تجارة الأرواح: ما لا تعرفه عن شبكات تهريب البشر إلى أوروبا؟
عبد الامير رويح
2018-06-06 04:10
اسهمت الازمات والمشكلات الاقتصادية والامنية التي عصفت بالعديد من الدول في السنوات الاخيرة، بتزايد نشاط واعداد عصابات التهريب بمختلف اشكالها، وخصوصا مافيا تهريب البشر والاتجار بهم والتي استفادت كثيرا من هذه المشكلات واستطاعت تحقيق ارباح مالية خيالية، حيث حققت شبكات تهريب البشر كما نقلت بعض المصادر، أرباحا تصل إلى 6 مليارات دولار في عام 2015، لكن تلك الأرباح تراجعت بمقدار الثلث في 2016 عقب اتفاق أوروبا وتركيا للهجرة، وفق احصائيات منظمة يوروبول.
وفرت سنوات الحرب وعدم الاستقرار في الكثير من بلدان أرضا خصبة لمهربي البشر الذين اصبحوا اليوم أكثر احترافية، خصوصا وان البعض منهم يرتبط بجهات ومؤسسات امنية، حيث اكد خبراء في تقرير سري للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي إن معظم الجماعات المسلحة الضالعة في عمليات تهريب البشر والبضائع في ليبيا لها صلات بالمؤسسات الأمنية الرسمية بالبلاد.
وقال الخبراء للجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن ”الجماعات المسلحة، التي هي جزء من تحالفات سياسية وعسكرية أوسع نطاقا، تخصصت في أنشطة تهريب غير قانونية لا سيما تهريب البشر والبضائع“. وقالوا إن معظم هذه الجماعات المسلحة ”تنتمي اسميا إلى المؤسسات الأمنية الرسمية“. وقالوا أيضا ”تشعر اللجنة بالقلق إزاء احتمال استخدام منشآت الدولة والأموال العامة من قبل الجماعات المسلحة والمهربين لتعزيز سيطرتهم على طرق الهجرة“.
ويقدم مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة المساعدة للمسؤولين الليبيين على شكل مساعدة فنية وخدمات استشارية لمواجهة الجريمة المنظمة العابرة للدول في محاولة لوقف الاتجار بالبشر. غير أن منظمة العفو الدولية تعتقد أنه على الدول الأوروبية أن تقوم بدورها في توفير طرق آمنة وقانونية للمهاجرين للسفر إلى أوروبا. وأصدرت هذه المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان عام 2016 تقريرا يبرز روايات مخيفة عن العنف الجنسي والقتل والتعذيب والاضطهاد الديني الذي يعاني منه المهاجرون، الذين يسافرون عبر مسارات التهريب إلى ليبيا ومن خلالها متجهين إلى إيطاليا.
وكتب ماتيو دي بليس، الباحث في شؤون الهجرة بمنظمة العفو الدولية، يقول إن «ليبيا تقع في أعماق أزمة إنسانية، ويواجه اللاجئون والمهاجرون مخاطر الاحتجاز التعسفي والاختطاف وسوء المعاملة والعنف الجنسي والاستغلال». وأضاف: «إذا كان زعماء دول الاتحاد الأوروبي يهتمون حقيقة بسوء المعاملة التي يلقاها اللاجئون والمهاجرون في ليبيا، لكانوا أتاحوا لهم مسارات آمنة وقانونية إلى أوروبا خاصة عن طريق إتاحة الدخول لاعتبارات إنسانية إلى أوروبا لآلاف الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية».
عقوبات دولية
وفي هذا الشأن أرجأت روسيا اقتراحا غربيا بأن تفرض لجنة في مجلس الأمن الدولي عقوبات على ستة من الشخصيات الليبية المتهمة بتهريب البشر وإدارة شبكات لتهريب المهاجرين وطلبت مزيدا من المعلومات بشأن قيمة وجدوى هذه الخطوة. ودعت هولندا بدعم من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة أن تفرض لجنة عقوبات ليبيا التابعة للمجلس المؤلف من 15 بلدا تجميدا عالميا لأصول الأشخاص الستة وفرض حظر على سفرهم. لكن روسيا وضعت ما يطلق عليه ”التعليق الفني“ على الطلب في وقت سابق. وتعمل اللجنة بإجماع الآراء.
وقالت بعثة روسيا بالأمم المتحدة في رسالة للجنة ”نأمل أن يعرض أعضاء اللجنة المعنيون على غيرهم بعضا من ’الأدلة الموسعة‘ من ’المصادر الموثوقة‘ التي تؤكد تورط الأفراد الستة في أنشطة غير مشروعة“. وقالت البعثة إنها تريد أن تعرف ”كيف يمكن حل المشكلة دون التعامل مع مجرمين من بلدان المنشأ وبلدان الوجهة المقصودة“ مشيرة إلى أن المقترح أشار إلى ”شبكات تمتد إلى العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة“. وجاء اقتراح فرض عقوبات على الأفراد الستة بعد ظهور تسجيل مصور يعرض على ما يبدو بيع مهاجرين أفارقة كعبيد وهو ما أثار موجة غضب على مستوى العالم في أواخر العام الماضي.
وقالت نيكي هيلي السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة في اجتماع المجلس بشأن ليبيا إن ”الإحجام عن المضي قدما في هذه الإجراءات سيمثل استخفافا بالغضب العالمي الكبير بشأن هذه الانتهاكات“. وقالت هيلي ”الأدلة التي تظهر تورط الأفراد الستة واضحة“. وبناء على نظام العقوبات الذي وضع في عام 2011، يمكن لمجلس الأمن فرض تجميد عالمي على الأصول وحظر سفر على ”أفراد وكيانات يتورطون أو يتواطؤون في إصدار أوامر أو التحكم في أو توجيه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد أفراد في ليبيا“. بحسب فرانس برس.
وقالت ليز جريجوري فان هارين نائبة سفير هولندا بالأمم المتحدة في كلمة بمجلس الأمن”إن الوقت حان لكي نحول كلماتنا إلى أفعال“. وانزلقت ليبيا إلى الفوضى بعد الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي في عام 2011 حيث يوجد حاليا حكومتان وبرلمانان متناحران تدعمهما فصائل مسلحة تتصارع على النفوذ في البلد المنتج للنفط. وأصبح لتنظيم داعش تواجد أيضا في البلاد. ونظم مهربو البشر الذين ينشطون دون رادع قانوني في ليبيا رحلات لنقل مئات الآلاف من المهاجرين عبر البحر إلى أوروبا خاصة إيطاليا منذ عام 2014. وغرق آلاف المهاجرين خلال الرحلات البحرية المحفوفة بالمخاطر.
شبكات جديدة
على صعيد متصل قال قضاة تحقيقات إن إيطاليا كشفت شبكة إجرامية تُهرب المهاجرين من تونس إلى صقلية على زوارق سريعة بعد أقل من عام من القضاء على شبكة تهريب أخرى. وأوضحت نسخة من وثيقة أن الادعاء في باليرمو أصدر أوامر اعتقال بحق 13 شخصا بينهم سبعة تونسيين وخمسة مغاربة وإيطالية للاشتباه في تهريبهم البشر والسجائر. وأوضح اعتراض مكالمات هاتفية أن المهاجرين دفعوا ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف يورو (ما بين 3700 و6160 دولارا) للقيام بالرحلة بالزوارق السريعة التي نقلتهم خلسة إلى إيطاليا في غضون ساعات قليلة مما سمح لهم بتفادي نقلهم إلى مراكز اللاجئين وأخذ بصماتهم.
وقال فرانتشيسكو لو فوي رئيس الادعاء في باليرمو ”لا يمكن استبعاد أن يكون أشخاص خطيرون استغلوا هذا النظام رغم أنه ليس لدينا أي معلومات محددة بخصوص هذا الأمر“. وقال الإدعاء في بيان إنه في إحدى المكالمات التي جرى اعتراضها سُمع رجل يقول لمنظم عملية عبور المهاجرين إنه يعتزم السفر إلى فرنسا لتنفيذ ”عمل خطير قد لا يعود منه“.
وفي قضية مشابهة في يونيو حزيران اعتقل قضاة التحقيقات في باليرمو 15 شخصا للاشتباه في تنظيمهم خمس رحلات عبور على الأقل بين تونس وصقلية وكسبوا ما يقدر بأربعين ألف يورو من كل رحلة. وقال الادعاء إن العصابة الجديدة حصلت على ما يتراوح بين 30 ألف و70 ألف يورو عن كل رحلة عبور. بحسب رويترز.
ووصل أكثر من 600 ألف مهاجر إلى إيطاليا منذ عام 2014 ولكن معظمهم دفع مبالغ أقل لمهربين متمركزين في ليبيا (عادة بين 800 و1300 دولار) للصعود على متن قوارب مكدسة وغير صالحة للملاحة في رحلة كثيرا ما تنتهي بمأساة. وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن تقديرات تشير إلى وفاة 521 مهاجرا هذا العام أثناء محاولتهم الوصول إلى إيطاليا في حين وصل نحو 6894 مهاجرا إلى هناك بأمان وتم تسجيلهم في نظام الهجرة الرسمي في إيطاليا.
من جانب اخر اعلنت السلطات الالبانية توقيف 39 شخصا، بينهم شرطة، وتفكيك شبكة اجرامية كبرى متهمة بتهريب اكثر من الف الباني الى الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا. وقال قائد الشرطة الالبانية اردي فيليو في مؤتمر صحافي "يتعلق الامر بسبع مجموعات اجرامية لديها قنوات في البانيا وبلغاريا وفرنسا واسبانيا وجمهورية الدومينيكان وايطاليا وبريطانيا وايرلندا والولايات المتحدة وكندا".
وقال المتحدث إن "هذه المجموعات الاجرامية التي تتألف من رعايا البانيين واجانب ادخلت بصورة غير شرعية الف الباني على الاقل الى بريطانيا والولايات المتحدة وكندا". وقد حصل ذلك في العام 2017. ومن بين الموقوفين الذين بلغ عددهم 39 مشتبها به اربعة شرطة. وتلاحق السلطات 12 مشتبها بهم آخرين، بينهم بلغاريان.
وضبطت الشرطة كمية كبيرة من جوازات السفر المزورة، وعددا من الاختام والوثائق المزورة. واعلنت ان وكالات سفر في تيرانا وليجا (شمال) متورطة في عمليات التهريب. واوضح فيليو ان "عشرات المهاجرين لم يصلوا (الى وجهاتهم) لان مهربيهم تخلوا عنهم في دول اميركا اللاتينية". وتكتسب مكافحة كل اشكال التهريب والجريمة المنظمة اهمية قصوى لالبانيا التي حصلت في العام 2014 على ترشيح للعضوية في الاتحاد الاوروبي. وتامل السلطات ببدء مفاوضات الانضمام اليه في 2018.
حملة مستمرة
في السياق ذاته قالت الشرطة الدولية (الإنتربول) إن 40 شخصا اعتقلوا وتم إنقاذ 500 شخص في حملة على مهربي البشر في غرب أفريقيا. تأتي الحملة وسط موجة سخط عالمية بعد تداول لقطات لبيع أفارقة كعبيد في ليبيا وهي عادة آخر محطة في أفريقيا قبل انطلاق المهاجرين إلى أوروبا. وقالت الشرطة في بيان إن نحو 500 شخص بينهم 236 قاصرا أنقذوا في عمليات متزامنة في تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال فيما اعتقل 40 ممن يشتبه بأنهم من مهربي البشر.
وقالت منسقة العملية إنوسوتيا أبوفو ”نتائج تلك العملية توضح التحديات التي تواجه إنفاذ القانون وكل المعنيين بمكافحة تهريب البشر في منطقة الساحل“. ويواجه المعتقلون المساءلة القانونية بجرائم تشمل تهريب البشر والعمل بالسخرة واستغلال الأطفال. وقال بيان الشرطة ”إنهم متهمون بإجبار ضحاياهم على التورط في أنشطة تتراوح بين التسول إلى الدعارة... دون أي اعتبار لظروف العمل أو حياة البشر“.
وتبنى مجلس الامن الدولي في وقت سابق قرارا حول الاتجار بالبشر في دول النزاعات يهدف خصوصا إلى تعزيز تقاسم المعلومات بين الدول الاعضاء لتحسين مكافحة هذه الآفة. ودعا امين عام الامم المتحدة الى تعزيز التنسيق ضمن المنظمة الدولية في هذا المجال. وقال "من مسؤوليتنا الجماعية وقف هذه الجرائم. علينا التحرك فورا لحماية حقوق وكرامة الشعوب المهاجرة". واضاف "هذا يعني إحالة المسؤولين عنها على القضاء ومضاعفة المساعدات الانسانية". بحسب فرانس برس.
ويرمي القرار الى اقامة شراكة عالمية لمكافحة التهريب. ويندد خصوصا بالجماعات الارهابية التي تستغل ضعف الدول لتغذية تجارة البشر التي تطال الرجال والنساء والاطفال. كما يطالب النص امين عام الامم المتحدة بتزويد بعثات حفظ السلام في العالم القدرة على جمع المعلومات في اطار تفويضها للتعرف الى حالات تجارة البشر وتاكيدها والتعامل معها. كما يحض الدول الاعضاء على تشكيل قواعد بيانات بهذا الخصوص.
طرق جديدة
الى جانب ذلك قال خفر السواحل الروماني إن نحو 500 مهاجر من الشرق الأوسط وصولوا إلى البلاد عبر البحر الأسود من تركيا في نحو شهر، في زيادة كبيرة يقول الاتحاد الأوروبي إنها تظهر أن المهربين يختبرون طرقا بديلة إلى أوروبا. ويسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا منذ 2015 لخفض أعداد اللاجئين والمهاجرين الذين يجري الاتجار بهم وتهريبهم من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى شواطئه.
وأغلق اتفاق توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع تركيا عام 2016 طريقا إلى اليونان، العضو بالاتحاد، ويتخذ التكتل حاليا إجراءات صارمة ضد الوافدين من ليبيا إلى إيطاليا. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن عمليات الوصول عبر البحر المتوسط تراجعت إجمالا. لكن خفر السواحل الروماني قال أن 475 شخصا، بينهم أشخاص من العراق وإيران، وصلوا إلى شواطئ البلاد في في وقت سابق. وألقت السلطات الرومانية القبض على سبعة مهربين للبشر من تركيا وبلغاريا وسوريا والعراق وقبرص.
ولا يزال هذا الرقم ضئيلا مقارنة بآلاف المهاجرين الذين كانوا يصلون إلى الجزر اليونانية يوميا في ذروة وصول اللاجئين في 2015، لكنه يمثل زيادة حادة عما إجماليه 500 مهاجر تشير البيانات الرومانية إلى أنهم سلكوا هذا الطريق بين 2013 و2015. وتقول الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) إنها تراقب الوضع وإن مهربي البشر ربما يبحثون عن طرق بديلة لدخول التكتل بعدما بات عبور البحر المتوسط أكثر صعوبة. بحسب رويترز.
وقال كرزيستوف بوروفسكي، وهو متحدث باسم فرونتكس، ”لا يزال من المبكر للغاية التحدث عن فتح طريق هجرة جديد لكن الوقائع الأخيرة الخاصة باعتراض قوارب خشبية تقل مهاجرين في البحر الأسود تشير إلى أن المهاجرين ربما يتطلعون إلى إحياء هذا الطريق“. وقالت فرونتكس إن آخر مرة شهدت نشاطا لطريق البحر الأسود كانت في 2014 لكنها لم تتوقع أن يتطور على نطاق واسع بسبب صعوبة ظروف الإبحار في البحر الأسود.