قبضة بن سلمان الحديدية: ظاهرها إصلاحات وباطنها سلطوية

عبد الامير رويح

2018-06-05 05:00

اصلاحات ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان التي أطلقها في وقت سابق، ماتزال محط اهتمام كبير داخل وخارج المملكة، حيث يرى بعض المراقبين ان اصلاحات بن سلمان الاقتصادية والاجتماعية التي اعلن عنها، هي اصلاحات محدده الهدف منها استبدال صورة المملكة عند بعض الحلفاء و تعزيز سلطة الحكم وبتالي اقصاء الخصوم، خصوصا وان المملكة ماتزال محط انتقاد مستمرة بانتهاك ملف الحقوق والحريات، وكان صعود محمد بن سلمان سريعا. فهو يقود سياسة انفتاح دبلوماسي وإصلاح اقتصادي واجتماعي، منتهجا في الوقت نفسه سياسة القبضة الحديدية في الملفات الرئيسية في المملكة. والتزم محمد بن سلمان كما نقلت بعض المصادر، مهمة "إصلاح" المملكة المحافظة والتي ترتكز مداخيلها حصرا على النفط، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وترافقت هذه الإصلاحات مع استعراض قوة ساهم في تعزيز نفوذه السياسي. فقد كان وراء توقيف مئات الأشخاص في أوساط دينية وثقافية واقتصادية. وشملت الاعتقالات حتى أفرادا في العائلة المالكة، في خطوة وصفها الخبير في الشؤون السعودية ستيفان لاكروا بـ"عصرنة السلطوية".

ويقول الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية بروس ريديل ومدير مشروع الاستخبارات في معهد "بروكينغز" بواشنطن "معروف عنه أنه متحمس وطموح". كما يعرف عن محمد بن سلمان سعيه إلى إصلاحات عاجلة وأنه ليس من أنصار تعدد الزوجات الساري في بلاده. وقد أطلق في الأشهر الاخيرة العديد من مشاريع الإصلاح التي تمثل أكبر تغيير اقتصادي وثقافي في تاريخ المملكة الحديث، واعدا بجعل بلاده أكثر "عصرية" وتدين بإسلام "متسامح ومنفتح". وقد بدأت هذه الرؤية تتحقق. ففي أيلول/سبتمبر 2017، حصلت النساء السعوديات على الحق في قيادة السيارات بقرار وصف بتاريخي, يرى بعض الخبراء انه صعب التطبيق في بلد لا يحترم حقوق المرأة ويركز على سلطة الرجل.

حملة و مخاوف

وفي هذا الشأن جددت الحملة التي شنتها السلطات السعودية على نشطاء حقوق المرأة قبل أسابيع فحسب من رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات الشكوك في النهج الغامض والمتقلب فيما يبدو الذي يتبعه ولي عهد المملكة في برنامجه الإصلاحي. ويحاول بن سلمان ولي العهد، الذي أمسك بأعنة السلطة في البلاد منذ ظهر على المسرح السياسي بعد أن كان بعيدا عن الأضواء، تنويع اقتصاد المملكة أكبر اقتصاد في العالم العربي بدلا من الاعتماد على النفط وتخفيف القيود الاجتماعية الصارمة ونشر وسائل الترفيه.

وقد حاز الأمير الشاب على إشادة في الداخل والخارج بجهود التحديث التي يبذلها غير أنه أثار أيضا قلقا بحملة على الفساد شنها العام الماضي واحتجز فيها عشرات من الأمراء وكبار رجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون بالرياض. وتم الإفراج عن معظم الموقوفين بعد التوصل إلى تسويات مع الحكومة في حملة اكتنفتها السرية وأحدثت هزات في مجتمع الأعمال. وجاء القبض هذا الشهر على 11 من النشطاء البارزين، أغلبهم من النساء اللائي يطالبن منذ سنوات بإصلاحات يجري الآن تنفيذها وإبرازها في الخارج، ليثير من جديد حيرة الحلفاء الغربيين. واستاء الدبلوماسيون من وصف وسائل الإعلام المدعومة من الدولة للنشطاء بأنهم ”عملاء السفارات“. وقال دبلوماسي ”هذا صعب لأننا حتى الآن نشجع برنامج الإصلاح السعودي“.

وأضاف ”يبدو أن الحكومة السعودية تبعث برسالة للحكومات الصديقة ألا تتواصل مع أي شخص على الإطلاق فيما يتعلق بالإصلاح الاجتماعي الذي تقوده الحكومة حتى عندما تكون الرسائل التي نسمعها مؤيدة للحكومة وتردد صدى ما تقوله حملات العلاقات العامة الدولية التي تنفذها الحكومة“. وكان السبب الرسمي للقبض على النشطاء الاشتباه في اتصالات بكيانات أجنبية وتقديم دعم مالي لأعداء في الخارج. ولم تعلن تفاصيل ولم يرد متحدثون أمنيون على طلبات للتعليق.

في أعقاب التوقيفات الأخيرة بدأ دبلوماسيون في الرياض يشككون في جدية المملكة في الإصلاح. ويقول النشطاء إن هذه الخطوة تشير إلى أن السلطات لن تسمح بالانفتاح السياسي في أعقاب تخفيف القيود الاجتماعية. وقال كريستيان كوتس أولريكسن من معهد بيكر بجامعة رايس في تكساس إن السلطات ”تبعث برسالة على الصعيد المحلي ألا تفكروا مجرد التفكير في معارضة أي سياسة للحكومة لكن الرسالة على الصعيد الدولي مختلفة تماما“. وأضاف أن من الصعب تقييم عملية صنع القرار ”غير الشفافة“ وراء حملة التضييق. وتابع ”ليس لدينا أي فكرة. فهي تعزز الإحساس بأن عملية رسم السياسة الآن أكثر غموضا وتركيزا في يدي رجل واحد ربما يفتقر إلى بعض من خبرة عشرات السنين التي كانت لدى من سبقوه“.

وكان الأمير محمد (32 عاما) قد تخطى أبناء عمومته الأكبر سنا ليصبح قبل عام وليا للعهد مع تركيز السلطات في يده والدفع بتغييرات سريعة في بلد ظل على مدى عشرات السنين يحكمه التوافق. كما أنه أخذ موقفا أكثر عداء من إيران وبدأ حربا مستمرة منذ ثلاث سنوات في اليمن وقاد مقاطعة لدولة قطر. وقال المدافعون عن ولي العهد إنه ربما اضطر لاسترضاء المحافظين الذين سبق التضييق عليهم في حملة سابقة على رجال الدين المعارضين للتغييرات الاجتماعية مثل رفع الحظر على دور السينما وقيادة النساء للسيارات. بحسب رويترز.

ووصف علي الشهابي الذي يدير معهد الجزيرة العربية المؤيد للسعودية في واشنطن التوقيفات بأنها خطأ وضارة بصورة المملكة. غير أنه قال إن الأمير محمد لم يتظاهر قط بأن الانفتاح السياسي مطروح. وقال في تغريدة ”تنفيذ مثل هذه المهمة الهائلة في بلد يتسع فيه الطيف السياسي والاجتماعي بمثل ما تواجهه المملكة اليوم...لا يمكن أن يتم إلا بأسلوب شمولي من أعلى لأسفل. ولا أحد في المملكة يتظاهر بعكس ذلك“.

اعتقالات تعسفية

من جهة اخرى كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن السعودية تحتجز آلاف الأشخاص لسنوات في بعض الحالات دون إخضاعهم للمحاكمة محملة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مسؤولية "الاعتقالات التعسفية". وأفادت هيومن رايتس ووتش أنها حللت "معلومات من قاعدة بيانات عامة لوزارة الداخلية على الإنترنت، كشفت أن السلطات احتجزت 2305 أشخاص يخضعون للتحقيق لأكثر من 6 أشهر دون أن يمثلوا أمام قاضٍ". وبالإضافة إلى هؤلاء، ذكرت قاعدة البيانات أن السلطات السعودية تحتجز "رهن التحقيق" 1,875 شخصاً لأكثر من سنة، و251 لأكثر من 3 سنوات.

وتحتجز السلطات مواطنا سعوديا دون إدانة منذ أيلول/سبتمبر 2003 وآخر "رهن التحقيق" منذ كانون الأول/ديسمبر 2006. ومن أصل 251 شخصاً محتجزين "رهن التحقيق" لأكثر من 3 سنوات، يوجد 233 سعوديا. وأشارت إلى "الارتفاع الظاهر في عدد حالات الاحتجاز التعسفي" في السنوات الأخيرة، وأكدت أن على "الادعاء العام في السعودية إما أن يوجه تهما إلى المتهمين الجنائيين أو يفرج عنهم جميعا فورا، وأن يكف عن احتجاز الأشخاص تعسفا".

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، "إذا كانت السلطات السعودية تستطيع احتجاز معتقل لعدة أشهر دون أي اتهام، فمن الواضح أن النظام الجنائي السعودي ما زال معطلا وجائرا، ويبدو أن الأمر يزداد سوءا. يبدو أن شعار رؤية السعودية الذي رفعه محمد بن سلمان ينطبق أكثر على مدة الاعتقال بدون تهم مما يصف العام الذي سيتحقق فيه برنامجه الإصلاحي". بحسب فرانس برس.

وأعلن الأمير محمد بن سلمان إثر تعيينه ولياً للعهد في حزيران/يونيو 2017 عن خطة "رؤية 2030" الإصلاحية الهادفة إلى تحديث القوانين والتخلص من الاعتماد على النفط وهي تتضمن مشاريع خصخصة جزء من شركة أرامكو العملاقة وتعزيز دور المرأة في مجال العمل. ومن أولى الإجراءات المتخذة السماح للمرأة بقيادة السيارة ابتداء من حزيران/يونيو.

قيود جديدة

في السياق ذاته أصدرت وزارة الداخلية السعودية تعليمات لهواة استخدام الطائرات اللاسلكية بالحصول على التصريح اللازم الذي يسمح لهم استخدامها لحين صدور تنظيم لها وذلك بعد يوم من إسقاط طائرة لاسلكية ترفيهية قرب قصر ملكي في العاصمة الرياض. وأظهرت مقاطع فيديو صورها هواة ونشرت على الإنترنت إطلاق نار كثيفا في حي الخزامي بالعاصمة مما أثار مخاوف من اضطرابات سياسية محتملة في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. ونفى مسؤول سعودي كبير سقوط ضحايا بسبب إسقاط الطائرة مضيفا أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لم يكن في القصر في ذلك الوقت.

وكانت القوات المسؤولة عن إحدى نقاط الأمن في الحي رصدت طائرة صغيرة من النوع الذي يتم التحكم فيه عن بعد. وقالت وكالة الأنباء السعودية إن رجال الأمن في النقطة الأمنية تعاملوا معها ”وفق ما لديهم من أوامر وتعليمات بهذا الخصوص“. ونقلت الوكالة السعودية عن متحدث باسم وزارة الداخلية قوله ”تنظيم استخدام الطائرات ذات التحكم عن بعد ’درون‘ في مراحله النهائية“ كما دعا المتحدث ”هواة استخدام هذه النوعية من الطائرات إلى الحصول على التصريح اللازم الذي يخولهم استخدامها للأغراض المخصصة لها في المواقع المسموح بها“. بحسب رويترز.

وشهدت المملكة سلسلة من التغيرات السياسية الكبيرة خلال العام المنصرم بعد تولي ابن الملك الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد إذ قاد إصلاحات تهدف إلى تحويل الاقتصاد وانفتاح البلاد ثقافيا. وفي الصيف الماضي تولى الأمير محمد (32 عاما) ولاية العهد خلفا لابن عمه. وقاد الأمير حملة على الفساد شهدت احتجاز عشرات من كبار رجال الأعمال والأمراء. كما جرى اعتقال رجال دين بارزين في محاولة فيما يبدو لإسكات المعارضة. وساعد ذلك الأمير محمد على ترسيخ موقعه في بلد يتقاسم فيه السلطة كبار الأمراء منذ عقود ويمارس فيه رجال الدين نفوذا كبيرا على السياسة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا