حق المواطن في برنامج حكومي واحد وواضح وقابل للتطبيق
جميل عودة ابراهيم
2018-10-11 04:55
جرى العرف الدستوري والقانوني في بعض الدول أن يقدم رئيس الجمهورية المنتخب في النظام الرئاسي، أو رئيس الوزراء المكلف في النظام البرلماني رؤيته لمستقبل إدارة البلاد، في الأربع أو الخمس سنوات القادمة، من خلال وثيقة، تُعرف غالبا باسم (البرنامج الحكومي) في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والمجتمعية والصحية والتعليمية والبنى التحتية وغيرها إلى السلطة التشريعية، لغرض مناقشتها وإقرارها ومراقبتها.
فما هو البرنامج الحكومي؟ وما هو أساسه الدستوري والسياسي والقانوني؟ وماهي المدد الدستورية لتقديمه؟ وما هي الجهات المسؤولة عن إعداده وصياغته وتقديمه وإقراره وتصديقه؟ وماهي الأهداف الإستراتيجية والبرامج والمشاريع التي ينبغي أن يتضمنها البرامج الحكومي؟ وما هو دور الكتل السياسية والأحزاب والمنظمات المجتمعية في إعداده؟ وما هو دور الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية القطاعية التي ستنفذ البرنامج الحكومي؟
وكيف يمكن مراقبة الأداء الحكومي في إطار البرنامج الحكومي، ما تحقق منه وما لم يتحقق؟ وكيف يمكن طرح الثقة بالحكومة فيما لو أخفقت في تطبيق بنود البرنامج الحكومي كلها أو بعضها؟ وما هو الدور الرقابي للمجتمع المدني والمجتمع المحلي؟ وكيف تجري مساءلة ومحاسبة الحكومة على تقاعسها في تنفيذ البرنامج؟
يُعرف (البرنامج الحكومي) أنه (وثيقة سياسات عامة تعتمدها الحكومة الجديدة كرؤية لما تريد تحقيقه خلال فترة توليها الحكم) وقد يُعرف أنه (قاعدة عمل تُبنى عليها خطط وبرامج الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة) وفي تعريف ثالث، أنه (ميثاق عام رسمي بين الحكومة والبرلمان يتم على أساسه وفي نطاقه أداء وعمل الحكومة) وفي تعريف رابع، أنه (الترجمة الواقعية لما تنوي الحكومة تنفيذه أثناء ولايتها الدستورية) وفي تعريف خامس، أنه (تعهد مكتوب من قبل السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية، بما سيتم تنفيذه خلال الأربع سنوات في القطاعات المختلفة. وهو أشبه بالبرامج الانتخابية في الدول المتقدمة، التي تتقدم بها الأحزاب قبل الانتخابات التشريعية وتتعهد بتنفيذه أمام ناخبيها).
ولأهمية السياسة العامة والبرنامج الحكومي للوزارة الجديدة، فقد جرى النص على البرنامج الحكومي في دستور العديد من البلدان، مع اختلاف المسميات. ففي العراق؛ نصت المادة (76) من الدستور العراقي (رابعاً: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافق على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة) وبقصد بـ (المنهاج الوزاري) البرنامج الحكومي.
وفي مصر؛ نصت المادة (146) من الدستور على تفاصيل تشكيل الحكومة: (يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب... خلال ثلاثين يومًا على الأكثر...) وفي مملكة البحرين، نصت المادة (46 البند الثاني) من الدستور البحريني أن (يقدم رئيس مجلس الوزراء برنامج الحكومة خلال ثلاثين يوما من أداء اليمين الدستوري إلى مجلس النواب) وفي الجزائر؛ نصت المادة (98 )من الدستور (تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج) والدستور الجزائري لم يحدد توقيتا لتقديم الحكومة برنامج عملها، ولكنه ذكر كلمة «فور»، ويعني أنه، ووفقا لآراء دستورية، يجب على كل وزارة عقب أدائها القسم الدستوري، وبعد النطق السامي لافتتاح الفصل التشريعي، أن تتقدم برؤيتها، وخطتها، وبرنامج عملها، على أن يتولى رئيس الحكومة باعتباره المسؤول عن السياسة العامة للحكومة تجميع تلك الأفكار في برنامج عمل برؤية واضحة.
يستند البرنامج الحكومي كوثيقة دستورية وقانونية وسياسية إلى عدة مرجعيات أساسية منها دستور البلاد، والرؤية الإستراتيجية للدولة، وخطط التنمية الخمسية، والتكليف السامي الصادر عن رئيس الجمهورية في الدول الجمهورية أو عن الملك في الدول الملكية أو الأمير في الدول الأميرية، وخطط وبرامج ومشاريع الوزارات والمؤسسات الحكومية ورؤيتها المستقبلية، ورؤية الكتل والأحزاب السياسية التي ينتمي لها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء، لاسيما البرامج الانتخابية التي رفعت أثناء الحملات الانتخابية والتي ساهم بعضها أو كلها في وصول هذه الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية إلى مجلس النواب، والأفكار والمبادرات التي تطرحها مؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الدراسات والبحوث، ومطالب واحتياجات المجتمعات المحلية، وتجارب الحكومات السابقة، وغيرها من المرجعيات التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار عند إعداد وثيقة البرنامج الحكومية، ناهيك عن الملاحظات التي تطرح أثناء عرضه على مجلس الوزراء أو على مجلس النواب.
وتختلف حيثيات تقديم (البرنامج الحكومي) من دولة إلى أخرى، فقد يكتفي رئيس الوزراء المكلف – كما في العراق-بتقديم الإطار العام للبرنامج الحكومي الذي يتألف من محاور الرئيسة، ومن الأوليات الإستراتيجية، بينما تترك البرامج والمشاريع إلى الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات والتي تحددها على وفق خططها الإستراتيجية والتنموية، وعلى وفق الموازنات المالية السنوية. ولعل سبب ذلك يعود إما إلى إتاحة فرصة أكبر للحكومة في اختيار برامج ومشاريع مدروسة دون الاستعجال والالتزام ببرامج ومشاريع لا تقدر مؤسسات الدولة على تنفيذها فيما بعد، وإما لأن آليات إعداد البرنامج الحكومية التفصيلي ومؤسساته الحكومية وغير الحكومية غير محددة، وهو الأمر الراجح.
وقد يضطر رئيس الوزراء المكلف، نتيجة ضغط الأحزاب السياسية والمجتمعات المحلية إلى تبني وثائق أخرى، تكون مكملة لوثيقة البرنامج الحكومي الأصلية، فعلى سبيل المثال تبنى رئيس الوزراء العراقي لسنة (2014-2018) أربع وثائق تعبر بمجملها عن وثيقة (البرنامج الحكومي) له وهي: نص البيان، والإطار العام للبرنامج الحكومي، ووثيقة الاتفاق السياسي بين الكتل السياسية، والأوليات الإستراتيجية في خطة عمل الوزارات. ويؤخذ على هذا النوع من البرامج الحكومية أنها برامج استعراضية وإنشائية لا يتحقق منها الكثير، وأنها برامج غير شامل، كما أنها لا تسمح بالمزيد من المتابعة والمراقبة والتقييم والتقويم والمساءلة والمحاسبة.
وقد يقدم رئيس الوزراء المكلف أو رئيس الجمهورية المنتخب – كما في مصر-برنامجا حكوميا كاملا، يتضمن المحاور الرئيسة والأولويات الإستراتيجية والسياسات والمبادرات والمشاريع المتوقعة، خلال فترة الحكم القادمة، ولعل سبب ذلك يعود إلى وجود آليات محددة وواضحة وتجارب سابقة للمؤسسات الحكومية في إعداد تفاصيل البرنامج الحكومي.
وبناء على ذلك، يكون البرنامج الحكومي عند هذه الدول برنامجا شاملا ومستوعبا لجميع المبادرات والمشروعات، كما يمكن أن تكون هذه المبادرات والمشروعات ذكية، بمعنى تكون محددة، وواضحة، ومقيدة بجداول زمنية، وتكلفة مالية تقديرية، وجهة تنفيذ مشخصة، والتحديد الدقيق للمتطلبات التشريعية والمالية والمؤسسية والاستشارية اللازمة لتنفيذ المشاريع، مما يترتب عليه إمكانية المتابعة والمراقبة، والتقييم والتقويم، والمساءلة والمحاسبة.
وفي أغلب البرامج الحكومية، سواء كانت تقدم على شكل محاور رئيسة وأولويات إستراتيجية فقط، أو تقدم كحزمة واحدة تتضمن -إضافة إلى ذلك -السياسات والبرامج والمبادرات والمشروعات فأنها تخلو -عادة-من خطة للمتابعة والمراقبة، والتقييم والتقويم، والمساءلة والمحاسبة، مما يتيح مجالا واسعا للكابينة الوزارية أن تتملص من مسؤوليتها السياسية والقانونية والأخلاقية إزاء شعبها وإزاء ناخبيها، ويفسح المجال واسعا أمام جدل الكتل السياسية والأحزاب والشخصيات ووسائل الإعلام، مما يود خيبة أمل جديدة للشعب والناخبين على حد سواء.
فغالبا ما يكون البرنامج الحكومي هو المرجع الذي يلجأ إليه لفهم السياسات العمومية التي تنتجها الحكومة، وغالبا ما يعكس هذا البرنامج فلسفة أي حكومة في تعاطيها مع الشأن العام، لكن هذه الوثيقة التي تشتغل الفرق والمجموعات السياسية على مناقشتها والتصويت عليها على مسار التجربة السياسية السابقة، إن لم تكن في كثير من التجارب الحكومية فاقدة للخيط الناظم الذي ينسج مفرداتها، فإن الرأي العام في غالب الأحيان لا يستطيع أن يتحصل له منها الخطوط العريضة التي تميز هوية هذه الحكومة عن تلك وأسلوب هذه التجربة عن تجربة تلك.
وفي ضوء ما تقدم نخلص إلى ما يأتي:
1- تعد وثيقة البرنامج الحكومي في العديد من الدول وثيقة دستورية وقانونية وسياسية وإستراتيجية في غاية الأهمية، مما يستوجب وضع نظام داخلي لها، يرسم لرئيس الوزراء المكلف آليات أعدادها، ودور الكتل والأحزاب السياسية فيها، وآليات إشراك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية، ومراكز الدراسات والبحوث، واستراتيجيات وخطط ومشروعات الجهات الحكومية ذات الصلة، وكيفية تقديمها ومناقشتها أمام مجلس الوزراء أولا، ثم مجلس النواب ثانيا، ثم كيفية مراقبة بنودها، وآليات التقييم والتقويم لها، ومدد المساءلة والمحاسبة.
2- تعد وثيقة البرنامج الحكومي وثيقة سياسية وإعلامية وجماهيرية، وبالتالي، لابد أن تكتب هذه الوثيقة بطريقة سهلة وواضحة ومفهومة عند جميع أبناء الشعب، وأن تبتعد الجهات المسؤولة عن إعدادها عن الإنشاء والإسهاب والشعارات الرنانة، التي لا طال من ذكرها، ولابد من تداولها وقراءتها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وإمكانية تحليلها ودراستها، لأنها بالنهاية وثيقة تعهد حكومي تتضمن الخدمات التي ينبغي أن تقدمها الحكومية للمواطنين، خلال الأربع سنوات القادمة.
3- يعد البرنامج الحكومي بمثابة الإطار العام المنظم لأعمال كافة الجهات المعنية لتحقيق أكبر عائد تنموي على الوطن والمواطنين، كما يتطلب حسن تنفيذ هذا البرنامج الالتزام الجاد بكافة مكوناته من مشاريع وميزانيات وجداول زمنية من الجهات المشاركة. الأمر الذي يتطلب أن تتضمن وثيقة البرنامج الحكومي بابا منفردا تحت عنوان (المتابعة والتقويم) يتضمن آليات واضحة للجهات الحكومية وغير الحكومية المكلفة بمتابعة إنجاز مشروعات البرنامج الحكومي، وآليات المساءلة والمحاسبة، سواء أمام مجلس الوزراء، أو مجلس النواب، أو المجالس المحلية، أو أمام المجتمع المدني والمجتمعات المحلية.
.........................