تركيا: بلد فقدان الحرية
عبد الامير رويح
2017-12-13 04:30
قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير في تركيا تدهورت بشكل كبير في الفترة الاخيرة التي اعقبت الانقلاب العسكري الفاشل، وما تبعها من تطورات مهمة شملت تعديل الدستور الذي قاد وبحسب بعض المصادر، إلى الموافقة على تطبيق النظام الرئاسي وإعطاء صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، وهو ما أثار قلق ومخاوف كبيرة بشأن الاعتقالات المستمرة في تركيا، والتي اعتبرها البعض تحرك انتقامي من اجل القضاء على الخصوم، وسجنت تركيا بمقتضى حالة الطوارئ التي تفرضها، عشرات الالاف من الاشخاص في انتظار محاكمتهم، بينهم اجانب كما تقرر فصل أو قف أكثر من 150 ألفا عن العمل. هذه القضية ايضا ادت الى تدهور العلاقات بين تركيا وبعض اهم حلفائها، ومنها دول الاتحاد الأوروبي التي تنتقد باستمرار سياسات النظام التركي بخصوص ملف حرية التعبير واعتقال الصحفيين وغيرها من الملفات الاخرى.
وفي هذا الشأن اتهم الصحفي دينيز يوجيل، وهو ألماني تركي اعتقلته أنقرة منذ فبراير شباط، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإخضاع مجتمعه بالكامل ”لنظام من الخوف“ وقال إن تركيا تنجرف نحو الفاشية. وأدلى يوجيل، (44 عاما) وهو مراسل لصحيفة دي فيلت الألمانية، بتلك التصريحات في مقابلة مطولة أجرتها معه صحيفة دي تاجيستسايتونج. واعتقلت السلطات التركية يوجيل في 14 فبراير شباط لاتهامه بالدعاية دعما لمنظمة إرهابية خلال حملة من الاعتقالات بعد محاولة انقلاب جرت في يوليو تموز 2016.
وتسبب اعتقاله في تدهور حاد للعلاقات بين أنقرة وبرلين. وقال يوجيل للصحيفة إنه لا يزال في الحبس الانفرادي في سجن سيليفري غربي اسطنبول وأضاف ”الحبس الانفرادي تعذيب“. وأشار يوجيل إلى أن حراس السجن يخشون ارتكاب أخطاء غير محسوبة وقال ”نظام الخوف ليس موجها فحسب لمنتقديه بل يؤثر أيضا على أعضاء أجهزته القمعية“. وأضاف أن إردوغان نفسه لديه الكثير ليخشى منه. وقال ”إنه يعلم ما الذي سيحدث إذا خسر السلطة ولذلك يخضع مجتمعه بأكمله لنظام الخوف“. ويقول إردوغان إن الإجراءات التي يتخذها ضرورية لضمان استقرار تركيا. وقالت الصحيفة إن المقابلة تمت كتابة عبر محامين ممثلين ليوجيل.
اهانة اردوغان
الى جانب ذلك فتحت النيابة العامة التركية تحقيقا بحق زعيم حزب المعارضة الرئيسي على خلفية اتهامات بإهانة الرئيس رجب طيب اردوغان، بحسب وسائل اعلام حكومية. وفتح مكتب النائب العام في انقرة التحقيق بعد ان تقدم محامي الرئيس حسين ايدين بشكوى تتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو بإهانة اردوغان بحسب وكالة الاناضول الحكومية. وعقوبة اتهامات من هذا النوع تصل الى السجن اربع سنوات.
وفي الشكوى التي نشرها ايدين على تويتر، يقتبس المحامي مقتطفات من خطاب لكيليتشدار اوغلو قال فيها ان اردوغان لم يدع تركيا "بسلام". وقال كيليتشدار اوغلو في الخطاب في انقرة "اذا كنتم تبحثون عن خائن للشعب، ذلك الشخص جالس في القصر". واتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري اردوغان "بالتغاضي عن الفساد" وقال انه سيُحاسب على اخطائه. واورد ايدين هذه التصريحات في شكواه.
وقال ان منظمة الاستخبارات الوطنية التركية حذرت اردوغان في نيسان/ابريل 2013 من أن تاجر الذهب التركي-الايراني رضا ضراب ينتهك القوانين الاميركية وان ذلك قد يضر بتركيا. وضراب الذي كان مقربا من الحكومة واردوغان، يمثل حاليا كشاهد رئيسي في محاكمة في نيويورك ضد مصرفي تركي. وقال ضراب ان الرئيس متورط في مخطط لتجاوز العقوبات الاميركية على ايران. وتأتي الشكوى ضد كيليتشدار اوغلو بعد ان رفع اردوغان دعوى بحقه الشهر الماضي على خلفية مزاعم بأن افرادا من اسرة الرئيس، ومنهم شقيقه، قاموا بتحويلات تبلغ قيمتها حوالى 15 مليون دولار الى شركة بيلواي ليمتد، الكائنة في جزيرة مان (ايل اوف مان) التابعة للعرش البريطاني وتعد جنة ضريبية.
وممسكا بمستندات في البرلمان، قال كيليتشدار اوغلو ان لديه اثباتات على التحويلات المفترضة التي قام بها خمسة اشخاص من بينهم نجل اردوغان، احمد براق اردوغان، بين عامي 2011 و2012 لحساب تلك الشركة. لكن اردوغان سارع الى التنديد بالاتهامات ووصفها "بالاكاذيب". وبات زعيم حزب الشعب الجمهوري خلال الاشهر الاخيرة الهدف الرئيسي لهجمات اردوغان، وقال ان الحزب لم يعد حزب المعارضة الرئيسي بل "حزب الخيانة". بحسب رويترز.
والنائب العام نفسه فتح تحقيقا بحق كيليتشدار اوغلوا لاهانته اردوغان بعد ان دعاه ب"الدكتاتور الفاشي" في تشرين الاول/اكتوبر الماضي. وفتح تحقيق مماثل في 2016 بحق كيلتشدار اوغلو بعد ان وصف اردوغان بشكل متكرر "بالدكتاتور التافه". ورفعت دعاوى بحق الاف الاتراك في السنوات الاخيرة بتهمة اهانة اردوغان. ويندد حزب الشعب الجمهوري باستمرار بالاستبداد في عهد اردوغان وخصوصا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة وعمليات تطهير اعقبت ذلك انتقدها الحلفاء الغربيون.
سجن صحفي تركي
على صعيد متصل ذكرت وسائل إعلام حكومية أن محكمة تركية قضت بسجن صحفي من صحيفة جمهوريت المعارضة لمدة ثلاث سنوات في اتهام بنشر دعاية إرهابية في تغريدة على تويتر نشرتها الصحيفة لفترة وجيزة في مايو أيار الماضي. واتهم أوجوز جوفين رئيس تحرير النسخة الالكترونية بتشويه حملة أنقرة على أنصار رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تقول الحكومة إنه الرأس المدبر وراء محاولة انقلاب فاشلة العام الماضي.
وكانت التغريدة ذكرت أن ممثل ادعاء قتل في حادث طريق مستخدمة تعبير إنه ”دهسته شاحنة“. وقالت الصحيفة، وهي أعمدة المؤسسة العلمانية في البلاد منذ زمن بعيد، إنها عدلت التغريدة بعد دقيقة واحدة لتقول إنه ”لقي حتفه بطريقة مؤسفة في حادث شاحنة“. وممثل الادعاء الذي توفي كان أعد عريضة اتهام ضد شبكة كولن. وينفي رجل الدين أي دور له في محاولة الانقلاب.
وقالت وكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء إن جوفين حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وشهر. وكان حبس احتياطيا في مايو أيار لكن أخلى سبيله في يونيو حزيران انتظارا لمحاكمته. وتجري محاكمة أكثر من 12 من العاملين بصحيفة جمهوريت في قضية منفصلة يقول فيها ممثلو الادعاء إن الصحيفة سيطر عليها أنصار كولن واستخدموها لاستهداف الرئيس رجب طيب إردوغان والتغطية على أعمال جماعات إرهابية. بحسب رويترز.
ويطالب الادعاء بالسجن 43 عاما لطاقم الصحيفة المتهم باستهداف إردوغان ”بأساليب حرب غير متماثلة“. وينفي المتهمون ذلك. ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو تموز 2016 سجنت تركيا أكثر من 50 ألف شخص وأغلقت أكثر من 130 وسيلة إعلامية مما أثار مخاوف بين حلفائها الغربيين بشأن تدهور أوضاع الحقوق والحريات.
تعذيب المعتقلين
من جانب اخر قالت منظمة هيومن رايتس ووتش ان هناك أدلة متزايدة على انتهاكات بحق معتقلين في اعقاب محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا العام الماضي، محذرة من ان عمليات التعذيب في سجون الشرطة أصبح مشكلة "شائعة". وقالت المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها أن هناك "أدلة موثوقة" على 11 حالة من الانتهاكات الخطيرة بينها الضرب المبرح والانتهاكات الجنسية او التهديد بالانتهاكات الجنسية والتهديد والتجريد من الملابس.
لكنها قالت ان الحالات ال11 تمثل جزءا صغيرا من الروايات التي تتمتع بالمصداقية وذكرت في وسائل الاعلام او على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت المنظمة المدافعة عن حقوق الانسان في تقريرها الاخير ان "مثل تلك التقارير تشير الى ان التعذيب واساءة معاملة الموقوفين في سجون الشرطة في تركيا، اصبح مشكلة شائعة". والمعتقلون الذين تعرضوا للانتهاكات متهمون بالارتباط بمنظمات ارهابية او منظمات تعتبرها السلطات مسؤولة عن المحاولة الانقلابية الفاشلة.
ونقل بعض المعتقلين حالات سوء المعاملة الى المدعين او اثناء جلسات محاكمة، لكن هذه المعلومات لم يتم التحقيق فيها "فعليا"، حسب هيومن رايتس ووتش. واتهمت المنظمة تركيا بعدم التحرك "لوقف الزيادة الكبيرة في الانتهاكات في سجون الشرطة السنة الماضية". وحث هيو وليامسون مدير المنظمة لاوروبا وآسيا الوسطى في بيان "مع تزايد الادلة على عودة التعذيب الى سجون الشرطة الى تركيا، فإن الحكومة بحاجة عاجلة للتحقيق ووضع حد لذلك". وقالت المنظمة ان المعتقلين الذي تعرضوا لتلك الانتهاكات، لم يبلغوا عنها خشية اعمال انتقامية تطال اسرهم.
وقالت المنظمة ايضا ان خمس حالات خطف سجلت في انقرة ومدينة ازمير الواقعة غربا، بين آذار/مارس وحزيران/يونيو "يمكن ان ترقى لحالات اخفاء قسري". في احدى الحالات التي أوردتها المنظمة تعرض اوندر اسان وهو استاذ سابق، "للخطف" في نيسان/ابريل وفقد 42 يوما قبل ان يظهر في سجن الشرطة. ثم أرسل الى معتقل تمهيدا للمحاكمة. ولم يصدر تعليق فوري عن الحكومة. بحسب فرانس برس.
قال وزير العدل عبد الحميد غول في وقت سابق ان تركيا "لا تتسامح ابدا إزاء التعذيب" مشيرا الى التزام الحكومة حقوق الانسان. وقالت المنظمة الحقوقية ان "اكبر المخاطر" يواجهها معتقلون يشتبه بارتباطهم بمخططي الانقلاب او بحزب العمال الكردستاني المحظور. وحذرت هيومن رايتس ووتش ايضا من ضغوط على المحامين الذين يواجهون "عراقيل ومخاطر" اضافة الى المخاوف من اعمال انتقامية بسبب الدفاع عن وكلائهم.
جائزة أوروبية
في السياق ذاته انتقدت تركيا بشدة منح أعلى جائزة أوروبية لحقوق الانسان الى قاض تركي معتقل ويتم التحقيق معه في محاولة الانقلاب العسكري الفاشل العام الماضي، معتبرة ان منحه الجائزة "بغير المقبول". وجائزة "فاتسلاف هافل لحقوق الانسان" التي تحمل اسم الكاتب المسرحي المنشق في ما كان يعرف بتشيكوسلوفاكيا الشيوعية سابقا والذي اصبح فيما بعد رئيس جمهورية التشيك، تمنحها الجمعية البرلمانية لمجلس اوروبا، وهي هيئة حقوقية اوروبية.
والجائزة التي تبلغ قيمتها 60 الف يورو (70,700 دولار) تم منحها للقاضي مراد ارسلان، الذي كان يرئس جمعية اتحاد القضاة والمدعين. واعتقل ارسلان في تشرين الاول/اكتوبر 2016 للاشتباه بصلته بمجموعة الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه انقره بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشل ضد الرئيس رجب طيب اردوغان. وأغلقت الحكومة جمعية اتحاد القضاة والمدعين التي كانت من أشد المنتقدين للسلطات، بموجب قانون الطوارئ الذي فرض بعد محاولة الانقلاب الفاشل. ووصفت الجمعية البرلمانية لمجلس اوروبا ارسلان بأنه "من اشد المؤيدين لاستقلال القضاء".
لكن وزارة الخارجية التركية قالت في بيان انه "من الخطأ وغير المقبول منح الجائزة (...) لشخص هو عضو في منظمة فيتو الارهابية". وقالت ان "خطأ كهذا" قد "أضر بشكل خطير بمصداقية" الجمعية البرلمانية لمجلس اوروبا الذي ينبغي ان تكون "المدافع عن اسس الديموقراطية وحقوق الانسان وحكم القانون"، بحسب بيان الخارجية. واضاف البيان "فيما لا تزال العملية القضائية مستمرة، فإن تقديم مشتبه به يحاكم بتهمة الارهاب كمدافع عن حقوق الانسان، هو خيانة لمثل الديموقراطية وحقوق الانسان".
وتابع البيان ان "مثل هذه المقاربة لا تخدم اي هدف سوى مساعدة الدوائر التي تدعم الارهاب". وفي غياب ارسلان، تسلم الجائزة ممثل عن مجموعة "القضاة الاوروبيين من أجل الديموقراطية والحرية" التي رشحته للجائزة. بحسب فرانس برس.
وأقيل آلاف القضاة والمدعين في تركيا في حملة تطهير بموجب حالة الطوارئ التي لا تزال مطبقة. وفي رسالة من سجنه خاطب ارسلان الحفل قائلا ان تركيا "لم تتعلم شيئا" من تاريخ القرن العشرين في اوروبا لكن "لن نسمح بأن يتم اغلاقنا خلف جدار خوف". وتركيا عضو في مجلس اوروبا منذ 1950 لكن العلاقات بينهما توترت بعد ان صوتت الجمعية البرلمانية لمجلس اوروبا في نيسان/ابريل على اعادة المراقبة السياسية لهذه البلد.