الروهينجا حقوق ضائعة: من الحرمان السياسي الى الاقصاء الاجتماعي
عبد الامير رويح
2020-11-11 08:32
تواصل حكومة ميانمار وعلى الرغم من الادانات الدولية انتهاكاتها المتواصلة ضد مسلمي الروهينجا، الذين تعرضوا لأبشع حملات العنصرية والقتل والتهجير والاغتصاب على يد الجيش البورمي والجماعات البوذية، وفي وقت سابق دعت الأمم المتحدة وكما نقلت بعض المصادر، إلى محاكمة رئيس أركان ميانمار وعدد من كبار الضباط أمام محكمة دولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. وأفادت الأمم المتحدة أن المسلمين في ميانمار، تعرضوا إلى 4 مواد من ضمن الخمسة التي تعرّف الإبادة الجماعية.
من جانبها أعربت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق إزاء الأوضاع في ميانمار، حيث يتم حرمان مسلمي الروهينجا من حقوقهم في المشاركة السياسية. وقالت المتحدثة رافينا شامداساني إنه رغم أن الانتخابات تمثل خطوة مهمة في التحول الديمقراطي في ميانمار، إلا أن الانتهاكات ما زالت مستمرة ضد الروهينجا، بما في ذلك فرض القيود على حرية حركتهم وحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية والتمييز ضدهم في التصويت والجنسية.
كما أعربت عن القلق إزاء استمرار قطع الإنترنت في 8 بلدات في ولايتي راخين وشين، بما يتعارض مع القانون الدولي، واستمرار خطاب التحريض والكراهية ضد المسلمين، مطالبة حكومة ميانمار باتخاذ تدابير لوقف الانتهاكات ضد الروهينجا وضمان تمتعهم بجميع حقوق المواطنة من دون تمييز. ويعد مسلمو الروهنجيا طائفة أقلية في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، ويبلغ عددهم نحو مليون شخص ومائتي ألف، ولا تعترف حكومة ميانمار بهم باعتبارهم مواطنين، أو أنهم حتى يمثلون واحدة من بين 135 جماعة إثنية في ميانمار، وإنما تعتبرهم مهاجرين غير شرعيين، تعود أصولهم إلى حضارة بنجال الشرقية التي تُعرف حاليًا ببنجلاديش.
ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن أكثر من 750 ألف لاجئ من الروهنغيا، معظمهم من النساء والأطفال، عبروا إلى بنغلاديش بعد أن شنت قوات ميانمار حملة قمع وحشية ضد الأقلية المسلمة في أغسطس/ آب 2017، ليصل عدد المضطهدين في بنغلاديش إلى أكثر من 1.2 مليون. ومنذ 25 أغسطس/آب 2017، يشن الجيش في ميانمار وميليشيات بوذية متطرفة، حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد الروهنغيا في إقليم أراكان (راخين.) وأسفرت الجرائم المستمرة عن مقتل آلاف الروهنغيا، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلا عن لجوء قرابة مليون شخص إلى بنغلاديش، وفق الأمم المتحدة.
حقوق مسلوبة
وفي هذا الشأن كشفت صحيفة (بورنيو) اليومية على موقعها الإلكتروني، حرمانَ المسلمين الروهينجا في ميانمار من التصويت في الانتخابات التشريعية المقامة حالياً في البلاد، ضمن سياسة تعسفية اتبعتها السلطات لتجريد المسلمين من حقوقهم المشروعة. وتقام الانتخابات وسط توقعات بأن يحتفظ حزب أونج سان سو تشي بالسلطة، رغم ما تواجهه من انتقادات دولية بسبب إدارتها لأزمة مسلمي الروهينجا، وقد أصبحت منبوذة دوليًا ومتهمة بعدم التحرك في مواجهة مأساة الروهينجا الذين فروا من انتهاكات الجيش بمئات الآلاف منذ 2017 ولجأوا إلى بنجلادش.
وقالت الصحيفة في تقرير لها تابعته (شيعة ويفز): إن “كل مسلمي الروهينجا الباقين في البلاد والبالغ عددهم 600 ألف – نصفهم في سن التصويت – جرّدوا من الجنسية والحقوق، بما في ذلك فرصتهم في التصويت”. كما نقلت الصحيفة عن منظمة “حملة بورما البريطانية” الحقوقية قولها بأن “الانتخابات فصل عنصري” مضيفة أن الانتخابات كانت “أقل حرية ونزاهة من السابقة”.
وتلفت الصحيفة إلى أن “القيود المفروضة على العديد من مناطق الأقليات العرقية الأخرى – بدعوى المخاوف الأمنية – تعني أن حوالي مليوني ناخب محرومون من حق التصويت من بين 37 مليون ناخب”. من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: إنه يأمل في إجراء “انتخابات سلمية ومنظمة وذات مصداقية” تمكن مئات الآلاف من الروهينجا الذين يعيشون في مخيمات في بنجلاديش المجاورة من العودة “بأمان وكرامة”.
من جانب اخر دعا توماس أندروز، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، حكومة وجيش البلاد لوقف "اضطهاد" المعارضة، قبل الانتخابات العامة. وأضاف في بيان أن الانتخابات لا يمكن أن تجرى في ظل تطبيق قوانين تقوض الديمقراطية وترفض حق التصويت على أساس العرق الديني، كما هو الحال مع مسلمي أراكان. وأشار إلى أن جيش ميانمار استغل قانون العقوبات الذي سنته بريطانيا عام 1861 لسجن الصحفيين والطلاب وعناصر المعارضة الأخرى الذين مارسوا حقهم في حرية التعبير، داعيا الحكومة للتخلي عن اضطهاد هذه الشرائح.
يشار إلى أن المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، صرحت في وقت سابق، بأن المنظمة لديها مخاوف كبيرة بشأن حالة حقوق الإنسان في ميانمار قبيل الانتخابات العامة. وأوضحت أن تلك المخاوف تشمل انتهاكات حق المشاركة السياسية للأقليات (في الانتخابات)، بما في ذلك مسلمو أراكان والأقليات العرقية الأخرى في مقاطعة أراكان.
وقال مونيوا أونج شين، وهو مسؤول كبير في حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية بزعامة سو كي، إن الهيئات الانتخابية التي رفضت طلبات مرشحين من الروهينجا كانت تطبق القانون وحسب. وأضاف ”سواء كانوا بنغالا أم لا، لا يُسمح للأجانب ومن هم بدون عرقية بخوض الانتخابات“. وسيحرم مسلمو الروهينغا في البلاد، سواء كانوا في ملاجئ اللاجئين في بنغلادش المجاورة أو محصورين في مخيمات وقرى في بورما نفسها، جميعهم تقريبًا من حق التصويت. تستمر التحديات حتى بالنسبة لمن يحصلون على بطاقة هوية في بلد تشير فيه هذه البطاقات إلى عرق حاملها. يقول العديد من المسلمين إن هويات عرقية مزيفة، عادة من جنوب آسيا، يتم فرضها بشكل متزايد في المجتمع.
بالنسبة الى العديد من الأقليات العرقية المهمشة التي تعيش في مناطق لا تزال تشهد نزاعات في بورما، كانت الانتخابات الوطنية تشكل على الأقل نافذة أمل لتمكينها واشراكها في الحياة السياسية. لكن بدلا من ذلك أدى قرار باستثناء أجزاء واسعة من مناطق الأقليات من التصويت، بسبب مزاعم متعلقة بمخاوف أمنية، الى شعورها بالغضب والاحباط مع حرمان نحو مليوني شخص من أبناء هذه الأقليات من ممارسة هذا الحق.
وأعلنت مفوضية الانتخابات عن قائمة طويلة من الدوائر الانتخابية التي لن تجري فيها انتخابات، ما يحرم أكثر من مليون ناخب في ولاية راخين مثلا من حق التصويت ومئات الآلاف في مناطق أخرى. واتهمت دوي يو النائبة عن حزب الشعب في ولاية كاشين الحكومة بالتخلي عن الأقليات العرقية. وتساءلت "اعتقدنا أن حزب الرابطة الوطنية سوف يناضل من أجل الديموقراطية ويعمل للشعب"، مضيفة "لكن الآن أشعر بأنهم اسوأ".
ويقول مراقبون إن الحرمان من التصويت طال الى حد كبير معاقل الأقليات العرقية، ومن المرجح أن تميل أصوات تلك المناطق لصالح "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" وتثير مخاوف باندلاع مزيد من النزاعات والعنف السياسي. وقال كياو وين من "شبكة بورما لحقوق الإنسان" إن اللجنة "تحرم بشكل صارخ تمثيل الأقليات"، داعيا الى التراجع عن هذا القرار.
الهجرة إلى الموت
من جانب اخر وصل نحو 300 مهاجر من الروهينغا إلى إندونيسيا وأفادوا بأنهم كانوا عالقين في البحر لسبعة أشهر، بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة، في أكبر مجموعة من أفراد الأقلية المسلمة تصل إلى أحد البلدان دفعة واحدة. وعثر سكان محليون على المهاجرين، ومن بينهم أكثر من 12 طفلا، في قارب خشبي في عرض البحر قرب مدينة لوكسوماوي على الساحل الشمالي لسومطرة، على ما أفاد مسؤولون.
وقالت منسقة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أوكتينا "حسب شهاداتهم، فقد قالوا إنهم ظلوا سبعة أشهر هائمين" في البحر. وتابعت المسؤولة أنّ "حالتهم ضعيفة جدا في الوقت الراهن". وأشارت كريس ليوا، مديرة مشروع اراكان وهي مؤسسة غير حكومية تركز على أزمة الروهينغا، إلى أنّ المهاجرين ربما تم احتجازهم في البحر فيما كان المهربون يبتزون عائلاتهم لدفع أموال. وأوضحت "في الواقع هؤلاء الناس تم احتجازهم كرهائن". وتابعت نقلا عن شهادات المهاجرين أنّ المهربين أبلغوهم "أنهم لن يسمحوا بوصول القارب للشاطئ حتى يدفعوا" أموالا. لكنّها أقرت "لا نعرف حقا القصة الكاملة بعد".
وأفاد قائد الجيش في المنطقة أنّ شخصا واحدا على الأقل من المجموعة، المكوّنة من 102 رجلا و181 امرأة و14 طفلا، كان مريضا وتم نقله سريعا إلى مستشفى محليّ لتلقي العلاج. وأظهرت صور من لوكسوماوي مهاجرين يجلسون أرضا في مبنى عشوائي مع مقتنياتهم القليلة. وتبرع السكان المحليون لهم بالطعام والملابس. وقالت أحدى السكان المحليين وتدعى عائشة "نحن قلقون حيال حالتهم". وتابعت أنهم "يحتاجون إلى المساعدة باسم الإنسانية ... هم بشر مثلنا".
ويأتي وصول هذه المجموعة بعد وصول نحو 100 مهاجر من الروهينغا، معظمهم نساء وأطفال، في نفس المنطقة في وقت سابق بعد اجتيازهم رحلة محفوفة بالمخاطر استمرت أربعة أشهر وشهدت تعرضهم للضرب من المهربين وإجبارهم على شرب بولهم للبقاء على قيد الحياة. والمجموعتان اللتان وصلتا ربما تكون جزءا من مجموعة أكبر تقدر بنحو 800 لاجئ ذكرت تقارير أنهم غادروا جنوب بنغلادش في وقت سابق من العام الجاري، حسب ليوا. وأضافت أنّه يعتقد أنّ نحو 30 لاجئا من المجموعة الاصلية لقوا مصرعهم في البحر. بحسي فرانس برس.
ويعيش نحو مليون من الروهينغا في مخيمات مكتظة ورثة في بنغلادش، المجاورة لبورما، حيث يدير المهربون عمليات مربحة للغاية تعدهم بملاذ آمن في الخارج. وتعد ماليزيا وأندونيسيا واجهة مفضلة للاجئي الأقلية المسلمة المضطهدة. وغادر المئات من الروهينغا المخيمات في بداية نيسان/ابريل، لكنّ السلطات في ماليزيا وتايلاند منعتهم من دخول أراضيها وسط أزمة جائحة كوفيد-19، حسب ما أوضحت ليوا. وقالت ليوا "هذه أكبر موجة وصول نشاهدها منذ العام 2015".
وفي وقت سابق أعلنت السلطات البنغلادشية أنّ حوالى 15 ألف لاجئ من الروهينغا وضعوا في الحجر الصحّي في مخيّمات اللاجئين في جنوب البلاد. ويخشى خبراء الأوبئة في بنغلادش من تفشّي مرض كوفيد-19 في مخيّمات الروهينغا، الأقلية المسلمة التي فرّ حوالى مليون من أبنائها من بورما إلى بنغلادش حيث يعيشون في فقر مدقع وظروف حياتية مزرية.