حقوق فلسطين: انتهاكات بلا حسابات
عبد الامير رويح
2018-10-09 04:10
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها الصارخة للمواثيق والشرائع الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بحق المواطنين الفلسطينيين هذه الانتهاكات والجرائم ازدادت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، وخصوصا بعد تولي الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي سعى الى دعم جرائم سلطة الاحتلال الاسرائيلي، التي سعت الى قمع مسيرات العودة وكسر الحصار السلمية على الحدود الشرقية لقطاع غزّة، والمطالبة بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، منها القرار 194 الخاص بحق العودة، وكسر الحصار عن القطاع. ودعت الأمم المتحدة قادة اسرائيل وحركة حماس إلى وقف العنف غداة مواجهات جديدة على الحدود بين غزة والدولة العبرية أسفرت، عن سقوط عشرات الضحايا.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية جيمي ماك غولدريك في بيان "أشعر بحزن عميق من التقارير التي تشير إلى مقتل فلسطينيين بينهم طفلان، وجرح مئات من قبل القوات الاسرائيلية خلال تظاهرات في قطاع غزة. وأضاف "أدعو اسرائيل وحماس وكل الأطراف الفاعلة ألأخرى التي تملك امكانية التأثير على الوضع، إلى التحرك الآن لمنع مزيد من التهور وسقوط مزيد من القتلى". ويواصل الفلسطينيون احتجاجاتهم التي بدأت في 30 مارس/اذار الماضي قرب السياج الحدودي شرق قطاع غزة للمطالبة بانهاء الحصار الاسرائيلي المفروض منذ عقد على القطاع، وتثبيت حق اللاجئين الفلسطينيين "بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها قبل سبعين عاما" وفق ما تقول الهيئة العليا الداعية الى التظاهر. وخلال هذه الفترة قتل 193 فلسطينيا وجندي إسرائيلي واحد.
وقال ماك غولدريك "أدعو القوات الاسرائيلية إلى التأكد من أن استخدامها للقوة يتطابق مع واجباتها بموجب القانون الدولي". وأضاف أن "كل الأطراف الفاعلة يجب أن تتأكد من أن الأطفال لن يكونوا طرفا في العنف ولن يتعرضوا للعنف أو يتم تشجيعهم على المشاركة في العنف". وقال الجيش الاسرائيلي في بيان إن حماس "تعرض للخطر الأطفال عبر إرسالهم إلى السياج الأمني كغطاء لنشاط إرهابي".
عنف مستمر
وفي هذا الشأن أبن تلاميذ مدرسة في خان يونس بجنوب قطاع غزة زميلهم ناصر مصبح البالغ من العمر 12 عاما والذي لقي حتفه في مظاهرة على الحدود بين غزة وإسرائيل. وقال مسؤولون بقطاع الصحة في غزة إن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على سبعة فلسطينيين كانوا من بين آلاف احتشدوا على الحدود المحصنة في إطار احتجاجات أسبوعية بدأت قبل ستة أشهر. وكان مصبح من بين هؤلاء القتلى.
وزين زملاء مصبح في المدرسة الكائنة بجنوب قطاع غزة مقعده بصورته المحاطة بالزهور الحمراء والبيضاء وأوراق الشجر الخضراء، بما يعكس ألوان العلم الفلسطيني. وقال ضياء أبو خاطر صديق مصبح ”بكيت بكى ولا واحد عمره بكى، مش عارف إيش بدهم في، الاحتلال إيش بدهم في إنه يقتلوا هم، هو شو عمليلهم قتلهم؟ مش عارف شو صار“. وقالت إسلام شقيقة مصبح إن أخاها دائما ما كان يذهب إلى الحدود لمساعدة الفرق الطبية في الاحتجاجات. وأضافت ”ناصر دايما بروح معنا، كل الميدان بعرفه، دايما بساعدنا، ناصر إيدنا اليمين في الميدان، هو دايما بجيبلنا الأدوات، أي ما يخس علينا داخل الميدان هو اللي بجيبلنا إياه... الله يرحمه“.
وقالت إسرائيل إنها تحمل حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة المسؤولية عن أعمال العنف. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان يوجز أحداث الجمعة ”تواصل حماس تنظيم الأنشطة العدوانية في أنحاء قطاع غزة، إذ تستخدم المدنيين في غزة باستخفاف وتعرض الأطفال للخطر بإرسالهم إلى الجدار الأمني كستار لنشاط إرهابي“. وأضاف البيان ”حماس مسؤولة عن أعمال الشغب العنيفة وتداعياتها“. بحسب رويترز.
وذكرت إسرائيل أن القوات لجأت إلى استخدام الذخيرة الحية وشن هجوم جوي بعد رشقها بالعبوات الناسفة والحجارة وللحيلولة دون اختراق الجدار الحدودي. ونشرت إسرائيل مقطعا مصورا يظهر التفجير المحكم لكثير من العبوات الناسفة. وقال مسؤولون بقطاع الصحة في غزة إن 505 أشخاص أصيبوا يوم الجمعة، من بينهم 89 بطلقات نارية.
الى جانب ذلك أعلنت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية الحكومية الرسمية أن نتائج تشريح جثة شاب فلسطيني توفي خلال قيام الجيش الإسرائيلي باعتقاله قبل أيام، بينت تعرضه للضرب في أنحاء مختلفة من جسده قبل وفاته. وأفادت الهيئة في بيان لها نشرته على حسابها على "فيسبوك"، عن "انتهاء عملية تشريح جثمان" محمد الريماوي (24 عاما) الذي توفي أثناء قيام الجيش الإسرائيلي باعتقاله من قرية بيت ريما في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت في بيان إن "النتائج الأولية لعملية التشريح أظهرت بشكل واضح تعرض الشهيد الريماوي للاعتداء والضرب"، مشيرا الى "كدمات على صدره وفخذه الأيمن، وعلى أماكن مختلفة من جسده". كما أظهر التشريح، بحسب البيان، أن "طبيعة عملية اقتحام منزل" الريماوي "وعملية الاعتقال الوحشية أثرت على عمل أجهزة جسده، وبالتالي كانت سببا رئيسيا في استشهاده".
وتمت عملية التشريح في معهد الطب العدلي الإسرائيلي أبو كبير واستمرت ساعات وحضرها مدير معهد الطب العدلي الفلسطيني الطبيب ريان العلي. وكانت عائلة محمد الريماوي أعلنت أن ابنها تعرض للضرب على يد الجيش الإسرائيلي ما أدى الى وفاته. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان حينها إنه أوقف "فلسطينيا يشتبه بقيامه بنشاطات معادية في بيت ريما"، وإن العملية تمت "من دون عنف أو مقاومة من جهته"، مشيرا الى أنه توفي لاحقا بعد نقله الى المستشفى.
سياسة هدم المنزل
من جانب اخر تسعى عائلة فلسطينية تسكن مخيم الامعري في الضفة الغربية لاستنفاد كافة الإجراءات القانونية لمنع الجيش الإسرائيلي من هدم منزلها المكون من أربعة طوابق بعد صدور قرار بذلك. وقال ناجي أبو حميد شقيق المعتقل إسلام الذي تتهمه إسرائيل بقتل أحد جنودها خلال مداهمة قواتها لمخيم الامعري قبل عدة أشهر ”قدمنا عبر المحامي اعتراضا على قرار الهدم الجديد بعد أن تم إعطاؤنا مهلة حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري“. وأضاف ”الأمل ضعيف (بوقف قرار هدم المنزل الذي تعيش فيه ثلاث عائلات) ولكن الغرقان بتعلق في قشه“.
وقالت والدة المعتقل إسلام الذي انضم إلى أربعة من أشقائه المحكوم عليهم بالمؤبد في السجون الإسرائيلية وخامس معتقل إداريا ”بفكروا لما بهدموا البيوت أصحابها بتخاف. لا بتزيد حقد عليهم“. وأضافت فيما كانت تجلس في الطابق الأول من المنزل ”شو ذنب الناس الي ساكنين في البيت كنتي (زوجة ابني) وولادها الاثنين وابن ابني ومرته وابنه“. وسبق أن هدم الجيش الإسرائيلي بيت عائلة أبو حميد ثلاث مرات منذ ثمانينيات القرن الماضي وأعادت العائلة بناءه في كل مرة.
وترى الأم أن البيت ليس مهما وتقول ”المهم أولادي بخير“. وأمضت الأم ثلاثين عاما تلاحق أبناءها من سجن إلى سجن داخل إسرائيل بسبب مقاومتهم للاحتلال. ووضعت على واجهة البيت صورة كبيرة تجمع أبناءها في السجن إضافة إلى ملصق كتب عليه ”الذكرى الحادية والعشرين لاستشهاد عبد المنعم“ أحد أبنائها برصاص الجيش الإسرائيلي عام 1994. وكتب أفيخاي ادرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في تغريدة على تويتر أنه تم إبلاغ عائلة أبو حميد بهدم منزلها بشكل كامل. وقال ”قد تم تبليغ العائلة عن نية هدم طابقين من المبنى قبل 3 أسابيع وفي الأسابيع الأخيرة أقيم بفحص إضافي تقرر في نهايته هدم المبنى بشكل كامل“.
وتخشى عائلة أبو حميد أن يلحق هدم منزلها الواقع في الجهة الجنوبية من مخيم الأمعري أضرارا بالمنازل الملاصقة له. وقال نادي الأسير الفلسطيني في بيان له ”إن قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم منزل عائلة الأسرى الستة أبو حميد يأتي في سياق التجاذبات الحزبية الإسرائيلية التي تتنافس بتشريع أقصى العقوبات بحق المناضلين الفلسطينيين“. وأضاف النادي في بيانه ”أن هذا الإجراء (هدم المنزل) يعد انتهاكا لمبادئ القانون الدولي“. بحسب رويترز.
ووصف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسيلم) هدم المنازل الفلسطينية بأنه ”إحدى الوسائل الأكثر تطرفا التي تستخدمها إسرائيل في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية منذ بداية الاحتلال وحتى الآن“. وأوضح المركز على موقعه على الإنترنت أن إسرائيل أوقفت هذه السياسة في العام 2005 قبل أن تعاود العمل بها عام 2014.
إصابة العشرات
في السياق ذاته قال شهود ومسؤولون طبيون إن قوات الأمن الإسرائيلية أصابت عشرات الفلسطينيين الذين شاركوا في احتجاجات بالضفة الغربية المحتلة وعلى حدود قطاع غزة. وعند قرية راس كركر في الضفة الغربية، تظاهر مئات الفلسطينيين احتجاجا على مصادرة إسرائيل لأراض لصالح مستوطنات ورشقوا القوات الإسرائيلية بالحجارة. وردت القوات بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي مما أسفر عن إصابة 12 شخصا على الأقل. وفي قطاع غزة الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس) احتشد الآلاف قرب السور الحدودي في إطار الاحتجاجات الأسبوعية.
وقال مسعفون في القطاع إن 180 فلسطينيا أصيبوا، ثلثهم بالذخيرة الحية، وبينهم ممرضة وصبي. وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته فتحت النار لتفريق فلسطينيين دفعوا بإطارات مشتعلة صوب السور فيما شكل تهديدا باختراقه، وألقوا قنبلة يدوية عبره. وسحبت إسرائيل قواتها من قطاع غزة في 2005 لكنها بنت مستوطنات في الضفة الغربية. وفي سابقة قانونية جديدة اعترفت محكمة إسرائيلية قانونيا بمستوطنة يهودية أقيمت دون موافقة الحكومة الإسرائيلية على أرض مملوكة لفلسطينيين. وتقول معظم الدول إن المستوطنات التي أقيمت في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانونية. وترفض إسرائيل ذلك.
من جانبها أعلنت وزارة الصحة في غزة عن إصابة 189 فلسطينيا استهدفهم الجيش الإسرائيلي خلال احتجاجات "مسيرات العودة" قرب حدود القطاع. وصرح أشرف القدرة المتحدث باسم الوزارة في بيان أن "إجمالي الاصابات بلغ 189 إصابة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي وقنابل الغاز (المسيل للدموع)، ومن بين الإصابات50 مصابا بالرصاص الحي بينهم 10 أطفال وامرأتان". بحسب رويترز.
ووفق شهود، فإن عشرات الفتية قاموا خلال الاحتجاجات باقتلاع عدد من الزوايا الحديدية المثبت عليها السياج الحدودي الإسرائيلي شرق مدينة غزة. من جهتها، قالت "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار" في بيان إن "مسيرة العودة مستمرة متواصلة"، مشيدة بـ "كل جهود الدول والهيئات التي تسعى إلى كسر الحصار عن شعبنا وبوحدة شعبنا وفصائله التي تمسكت بمعادلة عنوانها التهدئة مقابل كسر الحصار والالتزام بها ما التزم العدو بها".
على صعيد متصل قالت الأمم المتحدة إن ديفيد كرين، المدعي الأمريكي السابق في جرائم الحرب والذي تم تعيينه ي وقت سابق رئيسا لتحقيق المنظمة في أحداث العنف بقطاع غزة هذا العام، استقال من هذا المنصب. وأضافت الأمم المتحدة في بيان أن كرين أبلغ مجلس حقوق الإنسان بقراره في اليوم السابق، موضحا أن السبب هو ”ظروف شخصية طرأت“، وأن المجلس ”يدرس الخطوات المقبلة“. وكرين مسؤول قانوني أمريكي سابق عمل رئيسا للادعاء في محكمة خاصة بسيراليون بين عامي 2002 و2005. وجرى تعيينه رئيسا للجنة التحقيق المؤلفة من ثلاثة أفراد يوم 25 يوليو تموز.
وصوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مايو أيار لصالح فتح التحقيق في وقائع القتل. وقالت إسرائيل إنها تعرضت لتشويه السمعة وإن التحقيق يهدف لتقويض حقها في الدفاع عن نفسها. واستقال كرين مؤخرا من وظيفة أستاذ بجامعة سيراكيوز. وسبق أن عمل عشرات السنين لصالح الحكومة الأمريكية في وظائف بينها منصب مفتش عام كبير بوزارة الدفاع.