العمالة الأجنبية في الخليج: حقوق منتهكة وتهديد بالترحيل

عبد الامير رويح

2018-03-24 06:35

تتواصل معاناة العمالة الآسيوية في العديد من دول الخليج العربي، بسبب ضعف القوانين الخاصة بحماية حقوقهم ومصالحهم وهيمنة ظاهرة "الكفيل" التي تمتهن حقوق وكرامة العمال، ويبلغ عدد السكان في الدول الخليجية الست بحسب بعض المصادر 47.5 مليون شخص، وعدد العمالة الوافدة قرابة 17 مليون ويرتفع العدد الكلي للأجانب الى حوالي 23 مليون شخص او أكثر بعد إضافة افراد أسر العمالة الوافدة، مما يعني تشكيلهم قرابة نصف عدد السكان في دول الخليج، وبلغ مجموع تحويلاتهم المالية حوالي 80 مليار دولار سنويا "بعض المصادر تقدر التحويلات بحوالي 100 مليار".

وتقول النقابات ومنظمات حقوق الإنسانكما نقلت بعض المصادر، إن العمال الوافدين في دول الخليج يتقاضون أجوراً متدنية ويعملون في بيئة خطيرة ودون أي حماية قانونية، وهو أمر بات واضحاً من خلال حادثة وفاة عدد من عمال البناء في قطر، التي تقوم ببناء عدد من ملاعب كرة القدم تمهيداً لاستضافة مونديال سنة 2022. ولا تختلف أحوال العمال الوافدين في الدول الخليجية الأخرى. ففي السعودية يعاني كثير من العمال المهاجرين، بحسب ما تقول منظمة العفو الدولية، من الاستغلال وإساءة المعاملة. بالإضافة إلى ذلك، تشن السلطات السعودية منذ مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني حملة شعواء على العمال الذين انتهت إقاماتهم، راح ضحيتها بعض العمال خلال مواجهات مع الشرطة.

الغريب في الأمر أن دول الخليج الغنية لا يمكنها الاستغناء عن العمالة الوافدة، التي يشكل منها جزء صغير فقط عمالة مؤهلة، كالمدراء والأطباء والمهندسين. أما الباقون فيعملون في وظائف تتطلب جهداً جسدياً كبيراً، مثل تعبيد الطرقات وبناء المباني، إلى جانب قيادة سيارات الأجرة والشاحنات ووظائف لا يرغب أبناء البلد في القيام بها.

ويأتي معظم هؤلاء العمال من الفلبين والهند ونيبال ودول آسيوية وإفريقية أخرى. هذه المعاناة والانتهاكات المستمرة تسببت ايضا بحدوث ازمات ومشاكل بين دول الخليج وبعض الدول الاسيوية التي طالبت بايجاد حلول وقوانين تحمي مواطنيها. ولعل اخرها الازمة بين الكويت والفليبين بسبب مقتل خادمة عثر على جثتها مخبأة في ثلاجة داخل منزل.

الفليبين والكويت

وفي هذا الشأن دفع العثور في الكويت على جثة عاملة المنزل الفيليبينية جوانا ديمافيليس في ثلاجة في شقة مهجورة، سلطات البلد الاسيوي الى فرض حظر على توجه الفيليبينيين الى الدولة الخليجية للعمل فيها. لكن العمال الفيليبينيين في الكويت، الذين تقدر أعدادهم بنحو 250 ألفا، يضعون جانبا مخاوفهم من ان يلقوا مصيرا مشابها، أو ان يتعرضوا لسوء معاملة،، خوفا من خسارة وظائف تشكل مصدر دخل رئيسي لعائلاتهم في بلدهم الأم.

لوسفيميندا (40 عاما) تعمل في صالون حلاقة وسط العاصمة الكويت منذ عام 2013 من أجل إعالة أبنائها الخمسة الذين يقيمون مع والدتها في الفيليبين. ومغادرة الكويت، رغم الظروف السياسية والدبلوماسية المتوترة بين البلدين، ليست خيارا بالنسبة الى لوسفيميندا. وقالت الموظفة أثناء ممارستها رياضة المشي في حديقة عامة "أحتاج الى المال. أكبر أولادي التحق بالجامعة هذا العام لدراسة إدارة الأعمال (...) المصاريف مرتفعة جدا، وما كنت لأقوى عليها لو كنت في بلادي".

وبدأت الازمة بين الكويت والفيليبين بعدما عثرت السلطات الكويتية على جثة عاملة المنزل جوانا ديمافيليس (29 عاماً) عليها آثار تعذيب، في ثلاجة في شقة مهجورة تعود لزوجين. وأكدت السلطات اللبنانية والفيليبينية توقيف الزوجين في دمشق، وهما نادر عصام عساف اللبناني، وزوجته السورية. وتم نقل عساف الى لبنان بينما أبقت السلطات السورية زوجته على أراضيها.

وشن الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي هجوماً على الكويت بعد الاعلان عن وفاة ديمافيليس وظهور تقارير حول حصول اساءات ضد عاملات اخريات، وأعلن "حظراً" على عمل الفيليبينيين في الكويت ينص على منعهم من التقدم للحصول على تصريح للعمل هناك.

ووسعت الفيليبين بعد ذلك الحظر، واعلنت مانيلا فرض "حظر تام" على الوظائف الجديدة في الكويت يشمل الذين حصلوا على تصاريح عمل والذين لم يغادروا بعد الى الكويت. من جهتها أعلنت الكويت انها فتحت تحقيقا في ورود تقارير بحصول اساءات اخرى، مشددة على ان عددها ضئيل مقارنة باعداد الفيليبينيين العاملين في الكويت والذين يقدرون باكثر من 250 الف فيليبيني. ودعت الكويت دوتيرتي الى زيارتها لكنه لم يرد بعد على الدعوة.

ويعمل أكثر من مليوني فيليبيني في منطقة الشرق الاوسط ويضخون مليارات الدولارات في اقتصاد بلادهم من الأموال التي يرسلونها لأسرهم سنويا. وفي الكويت تعتمد الكثير من القطاعات الحكومية على العمالة الفيليبينية، بينما يفضل المواطنون والوافدون أيضا الاستعانة بخادمات فيليبينيات بالنظر إلى مستواهن التعليمي وسهولة اندماجهن.

لكن في ظل الازمة، لا تخف لوسبيميندا خشيتها من فقدان عملها في الكويت. وقالت "شعرت بخوف حقيقي في البداية لاني اريد البقاء هنا ، حتى ينهي أطفالي دراستهم"، مضيفة "لكن إن طلبت مني الحكومة المغادرة، لا املك سوى أن أنفذ الأوامر". ومصير عمل لوسبيميندا، كآلاف غيرها، معلق في أيدي المسؤولين الفيليبينيين والكويتيين. وزار الكويت وفد من وزارة العمل الفيليبينية بهدف الوقوف على "تداعيات قرار حظر إرسال العمالة".

وسيزور وفد آخر الدولة الخليجية هذا الاسبوع لمناقشة اقتراح توقيع اتفاقية بين البلدين تخص العمالة المنزلية. ويرى رئيس لجنة حقوق الانسان البرلمانية عادل الدمخي ان "عدة حوادث بشعة من الطرفين وقعت، لكن للأسف الجرائم التي يرتكبها كويتيون تبرزإ اعلاميا اكثر من تلك التي ترتكبها الخادمات". واستبعد اي نية للحكومة او الشركات "لإنهاء عقود هذه العمالة"، لكنه أكد ان حظر استقدامها "قد يكون خيار الكويت إن طالت الازمة وتضررت سمعة البلاد دوليا". بحسب فرانس برس.

في هذا الوقت، تنتظر روز (56 عاما) التي تعمل في الكويت منذ 1997، ان تحدد الدبلوماسية والسياسة مصيرها في الكويت. وتقول "عملت لدى خمس عائلات، آخرها عائلة اميركية وهي تعاملني معاملة جيدة. أنا أطبخ ما أريد، وأمارس الرياضة بمفردي كل صباح، وأساعد عائلتي على مواجهة اعباء الحياة". وتابعت "لا أريد ان اغادر".

اجور العمال

الى جانب ذلك أعلن وزير العمل القطري عيسى النعيمي ان قطر فرضت حدا أدنى للاجور يبلغ 750 ريال شهريا للعمال الاجانب في تعديل أدخلته الدولة المضيفة لدورة كأس العالم لكرة القدم في 2022. وقال النعيمي ان هذا الراتب الذي يعادل 195 دولارا (166 يورو)، لا يشمل اجور السكن ولا الغذاء والعلاج الطبي الذي يتحمله رب العمل. وأكد ان هذا المبلغ موقت وتجري دراسة زيادته حاليا.

وكان الحد الادنى للاجور جزءا من مجمل اصلاحات لقانون العمل اعلنت عنها الدوحة التي تواجه انتقادات بشأن ظروف عمل حوالى مليوني عامل أجنبي يعملون في ورشات البناء لمباريات كأس العالم 2022. وأوضح النعيمي ان "الحد الادنى الموقت المحدد ب750 ريالا شهريا سيدخل حيز التنفيذ فورا ونواصل عمليات تقييم لتحديد الحد الادنى الثابت". وأضاف "لن نوافق على أي عقد عمل حدد فيه الاجر باقل من 750 ريالا شهريا".

وقال ان "كل العقود يجب ان تحصل الآن على موافقة وزارة العمل". وأضاف انه "اذا تم تعديل اي عقد فسنطبق عليه الاجراءات الجديدة". ومن التعديلات الاخرى التي ادخلت الزام ارباب العمل بتسجيل عقود العمل لدى الحكومة ومنعهم من منع العمال من مغادرة البلاد او تغيير العمل.

وكانت منظمة العمل الدولية قررت في الثامن من تشرين الدولي "اغلاق شكوى" ضد قطر تتهمها بانتهاك حقوق العمال المهاجرين، وإطلاق "برنامج شامل للتعاون الفني مدته ثلاث سنوات" معها. وتندد منظمات اهلية ونقابات منذ سنوات بظروف عمل حوالى مليوني عامل أجنبي في هذه الدولة الخليجية، خصوصا في الورشات المتعلقة بكأس العالم. بحسب فرانس برس.

وفي 2014 فتحت منظمة العمل تحقيقا حول امكانية انتهاك قطر التزاماتها بموجب معاهدات مكافحة العمالة القسرية ومنها ضمان الحماية القانونية للعمال الاجانب. وتواجه قطر مقاطعة سياسية واقتصادية من السعودية ومصر والبحرين والامارات التي تتهمها بدعم "مجموعات ارهابية" والتقرب من ايران. وقال النعيمي ان "التزام قطر لا يتوقف عند هذا الحد. انه التزام طويل الامد وسندخل تحسينات جديدة" على شروط عمل العمال الاجانب.

وأسقطت منظمة العمل الدولية شكوى ضد قطر بسبب معاملتها للعمال الوافدين في قضية خيمت على استعدادات الدولة الخليجية الغنية لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. واتخذت المنظمة التابعة للأمم المتحدة هذه الخطوة بعد أن ألزمت قطر نفسها بإصلاحات بعيدة المدى من بينها منح العمال حرية الخروج من البلاد وتغيير الوظيفة دون استئذان رب العمل ووضع حد أدنى للأجور دون تمييز وتأسيس صندوق لضمان دفع الأجور المتأخرة.

وقال لوك كورتبيك رئيس الهيئة الحاكمة لمنظمة العمل الدولية”سيتمتع الآن قرابة مليوني عامل في مختلف القطاعات بحماية أفضل بما يشمل نظام لتسوية النزاعات سيتاح أيضا للعمال المحليين المحتاجين“. ويحمي قرار منظمة العمل الدولية قطر من لجنة تحقيق كانت ستؤثر سلبا على صورة البلد الغني بالغاز الذي يأمل في الاستفادة من استضافته لنهائيات كأس العالم لإظهار ما وصل إليه من تقدم وتنمية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي