في الحديدة: احتدام المعارك تنذر بكارثة حقوقية
عبد الامير رويح
2018-06-28 06:22
مع استمرار الحرب وتواصل الغارات الجوية، التي تقوم بها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، ازدادت معاناة الشعب اليمني الذي يعيش ازمة انسانية خطيرة، تصاعدت بشكل كبير بسبب المعارك الاخيرة بين الحوثيين وقوات التحالف العربي في مدينة الحديدة، بهدف السيطرة على ميناء هذه المدينة الذي يستخدم بحسب بعض المصادر، لنقل نحو 80% من جميع الشحنات، التي تدخل البلاد، بما في ذلك الأسلحة حسبما تعتقد السعودية. التي تسعى للسيطرة على الميناء من أجل قطع الإمدادات عن الحوثيين وعزلهم في الجزء الشمالي من اليمن.
وفي ما يخص اخر تطورات هذا الملف أعربت الأمم المتحدة عن قلقها الشديد جراء العملية العسكرية في مدينة الحديدة، فيما بدأت بوضع خطط للتعامل مع التصعيد المحتمل في المعارك، بحسب ما أفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك. وتضم الحديدة المطلّة على البحر الاحمر مطارا وميناء رئيسيا تمر عبره غالبية المساعدات والمواد الغذائية الموجهة الى ملايين السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين، وبينها العاصمة صنعاء على بعد نحو 230 كلم شرقا.
لكن التحالف العسكري يصر على ان الميناء يشكل منطلقاً لعمليات عسكرية يشنّها الحوثيون على سفن في البحر الأحمر، ومعبرا لتهريب الصواريخ التي تطلق على السعودية المجاورة من الاراضي اليمنية بشكل مكثّف منذ نهاية العام الماضي. وقال دوجاريك "نشعر بقلق شديد جراء الوضع في محيط الحديدة"، مضيفا أن موظفي الأمم المتحدة يرسمون خططا للطوارئ ويكثفون عمليات ايصال المواد الإغاثية. وقال إن مسؤولي الأمم المتحدة في اليمن والمنطقة "بدأوا اتخاذ اجراءات وقائية عبر تكثيف المساعدات وإعادة تحديد خطط الطوارئ في حال حدوث تصعيد إضافي". وتم ايصال الأغذية وغيرها من المواد إلى العائلات النازحة.
وحذر المتحدث باسم الأمم المتحدة من أن "تصاعد القتال قد يتسبب بمزيد من النزوح داخل البلاد". ويحتاج أكثر من 22 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات بينهم 8,4 مليون يواجهون خطر المجاعة، وفقا للأمم المتحدة التي تعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن الأسوأ في العالم. وتقود السعودية منذ العام 2015 تحالفا عسكريا يهدف إلى إخراج المتمردين الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها منذ العام 2014 وإعادة الحكومة المعترف بها دوليا إلى السلطة. وأسفر النزاع حتى الآن عن مقتل نحو 10 آلاف شخص وإصابة عشرات الآلاف.
الاطفال في خطر
على صعيد متصل حذرت وكالة مساعدات غذائية فرنسية من ان حياة مئات الاطفال معرضة للخطر في مدينة الحديدة اليمنية بعد ان بدأت القوات التي تدعمها السعودية هجوما كبيرا للسيطرة على المدينة التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون. وأكدت القوات اليمنية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية بدء عملية لاستعادة المدينة من الحوثيين رغم تحذيرات الامم المتحدة من "كارثة". والحديدة هي الميناء الرئيسي الذي تدخل منه الشحنات الغذائية الضرورية لمنع حصول مجاعة شاملة في اليمن بعد اربع سنوات من الحرب التي ادت الى اسوأ ازمة انسانية.
وقال جون كانليف مدير منظمة "العمل ضد الجوع" في الشرق الاوسط "ما يحدث اليوم يمكن ان يزيد من معدل الوفيات ويزيد من عدد الاطفال الذين يموتون، ويزيد من المشاكل المتعلقة بإمدادات المياه، والوصول إلى المياه، والإمدادات الغذائية". وتساعد المنظمة حاليا في اطعام 760 طفلا يعانون من سوء التغذية الحاد في محافظة الحديدة. وقال كانليف "سيموتون اذا لم يحصلوا على الطعام".
وتساعد المنظمة ايضا في توفير الطعام لنحو اربعة الاف طفل يعانون من سوء التغذية في المنطقة، كما توفر الرعاية الطبية للالاف. وقالت ان هجوم يمكن ان يؤدي الى ارتفاع اضافي في اسعار الغذاء التي ارتفعت الاسبوع الماضي. واضاف كانليف "نخشى انه في حال السيطرة الكلية على الحديدة او قطعها عن باقي البلاد .. فستنقص الامدادات". وقال ان المنظمة التي سحبت موظفيها الدوليين من المدينة "قلقة للغاية" من الحرب على موظفيها المحليين المتبقين وعددهم 150. بحسب فرانس برس.
ودعت المنظمة اضافة الى اكثر من عشر منظمات اهلية فرنسا، المزود الرئيسي للسعودية بالسلاح، الى "عدم الاستمرار في دعم طرف النزاع الذي يهاجم الحديدة". كما دعت تلك المنظمات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الغاء مؤتمر إنساني حول اليمن في باريس في 27 حزيران/يونيو يتم تنظيمه بالشراكة مع السعودية، وقالت ان "من غير المعقول" عقد المؤتمر على وقع هجوم الحديدة.
قصف واتهامات
من جانب اخر اتهمت منظمة "أطباء بلا حدود" التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن باستهداف أحد مراكز معالجة الكوليرا التابعة لها في اليمن، معلنة عن تجميد أنشطتها في هذا المركز بشكل مؤقت. وقالت المنظمة في حسابها على تويتر ان "الهجوم" وقع صباحا على مركز معالجة الكوليرا في مديرية عبس في محافظة حجة الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين شمال غرب العاصمة صنعاء، من دون ان تفيد بوقوع ضحايا.
ورأت ان "الهجوم من قبل التحالف السعودي والإماراتي يظهر عدم احترام كامل للمرافق الطبية والمرضى"، مضيفة "سواء كان مقصودًا أو نتيجة إهمال، هذا غير مقبول على الإطلاق". وتابعت المنظمة انها قررت نتيجة الهجوم "تجميد أنشطتها بشكل مؤقت في مديرية عبس في اليمن حتى نضمن سلامة موظفينا ومرضانا". ونشرت صورا لمخلفات في موقع بدا وكأنه تعرض لضربة جوية. بحسب فرانس برس.
وتتهم منظمات دولية التحالف بالتسبب في مقتل مئات المدنيين في ضربات جوية أصابت منازل ومستشفيات وخيم عزاء وحفلات زفاف. وفي 2016 قتل 19 شخصا في غارة جوية أصابت مركزا لمنظمة "أطباء بلاد حدود" في عبس. وأعلنت لجنة تابعة للتحالف العسكري في وقت لاحق ان التحالف ارتكب "خطأ" عندما شن الغارة. وقالت "أطباء بلا حدود" آنذاك أنها اتخذت خطوات من شأنها التعريف بالمركز الطبي الذي افتتح في 2015، كوضع الاشارات ومشاركة احداثياته مع اطراف النزاع. ودفعت الغارة المنظمة الى تعليق عملها في ست مستشفيات في مناطق مختلفة في شمال اليمن بينها عبس، قبل أن تعاود العمل في مركزها فيها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ويعمل في المركز حاليا 200 يمني و12 طبيبا ومسعفا أجنبيا.
نقص المياه والكهرباء
على صعيد متصل يواجه السكان غير القادرين على الفرار من مدينة الحديدة قصفا لا يهدأ ونقصا في المياه النظيفة فضلا عن انقطاع الكهرباء، في الوقت الذي يقاتل فيه التحالف العربي لانتزاع السيطرة على الميناء اليمني الرئيسي من قبضة الحوثيين. وقال عاصم محمد (30 عاما) وهو صيدلي عبر الهاتف ”نسمع صوت انفجارات طوال الوقت“. وأضاف ”لم تصلنا المياه منذ ثلاثة أيام“.
ومحمد وزوجته وطفلته البالغة من العمر ستة أشهر ضمن عدد متناقص من السكان الذين بقوا في منطقة الحوك، المحصورة بين المطار الذي سيطر عليه التحالف والميناء البحري، الهدف الأكبر للهجوم العسكري. وبعض الأسر مثل أسرة محمد غير قادرة على الفرار لأسباب منها عدم وجود المال الكافي أو بسبب العمل أو التزامات شخصية أخرى. ورفع السائقون الذين ينقلون الفارين من الحديدة الأجرة إلى أكثر من مثليها منذ بدء المعركة، بينما هدد المستشفى الذي يعمل به محمد الموظفين بالفصل إذا تغيبوا لفترات طويلة.
وقال محمد ”الكهرباء مقطوعة أيضا في معظم المدينة منذ أيام، وأرجع سبب نقص المياه إلى الأضرار التي لحقت بالأنابيب. ويستخدم سكان الحديدة منذ عام 2015 مولدات خاصة للحصول على الكهرباء. لكن الهجوم جعلهم يواجهون صعوبة في الحصول على وقود الديزل الضروري لتشغيلها. وترتفع درجات الحرارة في الصيف في اليمن لتتجاوز الأربعين درجة مئوية في الظل، وهو ما قد يساعد إلى جانب نقص المياه النظيفة في انتشار الأمراض.
وتعهدت السعودية والإمارات اللتان تقودان التحالف بعملية عسكرية سريعة للسيطرة على الميناء دون دخول وسط المدينة وذلك لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين والحفاظ على تدفق السلع الأساسية. لكن ميناء الحديدة نقطة أساسية لدخول إمدادات الإغاثة لليمن، وتخشى الأمم المتحدة أن يفاقم القتال العنيف أزمة إنسانية هي بالفعل الأسوأ في العالم إذ يعتمد 22 مليون يمني على المساعدات بينما يُعتقد أن ما يقدر بنحو 8.4 مليون نسمة على شفا المجاعة.
وقالت ليز جراندي منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن”مستوى ودرجة المعاناة الإنسانية يفطر القلوب... من بين كل الأمور التي نخشاها، تأتي الكوليرا على رأس القائمة“. وأضافت ”لن يستغرق الأمر طويلا قبل أن يبدأ انتشار لا يمكن وقفه“. وقال محمد قاسم المسؤول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الحديدة بينما كان موظفو الإغاثة يوزعون أكياسا من الطعام في إحدى المنشآت إنه تم نقل عشرات الأسر النازحة إلى مدارس في المدينة.
وقالت امرأة بينما كانت تنتظر للحصول على حصتها ”هربنا بما علينا من ملابس فقط“. ويقول التحالف إنه يسعى لمنع الحوثيين من الحصول على السلاح وجني أموال من الواردات، وإجبارهم في نهاية المطاف على بدء محادثات بشأن تسليم السلطة إلى حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا.
وحذرت جراندي من انتشار الكوليرا ”بسرعة البرق“ إذا انهارت شبكة المياه وما لم يتم اتخاذ إجراء للتصدي للوضع على الفور. ويقدر مسؤولون بالأمم المتحدة أن القتال يمكن في أسوأ التصورات أن يزهق أرواح ما يصل إلى 250 ألف شخص، خاصة إذا حدث وباء للكوليرا في المنطقة التي تعاني من انتشار الفقر على نطاق واسع. وتدخل التحالف بقيادة السعودية في الحرب عام 2015 لوضع حد لسيطرة الحوثيين على المراكز السكانية الرئيسية وإعادة الحكومة المعترف بها دوليا إلى السلطة. واستعادت قوات التحالف معظم الجنوب قبل دخول الحرب، التي ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها صراعا بالوكالة بين السعودية وإيران، حالة من الجمود. بحسب رويترز.
وفرت عشرات الأسر من القتال في الحديدة طلبا للسلامة في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بينما اتجه آخرون إلى ريمة ووصاب، وهي أيضا ضمن مناطق يسيطر عليها الحوثيون. وقال مروان وهو أحد النازحين من الحديدة ”قالوا لنا إن هناك منظمة يمكننا التسجيل لديها كنازحين هنا، لكن الله أعلم“. وأظهرت لقطات في مدرسة بصنعاء رجالا ممن فروا من الحديدة يصطفون لتسجيل أسرهم كنازحين، بينما جلست النساء على أرض الفصول الدراسية في حين كان أطفالهم حفاة الأقدام يلعبون بالجوار.