من صندوق شاحنة إلى تابوت

رحلة عودة مهاجرين فيتناميين لأرض الوطن

وكالات

2019-12-09 04:00

(رويترز) - غادرت المجموعة فيتنام تحمل معها أحلام تحقيق ثروة صغيرة وعلى كاهل أفرادها عبء توقعات أسرهم، لكنهم لفظوا أنفاسهم الأخيرة في صندوق وعادوا للوطن في توابيت، بالنسبة للمهاجرين التسعة والثلاثين الذين بدأوا رحلتهم من واحد من أفقر بقاع فيتنام في جنوب شرق آسيا بحثا عن عمل في بريطانيا كان حلم الثروة يفوق مخاطر الرحلة عبر غابات لاتفيا وشوارع بلجيكا إلى صندوق الشاحنة الذي نفد فيه الأكسجين وانتهت فيه حياتهم، اكتُشفت الجثث في أواخر أكتوبر تشرين الأول في حاوية شاحنة براد خارج لندن مباشرة.

الصبي

كان الصبي نجوين هوي هونج يتوق لرؤية والديه اللذين غادرا فيتنام بحثا عن عمل في صالونات تقليم الأظافر في بريطانيا، وقال أحد جيرانه طالبا عدم نشر اسمه ”كان من المفترض أن يلتئم شمل الأسرة. فوالداه وصلا إلى بريطانيا سالمين بسهولة. وقد دفعا المال لمهربين لترتيب رحلته. كان صغيرا على المأساة“.

وكان هونج واحدا من ضحيتين في الخامسة عشرة من العمر. تربى هونج في قرية صغيرة للصيادين في إقليم ها تينه في بيت تم تأجير حجرات فيه لأغراب لأن معظم أفراد الأسرة بخلاف والديه كانوا قد سافروا للعمل في الخارج.

قالت أخت هونج التي تعمل في كوريا الجنوبية على فيسبوك بعد أيام من ذيوع أنباء الحادث إنه سافر جوا من هانوي إلى روسيا في 26 أغسطس آب، وكتبت تقول إنه بحلول السادس من أكتوبر تشرين الأول كان في فرنسا لكن الأسرة فقدت الاتصال به في 21 أكتوبر تشرين الأول قبل يومين من العثور على الشاحنة.، قالت الأخت لرويترز إن الأسرة دفعت عشرة آلاف جنيه استرليني (12900 دولار) لنقله إلى أوروبا. وكان من المقرر أن تدفع الأسرة مبلغا آخر للمهربين في فيتنام ما إن يصل إلى بريطانيا، وعادت جثة هونج إلى فيتنام، إلا أن الوالدين لن يحضرا جنازته لعدم امتلاكهما الوثائق اللازمة بعد أن تبددت أحلامهما بالتئام الشمل في بريطانيا.

النجار

كانت الأثقال الرياضية بدائية الصنع المصنوعة من الحديد الصدئ وقطع الخرسانة التي تكسوها الطحالب من بين الأشياء القليلة التي بقيت لدى نجوين دينه جيا لتذكره بابنه، قال جيا إن ابنه لونج كان شخصا صادقا أمينا. وأضاف أن لونج لم يكن وهو في العشرين من عمره يشرب الخمر ولم يكن يدخن ولم يكن له حبيبة في يوم من الأيام.

كان لونج يعشق الرياضة وأثقاله البدائية. وفي أكتوبر تشرين الأول 2017 رحل عن إقليم ها تينه وعمل نجارا في إقليم قريب إذ كان قد تعلم مهارات النجارة من شقيقه، وقال جيا ”لم يحاول دخول الجامعة. فلا يدخلها أولاد كثيرون هنا“، ومن هناك سافر لونج إلى هانوي إلى الخارج حيث ركب طائرة إلى روسيا.

وظل في روسيا حتى أبريل نيسان 2018 حيث انتقل إلى أوكرانيا وأمضى لياليه مع مهاجرين آخرين في مخزن. وقال جيا إن لونج كان يتواصل معه في بعض الأحيان، وأضاف جيا ”كنت أشعر بالارتياح لعلمي أنه سالم يعيش هناك“، وبعد أسابيع رحل لونج إلى ألمانيا. سافر برا لكنه سار على قدميه سبع ساعات أيضا. وقال جيا ”كانت رحلة يوم واحد وكان كل من معه فيتناميين“، وهناك توسل لونج إلى والده أن يدفع له كلفة السفر إلى فرنسا حيث ظل فيها حتى شهر أكتوبر تشرين الأول الماضي عندما قرر السفر للحاق بأصدقائه العاملين في بريطانيا، وقال جيا ”حاولت إقناعه بعدم الذهاب. قلت له إن المبلغ الذي كسبه في فرنسا ثروة للأسرة“، وكان جيا قد دفع 18 ألف دولار للمهربين لنقل ابنه حتى الآن. واتصل لونج بأسرته قبل بضعة أيام من ركوب الشاحنة المشؤومة، وعاد جثمان لونج إلى الوطن وقال جيا ”بعد الانتظار أياما عديدة وصل ابني أخيرا“، كانت تأمل أن يلتئم شملها بصديقها في بريطانيا.

وفي الأيام التي سبقت وفاتها ظهرت في صورة على صفحتها على فيسبوك وهي تتناول مشروبا على درجات البورصة القديمة في بروكسل، وقالت صديقات لها وبعض الجيران لرويترز إنها سافرت جوا مثل الفيتناميين الآخرين من فيتنام إلى روسيا ثم عبرت الحدود إلى لاتفيا ومنها انتقلت إلى ليتوانيا ثم إلى بولندا وألمانيا وبلجيكا، ولم تكن تلك محاولتها الأولى، فقبل أربعة أشهر كتبت تقول ”حياتي مليئة بالحلو والمر. وأنا أريد الطيران إلى أوروبا لكني لا أستطيع“، وقالت نهونج لصديقاتها اللائي اقترحن عليها البقاء في فيتنام ورعي الماشية ”لا أريد البقاء في الوطن وأتزوج صغيرة السن وأعيش حياتي مفلسة“، وأضافت ”سأجرب حظي المرة القادمة“، وحسب ما قاله الأصدقاء كانت تريد في البداية العثور على عمل في ألمانيا وقضاء عام في فيتنام تتعلم فيه الرسم على الأظافر. وكتبت تقول ”لابد أن تجد البنت عملا وإلا فلن يتزوجها أحد“، وفي محاولتها الثالثة وصلت نهونج أخيرا إلى أوروبا. وانتهت الرحلة بكارثة، وقبل أيام من فقدان الأصدقاء الاتصال بها كتبت لهم تقول ”أنا على وشك بدء رحلة جديدة“، وخلّدت صديقات نهونج صفحتها على فيسبوك لتظل قصصها حية. وينتشر العديد من صديقاتها في الخارج ويعملن في صالونات الأظافر في أوروبا، وقالت إحدى صديقاتها لرويترز ”لا تلوموننا من فضلكم“، وأضافت ”لا تلوموا الضحايا التسعة والثلاثين في صندوق الشاحنة“.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي