الدور السلبي لمجلس النواب العراقي في مبدأ سيادة القانون

د. علاء إبراهيم محمود الحسيني

2018-09-30 04:50

أرسى الدستور العراقي للعام 2005 مبدأ سيادة القانون في المادة الخامسة حين ورد النص على أن السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، وتعني السيادة القانونية ان يكون القانون بكل قواعده النافذة دستورية كانت أو تشريعية لها الغلبة على الجميع سلطات عامة أو أفراد بلا استثناء، وسيادة القانون تعني أيضاً التطبيق المتوازن للقواعد القانونية على الجميع في الدولة أفراد أو سلطات عامة واتخاذ الأخير كمعيار لمعرفة مشروعية الأعمال من عدمها وهذا المبدأ يتصل أيضاً بسمو أحكام القانون موضوعياً وشكلياً، ويراد بالسمو في جانبه الموضوعي سيادة المضمون الإيجابي للقواعد المتمثلة أصلاً باحترام الحقوق والحريات الإنسانية، وبهذا تكون الدولة قانونية أي يسودها مبدأ المشروعية، وتكون سلطاتها العامة تشريعية وتنفيذية وقضائية محكومة بنصوص تشريعية لا مناص من الالتزام بها والتقييد بحدودها ما يؤكد سمو الدستور واحترام الحقوق والحريات العامة والخاصة، وبخلافه ان كان القانون ليس سيداً ستكون الدولة بوليسية أو استبدادية توضع القواعد القانونية لتطبق على فئة دون أخرى فيعم الظلم والحيف وتتكرر حوادث العدوان على الحقوق والحريات ويطفو إلى السطح حكم الفرد أو الحزب الواحد وهو مقدمة لسيادة النظام الدكتاتوري، والدستور العراقي أشار إلى مبدأ سيادة القانون في مواطن أخرى حيث نقرأ في المادة (13) نصاً يشير إلى انه (أولاً: يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء.

ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني يتعارض معه.)، كما ورد في المادة (19) أن (القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون)، وورد في المادة (50) نص اليمين الدستورية الذي يؤديه كل أعضاء مجلس النواب، ورئيس الجمهورية ونوابه، ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء (أقسم بالله العلي العظيم ان أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ وإخلاص....والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد)، وجرى نص المادة (128) أنه (تصدر القوانين والأحكام القضائية باسم الشعب) وأشارت المادة (129) إلى أنه (تنشر القوانين في الجريدة الرسمية، ويعمل بها من تاريخ نشرها، ما لم ينص على خلاف ذلك)، وأكملت المادة (130) المبادئ السابقة بالتأكيد على أنه (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها مالم تلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام الدستور)، وبذا يرشح لدينا استنتاج ان مبدأ سيادة القانون على الجميع في العراق لا مناص منها وهي تستدعي مبادئ تكملها على رأسها :

1- الديمقراطية وتطبيقاتها المختلفة تتصل بالشعب (مصدر السلطة) والتمتع بالحقوق مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية حق خالص للشعب أيضاً، وكل ما تقدم بحاجة إلى قانون يبين الحق أو الحرية ويحميه وإلا كان مجرد شعار بلا معنى حقيقي.

2- ان تحتكر الدولة امتلاك القوة المادة (السلاح) كونها الجهة الوحيدة ربما التي تستطيع ضبط النفس في استعمال هذه القوة المميتة، وغيرها مهما تمتع بخصائص وسمات من الممكن ان يوجه ذلك السلاح لخدمة مصالحه الضيقة.

3- المساواة التامة أمام القانون، وتبني العدالة في التعامل مع المواطنين والمقيمين بلا أي تمييز ولأي سبب كان.

4- توفير الأمن القانوني للأفراد بان يكون القانون في متناول الجميع ويكون مستساغاً قابلاً للفهم والتطبيق.

5- توفير ضمانة الرقابة القضائية على تطبيق القواعد القانونية بكل مستوياتها لضمان عدالتها وتطابقها مع القواعد الأسمى منها.

وللتذكير نقول ان سيادة حكم القانون والنظام الديمقراطي وحقوق الإنسان ثلاثة ركائز مترابطة ومن شأن كل منها ان يعزز الآخر ولا غنى عنها مجتمعة كونها قيم إنسانية ومقدمة طبيعية للوصول إلى الحكم المدني والحكومة الرشيدة، وعلى سبيل المثال الممارسات الديمقراطية في العراق وعلى رأسها الانتخابات ان لم تقترن الإجراءات الممهدة أو المكملة لها بسيادة القانون ستكون جوفاء خاوية على عروشها إذ ستكثر المخالفات ومنها التزوير والمحاباة وعدم التوازن في الدعاية الانتخابية ما سيقود إلى حكومة هزيلة وبرلمان ضعيف حتماً، وكيف لحقوق الإنسان ان ترى النور في بلد يفتقد لسيادة القانون على الجميع، فالأمر المحتوم ان بعض منتهكي حقوق المواطنين سيكونون في مأمن من المساءلة.

والواقع ان مجلس النواب العراقي في دوراته الثلاثة الماضية والرابعة الحالية التي بدأت قبل أيام ما انفك يخرق مبدأ سيادة القانون، ولنا تجارب مرة مع المجلس وأعضائه المتشدقون بحقوق الشعب وسيادة القانون في كلامهم الخطابي فقط، ولنعطي على ما تقدم أمثلة يومية نراها في أداء مجلس النواب:

أولاً: الزم الدستور العراقي المجلس الجديد حين الاجتماع لأول مرة بانتخاب رئيساً له، حيث تنص المادة (54) على ان (يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة وتعقد الجلسة برئاسة أكبر الأعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لأكثر من المدة المذكورة آنفاً) وتنص المادة (55) على أنه (ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيساً، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر)، وما جرى ان المجلس الموقر وأعضائه المحترمون ارتكبوا مخالفات دستورية عدة أوضحها :

1- لم يتمكن المجلس بسبب المصالح الحزبية الضيقة من انتخاب رئاسة له، ما أضطر رئيس السن إلى رفع الجلسة إلى جلسات أخرى ولم يحسم الأمر بانتخاب هيئة الرئاسة إلا بعد شد وجذب استمر أياماً عدة.

2- قام العديد من السادة النواب بتصوير ورقة انتخابهم في الوقت الذي يلزمهم الدستور ان يحافظوا على سرية الاقتراع.

3- جرى الانتخاب في أجواء تسودها مخاوف من تكرار سناريوهات التحالف السري بين الأحزاب والقوى السياسية لتقاسم المنافع وإخفاء العيوب والتستر على الفساد والفشل في إدارة مؤسسات الدولة الرئيسية كالمجلس النيابي والحكومة.

والنتيجة إن المجلس الحالي كسابقه عمل على تكريس مبدأ المحاصصة الطائفية وكأنها مبدأ دستوري إذ جرى تقاسم السلطة داخل مجلس النواب طائفياً حين انتخاب رئيس المجلس ونائبيه، دون الالتفات إلى معيار الكفاءة والولاء للوطن، وهو الأمر ذاته يتكرر مع مرشح رئاسة الجمهورية إذ ان المرشحين جميعاً من مكون طائفي معين، وسيتكرر الأمر ذاته في تكليف المرشح لرئاسة مجلس الوزراء.

ثانياً: الكثير من أعضاء مجلس النواب قد لا يعلمون ان المجلس الحالي يكمل عمل المجلس السابق وذلك لان الشخصية المعنوية للمجلس مستمرة، وعلى المجلس ان يستمر بتشريع القوانين الرئيسة ويباشر رقابته على السلطة التنفيذية بمختلف مستوياتها وفتح ملفات الفساد بالاستمرار في استجواب الوزراء وأعضاء الهيئات المستقلة وإجراء التحقيقات اللازمة التي من شأنها ان توصل إلى حقيقة ما جرى، والجميع يعلم ان الفساد المتراكم والسكوت المتوالي عنه أنتج أزمة الخدمات في محافظة البصرة وغيرها من المحافظات.

ثالثاً: المجلس الجديد عاجز كسابقة في التصدي للقرارات الحكومية التي تثير التساؤل ومنها مثلاً سحب يد وزير الكهرباء الحالي أو منعه من ممارسة العمل في وزارته بسبب اتهام رئيس مجلس الوزراء له بالفشل في النهوض بالمسؤولية الملقاة على كاهله، فلم نسمع من المجلس وأعضائه من يريد تفعيل المادة (61، ثانياً) الخاصة بالرقابة على أداء السلطة التنفيذية باستجواب الوزير المعني، أو مطالبة رئيس الوزراء بتقديم نتائج التحقيق الذي أمر بإجرائه، أو على الأقل اطلاع الرأي العام على الحقيقية.

رابعاً: العديد من أعضاء مجلس النواب الحاليين أو السابقين تلاحقهم تهم الفساد أو استغلال السلطة أو التغيب المتعمد عن العمل أو الإخلال المتعمد بعمل مجلس النواب أو إثارة القلاقل من خلال اتخاذ المجلس منبراً للتنابز وإيقاظ الفتن الطائفية وغيرها، ما يضع المجلس الجديد أمام تحدي رفع الحصانة عن هؤلاء وسوقهم إلى ساحة العدالة، وهو الاختبار الذي فشل فيه مجلس النواب بدوراته الثلاث السابقة ولا أتصور ان ينجح المجلس الجديد بذلك.

خامساً: شابت علمية انتخاب مجلس النواب العراقي الحالي شوائب عدة كان أخرها تشريع مجلس النواب في دورته السابقة قانون التعديل الثالث لقانون انتخاب مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 والذي بموجبه تم تحييد مفوضية الانتخابات وانتداب قضاة للعمل محلها وإعادة العد والفرز يدوياً فما هي الخطوات التي كان على المجلس الجديد ان يتخذها إزاء هذا الملف الشائك، ببساطة هو سيكتفي بالسكوت والسكوت فقط عن خرق القانون والتزوير والتلاعب بإرادة الشعب العراقي.

سادساً: بات معروفاً ان مجلس النواب يحاول أعضاؤه تكريس امتيازاتهم بما يؤمن لهم الحصول على أكبر قدر من المنافع الشخصية ولنا في هذا الموطن مثال حيث هب أعضاء المجلس في أواخر الدورة السابقة إلى تشريع قانون مجلس النواب وبالفعل صدر القانون رقم (13) لسنة 2018 وحمل فيما حمل نص المادة (13) التي أوجبت على رئيس الجمهورية إحالة الأعضاء على التقاعد وان يتم إبلاغ خدمتهم (15) سنة ومنح من لم يبلغ سن الـ(50) نصف الحقوق التقاعدية ولا ندري لماذا يحابي المجلس أعضائه ويستثنيهم من أحكام قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014؟ وهل هم أفضل من موظف قضى ردحاً من عمره في خدمة الدولة؟ وهل يعقل انهم يتمتعون بهذه الامتيازات وخدمتهم لا تتجاوز الـ(4) سنوات فيما يحرم من هذه الامتيازات من كانت خدمته تربو على (25) سنة من الموظفين؟

ولعل ما جعل مجلس النواب يتجرأ على سن مثل هذا القانون أنه مرر قانون اتحاد البرلمانيين رقم (86) ولم تحصل انتفاضة شعبية على سوء استخدام السلطة لإقرار امتيازات ذاتية للنواب على حساب المال العام وقيام الأعضاء بالتربح وإقرار امتيازات خاصة لهم ولأسرهم وكأنهم قاموا بخدمات جليلة للوطن.

.........................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-2018

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه إلى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

ذات صلة

التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتناالسياسة الواقعية العراقية والترامبية الجديدةالغارات الإسرائيلية جعلت صور اللبنانية مدينة أشباحأمريكا يجب أن تُعيد اكتشاف ديناميكيتهاتنشئة الأطفال في القرن الحادي والعشرين