الشيعة الأفغان في ظل حكم طالبان
جميل عودة ابراهيم
2022-10-13 07:37
يُشكل المسلمون أكثر من (99.9%) من الشعب الأفغاني، منهم نحو (80%) من السنة، ومنهم نحو (20%) من الشيعة. بينما تشكِّل الجماعات غير المسلمة، بمن فيهم الهندوس والسيخ واليهود أقل من (0.1%) من السكان. ورغم اشتراك الغالبية العظمى من السكان في دين واحد وهو الإسلام، إلا أن أفغانستان شديدة التنوع في اللغات والأعراق.
تنص المادة (4) من دستور عام 2004: ( يتكون الشعب الأفغاني من البشتون والطاجيك والهزارة والأوزبك والتركمان والبلوش والبشئي والنورستاني والأيماق والعرب والقرغيز والغزلباش والغوجر والبراهويز)، وتنص المادة (16) من الدستور الحالي على أن (الباشتو والفارسية الدارية هما اللغتان الرسميتان للحكومة من بين اللغات المختلفة في أفغانستان، ولكن في المناطق التي يتحدث فيها غالبية السكان بالأوزبكية والتركمانية والبشئية والنورستانية والبلوشية والباميرية، تعد لغة الأغلبية اللغة الرسمية الثالثة إلى جانب الباشتو والداري)، ووفقا للدستور الأفغاني الحالي (يُحظر أي تمييز وامتياز بين المواطنين الأفغان، وأن المواطنين الأفغان متساوون في الحقوق والواجبات بموجب القانون).
ومع ذلك؛ فعلى الرغم من اعتراف الدستور الأفغاني بالأقليات الأثنية والدينية، وضمان تساوي المواطنين الأفغان بالحقوق والواجبات، وضمان حصول التعليم لجميع الأفغانيين، دون تمييز إلا أن مجموعة حقوق الأقليات الدولية قد أشارت في مؤشر الحقوق في العام الماضي بان (أفغانستان قد حلت في المركز الرابع، كأخطر بلد في العالم في مؤشر الشعوب المهددة الذي أعدته مجموعة حقوق الأقليات الدولية... وأن جميع المجموعات الإثنية فيها تواجه خطر اضطهاد عنيف منهجي وقتل جماعي).
كما أن الوقائع والأحداث تشير إلى أنه لم تتعرض قومية وطائفة دينية في أفغانستان إلى أبشع أنواع التمييز والاضطهاد والظلم والقتل والتهجير والتكفير، كما تعرضت الأقلية الشيعية المعروفة باسم (الهزارة).
و(الهزارة) هي واحدة من أكبر المجموعات العرقية في أفغانستان التي تسكن في وسط أفغانستان. وتتعرض هذه المجموعة العرقية والدينية المتميزة إلى الاضطهاد مرتين: مرة بعنوان (عرقي) حيث يرى البعض بان أصولهم تعود إلى المغول الذين احتلوا أفغانستان، وأنهم ليسوا من السكان الأصليين، بينما البعض يرى بأنهم ينتمون لشعوب آسيا الوسطى وإلى العرق التركي تحديدا إلا أن لغتهم اختفت بمرور الزمن، وصاروا يستخدمون اللغة الدارية. ومرة أخرى يتعرضون إلى القتل والتكفير بعنون (طائفي) كونهم شيعة، حيث ينتمي أغلبهم إلى المذهب الشيعي الإمامي، وبعضهم إلى المذهب الإسماعيلي.
وتعد فترة حكم طالبان، وهو نظام ديني سني متشدد، حكم أفغانستان مرتين؛ شاهدا على التمييز والاستبعاد والمجاز الوحشية التي ترتكب بحق اتباع الهزارة بشكل ممنهج.
فترة حكم طالبان الأولى كانت نحو 5 سنوات، امتدت من (1996-2001) وقد تعرضت خلالها الأقليات العرقية والدينية لانتهاكات جسيمة لحقوقها الفردية والجماعية. شملت التمييز، وطمس الهوية الدينية والثقافية واللغوية. في خرق صريح لمضامين إعلان الأمم المتحدة الخاص بالأقليات لسنة 1992.
وكانت الأقلية الشيعية قد نالت النصيب الأكبر من تلك الانتهاكات الجسمية لحقوقها؛ ليس فقط بسبب مذهبهم الاعتقادي، إنما أيضًا بسبب انتمائهم العرقي، حيث يصنفون مع جحافل المغول الذين قاموا بغزو أفغانستان في القرن الثالث عشر، ما جعلهم عرضة للتمييز. إذ يجري استبعادهم بشكل منهجي من تولي مناصب السلطة، منذ أواخر القرن الثامن عشر على الأقل، على الرغم من أنهم يشكلون نحو 20 إلى 25% من السكان الأفغان.
في فترة حكم طالبان الأولى، كانت طالبان تعتبر الشيعة الأفغان زنادقة، وتنظر إليهم بعين العداء، وقد تورط مقاتلوها باعتداءات أودت بحياة الآلاف منهم. وبعد سيطرتها على مدينة مزار شريف سنة 1998، اعتبرت الحركة بشكل رسمي أفراد (الهزارة) بمنزلة (كفار) واقتحمت عناصرها بيوتهم، وقتلت المئات منهم، وأُخذ كثير من النساء والفتيات بالقوة (كزوجات) لمقاتلي النظام الجديد، وعلى مدار سنوات حكمها، كانت الحركة تمنع الاحتفالات الشيعية في مختلف المناسبات، لا سيما خلال ذكرى كربلاء والمجالس العاشورائيّة.
بعد سقوط نظام طالبان ( 2001–2021) أصبح وضع الأقليات أفضل خاصة في العاصمة كابول والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الأفغانية، وبدأت الجماعات العرقية والدينية تأمل في عهد جديد تسوده الحرية والمساواة، خاصة بعد إقرار الرئيس حامد كرزاي لدستور 26 كانون الثاني/ يناير 2004 الذي اعترف بوجود الجماعات الإثنية وهويتها الثقافية واللغوية، ونص على ضرورة احترام الحريات الدينية وضمان ممارسة الطقوس والشعائر الدينية، كما أقرّ حق الاثنيات الأفغانية في الاستخدام الجماعي للغاتها وحضورها في المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام.
مع ذلك؛ فشلت الحكومة الأفغانية في حماية الأقليات الإثنية حتى في المناطق التي تخضع لسيطرتها، حيث استمرت اعتداءات طالبان، ومعها هجمات فرع تنظيم الدولة الإسلامية (ولاية خراسان) الذي تأسس سنة 2015. وهي اعتداءات استهدفت بالأساس الأقلية الشيعية، حيث أسفر انفجار في مدرسة ثانوية بكابول في أيار/ مايو 2021 عن مقتل 50 شخصًا من الهزارة، معظمهم من الفتيات. وقبل ذلك تعرض الشيعة الأفغان لاعتداءات دموية بين سنتي 2018 و2020 خلفت مئات الضحايا.
وفترة حكم طالبان الثانية كانت في عام 2021، على إثر الاتفاق بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بموجب هذه الاتفاقية عادت حركة طالبان إلى الحكم مجددا، وقد أصبحت أقوى مما كانت عليه إبان فترة حكمها الأول. ورغم حرص قادة الحركة في مناسبات عديدة على طمأنة جميع القوميات، من خلال تقديم خطاب ديني معتدل يعترف بالآخر (الطاجيك والبلوش والهزارة والبشتون جميعهم إخواننا) كما أكدوا التزام الحركة بحماية الأقليات الاثنية وتمكينهم من ممارسة أنشطتهم الحياتية ومنها إقامة الشعائر الدينية (نحن لا نؤذي الأقليات، هناك أناس من السيخ والهندوس في البلاد، ويمكنهم ممارسة شعائرهم الدينية) حيث سمحت الحركة للشيعة الأفغان بإحياء فعاليات عاشوراء، بل أمرت مقاتليها بحماية المجالس الحسينية والمواكب العاشورائية في كل من قندهار، مزار شريف، كابول، وباميان، حيث تتركز أقلية الهزارة الشيعية.
إلا أن حركة طالبان سرعان ما قامت بمجموعة كبيرة من الإجراءات استهدفت الأقلية الشيعية، حيث إن العديد من مقاتلي طالبان الذين تورطوا في ارتكاب انتهاكات خطيرة في حق أفراد الأقليات في نهاية التسعينيات لا يزالون نشيطين في الحركة لغاية اليوم، وهذا يطرح تحديًا حقيقيًا أمام طالبان يتعلق بقدرتها على التحكم في مقاتليها، خاصة بعد الممارسات الصادمة التي قامت بها مجموعات منهم دون إذن من قيادات الحركة، ومنها تدمير تمثال زعيم سياسي معروف (عبد العلي مزاري) من أقلية الهزارة الشيعية في باميان.
وفي أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أجلت حركة طالبان والميليشيات المرتبطة بها مئات عائلات الهزارة من ولاية هلمند الجنوبية ومقاطعة بلخ الشمالية. جاء ذلك عقب عمليات إخلاء سابقة في مقاطعات دايكوندي وأوروزغان وقندهار. ومنذ وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب، طلبت من العديد من الهزارة وغيرهم من سكان هذه المقاطعات الخمس مغادرة منازلهم ومزارعهم، بإعطاء فترة إشعار لأيام قليلة فقط في كثير من الحالات ودون أي فرصة لإثبات أحقيتهم القانونية بالأرض. قال محلل سياسي سابق في الأمم المتحدة إنه رأى إشعارات إخلاء تخبر السكان أنهم إن لم يمتثلوا، "فليس لهم الحق في الشكوى من العواقب".
تقول منظمة (هيومن رايتس ووتش) إن (مسؤولي طالبان في عدة أقاليم في أنحاء أفغانستان أجبروا السكان على النزوح جزئيا لتوزيع الأراضي على أنصارهم. العديد من عمليات الإخلاء هذه استهدفت المجتمعات الشيعية من الهزارة، وكذلك الأشخاص المرتبطين بالحكومة السابقة، كشكل من أشكال العقاب الجماعي. وقالت (باتريشيا غوسمان) المديرة المشاركة لقسم آسيا في هيومن رايتس ووتش: "تُجلي طالبان الهزارة وغيرهم قسرا على أساس العرق أو الرأي السياسي لمكافأة أنصار طالبان. عمليات الإخلاء هذه، التي نُفِّذت بالتهديد بالقوة ودون أي إجراءات قانونية، تُعَدّ انتهاكات خطيرة ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي".
لقد توالت العمليات الانتحارية والتفجيرات التي تستهدف سكان الهزارة ومساجدهم ومدارسهم وأسواقهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (فرع خرسان) مثل التفجير الانتحاري الذي استهدف قاعة دراسية في كابول الذي أدى إلى قتل نحو (35) شيعيا، بحسب ما أعلنت الأمم المتحدة السبت. والتفجير الانتحاري الذي استهدف (مركز كاج التعليمي) في كابول الذي راح ضحيته نحو (50) قتيلا معظمهم طالبات، إضافة إلى 100 مصاب، بينما كان مئات الطلاب يجرون امتحانات الدخول إلى الجامعات في حي دشت البرشي.
وبحسب تقرير بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) المعنون حقوق الإنسان في أفغانستان: 15 أغسطس/آب 2021-15 يونيو/حزيران 2022 سُجلت (2106 ) إصابات في صفوف المدنيين (700 قتيل و1406 جرحى) في البلاد في السنة الأولى التي أعقبت استيلاء طالبان على الحكم.
وبناء على ما تقدم، وبالنظر لاستمرار نظام طالبان وتنظيم خرسان باستهداف الشيعة الأفغان فانا نتقدم بعدد من التوصيات في هذا المجال وهي:
1. مطالبة الأمم المتحدة وبرامجها العاملة في أفغانستان بإيلاء موضوع الاضطهاد العرقي والمذهبي الذي تمارسه سلطات طالبان بحق المسلمين الشيعة (الهزارة) اهتماما خاصة، سواء على مستوى توثيق هذه الانتهاكات أم على مستوى مطالبة السلطات هناك بالتوقف الفوري عن ممارسة التمييز العنصري والمذهبي
2. مطالبة المنظمات الحقوقية الدولية بالتركيز على ما يتعرض له الشيعة في أفغانستان من عمليات تمييز وتهجير واستبعاد ومحاولة الضغط على المجتمع الدولي لأخذ مواقف حازمة إزاء تلك الأعمال المخالفة لحقوق الإنسان وحرياته.
3. مطالبة سلطات طالبان بالوفاء بتعهداتها ووعودها التي أمضتها مع الولايات المتحدة الأميركية والتي أعلنت عنها أمام الشعب الأفغاني من أنها سوف تكون مدافعا وحاميا لجميع أبناء الشعب الأفغاني وبمختلف فئاته وطوائفه ومذاهبه دون تمييز أو استبعاد.
4. إشراك الشيعة الأفغان في الحكم وعلى مختلف المستويات رجالا ونساء في إدارة البلاد أسوة بالمكون الأكبر الحاكم، وليتمكنوا من الدافع عن أنفسهم وأبناء شعبهم، وليكونوا جزء من بناة الدولة على أساس العدالة والإنصاف.
5. مطالبات نظام طالبان بمحاسبة ومحاكمة مقاتلي الحركة الذين يثبت في حقهم التورط في ارتكاب أعمال قمع في حق أفراد الأقليات، ووضع آليات مستقلة تمكن الضحايا من التبليغ عن الانتهاكات التي يتعرضون لها. فضلا عن محاسبة تنظيم خرسان الإرهابي.