حقوق الشباب وواجبات الدولة
جميل عودة ابراهيم
2018-09-03 06:00
يتكوّن المجتمع الإنساني من ثلاث فئات عمرية، وهي: فئة صغار السن؛ وهم الذين تتراوح أعمارهم بين يوم إلى أربعة عشر سنة، وفئة الشباب؛ وهم الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشر إلى سن الأربعة والستين، وفئة كبار السن؛ وهم الذين تزيد أعمارهم عن خمسة وستين. وبحسب نسبة كل فئة من الفئات المذكورة، تصنف المجتمعات إلى مجتمعات شابة، وإلى مجتمعات شيخوخة. فعندما يقال إن المجتمعات العربية هي مجتمعات فتية، فهذا يعني أن نسبة الشباب فيها تفوق نسبة كبار السن، وعندما يقال إن المجتمعات الغربية هي مجتمعات شيخوخة؛ فهذا يعني أن نسبة كبار السن فيها تفوق نسبة الشباب.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى هذه الفئات العمرية الثلاثة، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم: 54]، ففي هذه الآية شرح عن المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث يأتي إلى الحياة طفلاً ضعيفاً لا يستطيع القيام بنفسه، ثم تنتهي هذه المرحلة لينتقل إلى مرحلة الشباب التي تتميز بالقوة والحيوية، والإنجازات، ثمّ ينتقل إلى مرحلة الشيخوخة، فيُصاب بالضعف مرة أخرى.
في اللغة، الشباب جمع شاب، ويجمع أيضا على شبان، وشباب الشيء أوله، والشباب هو الفتوة والفتاء، بمعنى: الحيوية والقوة. ويسمى الشاب فتى والشابة فتاة. وجمعها للجنسين في حالة العزوبة: شبان وشابات. وفي الاصطلاح، فان الشباب هو مصطلح يطلق على مرحلة عمرية من حياة الإنسان، تقع بين طفولته وشيخوخته، وهي المرحلة الأطول نسبيا، وفيها يتمتع الإنسان بالقوة والحيوية والنشاط بين جميع مراحل العمر.
ليس هناك اتفاق على بداية مرحلة الشباب ونهايتها، ففي الإسلام تبدأ مرحلة الشباب بالبلوغ، كما جاء في قول الله تعالى: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) (النور: 59). وفي الحديث (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ...)، وعلى هذا الأساس فان مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ، والتحديد المختار لمرحلة الشباب هو: من البلوغ حتى سن الأربعين. وسن الأربعين داخلة في هذا المعنى، وأنها نهاية للنماء، كما في قوله تعالى: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) (الاحقاف: 15). وقد ذكر الثعالبي في كتابه فقه اللغة أن الشباب جمع شاب، وهو ما بين الثلاثين والأربعين.
على المستوى الدولي والإقليمي، في الغالب تبدأ مرحلة الشباب من عمر (15-24) سنة، وهو المعيار العمري المعتمد عالميا. وأما الاستراتيجية الوطنية للشباب في العراق (2013-2020) فقد تم تحديد الفئة العمرية للشباب بعمر (15-29) سنة.
ومع أن المعيار العمري هو المعيار الغالب في تحديد سن الشباب؛ ولكنه ليس المعيار الوحيد، حيث يميل بعض علماء الاجتماع إلى اعتماد معيار (التأهيل) ويعرفون مرحلة الشباب بتعريف ملفت للنظر، وهي: (المرحلة التي تبدأ مع محاولة المجتمع تأهيل الشخص لاحتلال مكانة اجتماعية، وممارسة دوره في مسيرة البناء والتنمية؛ وتنتهي حينما يتمكن الفرد من احتلال هذه المكانة وممارسة الدور المنوط به.)
وهذا يعني أن معيار (التأهيل) قد يصل إلى نتائج غير تلك النتائج التي يصل إليها معيار (العمر) فعلى سبيل المثال، تعد المجتمعات العربية مجتمعات شابة على وفق المعيار العمري، لكون فئة الشباب هي الفئة الأكبر عددا اجتماعيا، ولكن على وفق معيار التأهيل تعد المجتمعات العربية مجتمعات شيخوخة لضعف اهتمامها بتعليم وتأهيل وتدريب واعداد شبابها، للحصول على المكانة الاجتماعية اللازمة للبناء والتنمية. على عكس المجتمعات الغربية تماما، حيث تعد المجتمعات الغربية على وفق معيار العمر مجتمعات شيخوخة؛ لكون فئة الشباب هي الفئة الأقل عددا اجتماعيا، ولكن على وفق معيار التأهيل تعد المجتمعات الغربية مجتمعات شابة؛ لنظرا لاهتمام هذه الدول بأطفالها وشبابها وشيخوها، ورجالها ونساءها، على المستويات التعليمة والصحية والتأهيلية والتشغيلية.
سواء اعتمدنا معيار العمر أم معيار التأهيل أو غيرها من المعاير الأخرى، فان الحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها هي أن الشباب والشابات هم الأساس الذي ينبغي الاهتمام به لبناء حاضر الشعوب ومستقبلها، فهم الفئة المجتمعية القادرة على البناء والعطاء من خلال القوة الجسمانية والعقلية التي تمتلكها، ففئة الطفولة لم تنضج بعد جسميا وعقليا، وفئة الشيخوخة استنفذت قواها الجسدية. وقد قيل قديماً إن الطفولة قوةٌ لا عقل لها، وإن الشيخوخة حكمةٌ لا قوة لها، والشباب يجمع الاثنين القوة والحكمة، وهم يعتبرون العنصر الفعال والأساسي للأمة، وهي الفئة الأكثر استعدادا من غيرها في ولوج عالم الإدارة والسياسة، من خلال المشاركة السياسية والوظيفية في إدارة شؤون البلد، وفي عمليات التخطط ووضع السياسات وتشغيل البرامج التنموية. وهي الفئة الاقدر على الدفاع عن الوطن والأرض، والأكثر استعدادا للتضحية في سبيل ذلك.
هذا علاوة على ذلك، أن فئة الشباب هي الفئة الاقدر على التأثير في قيمة وسائل الإنتاج وأدواته وأشكاله، ففي مجال علاقات الإنتاج تعد ثروة المعلومات والاتصالات الهائلة التي يمتلكها الشباب هي العامل الحاسم في إحداث التطورات الكبيرة، حيث أصبحت قيمة السلعة تحسب بالشكل التالي: 1% من قيمتها مواد خام، و5% من قيمتها أعمال تقليدية وتصنيع، و94% من قيمتها معلومات وأفكار ومعارف، لذلك، فإن عملية (الاستثمار بالشباب) ورعايتهم حق لهم، وواجب على الدولة.
يمكن القول إن هناك أربع واجبات أساسية تقع على الدولة إزاء الشباب، وهي:
أولا: التعليم: يُعد التعليم الوسيلة الأولى والاهم لبناء قدرات الانسان وتنمية ابداعاته، وهو أساس لاكتساب المعارف والمهارات والوعي الاجتماعي، وكلما حصل الشاب والشابة على التعليم المناسب تمكنا من الحصول على فرصة عمل مناسبة أكثر من الشاب والشابة اللذين لم يكملا تعليمهما.
نعم، يمكن القول في ظل عدم وجود سياسات واضحة لكثير من البلدان، سواء النامية أو المتقدمة بشأن توفير فرص عمل للمتعلمين، تحديدا خريجي الجامعات، إن التعليم المهني يمثل الحل الأمثل لتوفير فرص عمل لائقة لعدد كبير من الشباب والشابات. حيث يواجه الكثير من الشباب صعوبات في إيجاد عمل بسبب أوجه التفاوت بين النتائج التعليمية ومتطلبات سوق العمل. وغالباً ما تعالج العوائق المستمرة التي تتمثل في "نقص المهارات" و"عدم مطابقة المهارات للعمل" والتي يثيرها أصحاب العمل وأصحاب المشاريع، عن طريق نُهُج مختلفة لتعزيز الصلة بين التعليم وعالم العمل. فعلى سبيل المثال، تُصنف ألمانيا والنمسا ضمن الدول الأوروبية الأدنى نسبة لجهة الشباب المتحصل على شهادة جامعية عليا، لكنهما يفخران بتسجيلهما معدلات منخفضة جدا على مستوى بطالة الشباب.
في المُحصّلة، يبدو أن تمكين الشبان من تعليم ثانوي متقدّم يتعدى مرحلة التعليم الإجباري، بمساريه الأكاديمي والمهني، أصبح عنصرا حاسما في إيجاد حل لمعضلة بطالة الشباب. وإذا كان التعليم العالي مطلبا عالي الأهمية خلال العقود الماضية، فإن التعليم والتدريب المهني، يعد حاليا البديل الأمثل، كما تبيّن ذلك مبادرات العديد من الحكومات. فقد أطلق الاتحاد الأوروبي أخيرا سلسلة من المبادرات الطموحة لمعالجة مشكلة بطالة الشباب، وهي تتطلّب إدخال إصلاحات هيكلية على العملية التربوية برمتها، وخاصة فيما يتعلق بالتعليم المهني.
وقد أكد البنك الدولي هذا الاتجاه، حيث جاء في أحد التقارير المنسوبة إليه ما يلي: "لقد أظهرت المقارنة على المستوى الدولي أن البلدان التي طوّرت نظاما تعليميا مُزدوجا واهتمت بذلك (مثل النمسا والدنمرك وألمانيا وسويسرا) تتوفّر على سلاسة ومرونة أكثر خلال عملية الانتقال من المدرسة إلى العمل... معدلات بطالة منخفضة في صفوف الشباب، وأدنى من معدلات فترات البطالة المتكررة في البلدان الأخرى".
ثانيا: التدريب: بشكل عام، تركز سياسات التعليم على زيادة حجم الخريجين بغض النظر عن الكيف، أي اهتمت السياسة بالكم على حساب الكيف، وقد أدى نقص اهتمامها بالكيف إلى حالة من عدم التوافق بين المهارات والمعارف المكتسبة من جهة، وما تتطلبه حاجة العمل والمهن من جهة أخرى، خاصة في إطار المنافسة العالمية المتزايدة على الانتاج كما وكيفاً.
يعد التدريب أحد أهم وسائل اكتساب المعرفة، وبناء القدرات والمهارات المطلوبة للولوج في سوح العمل، فالتعليم مهما كان جيدا؛ فضلا عن التعليم غير الجيد، لابد أن يكون مقترنا بعمليات تدريبية مكثفة، هدفها صقل مهارات الشباب والشابات، وتهيئتهم للعمل في المجالات والتخصصات التي يجدونها، فسوق العمل يجذب دائما أصحاب المهارات ويطرد دائما الذين لا يمتلكون مهارات تمكنهم من أداء أعمالهم على الوجه المطلوب
ومن هنا؛ ظهرت الحاجة إلى التدريب، حيث يعد الهدف الأساسي للتدريب العمل على تضييق الفجوة بين التعليم ومجـالات العمل المطلوب، إذ يحتاج الخريجون مهما كانت درجاتهم العلمية إلى قدر معين مـن التدريب، وفي المستقبل إلى إعادة التدريب من وقت لآخر لتمكينهم من مواكبـة التقـدم التكنولوجي الهائل والسريع في معظم المجالات.
نعم، يمكن القول إن التدريب المستمر للموارد البشرية بمختلف فئاتها يعتبر من أهم مقومات ومستلزمات التطوير وخلق جيل من الكوادر والكفاءات القادرة على مواكبة المتغيرات والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة التي بدونها لا مجال للدخول ضمن مجموعة البلدان المتقدمة.
ثالثا: التشغيل: في الاقتصادات النامية، حيث يعيش ٩٠ في المائة من الشباب، لا يمكن لمعظم الشباب البقاء على قيد الحياة من دون عمل. والعمال الشباب في هذه البلدان معرضون على نحو خاص للبطالة الجزئية والفقر. وتبين الأدلة أن الشباب مرشحون أكثر من البالغين لأن يكونوا ضمن الفقراء العاملين. وتفيد آخر تقديرات منظمة العمل الدولية بشأن فقر العاملين أن الشباب يمثلون نسبة واسعة إلى حد مفرط من الفقراء العاملين في العالم.
لذا... تعد مسألة توفير فرص عمل لائقة للشباب والشابات غاية في الأهمية، ففي حين تضر البطالة بالرفاه الاقتصادي والشخصي للأفراد الذين تصيبهم، بغض النظر عن سنهم، فإنّ الضرر يكون أكثر وخامة عندما يصيب الشخص في مقتبل حياته العملية. وتتناثر آمال الشباب المشروعة في الحصول على وظيفة ومهنة ليحل محلها شعور أليم بنبذ اجتماعي لا يستحقونه. ويكون ذلك بمثابة نكران لمواطنيتهم الاقتصادية ويثير عندهم الشعور باليأس والغيظ. وغالباً ما تكون تبعات هذه الجروح المبكرة عميقة وطويلة الأمد، وتتجسد في شكل تدني القابلية للاستخدام وتحقيق المداخيل في المستقبل.
رابعا: الترفيه: يعد واجب الترفيه من الواجبات الأساسية التي تقع على عاتق الدول إزاء الشباب والشابات، لما للترفيه من آثار إيجابية على حياة الشباب وتنمية مهاراتهم العقلية والبدنية والنفسية، تحديدا تلك الدول التي تزيد فيها نسبة الشباب بنحو 60 في المائة. مثل الترفيه الرياضي؛ كممارسة الرياضات البدنية والعقلية المختلفة، والترفيه الفني؛ كممارسة هواية الرسم، والخط، والنقش، والحياكة، وتطريز، وصناعة الورود، وتزيين البيوت، والترفيه الاجتماعي؛ كتنظيم أساليبه التزاور والعلاقات الاجتماعية والأسرية، وإحياء المناسبات الوطنية، والمشاركة في الأعمال التطوعية، والترفيه السياحي؛ كزيارة المناطق الأثرية، والتاريخية، والمزارات الدينية وغيرها من أنواع الترفيه التي من شأنها أن تزيل الكثير من حالات الإرهاق الجسدي والنفسي والخمول الفكري لدى الشباب والشابات.
.....................................