وسائل المنظمات غير الحكومية للتأثير في السلطات العامة
لتعزيز حقوق الإنسان
د. علاء إبراهيم محمود الحسيني
2023-05-11 04:59
تنتهج المنظمات غير الحكومية في سبيل أداء وظيفتها في وقاية الإنسان وتعزيز حقوقه وقمع العدوان عليها العديد من الوسائل القانونية الديمقراطية التي من شأنها ان تحدد أوجه الانتهاكات التي تعرض أو من المحتمل ان يتعرض لها طائفة من الناس، ومن ثم تنتقل المنظمات إلى مرحلة المطالبة بإنهاء أسباب الانتهاك ومحاصرة أثاره وبالتعويض أو ما شابه من الوسائل لجبر الضرر.
وتتعدد الوسائل التي تنتهجها المنظمات غير الحكومية وتتباين بحسب البلد الذي تعمل فيه كما تلقي الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بظلالها على جودة عمل المنظمات لاسيما ان علمنا ان ما تقدم يؤثر عليها بشكل مباشر، سواءً أكانت تعمل بوصفها منظمات محلية ام دولية هدفها الرصد والمتابعة، أم هدفها الإعانة والمساعدة، ولذا سنبين في الآتي أهم الوسائل الممكنة التي يسوغ للمنظمات غير الحكومية العراقية انتهاجها وهي في سبيل أداء وظيفتها المقدسة في نصرة الحقوق واستنقاذ الحريات العامة والخاصة للشعب العراقي وسنقسمها إلى الآتي:
أولاً: وسائل الكشف عن الانتهاكات وتوثيقها:
من اخص واجبات المنظمات غير الحكومية ان تعمل على رصد الانتهاكات التي تطال الحقوق والحريات أياً كان مصدرها سواءً أحد رجال السلطة أو السلطات العامة ذاتها أم كان مصدر الخطر متأتي من التصرفات الجمعية أو الفردية التي تتجلى بعمل بعض الأفراد، أو العصابات التي تدير اجراماً خفياً، أو علنياً، يهدد السلم الأهلي والتعايش المجتمعي كما في حالة المطالبة بالتصدي لعصابات الجريمة المنظمة بكل صورها، أو التصدي للممارسات الفردية غير الإنسانية التي تظهر بحرمان بعض فئات المجتمع وبشكل تعسفي من الحقوق والحريات الفردية كحالة الإكراه على ترك الدراسة أو الإكراه على الزواج، أو التعسف في نطاق علاقة العامل برب العمل وما سواها، بل قد يكون مصدر الخطر هو الطبيعة بحد ذاتها كما في حالة وقوع الكوارث الطبيعية، لذا يمكن تحديد الوسائل الآتية لرصد ما تقدم:
1- البعثات:
تقوم المنظمات غير الحكومية بالغالب بتأسيس فروع لها في بعض البلدان أو بقية المحافظات إذ لا يقتصر عملها على منطقة جغرافية محددة، وهذا ما كفله قانون المنظمات غير الحكومية العراقي رقم (12) لسنة 2010 ولما كان العراق واحداً من الدول التي شهدت فاظع الانتهاكات في الماضي القريب إبان سيطرة الإرهابيين على بعض أجزاء البلد وحصول نزاع مسلح امتد لسنوات لاحظنا ان العديد من المنظمات غير الحكومية دأبت على إرسال بعثات لتقصي الحقائق، وان كان بعض الجهات الحكومية قد تضيق على هذه الفرق وتمنعها من الوصول إلى أماكن أو اللقاء ببعض الضحايا تحت ذرائع مختلفة إلا ان المختصون خلصوا إلى ان:
أ- تتذرع بعض الجهات الحكومية ان مبعوثي المنظمات غير الحكومية الأجنبية عملهم في العراق يمثل انتهاك لمبدأ السيادة الوطنية، وتعد تدخلاً بالشؤون الذاتية، إلا أن ما يمكن قوله بهذا الصدد ان المنظمات غير الحكومية لم ترتق لتكون شخصاً من أشخاص القانون الدولي العام، لذا تدخلها لا يعد بحال من الأحوال انتهاك للسيادة.
ب- أثبتت المنظمات غير الحكومية قدرتها على تقديم المساعدة الإنسانية لشرائح كبيرة من المتضررين نتيجة الحروب أو الكوارث أو غير ذلك بل تعددت المساعدات وأخذت جانب الدعم النفسي أو المادي أو التأهيل للتعامل مع الانتهاكات وتجاوز آثارها، وان البعض منها عملت بعيداً عن الأيدلوجيات أو الخلفيات التي تحملها فاكتسبت ثقة الجميع وأثبتت حيادها وعملها في كل المجتمعات وفي مختلف الظروف، كما ان بعض المنظمات الحقوقية عملت بكل جد على جمع بيانات لانتهاكات حقوق الإنسان في مختلف دول العالم وتعتمد على مصادرها الخاصة لرصد حالات التعذيب أو الاختفاء القسري لاسيما لسجناء الرأي أو سجناء الضمير، كما يوجد في العراق منظمات قادرة على رصد الانتهاكات وتقديم المساعدات أيضاً بالوقت عينه وإدارة ملف إعادة الإعمار وتجاوز آثار الأزمات.
2- الدبلوماسية المجتمعية:
ان المنظمات غير الحكومية يمكنها وبهدف تشجيع أطراف النزاع على التواصل بالطرق السلمية والدبلوماسية لتفادي أي نزاع قد يرقى إلى المسلح فتقع فيه انتهاكات غير محسوبة العواقب، إذ تعمد المنظمات إلى الاتصال بالسلطات العليا في الدولة وحثها على انتهاج كافة الطرق السلمية والوسائل التدابير الاحترازية لمنع الأزمات أو لمحاصرة أسبابها وإنهاء أثارها، ولنجاح هذا الأسلوب يجب على المنظمات غير الحكومية ان تختار الشخصيات المؤثرة وممن تمتلك المؤهلات كالخبرة والحنكة والقدرة على إدارة التفاوض ما يمكنهم من حث الأطراف المتعارضة على استئناف الحوار.
وما تقدم يمكن للمنظمات غير الحكومية في العراق مثلاً على حث الأطراف السياسية المتعارضة لاستئناف الحوار فيما بينهم وترك لغة التهديد أو اللجوء للوسائل غير الديمقراطية لتحقيق مكاسب سياسية أو انتخابية، كما ان النزاعات الاجتماعية والعشائرية خطر يهدد الأمن المجتمعي ويمكن لهذه المنظمات ان تعمل كوسيط لتقريب وجهات النظر والحث على استئناف الحوار.
3- مراقبة الانتخابات:
فعلى المنظمات غير الحكومية ان تضمن نزاهة الانتخابات بما من شأنه ان يعزز ثقة الأفراد بالانتخابات ويمضون إلى التغيير السلمي للقابضين على السلطة، كما ان المنظمات غير الحكومية قد تنهض بدور أكبر في سبيل إنجاح التجربة الديمقراطية من خلال تعزيز التطبيقات الديمقراطية وحث الأفراد على التسجيل في سجل الناخبين والمشاركة الواعية في الاختيار، ولا ينتهي الأمر عند ذلك بل عليها ان تنظم محاضر ضبط للمخالفات التي ترصدها وتوصلها الجهات الرسمية المختصة لاتخاذ اللازم بشأنها، أضف لذلك عليها ان تسعى إلى الطعن بالإجراءات التي تتخذها المفوضية العليا المستقلة لانتخابات ان كانت لا تتلاءم مع القانون وفق ما رسم قانون المفوضية العليا للانتخابات رقم (31) لسنة 2019.
4- الإغاثة:
إذ تقوم المنظمات غير الحكومية بإغاثة المتضررين من الكوارث الطبيعية أو الحروب أو النزاعات بمختلف مستوياتها، ولكون هذه المنظمات من أشخاص القانون الخاص تتمتع بالحرية في العمل وإنفاق الأموال مقارنة بالهيئات الرسمية التي تعاني المعونات التي تقدمها من التذبذب وتحول دونها الإجراءات البيروقراطية التي تمنع من وصول المساعدات للمحتاجين بالوقت المناسب.
5- التقارير الدورية أو السنوية:
إذ تحرص الكثير من المنظمات غير الحكومية على التقدم بتقارير ترصد حالة حقوق الإنسان في بعض أجزاء الدولة أو في أوقات معينة ويمكن لهذه التقارير ان تحقق:
أ- تحريك الرقابة الإدارية الذاتية: فقد تقدم التقارير إلى رأس السلطة التنفيذية في البلد ليعمل الرقابة الإدارية على القرارات الإدارية التي تمثل انتهاكاً للحقوق والحريات.
ب- تحريك الرقابة البرلمانية: فقد تقدم التقارير إلى مجلس النواب العراقي ما يمكن الأخير من ممارسة الرقابة السياسية على القرارات الحكومية ومنع الانتهاكات التي تتسبب بها، وترصد التقارير الانتهاكات والتصرفات السلبية.
