الحرية لعهد التميمي: لماذا دخلت السجن وكيف خرجت؟
عبد الامير رويح
2018-07-30 06:17
افرجت قوات الاحتلال الاسرائيلي عن الفتاة الفلسطينية عهد التميمي التي تعتبر اليوم رمزا من رموز المقاومة الفلسطينية بعد ان بقيت في السجن ثمانية اشهر لضربها جنديين من قوات الاحتلال، وظهرت عهد في التسجيل مع ابنة عمها نور التميمي تقتربان من جنديين إسرائيليين يستندان الى جدار صغير في باحة منزلها في بلدة النبي صالح الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ اكثر من خمسين عاما. وطلب الفتاتان بحسب بعض المصادر، من الجنديين مغادرة المكان وقامتا بركلهما وصفعهما.
وكانت عهد في ال16 لدى اعتقالها وحكم عليها بالسجن ثمانية اشهر في 21 آذار/مارس بعد ان وافقت على "الاقرار بالذنب" وامضت عيد ميلادها ال17 في السجن. وعهد تنتمي الى اسرة معروفة بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وتصدت لجنود اسرائيليين في حوادث سابقة وانتشرت صورها في كافة انحاء العالم. ويرى الفلسطينيون في عهد التميمي مثالا للشجاعة في وجه التجاوزات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة. ويعتبر العديد من الاسرائيليين انها مثال على الطريقة التي يشجع الفلسطينيون فيها اولادهم على الحقد.
وحظيت محاكمة عهد امام محكمة عسكرية بتغطية اعلامية كبيرة. وحيا الرئيس محمود عباس شخصيا شجاعتها. وقالت يارا هواري الناشطة الفلسطينية القريبة من اسرة التميمي "كان هانك صورة رمزية لفتاة تواجه جنديا اسرائيليا مدججا بالسلاح امام منزلها. ومجرد اصدار هذه العقوبة القاسية عليها لفت الانتباه". بالنسبة الى المدافعين عن حقوق الانسان سمحت قضية التميمي بتسليط الضوء على ممارسات المحاكم العسكرية الاسرائيلية ومعدلات الادانة المرتفعة جدا 99% للفلسطينيين. وبما ان اسرائيل تحتل عسكريا الضفة الغربية يحاكم الفلسطينيون المقيمون فيها امام المحاكم العسكرية. وقال عمر شاكر مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في إسرائيل "سيفرج عن عهد التميمي لكن المئات من الاطفال الفلسطينيين لا يزالون وراء القضبان ولا احد يعيرهم اي انتباه" منددا ب"سوء المعاملة المزمن" الذي يتعرض له القاصرون في هذه السجون.
محاكمة تحت الاحتلال
وفي هذا الشأن قالت محامية الفتاة الفلسطينية عهد التميمي التي تحاكم بتهمة ركل وصفع جندي إسرائيلي في قرية بالضفة الغربية المحتلة إنها قبلت يوم اتفاقا قضائيا سيتم بموجبه الحكم عليها بالسجن ثمانية أشهر. وأصبحت عهد التميمي (17 عاما) بطلة في أعين الفلسطينيين بعدما صورت والدتها الواقعة ونقلتها مباشرة على موقع فيسبوك لتسجل انتشارا واسعا.
وكان الجنود ينتشرون خلال احتجاج فلسطيني أسبوعي في قرية النبي صالح ضد السياسة الإسرائيلية بشأن المستوطنات في الضفة وهي واحدة من أشد القضايا سخونة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وكانت عهد تبلغ من العمر 16 عاما وقت الواقعة، وواجهت 12 تهمة منها الاعتداء الجسيم. وصاحت عهد التميمي وهي مكبلة بالأغلال موجهة كلامها للصحفيين داخل محكمة سجن عوفر العسكري قرب رام الله ”لا عدالة تحت الاحتلال...إحنا في محكمة غير شرعية“.
وقالت جابي لاسكي محامية عهد التميمي إنه بناء على الاتفاق القضائي فإن عهد التميمي ستقر بالذنب مقابل تخفيف الاتهام ومن ثم العقوبة إلى السجن ثمانية أشهر فضلا عن دفع غرامة قدرها خمسة آلاف شيقل (1430 دولارا تقريبا). وأكد الجيش الإسرائيلي تفاصيل الاتفاق. وقالت المحامية إن السجن سيشمل الفترة التي قضتها عهد التميمي في الحجز منذ إلقاء القبض عليها في ديسمبر كانون الأول.
وجذبت القضية اهتماما عالميا، وامتلأت قاعة المحكمة الصغيرة بصحفيين ودبلوماسيين ومراقبين دوليين خلال الجلسات التي شهدت مثول عهد التميمي وهي مكبلة بالقيود. ووقعت مجموعة من الشخصيات الثقافية الأمريكية ومنهم الممثل داني جلوفر والممثلة روزاريو داوسون والروائية أليس ووكر على التماس يطالب بالإفراج عن عهد التميمي وقارنوا قضيتها بقضايا ”أطفال المهاجرين ومناطق تجمع الملونين (ذوي البشرة السمراء) الذين واجهوا قسوة الشرطة في الولايات المتحدة“.
كما لاقت صور الفتاة وهي تضرب الجندي انتقادات بين الإسرائيليين الذين جادلوا عما إذا كان ينبغي للجندي أن يرد. وقال الجيش إن الجندي ”تصرف بمهنية“ حين التزم ضبط النفس، وقال سياسيون من اليمين إن تصرف الجندي مخز. وقالت وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريجيف في تعليق على صفحتها بموقع فيسبوك عقب الحادث ”لا يمكن الإساءة لشرف جيش إسرائيل. لا يمكن أن نقف في موقف يهان فيه الجنود ويضربون ولا يتصرفون في الحال ويلقون القبض على من يؤذونهم“.
ويريد الفلسطينيون الضفة الغربية ضمن دولتهم في المستقبل ومعها القدس الشرقية وقطاع غزة. وتعتبر معظم الدول المستوطنات الإسرائيلية التي شيدت في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 غير قانونية. وتقول إسرائيل إن المستوطنات قانونية وإنه ينبغي تحديد مستقبلها في محادثات سلام مع الفلسطينيين. وانهارت المفاوضات في عام 2014 ولم تحقق جهود البيت الأبيض لاستئنافها أي تقدم يذكر. بحسب رويترز.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيان بالبريد الالكتروني إن الحكم الصادر عليها يتعارض مع القانون الدولي موضحة أن سجن قاصر لا ينبغي أن يستخدم إلا كملاذ أخير ولأقصر مدة ملائمة ممكنة. وقالت المنظمة في البيان ”ينبغي للسلطات الإسرائيلية أن تكف عن الرد على تصرفات متحدية صغيرة نسبيا بمثل هذه العقوبات القاسية التي لا تتناسب معها ”. وأضافت قائلة ”باستهداف الفلسطينيين بهذه القسوة ومنهم الأطفال الذين يتجرؤون على تحدي الاحتلال الإسرائيلي الظالم فإن السلطات تتجاهل مسؤولياتها وفقا للقانون الدولي كقوة محتلة“.
قلق اوروبي
الى جانب ذلك اعرب الاتحاد الاوروبي عن "قلقه" ازاء مصير قاصرين فلسطينيين محتجزين لدى السلطات الاسرائيلية، هما عهد التميمي وفوزي محمد الجنيدي. وجاء في بيان ان بعثتي الاتحاد الاوروبي في القدس ورام الله اعربتا عن "القلق الشديد ازاء ملابسات اعتقال الفلسطينيين القاصرين عهد التميمي وفوزي محمد الجنيدي".
كما اعرب الاتحاد الاوروبي عن "قلقه الشديد ازاء مقتل قاصر فلسطيني آخر برصاص الجنود الاسرائيليين" يدعى مصعب فراس التميمي (17 سنة) وتربطه صلة قرابة بعيدة بعهد. وقتل الفتى مصعب في الثالث من كانون الثاني/يناير خلال مواجهات مع الجيش الاسرائيلي قرب دير نظام في شمال رام الله. بحسب فرانس برس.
وتابع البيان ان "بعثتي الاتحاد الاوروبي في القدس ورام الله تذكران باهمية احترام حقوق الاطفال وحمايتهم وخصوصا خلال اعتقالهم وسجنهم وعبر الاجراءات القانونية" المطبقة بحقهم. ودعا البيان اخيرا السلطات الاسرائيلية الى الرد بشكل "متوازن" على المتظاهرين وفتح تحقيقات في حال حصول وفيات خصوصا اذا كان الامر يتعلق بقاصرين.
وأطلقت اسرائيل في وقت سابق سراح الفتاة نور التميمي (20 عاما) المتهمة بالاعتداء على جنديين اسرائيليين مع قريبتها عهد التميمي (16 عاما)، بكفالة، على أن تمثل أمام القضاء لاحقا لمحاكمتها. وقال والدها ناجي التميمي "أطلق سراح ابنتي بعد ان قررت محكمة اسرائيلية ذلك لقاء كفالة مالية بلغت خمسة آلاف شيكل (1500 دولار)". واضاف "انا الآن سعيد". لكنه أوضح أن عائلة التميمي وقعت ايضا على كفالة أخرى بقيمة عشرة آلاف شيكل (حوالى ثلاثة آلاف دولار) ستدفع في حال لم تمثل نور التميمي أمام القضاء لمحاكمتها، بالاضافة الى توقيع كفيل يحمل الهوية الاسرائيلية لم يحدد هويته. وأوضح الوالد أن من شروط الافراج "أن تتوجه نور كل يوم الى أقرب مركز شرطة اسرائيلية وتوقع على وجودها في المنطقة".
واعتقلت نور التميمي في 20 كانون الاول/ديسمبر. ووجهت اليها النيابة العسكرية تهما بالاعتداء مع الضرب على جندي، وإزعاج جنديين أثناء أدائهما واجبهما، بحسب القرار الاتهامي. وقالت نور إن اليوم الاول من الاعتقال "كان أصعب شيء بالنسبة إلي. كانت تجربة جديدة... ولم اكن اعرف ماذا ينتظرني". وأضافت "تم التحقيق معي لمدة 21 ساعة، ولم يكن مسموحا لي بأي شيء. وكان التحقيق صعبا تخلله تهديد. وكانوا يقولون لي بانهم سيعتقلون أبي وأخي ويفجرون منزلي". وقالت نور إن التحقيق شمل "أشياء لا علاقة لها بالفيديو، وسألوني عن أشخاص من القرية لا أعرفهم". وتابعت "نحن لسنا إرهابيين، نحن أناس نريد ان نعيش، لكن الانسان لا يستطيع السكوت على الذل والظلم".
جدارية كبيرة
على صعيد متصل قال مسؤولون فلسطينيون إن شرطة الحدود الإسرائيلية اعتقلت اثنين من رسامي الجداريات الإيطاليين أثناء رسمهما جدارية للفلسطينية عهد التميمي على الجدار الإسرائيلي الفاصل في بيت لحم المحتلة بالضفة الغربية. وقالت منظمة التحرير الفلسطينية على تويتر إن قوات إسرائيلية اعتقلت الرسامين الإيطاليين وفلسطينيا كان بصحبتهما. وتفرض إسرائيل قيودا على معظم أنحاء الضفة الغربية حيث يتمتع الفلسطينيون بحكم ذاتي محدود. وتعتبر معظم الدول المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية وهو ما تدافع عنه إسرائيل.
وأفاد المنسق العام للجنة التنسيقية للمقاومة الشعبية في الضفة الغربية منذر عميرة، بأن قوات الاحتلال اعتقلت الرسامين الإيطاليين أثناء وضعهما اللمسات الأخيرة على جدارية عهد التميمي التي رسماها على جدار الفصل العنصري عند المدخل الشمالي لبيت لحم في محيط مسجد بلال بن رباح. وأضاف منذر عميرة أن الجيش الإسرائيلي استولى على كافة الأدوات واللوازم الخاصة، إضافة إلى اعتقال الناشط مصطفى الأعرج.
وأشار إلى أن الرسامين جاءا من إيطاليا خصيصا لرسم صورة التميمي تكريما لها في يوم إطلاق سراحها ، لافتا إلى أنهما تعرضا سابقا إلى الملاحقة من قبل القوات الإسرائيلية. ويبلغ ارتفاع اللوحة التي رسمت قرب بيت لحم في الضفة الغربية اربعة امتار. وقال الرجل المقنع الذي رسم اللوحة انه رسام الشوارع الايطالي جوريت اغوتش. ويمتلأ الجدار الذي يفصل الضفة الغربية عن اسرائيل برسوم الجرافيتي دعما للقضية الفلسطينية. وبين من تركوا بصماتهم على الجدار رسام الشوارع البريطاني بانسكي.