مجرى مياه نهري دجلة والفرات.
الحصول على المغانم المائية
لذلك كان الأولى أن يكون عمل هذه الدول عمل تكاملي وليس عمل سباق، فيما بينهم للحصول على المغانم المائية قبل الآخرين، هذا من جانب نهري دجلة والفرات، هناك جنبة أخرى لحق المواطن في المياه لا تعتمد فقط على حق الحصول على مياه نهري دجلة والفرات فقط، وإنما التزام السلطات العامة في العراق إزاء المواطن للحصول على المياه، هذا الأمر يعتمد على أن يكون هناك عمل حكومي جاد لإيصال المياه الصالحة للشرب لجميع المواطنين العراقيين ولكن الواقع يقول عكس ذلك.
هناك كثير من المناطق محرومة من المياه الصالحة للشرب، هناك كثير من المشاكل تحدث بسبب المياه، واحدة من هذه المشاكل بحثت عنها ولم أحصل على إجابات شافية، ولكن هنالك في بغداد مشروع ماء في منطقة اليوسفية، هذا المشروع بحسب الأمم المتحدة، نسبة التلوث فيه التي تُدفع إلى المواطنين تصل إلى 33%، قد تكون في هذا الموضوع جنبة فنية معينة، بمعنى هناك انتهاك آخر لحقوق المواطن العراقي، في الحصول على المياه، لأن المياه التي تصل إليه هي أصلا ملوثة وبالتالي هذا انتهاك آخر لحقوق المواطن العراقي، بأن المياه غير مأمونة، في حين أن الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة لاسيما في مسألة التنمية ومشاريع عام 2020- 2030، لخطة التنمية للأمم المتحدة أنه كان أحد أهم أهدافها هو الوصول إلى هدف الأمن المائي بالنسبة لجميع المواطنين على مستوى العالم، ولكن للأسف أن الأمن المائي في العراق أيضا غير متحقق من هذه الزاوية.
من جهة أخرى عندما نتحدث عن الأمن المائي في العراق نشير إجمالا لبعض النصوص الدستورية التي وردت بهذا الخصوص، مثلا الدستور العراقي أغفل الحديث عن المياه إلا في مواطن بسيطة جدا، وهذه إشكالية بحد ذاتها، لماذا لأننا نعيش في ظل دولة فدرالية، ولما نعيش في دولة فدرالية لابد أن ينظم الدستور هذه الموضوعات لأنها مثار للمشاكل في المستقبل، في المادة 110 يتحدث الدستور عن سلطات اتحادية، ترسم سياسات، سياسة التجارة الخارجية، السياسة المالية والنقدية، ومن ضمنها السياسة المائية.
في المادة 114، يتحدث الدستور عن الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية وبين الأقاليم والمحافظات، ومن ضمن هذه الاختصاصات المشتركة تقاسم المياه، ولكن أي مياه يقصد، المقصود هي المياه الموجودة داخل العراق، بمعنى الروافد أو المياه الجوفية والينابيع، فهي داخل العراق وتكون من الاختصاصات المشتركة بين الحكومة المركزية وبين الأقاليم والمحافظات، هذا النص بحد ذاته قاصر، لأنه سوف يسبب نفس المشكلة التي حصلت في النفط والغاز والمادة 112 و 111، حيث تدخلت المحكمة الاتحادية، وأكدت أن تدخل المحافظات والأقاليم في مسألة رسم السياسات النفطية لا تعني الإنتاج مع الحكومة الاتحادية، وإنما بالتنسيق معها لوضع الخطط أو الاستراتيجيات أو وضع قوانين وما شاكل ذلك، إذن هناك مشكلة قادمة سوف تبرز كثيرا في قادم السنوات وهي استيلاء إقليم كردستان على جزء من المياه العراقية التي ينبغي أن يتم تقاسمها بشكل عادل ومنصف بين جميع المحافظات العراقية، لأنها وإن تنبع في محافظات كرديتان لكن هذا لا يعني أنها مخصصة لكردستان فقط، وإنما ينبغي أن يتم تقاسمها بشكل عادل ومنصف.
أزمة المياه قنبلة موقوتة
لذلك يعلم البعض إن كثير من المشاريع التي بدأت بها حكومة كردستان بوضع أسس لسدود في نهر دجلة بالتحديد، وقد حاولت أن تستأثر بكثير من المياه الموجودة، وكذلك السدود الموجودة على دربندخان وغيرها، لذلك فإن هذه القضية قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي يوم من الأيام لتسبب مشكلة بين المركز والإقليم على مسألة المياه وعدم تنظيمها بشكل دقيق لأن الدستور العراقي أخفق أيضا في تنظيم هذه المسألة.
ولا يوجد عندنا قانون محدد يعالج هذه المسألة، حتى قانون وزارة الموارد المائية لا يتطرق لهذه المسألة، وإنما يتطرق لولاية الوزارة وأنها هي التي تدير تقاسم المياه داخل العراق، لكن قد تصطدم بالعلاج في بعض المحافظات أو بعض الأقاليم في الاستئثار بحصة أكبر من الحصة المخصصة لبقية المحافظات، وهذا يؤدي إلى مشكلة أيضا.
كذلك قلة مناسيب المياه قد هددت التراث العالمي في أهوار الجنوب العراقي، حيث أدرجت على لائحة التراث الإنساني العالمي في اليونسكو، وبالتالي هذا الأمر سوف يفاقم من مشكلة التغير المناخي في الجنوب، ويفاقم أيضا من مشكلة الهجرة من الجنوب إلى بعض محافظات الوسط، ويفاقم أيضا من مشكلة اعتماد الناس كثيرا على الوظائف الحكومية لأن العمل في القطاع الخاص سوف يتأثر إلى حد كبير، وهذه مشكلة تولد مشاكل كثيرة.
وفي ختام قراءة هذه الورقة البحثية طرح الباحث الدكتور علاء الحسيني السؤالين التاليين:
السؤال الأول: ما الواجب على السلطات العراقية للحفاظ على حقوق العراق وضمان تدفق المياه بشكل طبيعي ليستفيد منها الجميع؟
السؤال الثاني: كيف يمكن التصدي لمشكلة النقص في مصادر المياه الصالحة للاستخدام البشري في العراق، وكيف يمكن تعظيم مصادر المياه الداخلية في العراق وعلى من تقع المسؤولية في ذلك بالتحديد؟
المداخلات
- خليفة التميمي، كاتب واعلامي:
من المجالات التي يدخل فيها هذا الموضوع هو مجال الجغرافية السياسية، أي الجيوبولوتيك، من المعلوم أن كلمة القومية مأخوذة من كلمة (نيشن)، فهذه القوميات تكونت كقومية بدائية كما حدث في فرنسا وانكلترا، وتوجد قومية انفصالية بعد حدوث ما وراء البحار أخذت استقلالها وبينت هويتها، وقسم قومية وحدوية كما حدث في ألمانيا التي امتلكت التكنولوجيا واستطاعت السيطرة على بقية الدويلات، وهناك قوميات تستعرض تاريخها والهوية التي تميزها عن بقية الهويات، كما في القومية الفارسية والقومية التركية.
أما في العراق لم يتبلور عندنا شكل القومية الحقيقية التي من الممكن أن ندافع عنها، بالإضافة إلى السلطات لا يوجد لديها بعد نظر اقتصادي أو إدارة جيدة للموارد البشرية الموجودة في العراق، الدستور فيه ألغام كثيرة، العراق كما هو معروف أراضيه خصبة وصالحة للزراعة، الفلاح يتعامل مع الأرض التي تحتاج إلى ماء، والمياه مقطوعة من قبل الجارتان تركيا وإيران، وهذا ضد العرف وضد التشريعات السماوية والأرضية.
الباحث أشار إلى الزراعة وإلى الصناعة لكن أغفل الجانب التجاري، فنحن محاصرون أيضا في الفسحة المائية من خلال الموانئ، فنحن نتعرض إلى الخنق من مكانين، من المنطقة الشمالية ومن المنطقة الشرقية ومن المنطقة الجنوبية، وهذا يهدد البلد بالانقسام، أو يهدده بالتجويع، التجارب السابقة التي مرت بها الدولة العراقية، وقد كنا تحت الاحتلال البريطاني، حكومة نوري السعيد استغلت الاستعمار البريطاني في التباحث والتشاور حول المياه بيننا وبين تركيا، وفي نفس الوقت مع إيران، وكذلك الميناء في الجنوب، ونهر الكارون كذلك.
المفروض أن الحكومة والمتصدي للقرار أن يحس بمعاناة الشعب العراقي واحتياجاته، لأنه الحروب القادمة لا تكون على النفط وإنما سوف تكون على المياه، فنحن نرفع توصياتنا على أن يهتموا بهذا الجانب لأن الواقع مأساوي ولا يبشر بخير.
- الدكتور رياض المسعودي؛ برلماني سابق:
هناك عوامل طبيعية ساهمت في أزمة المياه، العامل الرئيسي الذي ذكره الباحث لكنه لم يركز عليه وهو الامتداد الطولي للعراق، فالدول فيها امتدادان، أما طولي أو عرضي، امتداد العراق امتداد طولي، وهذا يزيد من مساحة الجريان السطحي، وكلما زاد الجريان السطحي يزداد التبخر وقد يسأل سائل كم كمية التبخر؟، الرقم هو بحدود 16 مليار متر مكعب، وهذه تكفي لإرواء رومانيا وبلغاريا لمدة سنة كاملة.
النقطة الأساسية أنه جنوب الفتحة إلى البصرة هذه المنطقة تسمى كمية الأمطار التي تهطل عليها بالمناطق الهامشية، فالأمطار بين 300 ملمتر إلى 60 مليمتر، أي أن كمية الهطول المطري فيما يعرف بالتساقط بمستويات هشة وخطرة، ولا يمكن الاعتماد عليها وهذه قضية طبيعية.
الجانب الآخر، أرى أن القضية لا تتعلق لا بإيران ولا بتركيا ولا بسوريا، فهذه دول متشاطئة، وهنا أريد أن أسأل أي نهر في كربلاء أو أي نهر في بابل، دائما المناطق التي تقع في الصدور تكون حصة الأسد لها، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أمر بضائقة مائية وأغلق نهري أو مشروعي من أجل يصل الماء لجاري، هذا الأمر غير ممكن، وهذا يسمى مبدأ التزاحم، وهناك مشاكل في دول أخرى مثلا بين إيران وأفغانستان، كذلك نهر النيل بين دول المنبع ودول المصب، فعندما أخذت مصر حصة الـ 55 مليار متر مكعب سنويا ثبتت رقم وليس نسبة، فثبتوا الحجم ولم يثبتوا النسبة، وتم ذلك باستخدام السلاح والقوة والضغط، كذلك إسرائيل مشتركة في الضغط لأن الدول العربية فيها مياه سطحية جارية، العراق سوريا مصر وصولا إلى المغرب والجزائر وتونس.
ولكن السؤال الأهم أنه منذ عام 1980 على أقل تقدير لغاية عام 2023، هل أنشأ مشروع واحد في قطاع الماء، بينما دول العالم أو دول الجوار إيران مثلا وتركيا وأقصد ما يتعلق بالمياه السطحية، لم يجر العراق أي مشروع مقابل مشاريع عملاقة في دول الجوار، وهي ليست مشاريع لإضعاف العراق كما يعتقد البعض، فهي دول تمتلك مساحات كبيرة.
فمن المنطق أن يؤسس العراق لمشاريع استراتيجية في بلدك تعزز من أمنك الغذائي، وجزء منه الأمن المائي، العراق لم يقم بأي مشروع، ولكن على سبيل المثال المملكة العربية السعودية والإمارات، فنزولا الجزائر هندوراس إنتاجهم الآن 120 مليار متر مكعب لتنقية المياه نحن نسميها خطأ تحلية المياه، وهذا المشروع لو أقيم في البصرة لتجهيز البصرة وميسان وذي قار بالمياه الصالحة للشرب، لاستخدام الخدمات المنزلية لكنا بذلك قد تجنبنا الضغط التركي، والضغط الإيراني، على الأقل عندما تذهب للتفاوض معهم يوجد عندك شيء تتفاوض عليه، بينما أنت لا تمتلك أدوات التفاوض، يقول العراقي دائما اقطعوا التجارة مع تركيا، هناك فرق بين مستوى اقتصادي واستهلاكي، لحد عام 2004 نشرب الماء بالكأس و (الدولكه)، أما الآن لن نشرب الماء بهذه الطريقة، بل نشرب ماء القناني.
ما الذي حصل في عامي 2003 و 2004 بحيث امتنع المواطن عن شرب ماء الحنفية، وهو نفس الماء الذي كان موجودا في التسعينات والثمانينات، وقد أخذت بنفسي عينة من الماء وفحصتها في المختبر في كربلاء مقابل دائرة الزراعة وجئت بتقرير مختوم وكان يبين أن هذه المياه صالحة للاستخدام البشري، إذن حدث توجه بسبب ارتفاع المستوى الاقتصادي مثل استخدام المعلبات والدلفري واستخدام المياه المنقاة دون استخدام مياه الشرب.
نقطة أساسية أخرى أنه في الستينيات كان هناك جفاف أشد مما يحصل اليوم، حيث حدثت هجرة من الديوانية إلى كربلاء والحلة، وارتفعت نسبة استهلاك الماء للفرد من 20 لتر باليوم إلى 320 لتر فما هو السبب؟، المستوى الاقتصادي، مصرفات المياه تضاعفت بشكل مرعب، كذلك الهجرة من الريف إلى المدينة لم يسلط عليها الضوء الدكتور الباحث، كلما زادت الهجرة من الريف إلى المدينة زادت استهلاك المياه، سابقا كنا نستخدم مياه النهر، نشرب من النهر ونغسل أجسامنا بماء النهر ونغسل حتى أواني الطعام وملابسنا من النهر، ونعتبره من أنقى مصادر المياه، أما الآن فلا أحد مطلقا يستخدم مياه النهر.
فكلما زاد المستوى الحضري تغير الأمور وعرفا أصبحت مياه الأنهار ملوثة، ثم أن الناس يرون الحيوانات النافقة مرمية بالأنهار، والعلب الفارغة، وأستغرب من المحافظة الآن، ترمي مياه الأمطار في نهر الحسينية، ألا يعرفون أن مياه النهر ملوثة، ولم تتم معالجة مياه المجاري التي تصب في الأنهار ففي مدينة الطب معمل يصب مخلفاته في النهر وكهرباء المسيب ومعمل السدة ومعامل الكبريت ترمى مخلفاته في النهر بشكل مباشر. إذن الخلل بصراحة في الحكومات العراقية التي لم تتخذ التدابير اللازمة.
الجفاف ظاهرة وقد ألقيتُ محاضرة عندما كنتُ طالبا ألقيتها في عام 1993، عن أزمة المياه في البحر الميت، كيف إسرائيل تتسابق مع الدول العربية، كذلك إيران وتركيا، سوف يقيمون سدود صغير على مجاري الأنهار الفرعية، فكل رافد صغير يقيم عليه سد يجمع المياه ويعمل قرية زراعية، كما موجود الآن في تركيا مشروع يسمى مشروع القرى الزراعية، فلا يقيمون السد على دجلة أو على الفرات، وإنما على الروافد الفرعية.
البدائل موجودة، وبسيطة جدا، العودة إلى إقامة السدود الصغيرة في الجنوب والتي قام بها العراق سنة 1971، حيث أقام العراق 43 سدّا في جزيرة جنوب سنجار وفي البادية الشمالية وفي البادية الجنوبية، البادية الشمالية من الفرات، وادي الخر بين النجف وكربلاء ووصل إلى جبل سناء، ومن سنة 1971 إلى 2023 لم يتم إنشاء ولا سدّ.
يفترض أن العراق أنجز ما لا يقل عن 100 سدّ، وهذا هو تجميع مؤقت للمياه، لأنه لا يوجد خزن للمياه، الآن تتم إقامة صناديق كونكريتية تحت الأرض في دول عديدة، وهي غير مكلفة، إذ يوجد لدينا مادة الاسمنت، ونقيم صناديق تحت الأرض تكفي بحدود ستة إلى ثمانية شهور، حسب الاستخدام ولكن كل صندوق قادر على إرواء 25 ألف دونم، إذا أقمنا 4 صناديق نروي 100 ألف دونم وهكذا، لاسيما إذا استخدمنا ذلك لزراعة الزيتون أو الرمان وفق الري الحديث.
الاستهلاك المدروس للمياه
لحد الآن نزرع الشلب وهو يستهلك كمية كبيرة من المياه، علما أننا نستورد الرز ولا أعرف لماذا يزرع العراق الشلب، لأننا غير مجبورين على ذلك مع شحة المياه التي نعاني منها، في بعض الدول منعوا تربية الأبقار والعجول، لأن العجل صار يستهلك 50 لتر من الماء، لذا يمكن التوجه إلى زراعة المحاصيل التي تعود علينا بالفائدة، فطن الحنطة الآن سعره 800 ألف دينار، فيمكن للعراق أن يزيد من مستوى الزراعة الشتوية ويقلل من الزراعة الصيفية، فحاجتنا للماء ليست في الشتاء وإنما في الصيف.
وأنا أعتقد أن هناك تعمّد في إبقاء العراق مربك في موضوعة المياه، والدليل كم المبلغ المخصص إلى المشاريع الاستثمارية في الموارد المائية، وسف تجدها أرقاما مخزية.
النقطة الأخيرة، لابد من الإشارة لها وهي أن العراقي لا يحترم المياه، ولا يعرف بأن الماء مقدس والدليل هو يتوضّأ به، لأن الماء مطهَّر ومطهِّر، فالماء المقدس الذي كان في بعض الدول يرمون فيه الأشخاص، أو تسمية الآلهة، نلاحظ أن الماء يستخدم لغسل السيارات، أو يترك حنفية الماء مفتوحة، ثم أن المياه حق ولكن ليس حقا مجانيا، لماذا لأنه يستخدم فيه الكلور وهناك محطات تنقية، ويوجد موظفون يستلمون رواتب وهناك تبديل أنابيب معطوبة، أستغرب أن أمانة بغداد من مجموع 380 مليار يصل إليهم 50 مليار أجور ماء فقط، وهذا يقلل من إمكانية الحكومة من توفير المياه بشكل مستمر، لكن الخبر غير السار حسب معلومة وصلتني أن الحكومة العراقة لا تعد هذا الملف من الملفات التي لها أولوية بل لم يتم مناقشة ذلك نهائيا.
- الدكتور حسين السرحان؛ أكاديمي وباحث في مركز الفرات:
بدأت السياسية المائية تخضع لتوازنات دولية، بحسب طبيعة القوة للدول وطبيعة المصالح، أتذكر في 2010 في وزارة الخارجية كانت هناك 48 مذكرة تفاهم صاغها العراق حتى يأتي وزير التجارة التركي ويتم الاتفاق مع الجانب العراقي في وقت الوزير فلاح السوداني.
كان هناك إشكال على إحدى الاتفاقيات، وهناك اعتراض على ثلاث كلمات من الجانب التركي، كان هناك خبير عراقي معروف بتخصصه بالاتفاقيات الدولية ولا توجد اتفاقية لا تمر عليه، فكان الملحق التركي يعترض على كلمة (والمياه)، بل قل أو (المياه)، واستمرت المشكلة حول هذا الموضوع، القصد من هذا نحن نحتاج إلى حكومات وطنية فعلا، يهمه هذا الجانب.
أما الجانب الثاني فإن الموضوع ليس موضوع حكومة فقط، قبل فترة ذهبت إلى دائرة الماء ودفعت الأجور، لكنني لاحظت سجلات المناطق السكنية لا أحد يفتح هذه السجلات الخاصة بالجباية، لابد من وجود عداد لاستيفاء الأجور بصورة دقيقة، حاليا موجود في دائرة الماء عدادات لقياس كمية المياه المستهلكة في البيوت دون الاستفادة منها.
نحن نستهلك الماء بإسراف كبير، وكمية هدر الماء كبيرة جدا قياس إلى 9 مليون عائلة، إذا أهدرت كل عائلة لتر، فهذا يعني هدر 9 مليون لتر ماء في اليوم، وإذا ضربنا ذلك في 360 يوم سوف يكون الرقم كبير جدا بالنسبة لهدر المياه، فالقضية قضية مواطن وقضية حكومة.
هناك من يدعو إلى قطع التجارة مع تركيا، لكن هذا الموضوع فيه إشكال، لأن كل تجارة الجملة أو المفرد في العراق معتمدة على البضاعة التركية، فكل السلع من مأكولات وملابس والمولات الممتلئة والأدوات المنزلية والأثاث فإذا أوقفنا التجارة مع تركيا سوف نحرم آلاف العاملين من مصادر دخلهم، لكن لدينا مجال آخر، أتذكر مثلا في حكومة عادل عبد المهدي اتخذ العراق قرار جريء بعدم استيراد البيض والدجاج من تركيا، أتذكر أن السفير التركي في بغداد قام بزيارة عادل عبد المهدي ثلاث مرات خلال شهر أو أقل، يقول أن مليارات من البيض بقيت محجوزة في تركيا فنحن نريد أن ندخلها للعراق لأن المصانع الموجودة في تركيا اضطرت لإيقاف العمالة فيها، نحن لا ندعو للمقاطعة ولكن ندعو لوضع ضريبة على البيض التركي حتى نحمي المنتج العراقي من البيض بخصوص المنافسة بالأسعار، وكذلك بالنسبة للسلع الأخرى، بمعني نقوم بقيود تجارية وخطوات تصعيدية، بالطبع سوف يتضرر القطاع الخاص في تركيا لأنه القطاع الإنتاجي الفاعل.
حاليا السلوكيات العنصرية في اسطنبول أثرت كثيرا على العرب الموجودين فيها خصوصا عرب الخليج، تركيا تعيش على السياحة خصوصا مدينة اسطنبول، فيمكن وضع ضريبة على من يسافر إلى تركيا، فيضطر المسافر إلى تغيير وجهته، القصد هناك قيود على السياحة وعلى التجارة، الآن يوجد لدينا أكثر من 70 ألف طالب يدرسون في إيران، كل طالب يصرف ألف دولار، لذلك يجب وضع قيود تجارية حتى على السلع الأخرى مثل الآيسكريم الذي نستورده من إيران فليس هناك داع استهلك يوميا آيسكريم بمبلغ ألفي دينار.
فالقيود التجارية هي التي يمكن أن تكون فاعلة ويمكن أن تشكل وسائل ضغط جيدة، أما الورقة الثالثة فهي تتمثل بحزب العمال الكردستاني ومن الممكن أن تكون ورقة ضغط على الأتراك، حاليا تركيا تشترط ست شروط لتصدير النفط عن طريق أراضيها، أحد هذه الشروط أن تكون صيانة الأنبوب على الجانب العراقي، وهناك شروط أخرى كأنها شروط القوي على الضعيف وهذا ليس صحيحا، فأنا مالك النفط ولا يصح أن تفرض عليَّ تفاصيل كهذه، ولذلك نحن فعلا لا نمتلك حكومات وطنية تدرك حجم المشكلة.
لا يوجد اهتمام حكومي حقيقي بالمياه مع أنها مقدسة كما نجد في تقاليد البابليين وغيرهم، كذلك هناك مشكلة رمي الفضلات في الأنهار، لماذا ترمي قنينة الماء في النهر؟، علما أن الزوار القادمين من الدول الأخرى أمريكا وباكستان وغيرهما يريدون أن يطلعوا على المعالم الجيدة للمدينة فيرى الأنهار مليئة بالفضلات، لذا نحن لا نعطي قيمة لكل شيء.
يخضع موضوع المياه لتوازنات دولية، ولا يخضع لمصالح الآخرين فقط، وإنما على أساس المصالح المشتركة، والمصلحة الوطنية، فحين تقطع عني الماء، لا مشكلة، سوف أقطع التبادل التجاري، هناك مثلا غرفة أخشاب تركية بمبالغ طائلة ماذا لو أوقفنا استيرادها، لذلك هناك أوراق ضغط كثيرة بالإمكان استخدامها، مع إيران ومع تركيا ومع كل دول العالم لكن يحتاج هذا إلى حكومات وطنية.
- الشيخ مرتضى معاش؛ باحث وكاتب:
تبديد الموارد تعني تضييع الحقوق، نحن من يضيّع الحقوق، والدولة دولة هشة، نتيجة الجغرافية الموجودة والتاريخ المتلاحق من الأزمات التي أثرت على البلد، بالنتيجة كان هناك سوء إدارة وتبديد للموارد مستمر، وهذا التبديد موجود في ثقافة الحكومة، وفي ثقافة الشعب.
هذه أحد أهم الأسباب التي أدت إلى أزمة المياه الموجودة في العراق، لذلك فإن أحد أشكال غياب الحقوق، مثل حقنا في المياه، هو غياب الكفاءات الجيدة، فحين يكون عندك دولة محاصصة قائمة على التعيينات القائمة على المحسوبية، والتعيينات العشوائية بالنتيجة هذا سوف يؤدي إلى سوء إدارة، فهذه الملفات سيئة جدا، فالأحزاب مهتمة بملف واحد فقط، وتاركة الملفات الأخرى، فهم مهتمون بملف النفط وليس ملف الكهرباء او المياه، لأن ملف النفط هو الذي يوفر لهم الأموال الجاهزة التي ليس فيها أية محاسبة أو مراقبة.
لذلك فإن ملف المياه، أو ملف الكهرباء، هذه ملفات غير مهمة بالنسبة لهم، والآن يتم استيراد المياه من إسبانيا وإيطاليا في القناني الصغيرة، وهذا يدل على سوء إدارة وسوء تفكير هذه الحكومات التي غابت عنها الإدارة الجيدة، والتفكير المستقبلي، والتخطيط الجيد والقادر على بناء البلد.
وهنالك أيضا ثقافة التدمير البيئي، الذي نعيشه اليوم، وقد ذكر الأخوة المداخلون عن تلوث الأنهار بمياه الصرف الصحي (المجاري)، حول حق الإنسان في المياه النظيفة، وهذا واقع موجود، سواء كان عند القيادة والحكم أو عند الشعب، فهناك تدمير بيئي مستمر، وأحد أشكاله الكبيرة جدا هو عملية اقتلاع الأشجار، وبعض الأشجار لديها قدرة على أن تحافظ على 50% من المياه، فالأشجار تمتلك طبيعة تخزين المياه والحفاظ عليها.
فطبيعة التفكير الجيني عند الأشجار أفضل من الإنسان، فالشجرة تفكر في المستقبل أكثر مما يفكر به الإنسان، فنرى أن هذه الشجرة عندما يأتي الماء لها تخزّن 50% منه وتستهلك القسم الآخر منه، وتضع الخزين الباقي كرصيد، هكذا تفكر الطبيعة، في حين أننا اقتلعنا المصدر الرئيس في عملية حفظ المياه وهي الأشجار.
المشكلة الكبيرة الموجودة اليوم في العالم، قضية الاحتباس الحراري أحد أسبابها إزالة الغابات وزيادة الاستهلاك في الزراعة، حيث يتم تدمير البيئة الخضراء في مقابل الزراعة المستهلِكة للماء، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى هدر المياه، لذلك يحتاج هذا الأمر إلى تربة متماسكة تحفظ المياه، فعندما يتم إزالة الأشجار فإن هذا الأمر يؤدي إلى هشاشة التربة وتصاب بالتصحر، وهذا بالتالي يؤدي إلى هدر أكثر للمياه.
كذلك أساليب الإسراف في المياه، والماء المجاني الذي ليس له قيمة، مع العلم أن قيمته مثل قيمة النفط، فنحن لا نعيش بالنفط، وإنما نعيش بالماء، لذلك أنا أتصور أن أهم الحلول، هو أن يتحول جزء كبير من الموازنة في عملية الاستثمار من أجل حل أزمة المياه، وتشجيع الباحثين على ابتكار حلول بديلة في عملية الحفاظ على المياه، وتخزينها، أو ابتكار حلول قادرة على حماية المياه وتأمينها وتحقيق الأمن المائي.
الآن مثلا بدلا من أن تقوم بتعيين 700 ألف شخص و90% منهم لا يعملون، فيمكن تحويل هذه المبالغ إلى استثمار في حل أزمة المياه، عبر إيجاد وظائف في هذا الجانب، وتأسيس مؤسسات تتصدى لهذا الموضوع. فهناك دول أسست مصانع عملاقة لتنقية المياه، او تحلية المياه المالحة، وهناك حلول أخرى.
بالنسبة إلى قضية تركيا، يمكن الاستفادة من المغتربين العراقيين المقيمين في الخارج، من أجل بناء رأي عام دولي، وأيضا الاحتكام إلى التحكيم الدولي كما فعلوا في قضية النفط، لماذا أقاموا في قضية النفط تحكيما دوليا، وتم فرض غراما على تركيا بقدر 15 مليار دولار، لماذا لا يقومون بمثل هذه الخطوة في معالجة ملف المياه مع تركيا، نعم هي لا تتم في ليلة وضحاها وقد تستغرق وقتا طويلا مع العلم قرأتُ في قضية النفط أن هناك إدارة سيئة لهذا الملف وكان يمكن أن يحصلوا على نتائج أفضل وأكثر مما حصلوا عليه.
ويمكن حل هذه الأزمة داخليا وخارجيا من خلال الاستفادة من الكفاءات والعقول الجيدة والخروج من هذا النفق المظلم الذي يؤدي بالنتيجة إلى انهيار شامل، فالنزوح البيئي الذي يحدث بسبب الجفاف هو أمر خطير جدا وسوف يؤدي إلى مشكلات اجتماعية كبيرة ومشاكل حكومية اكبر.
هناك تقارير تؤكد على أن الابتكار والاستثمار في أزمات المياه يعطيك أربع دولارات مقابل كل دولار تستثمره، من ناحية تخفيض التكاليف وحل الأزمات، ولكن هذا التفكير غير موجود لدينا، لأننا مجتمع وشعب وحكومة نعمل بطريقة استهلاكية وإسرافية.
- احمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
أغلب دول العالم اليوم تعاني من هذه المشكلة، الناتجة من التغييرات المناخية وهذا ما نلاحظه اليوم من حرائق كبيرة تجتاح دول منها مثلا كندا، فهي في أغلب شهور السنة تكون فيها ثلوج، وكذلك مناطق كبيرة في أستراليا، ودول أخرى تعاني من شح المياه، لكننا نعود إلى الداخل العراقي والأسباب التي أدت إلى شبه أزمة، فهي تنبع من مصدرين:
المصدر الأول: هو سوء تخطيط الحكومات العراقية المتعاقبة، عدم تنظيم وسوء إدارة تم ذكرها سابقا من قبل المداخلين.
المصدر الثاني: طبيعة ثقافة المواطن العراقي المبنية على التبذير، والمشكلة الأكبر التي أدت إلى أزمة المياه في العراق هي وفرة الموارد المالية من النفط، فالعراقي اعتاد على أن يحصل على كل شيء بشكل مجاني، سواء على صعيد الصحة، أو المياه العذبة، الكهرباء كذلك، في أحد الأيام في 1991 تم قطع التيار الكهربائي بسبب القصف الأمريكي استمر القطع شهرا أو شهرين، رأيت بعض المواطنين يوجه سلاحه على أسلاك الكهرباء ويطلق الرصاص عليها، وهو يهدف من ذلك إلى قطع الأسلاك.
آخرون حينما حدث الانتفاضة هجموا على المدارس وقاموا بتكسير المقاعد الدراسية المصنوعة من الخشب، وآخرون هشموا زجاج الشبابيك، وبعد شهرين رجع أولادهم إلى الصفوف وجلسوا على الأرض بلا مقاعد ويعانون من البرد، وهناك جماعات هجموا على المستشفيات وكسروا الأجهزة الطبية وظلوا يعانون من هذه النواقص، لأنهم يعتبرون أن كل هذه الأشياء عائدة إلى السلطة، هذه هي الثقافة السائدة.
ومن ضمنها ثقافة التبذير في المياه، ولو أننا نتكلم على مستوى المحافظة، فأنا شخصيا أذهب أكثر من مرة لتسديد أجور الماء والمجاري، فأطلب منهم أن يرسلوا الجباة للأحياء السكنية، فيكون جوابهم ليس لدينا جباة، لكن يمكن تشغيل الطلبة والخريجين بصفة عقد أو أجر يومي على أن يتم منحهم نسبة من الجباية كذلك الكهرباء والماء تعاني نفس المشكلة، فالشخص الذي يضع في بيته مقياس كهرباء يضاعفون عليه الأجور ويفرضون عليه غرامات، وهناك جار له متجاوز على الكهرباء لا أحد يطرق بابه، كذلك بالنسبة للماء أنتظر جابي المياه يأتي لأخذ الأجور التي تبقى تتضاعف وتزداد وبعد مرور خمس سنوات وصل المبلغ إلى أكثر من 500 ألف دينار ولا علم لي بذلك، وقمت بتسديدها دفعة واحدة.
هناك شعوب أخرى كان الماء حسرة عليها قليل جدا، بدأت تستثمر البحار والمياه الجوفية، وأصبح للماء قيمة كبيرة، فأخذوا يستخدمون الماء بشكل أمثل كما نلاحظ الآن بالنسبة للسعوديين والإمارات تحدث عندهم سيول من الأمطار فأخذوا يستخدمون الطرق الحديثة، أما نحن فلا نعرف نستخدم طريقة الاستمطار، فالسببان الواضحان هما ثقافة الاستهلاك وسوء الإدارة.
- حيدر الاجودي؛ باحث في مركز المستقبل للدراسات والبحوث:
لقد تفاقمت أزمة المياه مؤخرا في العراق سبقني إلى ذكرها المشاركون في هذه الندوة منها سوء إدارة استخدام المياه، والتغير المناخي والتلاعب بالنسب التي تصل إلينا من دول المنبع، بالإضافة إلى ضعف الإرادة السياسية العراقية في ملف مياه.
العراق بلد مصب يعتمد على المياه السطحية التي تأتي إليه، من الدول المتشاطئة معه بنسب مختلفة، من تركيا تصل إليه بنسبة 71% ومن إيران 7% ومن سوريا 4%، وهي نسب ثابتة وكانت تصل هذه النسب إلى العراق لحد 2019، لكن الذي حدث هو ضعف الحكومات العراقية الذي دفع بهذه الدول إلى إنشاء مشاريع ري في بلدانهم لاحتياجهم المائي، وهو حق مشروع لهم لكن لا يصح أن يكون على حساب الحقوق العراقية.
ضعف اهتمام السلطة بهذا الملف وعدم وضوح الجهة التي تدير هذا الملف بشكل علني وصريح، هل هي وزارة المالية، أم وزارة الخارجية، أم وزارة الزراعة، أم تعود للشؤون الخارجية البرلمانية، عدم الوضوح في إدارة هذا الملف بشكل صحيح أدى إلى أن الكل أخذ يرمي الكرة في ملعب الآخر، ويلقي اللوم على الآخرين في تصريحاته، مما فتح الباب أمام الدول المتشاطئة للمماطلة والتسويف وحتى في عقد الاجتماعات، ففي 2019 وقع العراق مع تركيا على عقد قمة ثلاثية تضم تركيا العراق وسوريا، ولكن لحد الآن لم تر هذه القمة النور، لأن تلك الدول ترفض اللقاء.
الجانب الإيراني أيضا يرفض مناقشة الملف المائي، في عام 2020 رفعت وزارة الموارد المائية دعوة قضائية أو أرادت أن ترفع دعوة ضد إيران بسبب التلاعب بالحصة المائية ولكن جوبهت بالرفض لأسباب سياسية، بالمقابل تلقي دول المنبع باللوم على العراق وذلك لسوء إدارة الملف المائي محليا وإتباع آليات زراعية قديمة، المفارقة الغريبة أن وزارعة الزراعة وجهت قبل الشهر السادس بضرورة زراعة الذرة الصفراء في العراق، واختارت مناطق معينة منها في قضاء عين التمر بمساحة 23 ألف دونم وكانت حصتي 3 دونم.
قبل فترة ليست بعيدة وجهت وزارة الزراعة بضرورة وتطوير تربية الجاموس في المحافظات الجنوبية، ما هي الغاية منذ ذلك علما أن الأهوار جفت تماما، وتم تشكيل لجان على ضرورة تربية الجاموس في المحافظات الجنوبية.
أما المقترحات فتعتمد على وجود إرادة سياسية عراقية خالصة ينشأ منها المفاوض العراقي الذي يحب بلده حقيقة للحفاظ على هذه الثروة الوطنية.
- محمد علاء الصافي؛ باحث في مركز الامام الشيرازي للبحوث والدراسات:
السبب الرئيس في رأي حول المشكلة التي نناقشها حول قضية المياه، هي الفوضى والعشوائية في الدولة العراقية، كما ذكر الأستاذ حيدر حول القرارات المتناقضة التي تصدر من وزارة الزراعة، ولكن هنالك مجلس وزراء يجتمع أسبوعيا، وهناك لجان مشتركة مع وزارة الموارد المائية، مع وزارة التجارة، مع وزارة الخارجية، وهيئة رأي تناقش جميع القرارات.
وفي هذه المناسبة قرأت خبرا حول منع زراعة الذرة الصفراء بقرار لاحق، بالنتيجة فالخطة الزراعية التي تضعها الوزارة هي أيضا خارج الضوابط، لأن هذه الخطة يتم تطبيقها على مجموعة من المواطنين العاديين، لكن الأحزاب ومن يرتبط بها تزرع في أي مكان تشاء وتحصل على كمية المياه التي تريدها، وكذلك بحيرات الأسماك حيث توجد الثروة السمكية التي تستثمرها الأحزاب، فالقضية حقيقة بعيدة عن الجانب المهني وبعيدة عن الجانب الوطني في التفاوض مع الدول الأخرى، وهذا لا يمكن أن يصل بنا إلى أي نتيجة تخدم المواطن ولن يحصل على حقوقه في المياه.
قضية الهجرة كذلك، هناك مثلا أرقام تخص محافظة كربلاء بخصوص الهجرة، في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة صار لدينا قطع مبرمج للماء، كما يحدث في الكهرباء، أي لا يوجد لدينا ماء مستمر على مدار 24 ساعة، نعم هناك استهلاك وهدر وهذا الكلام كله صحيح، وعدم وجود عدادات، ولكن هذه الأمور تتحملها الدولة وليس المواطن، هناك قطع مبرمج، بعض الأحياء يصلها الماء في الليل وبعضها في النهار، ومن الممكن أن تكون فترات السماح في الشتاء أكبر.
في سنة 2025 سوف يكون الاستهلاك في محافظة كربلاء للماء 50% من سكان المحافظة يمكنهم استخدام الماء يوميا، لذلك فإن هذه القضية تحتاج إلى تحديثات وإلى عملية توازن، علما أن 70% من الأهوار جفت، وأعتقد أن قضية جفاف الأهوار لا تتعلق بقطع تركيا وإيران للماء، فقضية تجفيف الأهوار قضية دولية لاستثمار أكبر عدد من آبار النفط الموجودة تحت هذه الأهوار، وهذا شيء واضح لأن الجانب الإيراني أيضا جفّف أهواره، قبل أيام صدر تقرير من الموارد المائية أن 70% من المياه مخصص للزراعة وهذا رقم كبير جدا، وإذا أن أردنا نقارن المدخلات بالمخرجات سوف نلاحظ أن نسبة الـ 70% التي نهدرها على الزراعية هي غير واقعية.
فما هي المحاصيل الزراعية التي ننتجها؟، ونحن نقوم باستيراد معظم المنتجات الزراعية حاليا، باستثناء الحنطة التي تعتمد على الأمطار والمياه الجوفية لذلك فإن نسبة 70% من المياه مقابل نسبة المنتجات الزراعية تعد هدرا كبيرا جدا، كذلك حصل لدينا جفاف وموت للأشجار وقضينا على النخيل وعلى الأشجار الموجودة في ضواحي ودواخل المدن، وهذه قضية بحاجة تامة للنقاش.
- الدكتور قحطان؛ أكاديمي وباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
الطبيعة ظلمتنا، لأن العراق دائما هو موطن الصراعات والحروب، بسبب طبيعته الجغرافية وموقعه الجغرافي، ولو توفرت على مر السنين العقول والحكومات الوطنية ممكن أن تخلق من هذه الطبيعة إلى مزايا وإيجابيات للعراق، لكن دائما هناك صراعات وعدم استقرار الأنظمة السياسية ظلت مشاكلنا الجغرافية والسياسية وسواها.
طبعا جميع الأسئلة التي تم طرحها إجابتها واحدة، وهي إصلاح النظام السياسي، وكل المقترحات والحلول التي ذكرها وقدمها المداخلون لا يمكن أن ترى النور في ظل نظام سياسي متهرئ، متهالك، وأصبح متقادما ومفككا، لا يرقى لمعالجة الشؤون الداخلية، فكيف نريد منه أن يضبط ويحكم الشؤون الخارجية؟
هذه هي الحقيقة المرة التي يجب علينا أن نعيها تماما، ولا يمكن في ظل النظام الحالي أن نحقق أي تقدم في قضية المياه، ولا يمكن أن نجبر أصغر فلاح على الالتزام بالحصة المائية، فكيف نستطيع أن نجبر تركيا وإيران على أن تضمن للعراق حقوقه المائية، هذا كما أعتقد هو فيصل الكلام، ولكلام غير هذا الكلام.
العراقيون دائما في حديثهم وفي سلوكهم اليومي اعتادوا على التشاكي والتباكي على شؤونهم، وأن مستقبلهم سوف يكون قاتما ومظلما وماساويا، طيب هناك الكثير من الدول يمكن أن نستفيد من تجاربها، فهناك دول لا تمتلك نهرا واحدا، وقد تكون صحراء، إيطاليا من الممكن أن تكون فيها أمطار، لكن هناك دول صحراوية استطاعت أن تؤسس لحضارات غير موجودة حتى في أوربا، وهناك مناطق شاسعة في إيران صحراوية قاحلة، لكن فيها الحياة طبيعية جدا، وقد استطاعوا من خلال العقول القدرة على الابتكار وإيجاد حلول بديلة.
أما نحن فدائما نتشاكى ونتباكى ونردد أن الايرانيين ظلمونا والاتراك قطعوا عنا حصتنا من المياه، وقبل قليل قلت أن أبسط فلاح لا يمكن للحكومة ضبطه لأن نظامنا متهرئ وهش بسبب وجود الانتخابات وغيرها، فهو غير مستعد أن يزعل أبسط مواطن، ودائما المتجاوز والممتنع عن تأدية حقوق الدولة كالضرائب وغيرها، لا أحد يحاسبه لأن المسؤول يسنده ويشفع له ويدافع عنه إمام الدائرة المعنية لكي يضمن صوته في الانتخابات. فهذا النظام الذي يدار بهذه الطريقة لا يعوَّل عليه.
أما موضوع الاتفاقات الدولية، أعتقد أن هذا الموضوع نظري فلسفي أكثر من كونه واقعي، فلا يمكن للمسؤول العراقي أن يعول على وجود اتفاقية دولية تضمن حقوقنا المائية، أو تجبر الدول المجاورة على ذلك، فالعلاقات الدولية محكومة بمنطق القوة، وليس بقوة القانون لا يوجد منطق كهذا، إذن كدولة يجب عليَّ أن أحصّن نظامي السياسي أو إمكانياتي المختلفة، وأوجد فريق تفاوضي مختص يمتلك القدرة على التفاوض بشكل صحيح وبناء يقنع الطرف المقابل واستخدم وأوظف أدوات القوة التي أمتلكها على بساطتها حتى أقنع الطرف الآخر كي يعطيني حقوقي المائية، أما أن أضع فريق تفاوضي فاسد وأضعه سفير في تركيا وايران منشغل بملذاته الشخصية فهذا لا يصل بنا إلى نتيجة.
إن استخدام الوسائل البديلة وإيجاد المصادر البديلة وتطوير إمكانيات نظام الري، واستخدام الأوراق والقوانين الدولية، وتوظيف علاقتنا مع الجانب الأمريكي للضغط على الدول المجاورة، هذه كلها يمكن أن نستخدمها في حالة واحدة وهي وجود نظام سياسي صالح.
- حامد الجبوري؛ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية:
إن النظام الصالح لا يمكن أن يتحقق ما لم يتوفر المواطن الصالح الذي يحب بلده، فالنظام السياسي لابد أن يسبقه مجتمع صالح، كي يكون هناك نظام سياسي صالح قادر على تحقيق تطلعاته وأهدافه، في عام 2015 كتبت مقالا بعنوان وداعا للتدبير في ظل التبذير المياه نموذجا، نلاحظ الأمور المجانية شائعة حتى المجتمع يبحث دائما عن المجاني البعيد عن المقابل أو التكلفة، فأي سلعة نلجأ اليوم إلى تقنينها فإننا سوف نضمن ترشيد استهلاكها من قبل المواطن، هناك شرائع في استهلاك الماء يمكن أن تحقق الترشيد في استهلاك المياه.
المسألة الثالثة تتعلق بالتنمية الريفية، مثلا قضية الهجرة من الريف إلى المدينة، فهذا يؤدي إلى زيادة الاستهلاك، فإذا قمنا بتنمية الريف فإن الهجرة سوف تقل من الريف إلى المدينة، تمدين الريف أو التنمية الريفية، يقلل من الهجرة وبالنتيجة سوف يقلل من استهلاك المياه، فأتصور هناك ثلاث مسائل وهي:
العمل على إصلاح المجتمع ورفع مستواه الثقافي والمواطنة، ومسألة التدبير، ومسألة تنمية الريف هذه نقاط مهمة في مسألة الرشادة في استهلاك المياه.