انتخابات بلا تغيير: وهم الديمقراطية في الأنظمة الأوتوقراطية
محمد عبد الجبار الشبوط
2025-07-30 12:43
هل تكفي الانتخابات لتغيير الواقع السياسي؟ أم أننا نعيش في أنظمة تجيد استخدام صناديق الاقتراع كواجهة لإخفاء الاستبداد؟
في هذا المقال أقدّم تحليلًا لواحد من أخطر الأوهام السياسية المعاصرة: الاعتقاد بأن إجراء الانتخابات، في حد ذاته، يعني أننا نعيش في نظام ديمقراطي. الحقيقة أن الأنظمة الأوتوقراطية الانتخابية تمارس لعبة التمويه ببراعة، وتُخضع كل شيء — بما في ذلك الانتخابات — لخدمة بقائها.
في كثير من دول العالم اليوم، تُجرى الانتخابات بانتظام، وتُفتتح صناديق الاقتراع، وتُعلن النتائج، ويُقال إن “الشعب قال كلمته”. لكن الحقيقة على الأرض تقول شيئًا مختلفًا تمامًا: السلطة لم تتغير، والنظام لم يتبدل، والمعارضة ما زالت مقموعة أو مهمّشة، والإعلام مقيد، والقضاء غير مستقل. ما الذي حدث إذًا؟ هل كانت الانتخابات مجرد وهم كبير؟
في الأنظمة المعروفة سياسيًا بـ”الأوتوقراطيات الانتخابية”، تكون الانتخابات موجودة من حيث الشكل، لكنها لا تُفضي إلى تداول حقيقي للسلطة. فالنظام، رغم التزامه الشكلي بالقواعد الديمقراطية، يسيطر عمليًا على كل مفاصل الدولة: من القوانين التي تُنظّم العملية الانتخابية، إلى الإعلام الذي يروّج لروايته، وصولًا إلى الهيئات التي تُشرف على الانتخابات ذاتها. وفي مثل هذه البيئة، لا تكون الانتخابات وسيلة للتغيير، بل أداة لإعادة إنتاج السلطة نفسها.
تغيير الأسماء أو تنقّل بعض الوجوه بين المواقع لا يعني أن شيئًا تغير حقًا. فالمشهد السياسي يبقى محكومًا بقواعد اللعبة ذاتها، التي يضعها الحاكم ويديرها بما يضمن استمراره. المواطن يصوّت، لكنه لا يختار. والنتيجة في الغالب محسومة، حتى قبل فتح صناديق الاقتراع.
علماء السياسة يشيرون إلى أن الديمقراطية لا تُقاس بوجود الانتخابات وحدها، بل بما يرافقها من شروط ضرورية: حرية التعبير، تعددية حقيقية، قضاء مستقل، مجتمع مدني فعّال، وضمانات دستورية لحقوق الإنسان. غياب هذه العناصر يعني أن الانتخابات فقدت معناها، وتحولت إلى مجرد واجهة، أو مسرحية دورية تمنح شرعية زائفة لنظام غير ديمقراطي في جوهره.
الخطير في الأمر أن هذا النموذج بات شائعًا ومقبولًا لدى بعض القوى الدولية، ما دامت المصالح مستقرة. فيُصنّف النظام على أنه “ديمقراطي” لأنه يُجري انتخابات، بينما تُغضّ الأنظار عن الانتهاكات اليومية للحقوق والحريات.
لكن الحقيقة تبقى واضحة: الانتخابات في ظل الأوتوقراطية لا تغيّر شيئًا جوهريًا، ما لم تتغير قواعد اللعبة ذاتها. التغيير لا يأتي من صناديق اقتراع مغلقة سلفًا، بل من إعادة بناء الحياة السياسية على أسس العدالة والحرية والتعددية والمساءلة.
إن المعركة الحقيقية ليست على مقعد في البرلمان، بل على معنى الديمقراطية ذاتها: هل هي مجرد طقس انتخابي موسمي؟ أم منظومة متكاملة تُمكّن المواطن من أن يكون فاعلًا لا مجرد شاهد صامت؟