مصر في عهد السيسي: الأكثر قمعا للحقوق والأسوأ في حرية الصحافة

دلال العكيلي

2020-02-25 04:25

تباينت ردود الأفعال في مصر، بين منددة وشاجبة ومؤيدة، حول محتوى تقرير حقوق الإنسان الذي أصدرته مؤخرا وزارة الخارجية الأمريكية عن أوضاع الحريات في مصر، هل أصبح السيسي خطرا على حقوق الإنسان بالقارة الأفريقية؟ فحقوق الإنسان تحت قيادته شهدت مصر انحدارا كارثيا في الحقوق والحريات.

واتهمت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر السلطات المصرية باستخدام "نظام قضائي مواز" لقمع أي معارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وقالت كاتيا رو من فرع المنظمة في فرنسا، في مؤتمر صحافي لعرض التقرير في باريس "في مصر، الوضع يزداد الوضع سوءا والقمع يزداد تصلبا". واشارت إلى انه "في مصر السيسي، كل معارضي الحكومة يعتبرون إرهابيين محتملين".

وفي تقريرها، دعت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق من قبل لجنة مستقلة حول دور نيابة أمن الدولة التي تستخدم، حسب العفو الدولية "أداة" لسياسة "القمع" التي تتبعها الحكومة المصرية، وتعالج هذه الهيئة القضائية الخاصة النشاطات التي تعتبر تهديدا للأمن القومي وخصوصا عبر التحقيق حول ناشطين سياسيين او شخصيات إسلامية بعضها من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، وفي تقريرها الذي يقع في ستين صفحة بعنوان "حالة الاستثناء الدائمة"، قالت منظمة العفو إنها لاحظت ارتفاعًا حادًا في القضايا التي نظرت فيها محكمة أمن الدولة العليا - من 529 حالة في عام 2013 إلى 1739 في 2018 - وانتقد فيليب لوثر، مسؤول المنظمة عن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البحوث والدفاع، نيابة أمن الدولة العليا.

وقال "لقد أصبحت (نيابة أمن الدولة) أداة مركزية للقمع، وهدفها الأساسي على ما يبدو يتمثل في احتجاز وتخويف المنتقدين، وكل ذلك باسم مكافحة الإرهاب"، وذكر التقرير أن كلّاً من محكمة أمن الدولة العليا وجهاز الأمن القومي وقوات الشرطة الخاصة ومحاكم مكافحة الإرهاب "ظهرت كنظامٍ قضائيّ موازٍ لتوقيف المعارضين السلميين واستجوابهم ومحاكمتهم"، وأشار التقرير إلى أنّ العديد من المعتقلين يُجبرون على البقاء في السجن فترات طويلة تحت مسمّى "الحبس الاحتياطي"، دون أيّ أمل في إرجاء قانوني أو فتح القضية أمام المحكمة، وأضاف "العديد تمّ توقيفه لشهور وسنوات دون دليل، استنادا إلى تحقيقات الشرطة السرية ودون اللجوء الى علاج فعّال".

وقالت منظمة العفو إنها استندت في نتائجها إلى أكثر من مئة مقابلة مع موقوفين سابقين ومحاميهم، موضحة أن الكثيرين تم توقيفهم لمشاركتهم في أنشطة سياسية أو متعلقة بحقوق الإنسان، او بسبب محتوى ناقد على منصات التواصل الاجتماعي، كما استهدف آخرون بسبب مشاركتهم في تظاهرة وهو حق علقته السلطات المصرية في 2013، وإلى جانب التحقيق في دور نيابة أمن الدولة العليا، طالبت المنظمة أن "يكون اتخاذ قرارات الحبس الاحتياطي من اختصاص القضاة وحدهم"، وليس وكلاء النيابة العامة.

كما طالبت بإجراء "محاكمات عادلة" أي الحصول على محامين والاطلاع على ملفات تحقيق المشتبه بهم، وأخيرا دعت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان الرئيس السيسي إلى إرساء نظام "للاشراف المستقل على جميع مرافق الاحتجاز"، وكان أفراد من الشرطة يرتدون ملابس مدنية داهموا الأحد مقر موقع "مدى مصر" الإخباري واحتجزوا ثلاثة محررين أطلق سراحهم لاحقا، وذلك بعد يوم من توقيف محرر آخر يعمل في الموقع نفسه.

وقالت النيابة العامة في بيان إن "الاقتحام جاء عقب إذن قضائي من نيابة أمن الدولة العليا بتفتيش مقر الموقع الإلكتروني المعروف باسم مدى مصر (...) بعدما عُرض على النيابة العامة محضر بتحريات قطاع الأمن الوطني التي توصلت إلى إنشاء جماعة الإخوان (المسلمين) الموقع الإلكتروني لنشر أخبار وشائعات كاذبة لتكدير الأمن العام"، وأوقفت السلطات المصرية هذا أيضًا ناشطاً حقوقياً مسيحياً قبطياً وضع في الحجز لمدة 15 يومًا وأكد محاميه لوكالة أنه يواجه اتهامات "بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر معلومات كاذبة".

كبح للحريات وتكميم للافواه

تتهم جماعات حقوق الإنسان السلطات المصرية بانتظام بكبح الحريات وتكميم أفواه المعارضين وبينهم الإسلاميون والعلمانيون، وكانت منظمات حقوقية محلية أشارت الى توقيف حوالى أربعة آلاف شخص خلال شهرين، بينهم محامون ونشطاء وأساتذة جامعات وصحافيون، إثر احتجاجات نادرة ومحدودة خرجت في أيلول/سبتمبر في مدن عدّة ضدّ السيسي، وعلقت الولايات المتحدة الحليفة الأساسية لمصر، مساء الثلاثاء على الاعتقالات بلسان وزير خارجيتها مايك بومبيو الذي دعا القاهرة إلى احترام حرية الصحافة.

وكتب محامون وناشطون سياسيون على فيسبوك أنهم شاهدوا شرطيين يقومون بتوقيف ثلاثة صحافيين في مقهى في الجيزة بغرب القاهرة، وقال بومبيو "في إطار علاقتنا الاستراتيجية منذ فترة طويلة مع مصر نواصل التأكيد على الأهمية الكبرى لاحترام الحقوق الإنسانية والحاجة إلى مجتمع مدني متين"، ووُضِعت قيود شديدة على التظاهرات في مصر بموجب قانون صدر في نهاية 2013، كما فُرضت حال الطوارئ في البلاد ولا تزال تُجدد حتى الآن، وتدين منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان باستمرار غياب ردود الفعل من قبل الأسرة الدولية حيال القمع في مصر، وقالت رو "نطلب من الحلفاء الدوليين لمصر وخصوصا فرنسا عدم البقاء صامتين. عليهم الضغط على السلطات المصرية وإدانة هذه التجاوزات علنا".

نيابة أمن الدولة متواطئة في حالات الاختفاء القسري

ألقت السلطات المصرية القبض على ثلاثة صحفيين جدد يقول محامون إنهم مقربون من الصحفية المصرية إسراء عبد الفتاح، ومنظمة العفو الدولية تصدر تقريرا يتهم نيابة أمن الدولة في مصر بأنها "متواطئة" في حالات الإخفاء القسري، وانتهاك حق المعتقلين في الحصول على محاكمة عادلة، وقال محامون وشهود عيان إن الشرطة ألقت القبض على الصحفيين الثلاثة: سلافة مجدي وزوجها حسام الصياد ومحمد صلاح، إلى جانب ثلاثة من العاملين في المقهى.

وأفادت تقارير أن المعتقلين مقربون من الناشطة إسراء عبد الفتاح التي اعتقلتها السلطات في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتهم تتعلق بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، واتهم المحامي والناشط الحقوقي جمال عيد قوات الأمن باختطاف الصحفيين الثلاثة.

وقال بومبيو في مؤتمر صحفي "في إطار شراكتنا الاستراتيجية المترسخة، نواصل إثارة أهمية احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والحاجة لمجتمع مدني قوي"، وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه من التضييق المستمر على الحريات في مصر، مطالبا السلطات بتأمين حصول الصحفيين على حقهم الدستوري المتعلق بالعمل دون خوف من المضايقات الأمنية، وأعربت السفارة الألمانية في القاهرة عن قلقها إزاء استمرار سوء أوضاع حرية الصحافة في مصر، واصفة الطريقة التي تتعامل بها السلطات المصرية مع الصحفيين المصريين والأجانب على السواء بـ "غير الواضحة".

ووصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" الوضع الذي تشهده الصحافة المصرية بأنه "مزري"، وتقول المنظمة إن الاعتقالات طالت ما لا يقل عن عشرين صحفياً، أُطلق سراح بعضهم لاحقا، وتصنف المنظمة مصر في المركز الـ 163 من أصل 180 دولة على قائمة حرية الصحافة، وتقول منظمات حقوقية وأخرى معنية بحرية الرأي والتعبير إن الصحف ووسائل الإعلام في مصر تعاني تشديدا "غير مسبوق"، في الوقت الذي ألقت فيه السلطات القبض على عشرات المعارضين والنشطاء والصحفيين بتهم "نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي".

وفق القانون

تنفي السلطات أي احتجاز بسبب حرية الرأي والتعبير وتقول إنها تنفذ قرارات النيابة العامة بالقبض على من يقوم بخرق القانون، وصرح المستشار أحمد حافظ، المتحدث باسم وزارة الخارجية، بأن جميع الإجراءات التي تم اتخاذها بشأن ما تم تداوله بتفتيش مكتب الموقع الإلكتروني "مدى مصر"، تمت وفقا للقانون، حيث تبين أن المكتب المشار إليه يعمل دون الترخيص اللازم.

وأضاف حافظ أنه لا يوجد محتجزون فيما يتعلق بهذا الموقع، خلافاً لما تروج له بعض المنصات الإلكترونية، "إذ أن الأمر لم يتعد التفتيش والاستجواب والتحري"، وأضاف المتحدث باسم الخارجية أنه لا يتم فرض أي قيود على حرية الرأي والتعبير في مصر ما لم تنطو على تحريض مباشر ضد مؤسسات الدولة، وتمثل مخالفة للدستور والقانون، ووفقاً لالتزامات مصر الدولية في هذا الشأن، متابعا أن السلطة القضائية بمفردها هي المختصة بالنظر في مختلف القضايا المحالة إليها في هذا الشأن.

أداة القمع الشريرة

أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا تتهم فيه نيابة أمن الدولة في مصر بأنها "أداة شريرة للقمع"، وبأنها "متواطئة" في حالات الإخفاء القسري، وانتهاك حق المعتقلين في الحصول على محاكمة عادلة، وتقول المنظمة في تقريرها: "نيابة أمن الدولة العليا في مصر متواطئة في حالات الإخفاء القسري، والحرمان التعسفي من الحرية، والتعذيب وسوء المعاملة... الآلاف احتجزوا لفترات طويلة لأسباب ملفقة، وانتهكت حقوقهم في محاكمة عادلة"، وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، إن نيابة أمن الدولة العليا "وسّعت تعريف 'الإرهاب' في مصر اليوم حتى بات يشمل المظاهرات السلمية والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي والأنشطة السياسية المشروعة".

وأكد لوثر أن نيابة أمن الدولة العليا، إحدى فروع النيابة العامة المعنية بالتحقيق في القضايا التي تنطوي على تهديد لأمن الدولة، "باتت أداة سياسية للقمع باسم مكافحة الإرهاب"، وقال لوثر إن الحلفاء الدوليين لمصر يجب ألا ينخدعوا بالتصريحات الرنانة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وألا يضحّوا بالمبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في سبيل العلاقات التجارية والأمنية، ودعا لوثر إلى ممارسة الضغط على السلطات المصرية لإصلاح جهاز نيابة أمن الدولة العليا "والإفراج عن جميع المعتقلين لا لشيء إلا لأنهم عبروا سلميا عن آرائهم أو دافعوا عن حقوق الإنسان".

السلطات المصرية تقوم ممارسات انتقامية

قالت منظمة هيومان رايتس ووتش إن السلطات المصرية قامت بما وصفته بممارسات انتقامية بحق عائلات بعض المعارضين المقيمين بالخارج والذين ينتقدون الدولة. وأوضحت المنظمة أن هذه الممارسات شملت الاعتقال ومداهمات المنازل والاستجواب والمنع من السفر، وأشارت المنظمة، إلى أنها وثقت حالات 28 معارضا، منهم إعلاميون ونشطاء سياسيون وحقوقيون، على مدار السنوات الثلاث الماضية وقالت إن من يعيش من أهالي هؤلاء المعارضين داخل مصر "يتعرض للملاحقة والتضييق الأمني بصور شتى"، وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة: "في سبيل تصميمها على إسكات المعارضة، تعاقب السلطات المصرية عائلات المعارضين المقيمين في الخارج".

وأضاف ستورك: "ينبغي للحكومة وقف هذه الهجمات الانتقامية التي ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي"، ونقلت هيومان رايتس ووتش عن أكثر من خمسة نشطاء وصحفيين مقيمين بالخارج قولهم إنهم يتجنبون انتقاد الحكومة علنا أو المشاركة في أي نشاط معارض خوفا على سلامة عائلاتهم المقيمة داخل مصر، وقالت المنظمة بشأن بعض الحالات التي وثقتها: "قامت قوات الأمن بمداهمة أو زيارة منازل أقارب 14 معارضا، ونهبت ممتلكات أو أتلفتها في خمسة منها. لم تُظهر قوات الأمن أي مذكرات اعتقال أو تفتيش في أي من الحالات الواردة في التقرير. منعت السلطات سفر 20 من أقارب ثمانية معارضين أو صادرت جوازات سفرهم.

وواجهت السلطات المصرية انتقادات على نطاق واسع من قبل منظمات دولية في مجال حقوق الإنسان، أبرزها مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهيومان رايتس ووتش، ومنظمة االعفو الدولية، وذلك بعد حملة أمنية "طالت عددا كبيرا من المتظاهرين" أثناء وبعد احتجاجات محدودة في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي.

وأضاف تقرير المنظمة: "احتجزت السلطات 20 من أقارب 11 معارضا أو حاكمتهم في 13 حالة، اتهمت السلطات الأقارب أنفسهم أو أدانتهم، بما في ذلك في حالة لطفل اتهم بالانضمام إلى الجماعات 'الإرهابية ' ونشر 'أخبار كاذبة ' وأحالت السلطات إلى المحاكمة خمسة أقارب على الأقل، وبرأت المحاكم واحدا لم تسمِّ هيومن رايتس ووتش بعض المصادر والمعارضين الذي قابلتهم وحجبت بعض التفاصيل الشخصية لسلامتهم".

واعتبرت منظمة هيومان رايتس ووتش أن "الاعتقالات الجماعية الحكومية والقيود على الإنترنت تهدف إلى "تخويف المصريين وردعهم عن الاحتجاج، ومنعهم من معرفة ما يحدث في البلاد"، وتنفي السلطات المصرية باستمرار مثل هذه التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتقول إنها تستقي معلوماتها من "مصادر غير دقيقة"، لا تستند إلى أي أدلة حقيقية، وتقول السلطات المصرية إن الإجراءات الأمنية التي تتبعها ضرورية للتصدي للإرهاب ومحاولات النيل من استقرار البلاد، وتشكك باستمرار في دقة وحيادية تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، كما انتقدت الهيئة الوطنية للصحافة في مصر تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش لعام 2019، وقالت إنه يأتى في "سياق البيانات التحريضية التى اعتادت المنظمة نشرها وتتناول الأوضاع عن مصر على غير الحقيقة وتروج لوقائع دون أدلة أو أسانيد".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي