الهجرة واللاجئون: محور خلافات عميقة تهدد أوروبا
عبد الامير رويح
2018-09-04 06:30
اصبحت قضية الهجرة غير الشرعية احدى اهم المشكلات واكثرها تعقيدا في اوروبا، خصوصا بعد ان تزايدت أعداد الوافدين بشكل كبير في السنوات الاخيرة وهو ما تسبب بحدوث خلافات وازمات بين دول الاتحاد الاوروبي، التي اتخذت بعضها الاجراءات للحد من وصول المهاجرين الى ارضيها الامر الذي اثار قلق واستياء العديد من المنظمات الحقوقية خصوصا بعد ارتفاع اعداد الضحايا، وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد دعا رئيس الوزراء التشيكي البليونير اندريه بابيس إلى وضع خطة عمل شاملة لوقف الهجرة في اوروبا.
وكتب بابيس في مقال نشرته صحيفة "دي ان اياس" اليومية "اذا لم ترحب ايطاليا ومالطا بالمهاجرين، فسترحب بهم اسبانيا. وعليه فنحن نبعث برسالة الى المهاجرين أن بإمكانهم الحضور إلى أوروبا من المغرب عبر إسبانيا". وأضاف بابيس "يجب أن يتوقف ذلك، والا فإننا لن نتمكن مطلقا من وقف تدفق المهاجرين .. وأنا اعتزم مناقشة هذه المسألة مع قادة الاتحاد الاوروبي واشارك في تطبيق خطة عمل شاملة".
وقال بابيس "أرغب في مناقشة هذه المسألة مع شركائي في إيطاليا ومالطا وطبعا مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي تفاوضت مؤخراً مع إسبانيا". وأضاف "يجب أن نبدأ التعاون بطريقة جدية لإيجاد حل لأننا خسرنا ثلاث سنوات بدون فائدة في نقاش حاد بشأن حصص المهاجرين". وتعتبر الهجرة من المسائل السياسية الساخنة في جمهورية تشيكيا العضو في الاتحاد الاوروبي والبالغ عدد سكانها 10,6 ملايين نسمة والتي لم يستقر فيها سوى عدد قليل من المهاجرين منذ أزمة الهجرة في 2015. وجدد بابيس التأكيد أن جمهورية تشيكيا لن ترحب بأي مهاجر. وقال "هذه خطوة رئيسية ورمز ورسالة الى المهاجرين ومهربيهم أنه ليس من المفيد الركوب في قارب متوجها إلى أوروبا".
فرنسا
الى جانب ذلك اعتبر زعيم اليمين الفرنسي لوران فوكييه أن "الهجرة الكثيفة خطر ثقافي على الحضارة الأوروبية"، وأن الفرنسيين يرفضون "أن يصبحوا أجانب في بلدهم نفسه". وقال زعيم حزب "الجمهوريين" أمام نحو1500 شخص من أنصار الحزب في منطقة "هوت لوار" في الوسط الشرقي الفرنسي "كيف يمكن ألا يفهم البعض أننا وصلنا إلى أقصى قدراتنا في مجال الاندماج، وأن هذه الهجرة الكثيفة باتت اليوم خطرا ثقافيا على حضارتنا الأوروبية؟".
وتابع زعيم اليمين وسط التصفيق الحاد "أن الفرنسيين يرفضون أن يصبحوا أجانب داخل بلدهم نفسه". وصرح فوكييه أيضا "علينا ألا نسمح بعد اليوم بدخول هذه البواخر الإنسانية إلى المرافئ الأوروبية". ومني حزب الجمهوريين اليميني بهزيمة كبيرة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في2017 وهو يسعى اليوم لجعل مسألة الهجرة في قلب حملته استعدادا للانتخابات الأوروبية المقررة في أيار/مايو المقبل. بحب فرانس برس.
كما واجه الحزب أزمة في حزيران/يونيو مع إقالة فوكييه المسؤولة الثانية في حزبه فيرجيني كالميل، وذلك بعد أن اتهمته بالتفرد في اتخاذ القرارات وعدم توحيد صفوف الحزب الذي لا يزال تحت وقع صدمة الهزيمة المدوية بالانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2017. وتراجعت شعبية فوكييه (43 عاما) منذ ذلك الحين، كما يتعرض نهجه المتشدد لانتقادات داخلية. وانتقد أعضاء في الحزب وبينهم أفراد في القيادة التي شكلها فوكييه نفسه، تفرد زعيمهم بالقرار وغيابه عن الإعلام. كما يتهم زعيم اليمين بتبني شعارات ومواضيع اليمين المتطرف ما أثار استياء حتى داخل حزبه.
خلافات متواصلة
على صعيد متصل قالت الحكومة الإيطالية إنها ستقطع التمويل للاتحاد الأوروبي إذا لم تستقبل دولا أخرى المهاجرين العالقين في سفينة إنقاذ رست في ميناء إيطالي مما دفع بروكسل للرد بالقول إن ”التهديدات“ غير مقبولة. وقال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إن ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي اجتمعوا في بروكسل وتوصلوا لاتفاق لتقاسم المهاجرين وعددهم 150 أغلبهم من إريتريا على متن السفينة ديتشوتي التابعة لخفر السواحل الإيطالي والراسية في ميناء كتانيا.
وأضاف على فيسبوك أن إيطاليا ”ستتصرف وفقا لما تم الاتفاق عليه“ مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي تنكر لمبادئ ”التضامن والمسؤولية“ وأن هناك فجوة ”بين الأقوال والأفعال“ بشكل ينطوي على ”نفاق“. وأصر وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الذي يتزعم حزب الرابطة المناهض للهجرة على عدم السماح بإنزال المهاجرين من السفينة لحين موافقة دول أخرى في الاتحاد الأوروبي على استقبالهم مما دفع إلى فتح تحقيق جنائي فيما إذا كان المهاجرون محتجزين ضد إرادتهم.
وفي وقت سابق قال نائب رئيس الوزراء لويجي دي مايو، الذي يتزعم حركة 5-نجوم، إن حزبه لن يصدق على تمويل الاتحاد الأوروبي العام المقبل إذا لم يتم اتخاذ إجراء سريع في الأمر. وقال للتلفزيون الإيطالي ”اللين لا يجدي. التصرف الصارم سيكون بوقف التمويلات إذا لم يستمعوا لنا“. ورفضت المفوضية الأوروبية التهديدات الإيطالية ووصفتها بأنها غير مقبولة. بحسب رويترز.
وقال المتحدث باسم المفوضية ألكسندر وينترستين في مؤتمر صحفي”التصريحات غير البناءة ناهيك عن التهديدات... لن تقربنا من الحل... إيجاد حل لمن هم على متن السفينة في مقدمة أولوياتنا. هذا هو ما نركز عليه وما نعتقد أن على الآخرين جميعا التركيز عليه“. وقال نائب من الحزب الديمقراطي المعارض على حسابه على تويتر إن المهاجرين بدأوا فيما يبدو إضرابا عن الطعام. فيما قال نائب آخر من المعارضة إن أغلب من هم على متن السفينة مؤهلون لطلب اللجوء. وقال سالفيني إن مهمته هي حماية البلاد. وأضاف ”إذا كان أحدهم يفكر في اعتقالي فهو مخطئ لأن الشعب الإيطالي يطلب تطبيق النظام والقواعد والاحترام وهجرة منضبطة“.
اجراءات قضائية
من جانب اخر وجهت المجر انتقادا شديدا الى قرار الاتحاد الاوروبي ملاحقتها قضائيا لاجبارها على تطبيق انظمة الاتحاد المتصلة بحق اللجوء. وقررت المفوضية الاوروبية تقديم طعن ضد المجر امام محكمة العدل الاوروبية ل"عدم احترامها" تشريعات الاتحاد في موضوع اللجوء وعودة المهاجرين. كذلك، وجهت تنبيها الى بودابست في شان قانون مجري جديد يلحظ عقوبة السجن حتى عام بحق اي شخص يساعد شخصا اخر في دخول المجر في شكل غير قانوني.
وفي اول رد فعل لحكومة فيكتور اوربان، اعتبر الوزير المكلف مكتب رئيس الوزراء جيرغلي غولياس ان ما قامت به المفوضية "مرفوض" ويشكل هجوما على المجر. وقال الوزير المجري في مؤتمر صحافي "لا نزال نلاحظ ان من يحمون اوروبا مضطهدون في حين توجه التهنئة الى من يدعون المهاجرين الى المجيء". وغالبا ما اتهم فيكتور اوربان المستشارة الالمانية انغيلا ميركل بانها شجعت على وصول اعداد هائلة من المهاجرين الى اوروبا في 2015 عبر الترحيب بهم في المانيا. بحسب فراانس برس.
وخلال زيارة رسمية لمونتينيغرو، اعلن اوربان استعداد المجر لمساعدة الدول الصغيرة في شرق اوروبا في "الدفاع عن اراضيها" ضد المهاجرين. وصرح للصحافيين "لا تريد اوروبا ان تفهم ان عليها الامتناع عن اي مبادرة يمكن ان تعتبر دعوة موجهة الى افريقيا او الى الشرق الاوسط. هذا ما يجعل الناس يغرقون في البحر ويظلون عالقين على طرق الهجرة".
قرارات وانتقادات
على صعيد متصل واجهت الحكومة النمسوية الائتلافية بين اليمين واليمين المتطرّف سيلاً من الانتقادات من جانب المعارضة ومنظمات حقوقية بسبب قرارها حرمان طالبي اللجوء من حقّ الحصول على التأهيل المهني الذي كانوا يستفيدون منه منذ 2012. وكان زعيم "حزب الحرية النمسوي" (أف بي أو) اليميني المتطرف هاينز-كريستيان شتراخه الذي يشغل في الحكومة منصب نائب المستشار شنّ نهاية هجوماً على برنامج التأهيل المهني، معتبراً أنّ "من ليس له الحقّ بالاقامة، يجب ألا يُسمح له بالبدء بتدريب مهني".
وسارعت كبريات المنظمات الحقوقية التي تُعنى بمساعدة طالبي اللجوء إلى توجيه انتقادات شديدة اللهجة لقرار الحكومة، معتبرة أن تحصيل العلم والتأهيل المهني هو "استثمار في المستقبل" وأنه لا يجوز للحكومة أن تحرم منه الشبان طالبي اللجوء ولا سيّما أن حصولهم على الإقامة في البلاد دونه مسار طويل يستغرق أحيانا أكثر من عامين. وقال المكتب النمسوي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن هذا القرار "سيعني بالنسبة الى شبّان كثيرين مراوحة أماكنهم طوال أعوام. (...) الحصول على التعليم والتأهيل المهني هو استثمار في المستقبل".
بدورها انتقدت منظمة كاريتاس التي تتمتّع بنفوذ واسع "القرار الخاطئ انسانياً واقتصادياً"، مشدّدة على أنه "حتى وإن لم يحصل المرء على الإقامة فإن تعلّم شيء ما هو أمر مهم". أما حزب "نيوس" الليبرالي فقال إن الحكومة بقرارها هذا "إنّما تدوس أولئك الذين يريدون الاندماج في هذا البلد". بحسب فرانس برس.
ومنذ تسلّمت الحكومة الائتلافية بقيادة المستشار المحافظ سيباستيان كورتز السلطة في نهاية 2017 لا ينفكّ الخناق يضيق على المهاجرين بسبب الاجراءات المتتالية التي تتخّذّها بحقهم، من خفض المساعدات المخصّصة لهم الى تقليص ميزانية الاجراءات الرامية لمساعدتهم على الاندماج في البلاد.