ج- تحريك الرقابة المستقلة: ممثلة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والبنك المركزي العراقي عند رصد حالات فساد إداري أو مالي فتقدم التقارير معززة بالوثائق والأدلة المتحصلة لتأخذ طريقها إلى التحقق واتخاذ الإجراءات القضائية بحق الفاسدين.
6- الإعلام المجتمعي الموازي:
إذ للمنظمات غير الحكومية ان تمارس الإعلام أو الحرية الإعلامية في نشر ما تتوصل إليه من معلومات وكذا ما تقوم به من أنشطة مقصود منها رصد المخالفات ومعالجتها ولوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام دور مهم جداً في تحريك الرأي العام وصناعة موجات التغيير السلمي.
ثانياً: وسائل التأثير:
بعد ان أنهينها الإشارة لأهم وسائل الرصد لابد من البحث في وسائل التأثير فالمنظمات غير الحكومية لها ان تمارس بعض الأعمال التي تمثل وسائل ضغط على السلطات العامة من شأنها ان تحقق الغايات الرئيسة المتمثلة بتعزيز وحماية الحقوق والحريات في البلد ومن هذه الوسائل:
1- إثارة وتكوين الرأي العام:
فالرأي العام أهمية سواءً أكان محلياً عالمياً، له الدور الأبرز في مقاومة طغيان السلطات العامة وردها إلى جادة الصواب فنشر التقارير والدراسات والإحصائيات التي تتعلق بالحقوق والحريات كواقع أو تطلعات من شأنها ان تصب في تكوين القناعات الفردية والجمعية لأفراد المجتمع.
2- الاحتجاج السلمي:
إذ يمكن للمنظمات غير الحكومية وكوسيلة تأثير في السلطات العامة ان تحرك الاحتجاجات السلمية وتدعو مثلاً إلى التظاهر السلمي لإبراز مشكلة معينة والمطالبة بضرورة تدخل الحكومة لوقف انتهاك معين أو معالجة حالة إنسانية ولنعط لما تقدم مثالاً حين بادرت المنظمات غير الحكومية إلى نصرة الحركة الاحتجاجية في العراق الأعوام 2016، 2019، كانت النتائج جيدة بيد ان الأمل معقود ان تبادر هذه المنظمات إلى العمل الجماعي للدعوة لوقفات احتجاجية أو مظاهرات محدودة لإبراز مسألة حقوقية معينة والمطالبة بالتدخل الحكومي الفوري لوقف الانتهاكات.
3- المحاكاة:
إذ للمنظمات غير الحكومية ان تحاكي المحاكمات العلنية بمشاهد تمثيلية وأعمال درامية من شأنها ان تعيد إلى الأذهان الانتهاكات وسبل مواجهتها فردياً وجماعياً، أضف لذلك ان هذا الأسلوب من شأنه ان يرفع درجة الوعي لدى الفئات المجتمعية كافة ويعرفهم بالوسائل القانونية والسلمية التي يستنقذون بها حقوقهم وحرياتهم.
4- العمل الجماعي:
إذ ان القانون العراقي لم يمنع المنظمات غير الحكومية من العمل الجماعي والتشبيك فيما بينها لتأسيس عمل جماعي من شأنه ان يكون أقرب إلى التأثير الإيجابي في المؤسسات العامة وأدعى إلى التغيير الإيجابي، كما لو تم التأسيس لتحالف مدني للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة أو لتصحيح مسار حكومي محدد أو ما شاكل ذلك من مطالبات لا أقلها الدعوة لإجراء تعديل دستوري أو تشريعي من شأنه الانتقال إلى الحالة الإيجابية والتخلص من أثار التراكمات السلبية للتشريعات الموروثة من الأنظمة الدكتاتورية السالفة.
5- ممارسة الضغوط الدولية:
فعلى المنظمات غير الحكومية ان تنشط للامتثال للشروط التي تضعها منظمة الأمم المتحدة لنيل صفة مراقب في مجلس حقوق الإنسان وفي اللجان الإنسانية ولتكون تقاريرها ورصدها للانتهاكات قادراً على الوصول إلى المنظمة الأممية وبالتالي ممكن تلاوتها في الإحاطة الدورية التي تتلوها ممثلة الأمم المتحدة في العراق على مسامع أعضاء مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا الأمر لا شك ان له عظيم الأثر في السلطات العامة لتأخذ جانب الامتثال التام لمعايير حقوق الإنسان الدولية وترصد المخالفات ونحاول ان تقوضها وتنهي الملاحظات السلبية التي تم تأشيرها ما ينعكس ايجاباً على حالة حقوق الإنسان في العراق.