هل سيجري تعديل الدستور العراقي؟
جميل عودة ابراهيم
2022-12-01 08:05
اتفق العراقيون على تشريع دستور جديد، يؤطر رؤية العراقيين للمرحلة الجديدة بعد 2003. وتوجه الناخبون العراقيون إلى صناديق الاقتراع في 15 أكتوبر 2005، للتصويت في استفتاء بشأن التصديق على الدستور المقترح أو عدم التصديق عليه.
وبعد 10 أيام من فرز الأصوات، أعلنت اللجنة الانتخابية في البلاد أن الدستور قد تمت الموافقة عليه بنسبة تجاوزت 78% من الأصوات. وقد نصت المادة الأولى من الدستور الجديد على أن (جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي اتحادي)
إلا أنه بين الحين والحين، تبرز دعوات تعديل الدستور، وقد تصاعد دعوات التعديل مجددا، لكنها هذه المرة ليست من الناشطين المدنيين والمحتجين، ولا من القوى السياسية التي تعتبر أن الدستور صيغ بشكل متسرع، بل من أعلى السلطات القضائية في البلاد. فقد دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى (فائق زيدان) في بيان مطول له، البرلمان إلى إجراء تعديلات على الدستور، وذلك عقب تجدد الجدل بشأن المواد الفضفاضة القابلة لأكثر من تفسير وتأويل والتي تحولت إلى مشكلة تتجدد في كل أزمة سياسية.
فما هي أسباب الدعوة إلى تعديل الدستور العراقي، وهو من الدساتير الحديثة إذا ما قُرن بغيره من الدساتير؟ وكيف يمكن تعديل الدستور دستوريا؟ ولماذا حتى الآن لم يجر التعديل المطلوب؟
ليس هناك سبب محدد واضح، يدعو دعاة التعديل إلى المطالبة بتعديل دستور 2005، فمن دعاة التعديل من يرى أن دستور 2005، كُتب تحت خيمة المحتل، وهو يعبر عن أفكار ورؤية الأمريكان قبل العراقيين، وإن كان قد كُتب بأيد عراقيين، وصوت عليه العراقيون أنفسهم. فكل ما يعمله المحتل هو باطل، ولا يأخذ شرعيته إلا من خلال الشعب العراقي، مهما أضيفت عليه لمسات وطنية.
ومن دعاة التعديل من يرى أن دستور 2005 هو دستور يعبر عن رد فعل على أفعال السلطة البعثية التي فرقت بين العراقيين، فأقصت جزء من أبناء الشعب وقربت الجزء الآخر. فجاء الدستور ليقلب المعادلة فينصر من آذاه حزب البعث، ويخذل من نصره، فحصل أقصاء وظلم بحق طائفة من الشعب، بينما سادت طائفة أخرى. وهناك من يرى أن دستور 2005 هو دستور عنصري وطائفي ومكوناتي، وقد أسس لمرحلة جديدة من الانقسام العرقي والطائفي، وفرق العراقيين دون أن يوحدهم.
وبعضهم يرى أنه لابد من تعديل الدستور، لأن هناك الكثير من مواده هي مواد عامة غير مفهومة للجميع، وقابلة للتأويل والتفسير، وهي مصدر خلاف بين العراقيين عامة، والكتل السياسية والأحزاب خاصة. وقد أدت تلك التفسيرات والتأويلات إلى تعطيل الدستور لأكثر من مرة، مثل المواد الدستورية التي تتطلب أغلبية الثلثين لتشكيل السلطات، وتفسير الكتلة البرلمانية الكبرى.
ولم تكن السلطة القضائية بمنأى عن دعوات تعديل الدستور، بالنظر إلى المشكلات السياسية والقانونية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة. فقد دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى (فائق زيدان) مجلس النواب، إلى تعديل الدستور الذي أقر في عام 2005، وقال زيدان، في مقال نشر على موقع مجلس القضاء الأعلى، إن "دستور سنة 2005 صيغ في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية، ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً، هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن نظراً إلى ظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية". وأضاف، أن "أكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها، هي المواد التي تسببت أحكامها بتعثر تشكيل السلطات، ومنها تلك التي تشترط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب".
وبين رئيس مجلس القضاء الأعلى أن "مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية وواجب وطني يتمثل في ضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها، لا سيما أنها مواد غير خلافية، وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً". وشدد على "ضرورة تعديل المادة 76 وإظهار مبدأ واضح غير قابل للاجتهاد بأن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة أو القائمة الفائزة في الانتخابات تشكيل مجلس الوزراء في ذات جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد استكمال إجراءات انتخابه دستورياً، وهذا يحسم الجدل المستمر منذ عام 2010 وإلى الآن، فيما لو تمت صياغة النص بشكل دقيق وواضح في الدستور".
ومهما يكن من أسباب فإن المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تسبب بها الدستور، سواء على مستوى التنظير لفكرة المكونات والقوميات والمذهبيات التي انعكست سلبا على جميع أبناء الشعب العراقي، أم على مستوى تفسير وتأويل مواد الدستور لغرض خدمة طرف سياسي على حساب طرف سياسي آخر؛ فان هناك ضرورة لإحداث تعديل جزئي على دستور 2005 لضمان وحدة العراق وشعبه، وضمان حقوق أبناء دون تمييز أو محاباة، وهناك ضرورة لمعالجة المشكلات التي تحول دون استتباب الوضع السياسي في العراق، لاسيما قبيل الانتخابات وبعدها.
وإذا ما سلمنا أن هناك شبه إجماع من الذين كتبوه أول مرة، أو من المعترضين عليه أساسا، أو من الأطراف القانونية التي أيدت عملية التعديل؛ فان آليات التعديل الدستوري ليست سهلة ابدأ. حيث إن "الدستور العراقي لا يتمتع بالمرونة، أي أن تعديله يتطلب إجراءات بيروقراطية، سواء على مستوى تطبيق القوانين في الدستور نفسه، أو عبر الإجراءات البرلمانية التي تتطلب تشكيل لجنة لتعديل الدستور. وأن يوافق مجلس النواب بالأغلبية المطلقة على هذه اللجنة، ثم يُعرض الدستور في استفتاء ويوافق نصف المصوتين زائد واحد، وألا يعترض على التعديل ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات".
فعلى سبيل المثال؛ قرر البرلمان السابق في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تشكيل لجنة لتعديل الدستور على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية في البلاد، وكان مطلب تعديل الدستور أحد أبرز المطالب. وأقر البرلمان أربعة أشهر لعمل اللجنة، لكن بعد مرور أكثر من عامين لم يتم اعتماد أي توصيات نهائية للجنة بسبب خلافات بين أعضائها وذهاب آخرين إلى طرح فكرة تغييرات كبيرة في الدستور، منها التحول للنظام الرئاسي والتخلي عن النظام البرلماني، وأيضا تعزيز سلطة بغداد وصلاحيات رئيس الجمهورية، وهو ما رفضته القوى الكردية في إقليم كردستان.
ولا شك أن للشعب كل الحق دوماً في أن يراجع ويعدل ويغير دستوره، ولا يستطيع جيل معين أن يخضع الأجيال المستقبلة لقوانينه "هذا ما نصت عليه المادة 28 من إعـلان الحقوق لعام 1793، فقد كرست هذه المادة الاعتراف بحق التغيير على الدستور، لان النظام الدستوري للدولة لا يمكن أن يدنو إلى الثبات المطلق، إن حق تعديل الدسـتور يبنى على اعتبارين اثنين:
1. اعتبار مبدئي: مستمد من الضرورة القانونيـة للتعديل علـى أساس إن الدستور قانون. والقانون قابل للتعديل بطبيعته في كـل وقـت، لمواكبـة التطورات في مجالات الحياة كافة، فتعديل الدستور يقوم على حق كل جيل في إقرار ما يرتضيه من أحكام دستورية اسـتجابة لأوضاعه وتطلعاته الخاص.
2. اعتبار عملي: يستند على الضرورة السياسية للدستور، لان فكرة الدستور تقوم على وضع القواعد الأساسـية للدولـة وفقـاً لأوضـاعها السياسـية والاجتماعية والاقتصادية وقت صدوره، بيد أن هـذه الأوضـاع تتطـور وتتعدل من وقت إلى أخر. ومن ثم لا يمكن تجميـد نصـوص الدسـتور بصورة دائمة، بل يلزم ضرورة قبول التغيير حتى يتحقق بصـفة سـلمية، ويحول دون التغيير العنيف الذي تفرضه الانقلابات والثورات. وفي الوقت الحاضر فان الغالبية الساحقة من الدساتير تقبـل بمبـدأ التعـديل وتنظمه حتى يتمكن الدستور من التفاعل مع المحيط الذي يعيش فيه.
في العراق، هناك مشكلتان أساسيتان تحولان دون استكمال التعديلات الضرورية على الدستور وهما:
1. المشكلة السياسية: على الرغم من اتفاق أغلب الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية على ضرورة تعديل الدستور، إلا أنهم يختلفون في مدى الذي يجري فيه التعديل. فمنهم من يريد أن يحدث تغيرا شاملا كليا في الدستور بما فيها تغيير شكل النظام السياسي فينقله من نظام برلماني إلى رئاسي. ومنهم من يريد أن يحدث تعديلا على المواد الخلافية فقط، ومنهم من يريد يحدث تعديلا طفيفا على الدستور دون المواد الخلافية. لذا فان المضي بالتعديل سيكون رهن تلبية رغبة كل جهة من تلك الجهات المذكورة. مما يصعب عملية التعديل أصلا.
2. المشكلة القانونية: إن إجراءات تعديل الدستور -كما ذكرها الدستور نفسه- هي إجراءات معقدة وصعبة إلى حد كبير، فلابد أن تستكمل جميع هذه الإجراءات من وجود لجنة، ومن الاتفاق على المواد التي ينبغي تعديلها، وآليات عرضها على الشعب (الاستفتاء) ونتائج التصويت في المحافظات حتى يحصل هذا التعديل ويعتمد.
نخلص مما تقدم إلى ما يأتي:-
1. لابد من تعديل الدستور، لأن الدساتير بوصفها مجموعة قواعد تنظيمية اجتماعية تتأثر بالظروف وتتكيـف وحاجات الجماعة، فتعديل الدستور ضرورة تستوجبها سنة التطور في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية.
2. إن عملية التعديل لا يمكن أن تنقلب إلى عملية وضع دسـتور جديـد، إذ أن التعديل يقتضي ديمومة نفس الدستور، ومن الضروري معرفة ما هي المواد الواجبة التعديل؟ ومدى الحاجة إلى إضافة مواد جديدة أو إلغاء مواد يمثل وجودهـا عنصـراً سالباً أو مقيداً للحقوق والحريات؟
3. إن من الضروري فتح باب النقاش أمام كل من له رأي، حتى يمكن أن يتضـح الأمر عبر تداول للأفكار والرأي، وليس عبر اجتهاد فكري واحد. فالأمر يتطلب أوسع مشاركة، وهـي مشاركة لا تستهدف فقط استيعاب مختلف الآراء بل تهدف إلى الوصول إلى الرأي الأمثل، والرأي الأمثل هو ما يوحد القوى الحيويـة فـي المجتمـع والراغبة في تحقيق تعديل دستوري جاد ويستعان بها لاستدراج أوسع شرائح مجتمعية.
...........................................