الصحافة في عامها المفجع

ابراهيم سبتي

2018-12-27 07:14

رصدت منظمات الدفاع عن الصحفيين حول العالم، مقتل العشرات من الصحفيين والاعلاميين في عام 2018، وبينت في تقاريرها بان هذه الأعداد فاقت ما قتل منهم في الاعوام السابقة.

يبدو ان المؤشر بات ينذر بأخطار كبيرة تواجه من يعمل في الصحافة والاعلام حول العالم. ومفاده بان عمليات القتل لم تقتصر على دول العالم الثالث او دول النزاعات العرقية او على الجبهات الساخنة فيها، انما تطور الامر الى ابعد حين حدث القتل في بعض الدول المتقدمة.

انها ظاهرة تسمح بتغييب الاصوات الناقلة للحقيقة ومن ثم اخفاء دلالات الاحداث مهما كانت درجتها. عندما يقتل الصحفي في الحروب اسوة بالمحارب الواقف على خط النار، فان قدره حتم عليه ان يذهب لنقل وقائع ما يجري الى الناس كأمانة في عنقه وبالتالي هو يعلم ان حياته في خطر محدق في كل لحظة وهذا ما وقع فعلا في العراق خاصة عندما شهد سقوط ضحايا من الصحفيين والاعلاميين وهم يغطون مجريات القتال ضد الجماعات الارهابية.

اما حين يقتل صحفي لمجرد نقله لمصداقية الاحداث في دول اخرى فهذا منسوب بات مفزعا لكل العاملين في هذا الميدان اضافة الى ما يتعمده البعض من القتلة الى تغييب تلك الاصوات وكتمها بشتى انواع العنف لكونها قد تكلمت عن قضية ما او فضحت سياسة معينة او اقتربت من المحظور فلزوما ان تختفي عمدا وقهرا وغيلة وقتلا وغدرا، عندها تصدح منظمات الدفاع عنها مطالبة بوقف عمليات التنكيل والقتل ولا احد يستمع اليها فيذهب الدم هدرا مستباحا.

ان الصحفي اليوم لم يعد ذاك الذي كان يجلس على مكتبه ويبحث عن اخبار النجوم والمجتمع وموائد الطبخ وموضات الازياء عبر مهاتفة المعنيين او السطو على اخبار الصحف الاخرى، انما صار بارعا في التقاط الحدث وتحليله وفك شفراته قبل نشره ليطلع على الناس مثيرا مفيدا لا شائبة عليه.

فاندفع في قلب التظاهرات وفي خطوط الصد الاولى وفي ادغال مهربي المخدرات وفي قلب البيوت الواهنة وفي مواجهة المسؤول ومحاورته واستنطاقه وفي عمق قيعان المجتمع وفي مجالات التقنية الحاذقة وفي غرفة العمليات وفي بعثات الفضاء وفي الفيضانات والبراكين والزلازل والاعاصير. انه يتحرك بثقة العارف والناقل للأخبار التي يريدها الناس ويتلذذون بسماعها. هذا صحفي اليوم انه مقاتل من نوع آخر وهب حياته لأجل عمله ووضعها على كف وحش مفزع.

لقد ابدعت التقنية الحديثة على ايصال الخبر الى الجمهور بكل يسر عن طريق اجهزة الهواتف الذكية فصار المواطن العادي صحفيا بالتطوع حين يصور مشهدا لا تستطيع كاميرات الاعلام الوصول اليه وبالتالي اهدت التقنية كما هائلا من المعارف والمعلومات والخفايا عن طريق التعامل البيتي المحسوس مع كل شاردة او عائدة.. فكان لزوما على الاعلامي الحصيف الوصول الى اقسى نقطة واقصاها واصعبها لأجل الحصول على المعلومة الثمينة كالباحثين عن الكنوز بين مجاهيل الوديان والجبال.

انه عصر النهضة المعرفية الكبرى حين تصل المعلومة الى حيث يجلس طالبها وهذا يفسر عمليات الاستهداف المقصود للعاملين في حقلي الصحافة والاعلام لان الوسائل باتت متوفرة وسهلة والمعلومة لا يمكن ان تغيب او تنسى او يغض الطرف عنها. يخبرنا تاريخ الصحافة بان كل الضحايا من الصحفيين والاعلاميين كانوا يحاولون او ربما يحملون اخبارا صادقة صادمة عن البعض من الذين يخشون من الفضائح ومواجهة القانون او يخافون انقلاب الرأي العام عليهم فيصابون بالفزع وهم يرون الاخبار في متناول كل من يبحث عنها.

ان منذور الاحداث التي جرت خلال عام 2018 فيما يخص الجانب الصحفي والاعلامي، لهو كفيل بوقوع مخاطر اكثر حدة وفزعا واكثر خوفا على الحياة ما يتطلب وقفة دولية جادة من جميع المنظمات والمدافعين مهما كان نوعهم او جنسياتهم او معتقداتهم بان يتداركوا الامر خشية وقوع فجائع اخرى في بقاع العالم المتعددة، لان الصحفي هو نفسه ان كان هنا بيننا او في ادغال الامازون او في تظاهرات باريس. نفس الهم ونفس وسائل الصدق والشجاعة.

ان مهنة المتاعب، تواجه الموت في كل مفاصلها لأنها تواجه الآخر ببسالة الحق والحرية التي نبحث عن مفرداتها بين ثنايانا..

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا