التطرف الديني في الهند: بين رفض الآخر والتصدي للتسامح
دلال العكيلي
2019-11-24 06:27
قامت الحكومة الهندية بعد ان قدمت طلب للمحكمة العليا والموافقة علية بتسليم قطعة أرض إلى صندوق تابع للهندوس لبناء معبد في بلدة أيوديا الشمالية والتي تعد نقطة توتر منذ فترة طويلة مع المسلمين الذين يمثلون أقلية في البلاد، ويأتي هذا الإجراء في الوقت الذي يواجه فيه التحالف الحاكم لرئيس الوزراء ناريندرا مودي سباقا شرسا في الانتخابات، وتشير نتائج استطلاعات الرأي إلى أنه قد لا يحصل على أغلبية برلمانية.
مع اعلان هذا القرار نشر آلاف من رجال الأمن وأغلقت المدارس حول مدينة أيوديا وأماكن أخرى وفي المدينة نفسها، منعت التجمعات، بينما أقيمت حواجز على الطرق المؤدية إلى مبنى المحكمة العليا في نيودلهي حيث يقوم مسؤولون ومتطوعون بالتدقيق في منصات التواصل الاجتماعي بحثا عن تصريحات قد تثير التوتر على موقع فيس بوك.
فقد قالت جماعة هندية مسلمة إنها ستقدم التماسا للمحكمة العليا لطلب إعادة النظر في حكم قضائي منح الهندوس حق بناء معبد على موقع متنازع عليه في ولاية أوتار براديش، وقال مجلس الأحوال الشخصية لمسلمي عموم الهند، الذي يضم مفكرين ومنظمات إسلامية، إنه سيسعى لمراجعة الحكم الذي رفض مطالبات المسلمين بالأحقية في ذلك الموقع.
وقضت المحكمة العليا في الهند بأحقية الهندوس في الموقع الذي يعتقدون أنه مهد الإله رام الذي تجسد فيه الإله الهندوسي فيشنو، وقال سيد قاسم إلياس عضو المجلس في إفادة صحفية "هناك أخطاء واضحة في حكم المحكمة العليا وشعرنا أن من الحكمة التقدم بالتماس للمراجعة".
ورفضت مجموعة مسلمة كانت طرف النزاع في القضية وهي مجلس الوقف السني التقدم بطعن على الحكم وقالت إنها تحترم قرار المحكمة، والموقع، حيث بنى المغول المسلمين مسجد بابري عام 1528، محل نزاع مرير بين الغالبية الهندوسية والمسلمين الذين يشكلون 14 في المئة من سكان الهند منذ استقلال البلاد، وفي عام 1992 دمر حشد هندوسي مسجد بابري المقام على الموقع منذ القرن السادس عشر مما أثار شغبا في أنحاء البلاد.
الهندوس يحتفلون
بعد إعلان قرار المحكمة أطلق الهندوس، الذين طالما سعوا جاهدين لبناء معبد على أنقاض المسجد، ألعابا نارية في أيوديا ابتهاجا، وانتشر آلاف من أفراد الأمن والشرطة في أيوديا ومواقع أخرى ذات حساسية خاصة بالهند ولم ترد أنباء عن وقوع اضطرابات، وقال مودي في خطاب بثه التلفزيون "قرار المحكمة العليا اليوم أعطى الأمة رسالة مفادها أن حتى أصعب المشكلات تقع في نطاق الدستور وضمن حدود النظام القضائي" ودعا إلى "هند جديدة" خالية من الكراهية، وناشد في تغريدة نشرها في وقت سابق المواطنين الحفاظ على السلام وقال "يجب ألا ينظر أحد إلى الحكم باعتباره نصرا أو هزيمة لأي طرف... فلنبتهل أن يعم السلام والتآلف".
غير أنه من المرجح النظر إلى الحكم باعتباره نصرا لحزب بهاراتيا جاناتا وداعميه، وهو يجيء بعد أشهر من تجريد حكومة مودي منطقة جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة من وضعها الخاص، محققة وعدا انتخابيا آخر قطعته لقاعدة تأييدها الهندوسية في معظمها، وقال نيلانجان سيركار الأستاذ المساعد بجامعة أشوكا بالقرب من نيودلهي إن الحكم سيفيد حزب بهاراتيا جاناتا الذي أعيد انتخابه، لكن من شأن تباطؤ الاقتصاد أن يؤثر في النهاية على أصوات الناخبين.
وقال "على المدى القصير، سيعطي ذلك دفعة لحزب بهاراتيا جاناتا... مثل هذه الأمور لا تدوم... معبد رام لن يضع طعاما على الموائد"، ويعتقد الهندوس أن الموقع هو مهد اللورد رام الذي تجسد فيه الإله الهندوسي فيشنو، ويقولون إنه مكان مقدس لدى طائفتهم منذ فترة أبعد كثيرا من بناء المغول المسلمين لمسجد بابري هناك عام 1528.
جماعات مسلمة تحث على الهدوء
أصدرت هيئة المحكمة المؤلفة من خمسة قضاة يرأسهم رانجان جوجوي حكما بالإجماع بتسليم قطعة الأرض التي تقع على 2.77 فدان إلى الجماعة الهندوسية، وأوصت المحكمة أيضا بإعطاء قطعة أرض أخرى مساحتها خمسة أفدنة في أيوديا للجماعة المسلمة التي كانت طرفا في القضية، لكن هذا لم يكن كافيا لتهدئة البعض.
وقال أسد الدين أويسي، وهو سياسي مسلم بارز من المعارضة، للصحفيين "البلد يتجه الآن لأن يصبح أمة هندوسية"، وفي البداية قال محام ممثل للجماعة المسلمة في القضية إن من المرجح تقديم التماس لإعادة النظر في القضية مما كان من شأنه أن يبدأ معركة قانونية مطولة أخرى، لكن زعيم الجماعة ظفر فاروقي قال في وقت لاحق إن الحكم سيُقبل "بتواضع"، ودعت منظمات إسلامية إلى التحلي بالهدوء، وكانت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ التي انبثق منها حزب مودي قد قررت منع أي مظاهر احتفالية إن جاء الحكم لصالح الهندوس، تجنبا لإثارة أي عنف طائفي.
وفرضت قيود على التجمعات في بعض المناطق وتراقب الشرطة وسائل التواصل الاجتماعي للحد من تداول الشائعات، وقالت وزارة خارجية باكستان المجاورة إن القرار "بدد المظهر الخادع لما يسمى بالعلمانية" في الهند وأظهر أن الأقليات لم تعد آمنة في ذلك البلد، رد متحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية في الهند بالقول إن باكستان لديها "نزعة مرضية" للتدخل في شؤون الهند الداخلية.
وخلت شوارع أيوديا إلى حد كبير، وجابت قوات الأمن الطريق الرئيسي المؤدي إلى لوكناو عاصمة ولاية أوتار براديش الشمالية، والتف سكان أيوديا حول أجهزة التلفزيون وهواتفهم المحمولة لمتابعة أي أخبار عن الحكم الذي أشاع البهجة في نفوس الهندوس لدى إعلانه، ووسط هتافات تمجد الإله رام قال بائع على الطريق "الكل يجب أن يجتمع على كلمة واحدة لضمان بدء أعمال البناء في الموقع دون أي تأخير".
إله محارب
يقول المتشددون الهندوس الذين يشكلون أغلبية في الهند، بمن فيهم مؤيدون لحزب الشعب الهندي "بهاراتيا جاناتا" الذي يقوده مودي، إن هذا الموقع الذي كان يضم حتى عام 1992 مسجدا بني في القرن السادس عشر، هو مكان ولادة الإله راما الإله المحارب، هم يؤكدون أن أول إمبراطور للمغول بابر شيد المسجد في القرن السادس عشر بعد تدمير معبدهم في الموقع الذي تبلغ مساحته 1,1 هكتار، وفي ثمانينات القرن الماضي بدأ القوميون الهندوس وحزب "بهاراتيا جاناتا" الضغط لتدمير المسجد وإعادة بناء معبدهم، كما يقولون وفي 1992 قام حشد من الهندوس قدر حجمه بمئتي ألف شخص بتدمير المسجد، وأدى ذلك إلى أسوأ مواجهات منذ تقسيم الهند في 1947، قتل فيها نحو ألفي شخص معظمهم من المسلمين.
وبعد عشر سنوات، أي في 2002 وبعد مقتل 59 ناشطا هندوسيا في احتراق قطار قادم من أيوديا، أدت أعمال شغب في ولاية غوجارات، كان مودي رئيس حكومتها، إلى مقتل حوالى ألف شخص معظمهم من المسلمين وذكرت وسائل إعلام أن المحكمة قالت إن أدلة أثرية تشير إلى وجود هيكل كان مشيدا قبل المسجد في الموقع "الهندوسي الأصل".
ويفترض أن يضع القرار حدا لنزاع حاولت بريطانيا القوة المستعمرة السابقة وحتى الدالاي لاما التوسط لتسويته ومن جهته، قال ظافرياب جيلاني أحد محامي المسلمين في الدعوى إن الحكم "جائر"، مؤكدا أنه يفكر في تقديم طلب مراجعة، أما فارون كومار سينها محامي واحدة من المجموعات الهندوسية، فقد رأى أنه "حكم تاريخي، وبهذا الحكم وجهت المحكمة العليا رسالة وحدة في إطار التعاون".
انتصار لمودي
حزب "بهاراتيا جاناتا" قام بحملة لسنوات من أجل بناء معبد في أيوديا، لذلك يشكل الحكم انتصارا كبيرا له بعد أشهر من بدء الولاية الثانية لمودي لكنه قد يشكل ضربة لكثيرين في الأقلية المسلمة التي تضم مئتي مليون شخص وانبثق "بهاراتيا جاناتا"عن مجموعة تحمل اسم "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" وتميل إلى القتال وهي تؤمن بهيمنة الهندوس "هيدوتفا" وبجعل الهند دولة هندوسية حصرا.
وفي عهد مودي أعيدت تسمية مدن عديدة مرتبطة بتاريخ المغول في الهند وتم تغيير بعض الكتب المدرسية للحد من ذكر إسهامات المسلمين في الهند وأدت سلسلة من عمليات قتل المسلمين من قبل مثيري شغب هندوس من أجل حماية الأبقار المقدسة لدى الهندوس وجرائم كراهية أخرى، إلى زرع الخوف واليأس في المجتمع.
وخلال العام الجاري، حرمت نيودلهي جامو وكشمير الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند من الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به ومع ذلك يسعى مودي إلى منع إراقة دماء وقد طلب من قبل صدور حكم المحكمة من حزبه وأنصاره تجنب إقامة احتفالات استفزازية كما دعت مجموعات إسلامية إلى الهدوء.
الهند تعتقل العشرات
قالت الشرطة الهندية إنها اعتقلت عشرات الأشخاص للاشتباه في نشرهم مواد تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي وإطلاق الألعاب النارية احتفالا بقرار المحكمة العليا بأحقية الهندوس في موقع أيوديا المقدس، اذ قضت المحكمة العليا في الهند بأحقية الهندوس في موقع ديني محل نزاع مرير في بلدة أيوديا الشمالية، في حكم من شأنه أن يغضب المسلمين الذين يطالبون بالموقع الذي أثار يوما بعضاً من أعنف أحداث الشغب في البلاد منذ استقلالها.
وفي عام 1992 دمر حشد هندوسي مسجد بابري الذي يعود للقرن السادس عشر مما أثار شغبا في أنحاء البلاد قتل فيه قرابة 2000 شخص معظمهم من المسلمين لكن لم ترد أنباء عن وقوع أعمال عنف بعد صدور حكم المحكمة العليا، وقالت الشرطة إن 37 شخصا اعتقلوا في أوتار براديش أكبر الولايات الهندية من حيث عدد السكان وموقع المزار المتنازع عليه.
واعتقل شخص واحد على الأقل في لوكناو عاصمة الولاية لإدلائه "بتعليقات غير مناسبة" على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام لهجة تهديد، وقال كالانيدهي نايثاني من شرطة لوكناو "الشرطة تناشد السكان عدم إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي".
وفي منطقة أخرى من الولاية قالت الشرطة إنها اعتقلت سبعة أشخاص على الأقل لإطلاقهم الألعاب النارية أو إثارة اضطرابات أثناء توزيعهم الحلوى احتفالا، ولم ترد وزارة الداخلية على طلب للحصول على معلومات بشأن الاعتقالات، وقبل صدور الحكم نشرت الحكومة آلافا من أفراد الأمن ورجال الشرطة في أيوديا ومناطق أخرى وطلبت الجماعات الهندوسية من أعضائها عدم الاحتفال علنا.