مسلمو الأويغور: لماذا لا يتوقف قتلهم واضطهادهم في الصين؟
عبد الامير رويح
2021-03-24 03:08
رغم الانتقادات الدولية المتصاعدة تواصل السلطات الصينية اجراءاتها القمعية ضد أقلية الأويغور المسلمة، حيث سعت السلطات الصينية وبحسب بعض المصادر، إلى احتجاز اكثر من مليون شخص من الإيغور، وغيرهم من الأقليات المسلمة، في مراكز اعتقال خاصة في إقليم شينجيانغ بهدف "إعادة تأهيلهم"، وذلك بحسب تقرير أصدرته "هيئة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العرقي". وأفاد تقرير أعده عشرات الخبراء الدوليين أن معاملة الحكومة الصينية لأقلية الأويغور تنتهك "كل بند" محظور ضمن اتفاقية الامم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
ويقول ناشطون حقوقيون إن شينجيانغ تضم شبكة واسعة من معسكرات الاعتقال خارج نطاق القضاء يحتجز فيها مليون شخص على الأقل فيما تؤكد الصين أنها معسكرات تدريب مهني لمكافحة التطرف. وذكر التقرير أن "الأويغور يعانون من أذى جسدي ونفسي خطير من التعذيب المنهجي والمعاملة القاسية بما يشمل الاغتصاب والاعتداء الجنسي والاستغلال والإذلال العلني على أيدي مسؤولي المعسكر".
وأعلنت الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها للرئيس دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير أن الصين تنفذ إبادة جماعية ضد الأويغور ومسلمين آخرين بمعظمهم. سمى تقرير معهد "نيولاينز" أكثر من 30 خبيرا في مجالات تتراوح من القانون الدولي إلى السياسات العرقية الصينية قائلا انهم فحصوا الأدلة المتاحة بشأن معاملة بكين لشعب الأويغور واتفاقية الإبادة الجماعية.
ابادة الجماعية
أقرّ النواب الكنديون مذكّرة غير ملزمة اعتبروا فيها أنّ الانتهاكات التي تتعرّض لها أقليّة الأويغور المسلمة في إقليم شينجيانغ الصيني ترقى إلى جريمة "إبادة جماعية"، مطالبين الحكومة بأن تحذو حذوهم. والمذكرة التي طرحها على التصويت المحافظون (معارضة)، أقرّت في مجلس العموم بأغلبية 266 صوتاً من أصل 338. وتعترف المذكرة بأنّ "الأويغور في الصين كانوا وما زالوا عرضة لإبادة جماعية".
واستشهدت المذكرة خصوصاً بما تتعرّض له هذه الأقليّة المسلمة على أيدي السلطات الصينية ولا سيّما عمليات "التلقين السياسي والمناهض للدين" و"التشغيل بالسخرة" و"التدمير لمواقع ثقافية". كما أدخل النواب تعديلاً على المذكرة يطالب بنقل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 من بكين إذا ما استمرّت "الإبادة الجماعية".
وتقول منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان إنّ مليوناً على الأقلّ من الأويغور وغيرهم من المسلمين الناطقين بالتركية محتجزون في معسكرات في شينجيانغ. وتفرض الصين قيوداً مشدّدة على الوصول إلى هذه المنطقة الحساسة ممّا يجعل الإبلاغ عن حالات والتحقّق منها شبه مستحيل. لكنّ شهود عيان ونشطاء يقولون إنّ الصين تسعى إلى دمج الأويغور قسراً في ثقافة الهان الذين يشكلون غالبية سكان البلاد، وذلك عبر محاولتها القضاء على العادات الإسلامية بما في ذلك إجبار المسلمين على أكل لحم الخنزير وشرب الكحول، مع فرض نظام للعمل القسري.
كما أعربت الولايات المتحدة عبر وزارة خارجيتها عن انزعاجها من التقارير التي تتحدث عن اغتصاب ممنهج وانتهاكات جنسية ضد النساء في معسكرات، تحتجز فيها الصين الأويغور وغيرهم من المسلمين في منطقة شينجيانغ. وقالت الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة "منزعجة بشدة" مما ورد في هذه التقارير.
وكرر متحدث باسم الوزارة اتهامات للصين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية" في شينجيانغ. وقال إن "تلك الفظائع يجب أن تقابل بعواقب جدية". وكان المسؤول يرد على سؤال بشأن تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في وقت سابق ذكر أن النساء في معسكرات تحتجز فيها الصين الأويغور وغيرهم من المسلمين في شينجيانغ تعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي والتعذيب.
وقالت (بي.بي.سي) إن "عدة معتقلات سابقات وإحدى الحارسات أبلغن أنهن تعرضن أو شاهدن أدلة على نظام ممنهج للاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي والتعذيب". وتنفي بكين بشدة الاتهامات بارتكاب انتهاكات في شينجيانغ. وقالت إن المجمعات التي أقامتها في المنطقة توفر تدريبا مهنيا للمساعدة في القضاء على التطرف الإسلامي والنزعات الانفصالية. وردا على التقرير قال المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ ون بين إنه "يخلو من أي حقائق" وإن الأشخاص الذين قابلتهم (بي.بي.سي) "ثبت عدة مرات" أنهم "ينشرون معلومات كاذبة". بحسب فرانس برس.
وقدّم أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار يدعو اللجنة الأولمبية الدولية، لأن تحرم الصين من استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 بسبب "انتهاكاتها الفاضحة لحقوق الإنسان". ومشروع القرار الذي قدمه سبعة سناتورات جمهوريين يدعو اللجنة الأولمبية الدولية إلى منح شرف تنظيم هذه المنافسة إلى دولة تولّي أهمية أكبر للقيم التي تدافع عنها الحركة الأولمبية. وقال أحد معدي مشروع القرار السناتور عن ولاية فوريدا ريك سكوت إن "الصين ترتكب إبادة جماعية ضد الأويغور في شينجيانغ وتقيّد حقوق الإنسان في هونغ كونغ وتهدد تايوان".
وأتى طرح مشروع القرار بالتوازي مع مبادرة أطلقتها حوالي 180 منظمة، بينها خصوصا "المؤتمر العالمي للأويغور"، دعت فيها إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2022. وكتبت المنظمات في رسالة مفتوحة أنه منذ حصلت الصين على حق استضافة الألعاب الأولمبية في 2015، "انخرط الرئيس شي جينبينغ في قمع لا هوادة فيه لحقوق الإنسان والحريات". وفي بيان قالت اللجنة الأولمبية الدولية إن المخاوف التي أثارتها المنظمات غير الحكومية "كانت ولا تزال موضع بحث مع الحكومة والسلطات المحليّة" الصينية.
رفض وعقوبات
من جانبها رفضت الصين "الهجمات الافترائية" عن أوضاع المسلمين الأويغور والأقليات الأخرى التي تعيش في منطقة شينجيانغ الصينية قائلة إنهم يتمتعون بحرية العبادة والحقوق الأساسية الأخرى. وقال وزير الخارجية وانغ يي متحدثا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف إن هناك 24 ألف مسجد في المنطقة التي تقع في غرب الصين مضيفا "تبين هذه الحقائق الأساسية أنه لا يوجد هناك ما يسمى إبادة جماعية أو سخرة أو اضطهاد ديني في شينجيانغ".
وقال وانغ "الباب إلى شينجيانغ مفتوح دائما. أناس من دول كثيرة زاروا شينجيانغ وعرفوا الحقائق والحقيقة على الأرض. ترحب الصين أيضا بالمفوضة السامية لحقوق الإنسان لزيارة شينجيانغ" مشيرا إلى مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشال باشليه التي يتفاوض مكتبها على بنود زيارة البلاد. وأضاف وزير الخارجية أن طريقة تعامل الصين مع الأقليات في شينجيانغ والتبت "مثال ساطع" على تقدمها في مجال حقوق الانسان، في الوقت الذي تنظر فيه دول غربية في اتخاذ إجراءات ضد بكين بشأن القمع الذي يُمارس ضد أقلية الأويغور.
وبعد نفي بكين في البداية وجود مثل هذه المعسكرات، عادت لاحقا لتدافع عنها باعتبارها مراكز تدريب مهني تهدف إلى إبعاد الشبان عن اعتناق التطرف والإرهاب. وتمنع الصين الصحافيين من إرسال تقارير مستقلة من منطقة التبت التي تصر بكين أنها كانت متخلفة سابقا وهي عملت على تنميتها.
الى جانب ذلك أعلنت كل من المملكة المتحدة وكندا تدابير تمنع وصول البضائع المرتبطة بالعمل القسري الذي يزعم أن بكين تفرضه على أقلية الايغور المسلمة في "معسكرات اعتقال" في إقليم شينجيانغ، إلى المستهلكين في البلدين. وقال وزير الخارجية البريطاني إنها "همجية اعتقدنا أنه تم التخلي عنها وسقطت بالماضي وهي تمارس اليوم" مشيرا إلى "التوقيفات التعسفية وإعادة التثقيف السياسي والعمل بالإكراه والتعذيب والتعقيم القسري للأويغور" على نطاق واسع.
وتابع أن المملكة المتحدة لديها "واجب أخلاقي" للتعامل مع هذه المسألة معلنا تدابير لحظر الواردات والصادرات المرتبطة بالعمل القسري للأويغور. وقال "يجب أن نتحرك لضمان عدم مشاركة الشركات البريطانية في سلاسل التوريد التي تؤدي إلى بوابات معسكرات الاعتقال في شينجيانغ". وأضاف أن الأمر يتعلق أيضا ب"ضمان عدم وصول المنتجات الناتجة عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى أرفف المتاجر التي نتسوّق فيها".
في المقابل، دعا السفير الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون المملكة المتحدة إلى "التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للصين". وبعد مداخلة للندن بشأن الأويغور خلال اجتماع لمجلس الأمن لمكافحة الإرهاب، ندد الدبلوماسي الصيني بهجوم "سياسي بحت" و"لا أساس له". كما أعلنت كندا أنها ستحذو حذو المملكة المتحدة، معلنة "فرض حظر على استيراد البضائع التي تنتج كليا أو جزئيا (في ظل) العمل القسري" للأويغور. وقالت وزارة الخارجية الكندية في بيان إنها "تشعر بقلق بالغ إزاء الأدلة" على انتهاكات حقوق هذه الأقلية.
وفي المملكة المتحدة، سيتم إصدار توجيهات للشركات البريطانية التي ستُفرض عليها غرامات إذا عجزت عن إثبات أن إمداداتها ليست مرتبطة بالعمل القسري في شينجيانغ، الإقليم الضخم في شمال غرب الصين ويعدّ المورّد الرئيسي للقطن على مستوى العالم. وفي بداية كانون الثاني/يناير، تعهدت سلسلة المتاجر البريطانية "ماركس أند سبنسر" عدم استخدام القطن من شينجيانغ في الملابس التي تبيعها. وهي أول شركة بريطانية كبرى تنضم إلى "دعوة للتحرك" من أجل الأويغور أطلقتها حوالى 300 منظمة غير حكومية.
وفي صفوف المعارضة البريطانية العمّالية كما في صفوف المحافظين الحاكمين، قال نواب إن الإجراءات المعلنة ليست كافية، مطالبين بفرض عقوبات على المسؤولين الصينيين في شينجيانغ. ويأتي إعلان هذه الإجراءات بعد وقت قصير من التوصل إلى اتفاق مبدئي في نهاية كانون الأول/ديسمبر انتقده المدافعون عن حقوق الإنسان بشأن استثمارات بين الصين والاتحاد الأوروبي الذي لم تعد المملكة المتحدة جزءا منه. ومن شأن الإعلان أن يؤدي إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين لندن وبكين خصوصا بعد الانتقادات التي وجهتها لندن إلى الحملة القمعية على الحركات المؤيدة للديموقراطية في هونغ كونغ. بحسب فرانس برس.
وعارضت الحكومة البريطانية قانون الأمن القومي المثير للجدل واعتبرته انتهاكا خطيرا للمعاهدة الصينية البريطانية بشأن تسليم المستعمرة البريطانية السابقة إلى الصين في العام 1997. ومن المواضيع الخلافية أيضا استبعاد لندن مجموعة هواوي الصينية التي تتهمها واشنطن بالتجسس، من شبكة الجيل الخامس (5 جي) الخاصة بها. وتم تقديم مشروع قانون بهذا الشأن إلى البرلمان في تشرين الثاني/نوفمبر.
برنامج مراقبة
على صعيد متصل أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن مجموعة علي بابا الصينية العملاقة للتجارة الإلكترونية طورت برنامجا للتعرف على الوجه قادرا على تحديد أفراد الأويغور الأقلية المسلمة التي تخضع لمراقبة دقيقة في شينجيانغ، شمال غرب الصين. ويوضح موقع تابع للمجموعة الصينية طريقة استخدام برنامج التعرف على الوجه لكشف الأويغور والأقليات الإتنية الأخرى في الصور ومقاطع الفيديو، وفق "نيويورك تايمز". لكن وفقا للصحيفة الأمريكية، تم استخدام هذا البرنامج على سبيل التجربة فقط.
وتتبع السلطات منذ سنوات سياسة أمنية مشددة في هذه المنطقة بعد العديد من الهجمات المميتة التي ارتكبت ضد مدنيين ونسبت إلى الأويغور "الانفصاليين" و"الإسلاميين". وفي بيان نشر على الإنترنت في وقت سابق، قالت المجموعة إنها شعرت "بالدهشة والاستياء" عندما علمت أن "علي بابا كلاود" طورت هذا البرنامج. وأوضحت "علي بابا" أن البرنامج استخدم فقط لاختبار القدرات مضيفة أنها "ألغت العلامات الاتنية" في منتجاتها. وتابعت "نحن لا ولن نسمح باستخدام التكنولوجيا الخاصة بنا لاستهداف أو تحديد مجموعات إتنية معينة".
وتلوح قضية الأويغور في الأفق كتهديد مقلق للشركات الصينية مع تزايد الانتقادات العالمية بشأن سياسات بكين في منطقة شينجيانغ (شمال غرب). والأويغور في الصين، وهم مسلمون من أصل تركي، ممتعضون منذ عقود من السيطرة الصينية، وهو غضب يتحول بشكل دوري إلى أعمال عنف دامية. وارتفع الإنفاق على عمليات المراقبة في شينجيانغ بشكل حاد في السنوات الأخيرة، مع استخدام تقنية التعرف على الوجوه وغيرها من في كل أنحاء المقاطعة. بحسب فرانس برس.
كما اتهم مكتب الأبحاث الأمريكي "آي بي في إم" المصدر الرائد في العالم لمعلومات المراقبة بالفيديو، مجموعة "هواوي" الصينية باختبار برنامج للتعرف على الأويغور. ونفت الشركة الاتهامات لكنها فشلت في إقناع لاعب كرة القدم أنطوان غريزمان بذلك. فقد فسخ المهاجم الفرنسي لنادي برشلونة عقده مع المجموعة التي كان الوجه الإعلامي لها منذ 2017. وتواجه الصين ضغوطا غربية متزايدة بشأن سياستها الأمنية في شينجيانغ والتي تتم باسم مكافحة الإرهاب.