مسيرات العودة: تجدد الصراع بين النكبة والاستقلال
وصال الاسدي
2018-05-07 05:20
مرت سبعة عقود ولازال عرب فلسطين يقارعون الاحتلال، من اجل استعادة الارض التي استولت عليها اسرائيل بعد انتهاء الانتداب البريطاني، التي اعتبر عيد الاستقلال لليهود، وتشهد الحدود المشتركة احتجاجات متواصلة الا انها تصل ذروتها في ذكرى النكبة المصادف الخامس عشر من ايار منذ العام 1948م، بعد اعتراف امريكي بالقدس عاصمة الدولة السامرة سال حبر كثير ودم غزير للاسترداد الارض ولم يفقد الاجئين الامل.
الترجيديا الفلسطينية
حسين ماضي استشهد في عيد ميلاده الرابع عشر، نصبت أُسرته سرادق العزاء، واضاءت قناديل الحزن بدل عن شموع الفرح، غادر البدر سماؤها، لتظلم بعده حياتها، والدة حسين لم تجف دموعها منذ ثلاثة ايام لتروي بنحيبها اخر حديث دار بينها وبين ابنها الشهيد" طلب مني قميصا وبنطالا جديدين (بمناسبة عيد ميلاده) وأن اصطحبه لتناول الغداء، أنا وهو فقط لكن منذ بدء الاحتجاجات، كان يعود إلى المنزل في نهاية اليوم"، مضى الى جوار ربه برصاص القوات الإسرائيلية، حسبما قال أقاربه لمراسل رويترز، ليصبح أصغر قتيل بين 30 فلسطينيا لاقوا حتفهم خلال احتجاج مستمر على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل.
يحيى الفلسطينيون الذكرى السبعين "للنكبة" عندما تشرد مئات الآلاف منهم في ظل أعمال عنف بلغت ذروتها بحرب بين إسرائيل والعرب في مايو 1948، واستمرت الى الاحتجاجات الى يومنا هذا اذ يقطف رصاص الاحتلال الشباب هناك كالازهار، ويتساقطون لترتوي الارض بدمائهم وتزهر مقاومين جدد، أحمد (37 عاما) احد المشاركين في الاحتجاجات ويعمل موظفا حكوميا يقول: "بعض الناس بيفكروا انه احنا أغبياء إذا بنفكر انه اسرائيل ممكن تسمح لنا بالعودة، لكن احنا ما راح نتوقف عن المحاولة بأن نرجع.
مثل المليوني فلسطيني الذين يقطنون القطاع الفقير ينحدر أحمد من أسرة لاجئة من مدينة يافا الساحلية الواقعة جنوبي تل أبيب، ويضيف " أثناء الوقوف على تل مطل على السياج الحدودي ”ليس هناك سلام ولا وظائف ولا مستقبل إذن ما الفرق بين الموت والحياة؟ إذا مكتوب انه نموت فمش لازم نموت عبث بلا مقابل".
نكبتنا استقلالهم
هنا يخيم الحزن على ضفاف الغربية، اهلها منهمكون بجمع الحجارة لرشق المحتل، يقاومون ويتحدون حتى الغاز المسيل للدموع بطرائق تقليدية من اجل البقاء اطول فترة في ساحة الاحتجاج، املا منهم ان يهدموا ذلك الجدار الذي شطر الفؤاد الفلسطيني الى نصفين احدهما اصيب بالعجز التام والاخر في العناية المركزة، وهناك رفاهية العيش و جيش متكامل العدة والعدد يحمي القومية اليهودية.
يواجه سيل الاحتجاجات بوابل من الرصاص، التناقض الذي جمعته عدسة مصور رويترز ترجم احد القضايا الرئيسة التي يقاتل من اجلها الفلسطينيون ويدافع عنها الاسرائليون الاول مطالبا بالعودة والثاني رافضا خشية ان تفقد بلاده اغلبيتها اليهودية، وتأتي الاحتجاجات في وقت يتنامى فيه الإحباط حيال احتمالات قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتوقف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين منذ عدة سنوات فيما توسعت المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، كما أجج قرار الرئيس الأمريكي العام الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الغضب الفلسطيني.
وكالة فرنس برس نقلت المواجهات التي اندلعت في "يوم الارض" في 30 آذار/مارس الماضي مع بدء "مسيرة العودة"، ادت الى مقتل 19 فلسطينيا في أعلى حصيلة منذ حرب 2014، احرق المتظاهرون اطارات سيارات في محاولة لاضعاف الرؤية، ورشقوا بالحجارة الجنود الاسرائيليين الذين ردوا باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص الحقيقي.
من قلب المسيرة
محمد أبو مصطفى (17 عاما) الذي فقد ساقه اليمنى قبل أشهر بسبب رصاصة من جندي إسرائيلي طإحنا نحاول نشتت تركيز الجنود مشان (من أجل) ما يواصلوا قتل وجرح الناس. الجنود الإسرائيليين راح يكونوا قلقانين من الطيارات الورقية اللي بتحمل شعلة نار وخايفين إنه ممكن تنزل على رؤوسهم أو على الأحراش من حولهم وتحرقها".
وأضاف وهو يستند على عصاه "هذه الطيارات الورقية بتشعل النار والأشجار.. مش بس بتكلفهم خسائر بل كمان بتشغلهم في محاولة إطفاء الحرائق"، وقالت سمية ابو عوّاد (36 عاما) التي كانت برفقة بناتها الثلاث وطفلها "نستعد للمشاركة في مسيرة العودة. انا من قرية هربيا (في اشارة الى قرية هجرها اجدادها ابان حرب 1948) ومن حقي اعود لها".
من الوسائل البدائية التي ياتستخدمها المحتجون هي البصل، اذ يخفف من تأثير الرائحة القوية لكنه لا يمنع وصول الغاز، وأضافت أنه تم نقلها مرتين إلى خيمة طبية لتلقي العلاج.
ويفضل مازن النجار (15 عاما) خليطا من عدة مكونات عبارة عن عبوة مياه غازية فارغة محشوة بالقطن والعطر والفحم، عندما سئل عما يتمنى أن يكون في المستقبل صمت برهة ثم قال ”ربما صانع أقنعة“.
بينما يقول عبد الله (16 عاما) الذي كان يقف مع عدد من الاطفال والصبية الذين يحملون عددا من الطائرات الورقية بعد دراستهم لاتجاه الرياح "نصنعها لنوصل رسالة اننا قادرون على ازعاج الاحتلال".
يضيف "نحن لا نعجز. هذه وسائل المقاومة. هم يريدوها سلمية هذه وسيلة مقاومة سلمية جديدة لن تستطيع صواريخ الاحتلال منعها، وفي اي مكان تسقط فيه عندهم (الجانب الاسرائيلية) ستحرق المزارع الاسرائيلية".
وسائل بدائية تربك العسكر
يؤكد جمال الفاضي استاذ العلوم السياسية في غزة ان "تظاهرات العودة على الحدود خلقت وسائل ابداعية لها تأثير ايجابي على القضية الفلسطينية عالميا اكثر من اي قوة العسكرية".
مشيرا الى ان "الامل تجدد لدى الشباب الغزي المحبط واليائس بسبب الحصار الاسرائيلي والانقسام (الفلسطيني) بفضل الاشكال النضالية السلمية".
الطائرات الورقية سلاح فلسطيني جديد للاحتجاج على حدود قطاع غزة حول فتية فلسطينيون في غزة التي تشهد حركة احتجاج دعما للاجئين تحت شعار "مسيرة العودة"، الطائرات الورقية التي يلهو بها الاطفال الى وسيلة "لمقاومة الاحتلال"، احرقت اشجارا وحقولا اسرائيلية بمحاذاة الحدود الشرقية للقطاع المحاصر، ويبدو ان الطائرات الورقية في طريقها للتحول الى احد رموز "مسيرة العودة" التي بدأت في 30 آذار/مارس للمطالبة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا او فروا من بيوتهم عند قيام اسرائيل 1948 حسب ما نقلت رويترز.
ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي رسم كاريكاتوري لطفل فلسطيني يطلق طائرة ورقية كتب عليها "اف-16 فلسطينية" باتجاه جندي اسرائيلي، وتحت شجرة في بستان للزيتون على بعد مئات الامتار عن الحدود مع اسرائيل شرق مدينة غزة، تجمع عدد من الاطفال وبحوزتهم العيدان والورق الملون وعبوات معلبات معدنية فارغة يصنعون منها طائرات ورقية من احجام مختلفة.
وما ان انتهى فريق منهم من صناعة اول طائرة ورقية قطرها حوالي ستين سنتيمترا وتحمل الوان العلم الفلسطيني، حتى قام فتى بربط سلك معدني في ذيل هذه الطائرة بعبوة كوكا كولا معدنية محشوة بقماش مبلل بالوقود.
وحمل ثلاثة من الاطفال الطائرة الورقية المجهزة واقتربوا عشرات الامتار من الحدود، ثم اشعلوا العبوة فطارت عشرات الامتار فوق مناطق اسرائيلية زراعية حدودية، وقطعوا بعد ذلك الخيط لتسقط الطائرة فوق احراش قريبة من الحدود ما ادى لاندلاع حريق وسط الاشجار، الى جانب احراق الحقول والاشجار، يريد عدد من هؤلاء الفتية ازعاج الجنود القناصة الاسرائيليين الذين يتحصنون وراء تلال رملية داخل ابراج المراقبة العسكرية على الحدود.
ويريد ناشطون استخدام هذه الطائرات الورقية لغرض آخر، وقالوا لفرانس برس انهم سيطلقون عشرات الطائرات الورقية تحمل رسائل مكتوبة باللغتين العربية والعبرية تحمل عبارات "لا مكان لكم في فلسطين، لا تستجيبوا لقيادتكم فانهم يرسلونكم الى الموت او الاسر"، تهدف من خلالها الى زعزعة الحصار الذي تفرضه اسرائيل على غزة منذ أكثر من عشر سنوات لاضعاف حركة حماس التي تسيطر على القطاع.
شاهد عيان
يدرك المصورون الصحفيون أحيانا في هذا الجزء من الثانية بين رؤية ما يحدث والتقاطه بعدساتهم أنهم بصدد لحظة مميزة، ينقشع الدخان لتلتقط عدسة المصور لحظة الاحتجاج، شبان محتجون قرب الحدود بين قطاع غزة واسرائيل، قرب حدود غزة مع إسرائيل شرقي المدينة سنحت واحدة من تلك اللحظات لمصور رويترز محمد سالم وهو يشم رائحة المطاط المحترق ويستشعر خطر الرصاص والغاز المسيل للدموع، بحكم خبرته الممتدة منذ 17 عاما كمصور صحفي في قطاع غزة، كان سالم يعرف أن أحداث يوم الجمعة ستكون أكثر سخونة عن غيره من الأيام في مخيمات الاحتجاج التي أقيمت على طول الحدود بين غزة وإسرائيل الأسبوع الماضي.
ومنذ 30 مارس آذار، أخذ آلاف المتظاهرين الفلسطينيين في دفع إطارات السيارات المشتعلة وإلقاء الحجارة، أحيانا باستخدام المقاليع، أثناء اشتباكات يومية مع الجنود الإسرائيليين على الجانب الآخر من السياج الحدودي.
وهذه مهمة صحفية قد تكون قاتلة. فمنذ بدء الاحتجاجات في 30 مارس آذار، قتل أكثر من 27 فلسطينيا بالرصاص وأصيب صحفيون، لذا ذهب سالم إلى المكان مبكرا قبل أن يصل المحتجون مرتديا خوذته وسترته الواقية من الرصاص التي تبرز هويته الصحفية بوضوح كما حمل قناعا واقيا من الغاز.
وبين الساعة الثانية والثالثة بعد الظهر اشتدت الاحتجاجات وفجأة انقشع الدخان وحانت اللحظة، ويسترجع سالم ما حدث قائلا ”كنت على بعد 300 متر من السياج. وكان هؤلاء الشبان ينادون على شبان آخرين ويحثونهم على التقدم من أجل عبور السياج الحدودي“.
ويقول سالم ”كان المكان كله مغطى بالدخان الكثيف المتصاعد من إطارات محترقة كثيرة. اقتربوا من بعضهم البعض في حماس. وفي الخلفية أطلقت القوات الإسرائيلية الغاز الكثيف المسيل للدموع وحاولت إطفاء الإطارات المحترقة، ويضيف "في اللحظة التي رأيت فيها المشهد، علمت أنها صورة جيدة وقوية"، بمجرد أن التقط سالم صورته، اختفى الشبان وسط الدخان الأسود الكثيف باتجاه الحدود والقناصة الإسرائيليين
وبعد أن حسب سالم حساباته وجد أن من الخطر للغاية الذهاب معهم كما أن الدخان الأسود الذي أضفى على الصورة بعدا دراميا عاد ليحجب الرؤية مما يجعل التقاط الصور مهمة مستحيلة. وجعل الدخان أيضا سالم لا يعرف ماذا يحدث من حوله لذا حان وقت مغادرة المكان، كان سالم يعرف ما بات بحوزته وتوجه مباشرة إلى مكتب رويترز في مدينة غزة ليقوم بنشر ما لديه ولذلك فهو لا يعرف ما حدث للشبان الذين ظهروا في الصورة، شعرت أن الصورة مليئة بالغضب والحماس، ويشهد القطاع حصارا يكاد يكون مستمرا، مع استثناءات نادرة، منذ سيطرة حركة حماس عليه قبل حوالي 12عاما حيث يعيش الفلسطينيون هناك ظروفا إنسانية واقتصادية صعبة.