مكابح السجون
د. ميثاق بيات ألضيفي
2019-02-28 05:46
ما هو السر الذي قلب عالمنا العربي؟ السر الذي أفشل الأنظمة التعليمية وبالوقت ذاته ادى وبشكل غريب إلى ازدياد السجون؟، لربما كانت المشكلة برمتها هي أنه وعند إعداد شخص ما للحياة المجتمعية فإننا لا نولي اهتماما مطلقا لتربيته، والأمر لا يتعلق بتثقيف شخص ما في روضة أو مدرسة فنحن قد نقدم له المعرفة ولكن هل هذا يكفي؟؟ حين عودة اطفالنا من المدرسة نسألهم: ماذا تعلمتم اليوم؟ ونحن نعلم انهم في المدرسة تحت ضغط قوي من الآخرين كالتنمر والتنافس والتكبر والغيرة وغياب الامان وحتى الإدمان على المخدرات، وكل ذلك نعتبره نوعًا من الآثار الجانبية التي لا نفكر بفعل أي شيء ازائها والأهم من ذلك أننا نكون مهتمين بالعلامات التي أحضروها، ولا نطالب أو نعمل لهم ومعهم ليصبحوا واعيين وناضجين فكريا، ولا نهتم كيف سيصبح هؤلاء الأطفال في مرحلة نموهم مهذبين ولا كيف سيتعلموا التصرف بشكل صحيح بمعرفة الجيد من السيئ حتى لا يصبح بهم المجتمع غابة. وأعتقد أنه وبغض النظر عن مقدار المال الذي نستثمره في تطوير المدارس أو حتى في بناء السجون، فلن يتغير شيء لأنهما ليسا بعيدين عن بعضهما البعض إذ وللأسف بدأت المدارس تقوم بإعداد أولئك المتوجهين إلى السجون.
إذن ما هو خطأنا؟ الآباء أنفسهم لم يتعلموا ويتدربوا ليعرفوا حل مشاكل العائلة ولم يتدربوا لتعلم تربية الأطفال وكل هذا لأنه لم يتم افهامهم والشرح لهم وتثقيفهم ولم يحصلوا على الأمثلة الصحيحة للتعليم الاسري والتربوي, فلذلك يبدو أننا نفتقد الجزء الأكثر أهمية في حياتنا بكيفية انشاء شخصًا صالحًا وبكيفية صنع المجتمع المناسب والمزدهر لأن المجتمع هو مجموعة من الأشخاص الواعين ونحن لا نعلم الناس أن يكونوا ازواج وزوجات لبناء أسرهم فلذا هم غير قادرين على التوافق مع بعضهم البعض ونحن لا نطور الموقف الصحيح تجاه الآخرين ولا نمنح الشخص شعور بأنه جزء مكمل للمجتمع, ولذلك فإن كل شخص يتصرف وفقا لدوافعه الأنانية الداخلية ويفعل ما هو جيد بالنسبة له حتى لو كان مخالفا للقانون مع انه يعرف ازاء فعله سيتم عقابه ولأنه لا يملك مكابح لإنه لم يحصل على الأمثلة الصحيحة التي من شأنها أن تبين له ماذا سيحدث له ولا يعرف ما هي العقوبة وما هو السجن... فهل لذلك نحن بحاجة إلى اخذ اطفالنا بزيارات منهجية وتثقيفية إلى السجون؟؟
لكن ما هو المجتمع المتكامل وما هي القوانين والعقوبات الموجودة في مثل هذا المجتمع؟ نحن نعيش في مجتمع أناني و فيه يمكن للجميع أن يفعل ما يشاء إذا لم يتجاوز قانونا ولم يتسبب في الكثير من الأذى فإنه لم ينتهك أي شيء، وفي المجتمع المتكامل هناك قوانين مختلفة تماما يجب أن تعلم للآخرين والتفاعل معهم في ادراكها ولذا يجب أن يكون الفرد متصلا بشكل متكامل مع الجميع إضافة إلى ادراكه المفاهيم الطبيعية وحالة البيئة وكل ما يحدث في العالم لبناء الشخصية المتكاملة، وحقيقة أنه وبسبب عدم تلقي التنشئة المناسبة فهي التي كانت السبب كل السجون. لكن القوانين كيف نمنع انتهاكها من قبل الإنسان؟ التعليم لا يبدأ من المدرسة إنما من الروضة والتي فيها يجب أن نعلم الأطفال على الجلوس دائريا مع معلمهم في مجموعات صغيرة لاننا إذا كنا نتحدث عن التكامل في اتصال الجميع فنحتاج إلى مناقشة بعض المواضيع معًا والتحدث عن كيفية تواصلنا مع بعضنا البعض وكيفية التوصل إلى تفاهم وكيفية الارتقاء بأنفسنا وتوحيد وبناء مجموعات ليتعلموا أن يفهموا بعضهم البعض من أجل تحقيق النجاح بجهد مشترك. ومن المجدي ترتيب مناقشات مشتركة كنوع من تمثيل المحاكم لتصوير هذه الجماعات والطريقة التي تتصرف بها وعرضها ثم تغيير الأدوار لتبين لهم كيف يمكنهم أن يقودوا أنفسهم وسيساعد هذا الطفل على فهم الآخر حتى إذا كان يعارضه، ونحن لو كان لدينا نظام تعليم كامل لكل من الأطفال والبالغين لوجب أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع الشخص من الذهاب إلى السجن ولما كان عليه اصلا الوصول إلى هناك؟
ونحن لو كنا قد بدأنا منذ فترة إقامة الطفل في الروضة ثم المدرسة بتكوين شخص فيه فلن نحتاج إلى المزيد، ولكان نجحنا في الانتقال إلى مجتمع جيد ومتوازن ولفهمنا أن الديمقراطية تعني الخير للناس، وبما أننا جميعاً أنانيين فإن الصالح العام لا يمكن أن يكون متحققا إلا إذا كانت الأنانية محدودة. وأنا تحدثت هنا عن الأطفال لأنهم هم الأكثر تفهماً ونعومة للتعلم فهم يدخلون العالم الذي نحن نعيش فيه بالفعل لذلك من الصعب التحدث عنا لكننا لا نريد لأطفالنا أن يروا العنف والتنمر واللؤم والفساد ونريد أن نمنحهم أمثلة جيدة لأن الشخص يتعلم من الأمثلة غير انه ومن المؤسف إن نقول إننا لا نعطي لهم أمثلة جيدة.