حقوق وواجبات المثلث المجتمعي
جميل عودة ابراهيم
2022-03-05 08:15
في كل بقعة من بقاع الأرض يعيش فيها مجموعة من البشر، تظهر حاجات بشرية طبيعية، ينبغي أن تتوافر لكي يستطيع السكان من العيش والتقدم والرفاهية. ولكي تتمكن المجتمعات البشرية من توفير حاجاتها العامة فأنها أوكلت تلك المهمة (بطريقة وأخرى) إلى مؤسسات عامة، تقف على رأسها مؤسسة الحكومة المتمثلة في السلطات الثلاثة.
وجرت العادة؛ أن كل فرد في المجتمع يطالب مجتمعه وحكومته بتوفير حقوقه الشخصية والصحية والتربوية والاقتصادية والسياسية. وهي حقوق ينبغي ضمانها لكل فرد من أفراد المجتمع، لأن عدم ضمانها أو التقصير في تطبيقها يعني تخلي المجتمع والدولة عن واجباتها إزاء المواطن.
فعلى سبيل المثال؛ من حق أي مواطن أن يتمتع بالحرية التامة في التعبير عن أفكاره وآراءه وعقائده، ومن حق أي مواطن أن يحصل على مستوى من التعليم والتربية، ومن حق أي مواطن ألا يجوع وألا يعطش، ومن حق أي مواطن أن يأوي إلى مكان ما يحفظ خصوصيه، ومن حق أي مواطن أن يكون له عمل يكسب منه قوت يومه، ومن حق أي مواطن أن يختار من يمثله في سلطات الدولة، دون تدخل أو تأثير من أي طرف سياسي أو اجتماعي. وهكذا.
إلا أن هذه الحقوق وغيرها التي ينبغي أن يتمتع بها المواطن في بلده، تفرض عليه واجبات في مقابل التمتع بها، وهذه الواجبات هي لصيقة بتلك الحقوق ولا تفترق عنها. وعليه؛ فان ما يكون حق للمواطن سيكون واجبا على المجتمع والدولة، وما يكون حق للمجتمع والدولة سيكون واجبا على المواطن. وكأن الموضوع عبارة عن ثلاثة أطراف هي (المواطن، والمجتمع، والدولة) وثلاثة عقود هي (عقد المواطن مع المجتمع) و(عقد المواطن مع الدولة) و(عقد المجتمع مع الدولة).
في الغالب، في بلادنا وما يحيط به من البلدان تطغى مطالبة الأفراد بحقوقهم من المجتمع والدولة، حيث يشعر أكثرية المواطنين أن حقوقهم معدومة أو تكاد أن تكون كذلك، وأن المجتمع والدولة مقصرة في توفيرها، وكل ما تؤديه الدولة أو تقدمه للمواطنين لا يكاد يرضيهم لأنهم يطالبون بالمزيد منها، وما يزيد الطين بلة هو عندما يشعر الكثير من المواطنين أن الدولة تحابي بعض المواطنين على حساب مواطنين آخرين لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فتعطي بعض المواطنين ما يزيد على حقوقهم، وتمنع أو تقصر في أداء حقوق الآخرين. وإذا كانت مؤسسات الدولة في بعض الأحيان تقصر في واجباتها إزاء المواطنين فأنها غالبا ما تكون عاجزة في كثير من الأحيان عن توفير ما يطالب به المواطنون من حقوق وخدمات.
فعلى سبيل المثال؛ يطالب الشباب في هذا البلد الدولة بتوفير فرص عمل لهم، لاسيما الشباب والشابات ممن أكملوا دراساتهم الجامعية، بل أكملوا دراساتهم العليا، لأن فرص العمل تكاد أن تكون محصورة في التوظيف الحكومي، بينما الدولة عاجزة عن استيعاب هذه الأعداد الكبيرة المتدفقة سنويا من الجامعات والكليات الحكومية، كما أنها عاجزة عن توفير بيئة ملائمة للقطاع الخاص ليتمكن من توفير فرص عمل لهؤلاء الشباب. إذ مازالت القوانين والحقوق للعمال غير الموظفين لم تنظم كما ينبغي لضمان حقوق العاملين في القطاع الخاص.
وعلى سبيل المثال؛ تطالب المجتمعات المحلية الدولة بتعبيد الطرق، وتنظيم السير، وتنظيف الشوارع من النفايات، وتشجير المناطق المحيطة بالمدن، وتوفير الأمن المجتمعي، وحماية المجتمع من عصابات الخطف والمخدرات، والجماعات المسلحة غير منتظمة في مؤسسة أمنية أو عسكرية حكومية، وهي كلها حقوق يتوجب على أجهزة الدولة المدنية والأمنية توفيرها للمجتمعات المحلية من أجل المحافظة على السلام والأمن والاستقرار والرفاهية.
إلا أن هذه الحقوق (الفردية والاجتماعية) التي تقع على عاتق الدولة تتطلب من المواطن والمؤسسات المجتمعية الأخرى أن تكون ساندة للمؤسسات الحكومية لكي تتمكن من توفيرها، ولكي تتمكن من استدامتها، فمعروف ليس عندنا فقط بل في غالبية دول العالم حتى تلك الدول المتقدمة أن نجاح توفير أي خدمة أو مشروع أو مبادرة أو برنامج حكومي وديمومته يتوقف إلى حد كبير على دعم ومساندة المجتمعات المحلية، كما أن استمرار أي خدمة حكومية يكون مرهونا بالممارسات الإيجابية للأفراد والمؤسسات المجتمع الأخرى.
فلا يكفي أن تقوم الدولة مثلا بفتح متنزه ترفهي في منطقة سكنية هي بحاجة إلى هذا المتنزه، ولا يكفي أن تفتح الحكومة مدرسة للأهالي هم بحاجة إليها أو مركز صحي من دون أن يشارك هؤلاء السكان بهذا المشروع، من حيث العمل، ومن حيث الاهتمام بها، ومن حيث محاسبة المقصرين والمتجاوزين، أما إذا تخلى الأهالي عن واجباتهم في تلك الخدمات التي تقدمها الدولة ولم يحافظوا عليها، وكانوا أو بعضهم أداة لتخريب أو تعطيل تلك الخدمات، فلا الأهالي يستفيدون، ولا الحكومة قادرة على الاستمرار بتوفيرها، وإذا وفرتها لن توفر بشكل مقبول.
لو فكر المواطن لحظة واحدة أن هدف بناء مدرسة أو مركز صحي، أو متنزه، أو تعبيد شارع سيكون هو المستفيد الأول منه، وعليه لابد أن يشترك في تنفيذها وفي استدامتها. ولو فكرت المؤسسات المجتمعية من عشائر ومؤسسات دينية، ومنظمات ومؤسسات وأسواق أنهم من حيث كونهم مؤسسات مجتمعية هم المستفيد من توفير هذه الخدمات، وعليه، لابد أن تكون شريكا أساسيا وفعالا في تقديم تلك الخدمة والمحافظة عليها.
ولو فكرت المؤسسات الحكومية أنها عاجزة تماما عن توفير الخدمات العامة للمجتمعات المحلية من دون إشراك المجتمعات المحلية (أفراد ومؤسسات) وعليه لابد أن تضع خطط واقعية تضمن إشراكهم على نحو يضمن الانتقال من حالة الركود إلى حالة الازدهار، ومن حالة الأخذ إلى حالة العطاء فان ذلك ينعكس إيجابا على الجميع.
ونخلص مما تقدم إلى ما يأتي:
1. إن المثلث (المواطن، والمجتمع والدولة) لهم حقوق وعليهم واجبات متبادلة، ينبغي أن يؤدوها حتى يستمتع كل منهم بخدماته.
2. إن استقرار الأفراد، وازدهار المجتمع، ونجاح الدولة متوقف تماما على مستوى الشراكة بين أطراف هذه المثلث (المواطن، والمجتمع، والدولة) فكلما كانت الشراكة قوية كانت النتائج إيجابية.
3. إن تخلي أي طرف من أطراف المثلث المجتمعي عن مسؤوليته المجتمعية سيؤثر حتما على مستوى الخدمات والمشروعات المجتمعية التي تقدمها الأطراف الأخرى، وسيكون سببا في تأخر التنمية المجتمعي والازدهار المجتمعي.
4. لابد أن تعمل أطراف المثلث المجتمعي على تنظيم وتحديد الأدوار والمهمات والواجبات التي ينبغي أن يقوم بها كل طرف من الأطراف، من خلال برنامج للشراكة المجتمعية يضمن وجود المواطن والمؤسسات المجتمعية على رأس كل مشروع وخدمة عامة تقدمها المؤسسة الحكومية، سواء من حيث حاجة المجتمع إلى تلك الخدمة، أم من حيث تنفيذها، أم من حيث ديمومتها.
5. مالم يبادر الأفراد والمؤسسات المجتمعية الأخرى بتنظيم شؤون مناطقهم، وتحديد حاجاتهم من مبادرات ومشروعات وخدمات فان الخدمات والمشروعات التي تقدمها المؤسسات الحكومية لن تكون قادرة على تلبية تلك الحاجات المجتمعية.