بعد 70 عاما على النكبة: هل ما زال حلم العودة حيا عند الفلسطينيين؟

عبد الامير رويح

2018-05-20 10:07

افتتاح السفارة الأمريكية في القدس وعمليات العنف الجديدة، التي تتبعها القوات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، أثار وبحسب بعض المصادر موجة من الغضب في الشرق الأوسط غير أن حلفاء واشنطن المقربين في منطقة الخليج لزموا الصمت. وفي الأسابيع الأخيرة قتلت القوات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين في غزة في احتجاجات عند الحدود على مصير اللاجئين الذين تركوا بيوتهم في 1984.

ويرى البعض إن قرار الرئيس الأمريكي بشأن نقل السفارة إلى القدس هو بمثابة ضوء اخضر لقوات الاحتلال وتأييد مباشر لزيادة عمليات العنف والقتل ضد المدنيين العزل في فلسطين، خصوصا وان الولايات المتحدة الامريكية عمدت الى تعطيل اي قرار اممي يدين حكومة الاحتلال، هذه التطورات يمكن ان تسهم ايضا في خلق انتفاضة فلسطينية جديدة، خصوصا مع ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين وهو ما سيؤثر سلباً على الوضع الامني في المنطقة، التي تعاني اصلا من صراعات ومشكلات امنية كبيرة.

وتقول الأمم المتحدة إنه لا يمكن تسوية وضع القدس التي استولت عليها إسرائيل في حرب 1967 إلا من خلال التفاوض. ويريد الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية. وقال حلفاء للولايات المتحدة إن نقل السفارة سيضر بمكانتها الإقليمية بعد انحيازها لإسرائيل في مسألة جوهرية دون التوصل لاتفاق سلام نهائي. ووصف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي توترت علاقاته بالولايات المتحدة الشريكة في حلف شمال الأطلسي نقل السفارة بأنه "إشعال حريق".

مواجهات جديدة

وفي هذا الشأن أعادت اسابيع من المواجهات التي اودت بحياة عشرات الفلسطينيين التركيز على معاناة سكان قطاع غزة، ووضعت القضية الفلسطينية مجددا في واجهة الاحداث العالمية، الا ان المحللين يشككون في استمرار الاهتمام الدولي بهذا الملف الشائك والمزمن. وادت الاحتجاجات الفلسطينية على حدود قطاع غزة الى مقتل 62 فلسطينيا خلال 24 ساعة واصابة اكثر من الفين آخرين في وقت لاحق، بالتزامن مع احتفال اسرائيل بنقل مقر السفارة الاميركية الى القدس.

وبذلك ارتفع إلى أكثر من 110 عدد القتلى الفلسطينيين منذ بدء "مسيرات العودة" في 30 آذار/مارس في غزة، حيث يتجمع الالاف على طول السياج الامني مع اسرائيل للتظاهر في اطار "مسيرة العودة". وتتهم اسرائيل حركة حماس التي تسيطر على القطاع، باستخدام هذه المسيرات ذريعة للتسبب باعمال عنف. وطغت الاحتجاجات الفلسطينية على خبر نقل السفارة، بينما تناقلت وسائل الاعلام المشاهد المتناقضة بين تدشين ابنة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ايفانكا للسفارة، وبين مقتل عشرات الفلسطينيين على حدود غزة.

وسادت تكهنات حول مفاوضات غير مباشرة تجري بين حركة حماس واسرائيل، في حين ساد الهدوء الحذر منطقة الحدود مع اسرائيل في قطاع غزة، مع مشاركة بضعة الاف فقط في التجمعات وتسجيل اشتباكات محدودة. ولم يتضح حتى الآن ما اذا كانت هذه التظاهرات ستحدث تأثيرا مهما في مسار حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. واقتصرت ردود الفعل حتى الان على استدعاءات لسفراء مع تنديدات دولية بسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين.

فقد اتخذت تركيا وايرلندا وبلجيكا وجنوب افريقيا خطوات دبلوماسية ضد اسرائيل، بينما دعت دول اخرى الدولة العبرية الى ممارسة ضبط النفس تجاه متظاهرين غير مسلحين. وعرقلت الولايات المتحدة اصدار بيان لمجلس الأمن يدعو لإجراء تحقيق مستقل لكشف ملابسات أعمال العنف، والقت ادارة ترامب باللوم على حركة حماس. ويقول مخيمر أبو سعدة، استاذ العلوم السياسية في جامعة الازهر في غزة ان حماس تأمل في تخفيف الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من عشر سنوات، وأن تفتح مصر معبر رفح الذي يربط القطاع بالعالم الخارجي والمغلق الا في حالات استثنائية. وأضاف "نتيجة الضغوطات الدولية المتزايدة، قد تعمل اسرائيل على ايجاد حل للوضع الانساني المتدهور في غزة".

ويرى هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ان ادارة ترامب والقوى العالمية الاخرى فشلت في تقديم موقف موحد. وقال "اثبت المجتمع الدولي انه غير راغب وغير قادر على كبح تصرفات اسرائيل، ما ادى الى تعزيز موقفها". ومن جانبه، أشار مارك هيلر من معهد دراسات الامن القومي في جامعة تل ابيب ان حكومة بنيامين نتانياهو، التي تعد الاكثر يمينية في تاريخ اسرائيل، ستقاوم الضغوطات الخارجية. واوضح "لن تقوم الحكومة بأي شيء رغم الاصوات التي تعالت لتخفيف الحصار كونها لا تعتبر حركة حماس شريكا" للسلام.

وخاضت اسرائيل وحركة حماس التي تحكم القطاع الفقير ثلاث حروب منذ نهاية 2008، ادت الى الحاق اضرار جسيمة بقطاع غزة. وبدأت حماس باعتماد لغة جديدة تشجع فيها التظاهر على اطراف قطاع غزة. وتعتبر اسرائيل ان استخدام المتظاهرين للزجاجات الحارقة والعبوات الناسفة دفع الجنود الى اطلاق النار عليهم، كما تؤكد ان جنودها تعرضوا لاطلاق نار. وأصيب جندي اسرائيلي واحد منذ بدء الاحتجاجات في 30 من آذار/مارس الماضي. بحسب فرانس برس.

وتقول ريهام عودة وهي محللة سياسية في غزة "قد نشهد بعض التخفيف عن الحصار، ولكن سيشعر الناس الذين فقدوا ابناءهم بخيبة امل كبيرة". ويقول محللون ان حماس لا تبحث عن حرب جديدة مع اسرائيل، لانها تعرف ان تأثيرها سيكون مدمرا على الفلسطينيين الذين يعانون اصلا الكثير من الحصار الخانق المفروض عليهم. ويتابع هيلر "حماس لن ترفع العلم الابيض ولا بد من توقع مواجهات جديدة عاجلا ام آجلا".

عنف مستمر

على صهيد متصل دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجددا عن تعامل القوات الإسرائيلية مع الاحتجاجات على حدود قطاع غزة وألقى باللوم في وقوع العنف على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم القطاع وذلك وفقا لمقتطفات من مقابلة مع شبكة (سي.بي.إس) الإخبارية. ووفقا لمقتطفات من المقابلة قال نتنياهو ”إنهم يدفعون المدنيين - النساء والأطفال إلى خط النار بهدف وقوع ضحايا. نحن نحاول تقليل عدد الضحايا إلى أقل حد. إنهم يسعون إلى وقوع ضحايا من أجل الضغط على إسرائيل وهو أمر بشع“. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن 60 فلسطينيا قتلوا منهم رضيعة عمرها ثمانية أشهر من جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع في مخيم للمحتجين. وقال مسعفون محليون إن أكثر من 2200 فلسطيني أصيبوا إما بالرصاص أو من جراء الغاز المسيل للدموع.

وقال نتنياهو إن الوسائل غير الفتاكة لم تجدي نفعا ”لذلك لا تجد أمامك سوى الخيارات السيئة“. وأضاف ”لو لم تدفعهم حماس إلى هناك لما حدث شيء. حماس مسؤولة عن هذا وهم يقومون بذلك بشكل متعمد“ وذلك مكررا اتهامه الذي وجهه للحركة. ووصف زعماء فلسطينيون الاحداث بأنها مذبحة كما أثار استخدام القوات الإسرائيلية الذخيرة الحية قلقا وإدانات على مستوى العالم.

الى جانب ذلك قالت مؤسسات حقوقية فلسطينية إن إسرائيل اعتقلت 551 فلسطينيا في أبريل نيسان بينهم 124 طفلا وتسع نساء. وأضافت مؤسسات نادي الأسير الفلسطيني والضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان وهيئة شؤون الأسرى ومركز الميزان لحقوق الإنسان في بيان مشترك ”عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ أكثر من 6000 أسير منهم 63 سيدة من بينهن ثماني فتيات قاصرات ونحو 350 طفلا ووصل عدد المعتقلين الإداريين إلى نحو 450 معتقلا“.

وذكر البيان أن ”حوالي 430 معتقلا إداريا يواصلون مقاطعة محاكم الاحتلال بكافة مستوياتها منذ فبراير شباط“. وتستخدم إسرائيل قانونا بريطانيا قديما يتيح لها اعتقال الفلسطينيين لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر دون محاكمة. وتكون هذه الفترة قابلة للتجديد. وقالت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية في بيانها ”عدد المعتقلين المحكومين بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو عدة مرات ارتفع إلى 537 معتقلا بينما يقضي 484 معتقلا أحكاما صدرت بحقهم لأكثر من 20 سنة أو أقل من مؤبد“. بحسب رويترز.

وأضاف البيان ”431 معتقلا صدرت بحقهم أحكام تتراوح ما بين 15و20 سنة و275 معتقلا يقضون أحكاما بالسجن تتراوح ما بين 10 و15 سنة“. وقال نادي الأسير في بيان له ”اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 26 مواطنا من محافظات الضفة الغربية “. وأضاف أن من بين المعتقلين ”ثلاثة فتية لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر عاما من بلدة العيسوية في القدس“.

انتقاد نادر

من جانب اخر قال وزير بريطاني إنه ينبغي للولايات المتحدة أن تظهر فهما أكبر للأسباب الجذرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وذلك في انتقاد واضح لأقوى حلفاء بريطانيا. وأدلى أليستير بيرت وزير شؤون الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية بالتصريحات خلال جلسة بالبرلمان بشأن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس ومقتل عشرات الفلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية خلال احتجاجات على حدود قطاع غزة.

وقال بيرت ”ستظل الولايات المتحدة جزءا محوريا مما ينبغي عمله في إسرائيل لكنها تحتاج لإدراك أكبر لبعض القضايا الكامنة“. وعارضت بريطانيا قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، شأنها شأن كل الدول الأخرى وخاصة معظم الحلفاء الغربيين. وخلال جلسة البرلمان، ندد الكثير من النواب باستخدام إسرائيل الذخيرة الحية ضد المحتجين ووجه بعضهم انتقادات قوية للسياسة الأمريكية وقالوا إنه ينبغي إلغاء زيارة ترامب لبريطانيا المقررة في يوليو تموز.

ورفض بيرت الفكرة ولكنه اقترح أن تسعى لندن لنقل رسالة انتقاد إلى واشنطن. وأوضح ”في التعامل مع الولايات المتحدة وهي شريك مهم بالمنطقة لكنها لا تفطن دوما للصواب، نحن واضحون ومباشرون تماما ونأمل أن تدفع أحداث الأيام الماضية الأفراد (المعنيين) إلى إدراك أن هذا (الصراع الإسرائيلي الفلسطيني) لن يدار ولن يتحرك دون تدخل خارجي“. وتعتبر بريطانيا صداقتها مع الولايات المتحدة ”علاقة خاصة“ ونادرا ما تنتقد واشنطن علنا. وحظيت العلاقة بأهمية إضافية بالنسبة لندن مع استعداد المملكة المتحدة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي. لكن العلاقات تعرضت لاختبارات في عهد إدارة ترامب بسبب خلافات في السياسة بشأن قضايا منها قراره الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا