الجالية المسلمة في فرنسا.. حقوق يقتلها التطرف
عبد الامير رويح
2015-03-12 08:20
الاعتداء المسلح الذي استهدف المجلة الفرنسية الساخرة المسيئة في العاصمة الفرنسية باريس، كان له الكثير من التداعيات السياسية والاجتماعية التي أثرت سلبا على الجالية المسلمة في فرنسا، والذي يقدر عددهم بنحو ستة ملايين شخص وفق ارقام شبه رسمية، بينما تقول الجالية المسلمة إن العدد الحقيقي للمسلمين في فرنسا يفوق هذا الرقم بكثير، حيث تصاعدت الأعمال المعادية للإسلام وازدادت المضايقات تجاه المسلمين خصوصا مع تنامي نفوذ الأحزاب والحركات اليمين المتطرف المعادية للمسلمين، التي سعت الى استغلال هذا الحادث الإجرامي لأجل تحقيق مصالح خاصة من خلال إثارة الشارع الفرنسي كما يقول بعض المراقبين.
وقد أصدر المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا تقريرا يظهر بالأرقام هذا التصاعد الكبير في الأعمال العدائية ضد المسلمين، فيما قال المرصد إن تلك الأحداث "خلقت شكلاً من الهستيريا المساعدة على تصاعد هذه الأعمال". كما اعلن المرصد عن وصول نحو ثلاثين رسالة إلى عدد من المساجد في المدن الفرنسية، تحتوي على عبارات الإهانة والتحقير للمسلمين. وتتنوع الأعمال العدائية ضد المسلمين في فرنسا ما بين التمييز والخطابات العدائية، إلى جانب إتلاف وتخريب وتدنيس لمباني إسلامية واعتداء لفظي وجسدي، فيما تظل النساء أكثر من يتعرضن لتك الاعتداءات بنسبة تصل لـ80%. هذا بالإضافة الى القرارات والقوانين الأخرى التي اتخذتها الحكومة الفرنسية بعد أحداث شارلي إيبدو، من اجل تضيق الخناق على المجاميع الإرهابية والتي زادت من معاناة الجالية المسلمة، وبحسب تقديرات رسمية فان عدد الفرنسيين المقاتلين مع التنظيمات المتطرفة في سوريا فقط يبلغ أكثر من 390 شخصا.
الأعمال المعادية للإسلام
وفي هذا الشأن فقد أعلنت جمعية "التصدي لمعاداة الإسلام" في فرنسا أن عدد الأعمال "المعادية للإسلام" في فرنسا ارتفع بنسبة 70% منذ الاعتداءات التي قام بها جهاديون في باريس في كانون الثاني/يناير. وهذه الجمعية، المستقلة عن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي (الذي يمثل الإسلام)، أحصت من جهة ثانية 764 عملا "معاديا للإسلام" في 2014، أي بارتفاع 10,6% بالمقارنة مع 2013. بحسب فرانس برس.
من جهته، كشف "المرصد ضد معاداة الإسلام" في المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، الذي تستند أرقامه فقط إلى الشكاوى المقدمة إلى وزارة الداخلية، عن 133 عملا معاديا للإسلام في 2014، مشيرا إلى أن هذا الرقم سجل تراجعا بلغ 41,1% بالمقارنة مع السنة السابقة. وفي المقابل، تتقاطع أرقام جمعية "التصدي لمعاداة الإسلام" في فرنسا، مع أرقام "مرصد المجلس الفرنسي للدين الإسلامي"، للفترة التي تلت الاعتداء الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو" باسم الجهاد.
وبذلك أحصت الجمعية 153 عملا "معاديا للإسلام" بين 7 كانون الثاني/يناير و7 شباط/فبراير (+70%)، فيما كشف المرصد عن 147 عملا معاديا للإسلام رفعت في شأنه شكاوي بين 7 و31 كانون الثاني/يناير. والإسلام هو الدين الثاني في فرنسا، ويبلغ عدد أتباعه 3,5 ملايين نسمة ويستخدمون 2300 إلى 3 آلاف مسجد وقاعة صلاة.
من جانب اخر حاول رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، طمأنة مسلمي فرنسا وممثلي الديانة الإسلامية بعد موجة الاعتداءات التي عصفت بفرنسا غداة الهجمات الإرهابية التي استهدفت مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة بباريس ومتجر يهودي بضاحية فانسان. وقال فالس في خطاب ألقاه في جامعة ستراسبورغ (شرق البلاد) إن "الجمهورية الفرنسية ستحمي جميع أبنائها مهما كانت معتقداتهم الدينية والسياسية وستحمي المساجد من كل الأفعال المناهضة للمسلمين"، معترفا في الوقت نفسه بأن مسلمي فرنسا واجهوا في الآونة الأخيرة "سلسلة تهديدات ووقعوا ضحية مغالطات وأفكار مسبقة".
ودعا مانويل فالس مسلمي فرنسا والجمعيات الدينية بالسعي لمعالجة مشاكلهم بأنفسهم، مؤكدا أن الجمهورية الفرنسية "ستساعدهم وستدعمهم في هذا المسعى". ودعا فالس أيضا في خطابه إلى ضرورة إبراز وإظهار ما سماه "إسلام فرنسا"، إسلام "يتماشى وينسجم مع قيم الجمهورية الفرنسية ويحترم مبدأ العلمانية والنظام الديمقراطي". رئيس الحكومة الفرنسية طالب أيضا وزير الداخلية برنار كازنوف فتح حوار ومشاورات واسعة مع مسلمي فرنسا والجمعيات التي تمثلهم، وكذلك الأخصائيين في الديانات والكتاب والصحفيين حول هيكلة الدين الإسلامي في فرنسا، بعد فشل "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" في مهمته.
وأكد فالس مجددا على أهمية تكوين أئمة ومرشدين فرنسيين يجيدون اللغة الفرنسية ويحترمون قيم الجمهورية ويحبونها. كما وعد بمضاعفة عدد المعاهد الدينية والجامعات التي تهتم بتكوين هؤلاء المرشدين الذين سيعملون في المساجد والسجون من 6 معاهد إلى 12 معهدا في حلول نهاية العام الجاري. وقال فالس في هذا الشأن: "الهدف من تكوين الأئمة والمرشدين هو جعل الدين الإسلامي يتناسب وينسجم مع القيم الحضارية التي تدافع عنها فرنسا"، مشيرا إلى أن الحكومة ستمول بحوث ودراسات تتعلق بالإسلام.
ونفي فالس أن تكون للدولة الفرنسية رغبة بالتدخل في شؤون الديانات بما فيها الإسلام، موضحا أن كل ما تسعى إليه أن تنحصر الممارسة الدينية في الأماكن الخاصة احتراما لمبدئي العلمانية والرأي الآخر، داعيا مسلمي فرنسا إلى إبراز بشكل إيجابي الإرث الإسلامي الغني والذي يشكل حسبه رأيه جزء لا يتجزأ من الإرث الثقافي الفرنسي والعالمي. وقال: "فرنسا غنية بتنوعها وبثقافاتها المتعددة. بحسب فرانس برس.
ودور الحكومة السهر على أن يعيش جميع الفرنسيين في مجتمع موحد ومنفتح رغم الاختلافات السياسية والعقائدية". رئيس الحكومة الفرنسية تحدث أيضا عن ضرورة إيجاد صيغ جديدة لتمويل بناء المساجد لتمكين المسلمين من ممارسة دينهم في أماكن نظيفة ومناسبة، لكنه لم يكشف عن أية خطة. وكان وزير الداخلية برنار كازنوف قد كشف في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي عن إنشاء مؤسسة خيرية تهتم بتمويل بناء أماكن دينية وتنظيم فعاليات ثقافية ذات علاقة مع الجدين الإسلامي في فرنسا. ويعيش في فرنسا نحو خمسة ملايين مسلم.
التطرف الإسلامي
"التطرف الديني وسبل التصدي له" عنوان منتدى نظمته جامعة "ديدرو" بباريس بحضور مختصين في تاريخ الجماعات الجهادية والديانة الإسلامية إضافة إلى باحثين في علمي الاجتماع والنفس ومتخصصين في مجالي الإجرام والقضاء. يهدف المنتدى حول "التطرف الديني وسبل التصدي له" حسب فتحي بن سلامة المتخصص في علم النفس وأحد منظمي الملتقى، إلى فهم الأسباب التي تدفع بعض الشبان الفرنسيين إلى الالتحاق بجماعات جهادية متطرفة في سوريا والعراق والمراحل التي يمرون بها. بحسب فرانس برس.
وقال فتحي بن سلامة "إن الباحثين الجامعيين والمتخصصين في علم الاجتماع والعلاقات الإنسانية سبق وأن لفتوا الانتباه في سنوات الثمانينات إلى خطر التطرّف الديني الذي بدأ يحدق أنذاك في بعض الأحياء الشعبية والمدن الفرنسية، لكن الحكومات المتعاقبة ومسؤولي الأمن في فرنسا لم يأخذوا تحذيرات وإنذارات الباحثين على محمل الجد آنذاك، ما أدى إلى نمو مشكلة التطرّف الديني وتفاقمها اليوم وبالتالي بات من الصعب معالجتها".
من ناحيتها، قالت كريستيان كليرسي، رئيسة جامعة "ديدرو" التطرّف الديني ليس شيئا جديدا في المجتمعات الغربية، بل يعود إلى قرون، مشيرة إلى أن أوروبا عرفت في الماضي مشاكل تتعلق بالتطرف الديني (تقصد الدين المسيحي) وأضافت، أن الجامعة الفرنسية بإمكانها أن تلعب دورا محوريا في معالجة هذه المعضلة، من خلال قيامها بدراسات وتحليلات سوسيولوجية حول معنى وأسباب التطرّف الديني. واقترحت الرئيسة بناء "جسور" بين الجامعات الفرنسية والسجون التي تحول بعضها حسب رأيها إلى أماكن للتطرف الديني والعنف، معلنة أن جامعة "ديدرو" أطلقت ستة مشاريع تعليمية وتربوية مع بعض السجون وهي مستعدة أيضا لاستقبال بعض السجناء الذين أنهوا مدة عقوبتهم من أجل مزاولة الدراسة والتعليم.
هذا، وأشار جان بيير سوير، عضو في مجلس الشيوخ الفرنسي ورئيس مفوضية التحقيق حول الشبكات الجهادية في فرنسا، إلى الدور البارز الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في عمليات التطرّف، قائلا رغم كل الإجراءات والقوانين التي تم التصويت عليها في إطار ما يسمى بخطة "محاربة الإرهاب" من قبل البرلمان الفرنسي، إلا أنها (القوانين) لم ولن تتمكن من الحد من التأثير الذي تمارسه هذه المواقع على الشبان الفرنسيين. وقال "كلما منعنا محتويات جهادية على الإنترنت، كلما ظهرت من جديد على مواقع أخرى"، معترفا بصعوبة القضاء على "الأدب الجهادي" الذي يروج عبر الإنترنت".
وإلى ذلك، اعتبر آلان بويير، وهم مختص في علم الإجرام، أن الأجهزة الأمنية الفرنسية غير مدربة لمواجهة مخاطر الإرهاب ولا تعرف جيدا كيف تتعامل مع الجهاديين الذين يعودون إلى فرنسا بعد أن قضوا أشهرا في سوريا والعراق. وكشف بويير عن وجود ثغرات بداخل الأمن الفرنسي الذي يواجه صعوبات في التأقلم مع الوضع الأمني الجديد. وقال "الأجهزة الفرنسية منذ الستينات تطارد فقط ما يسمى بـ "الجاسوس الأحمر" (يعني الجواسيس الروس) والجاسوس "الأصفر" (العدو الصيني) لكن لم تأخذ الخطر الإسلامي والإرهابي في الحسبان" وأضاف: "مع ظهور لأول مرة في فرنسا إرهابيين مثل خالد كلكال ومحمد مراح ومع تنامي التطرف على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الزمن العدو الأول للاستخبارات الفرنسية بعدما كان حليفها ووجدت نفسها متأخرة نوعا ما في كل ما يتعلق بمحاربة التطرف الديني عبر الإنترنت". وأنهى قوله: "نستطيع أن نخوض معارك ضد الإرهابيين، لكن يصعب علينا كشف المتطرفين الدينيين وإفشال الهجمات الإرهابية قبل وقوعها". بحسب فرانس برس.
أما ماري كرستين لومادولي، وهي نائب لرئيسة بلدية باريس، صرحت أن بلدية باريس ستمول دراسات وبحوث حول التطرف الديني والأسباب التي تقود إليه وستقوم بإشراك علماء النفس والاجتماع في كل المشاريع الاجتماعية والثقافية والمرافق العامة التي ستطلقها لكي تعود بالخير على جميع سكان باريس لأن (المشاريع الثقافية والاجتماعية) تعتبر إجابة أولى على كل أشكال التطرف السياسي والديني.
إجراءات جديدة
الى جانب ذلك أعلنت فرنسا عن إجراءات جديدة هدفها مساعدة المدارس على مكافحة التشدد الإسلامي والعنصرية ومعاداة السامية وذلك في رد فعل على هجمات مميتة لمتشددين إسلاميين. وتشتمل هذه الخطوات على مزيد من التدريب للمدرسين ومزيد من التربية المدنية والأخلاقية في مناهج التعليم العلمانية في البلاد. وهي تأتي بعد شكاوى من عشرات المدارس بشأن تلاميذ رفضوا المشاركة في الوقوف دقيقة صمتا تكريما للضحايا الذين سقطوا في الثامن من يناير كانون الثاني.
ومع أن ملايين الفرنسيين شاركوا في مسيرة دفاعا عن حرية التعبير بعد الهجوم القاتل على صحيفة شارلي إبدو الساخرة فإن آخرين وصفوا الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد بأنها مسيئة ورفضوا حركة "أنا شارلي" التي تهدف للتعبير عن الوحدة الوطنية. وفي انتقاد لم يسبق له مثيل من جانب زعيم فرنسي لفشل فرنسا في دمج جاليات المهاجرين من شمال أفريقيا وأماكن أخرى في المجتمع قال رئيس الوزراء مانويل فالس إن عواقب الهجمات أظهرت أنه يوجد في فرنسا شكل من "العزل الاجتماعي والأخلاقي". بحسب رويترز.
وقال فالس "العلمانية يجب مراعاتها في كل مكان لأنه بهذه الطريقة سيصبح الجميع قادرين على العيش في سلام بعضهم مع بعض." وبموجب الإجراءات الجديدة سيجري تدريب ألف تربوي لمساعدة المدرسين على الرد على أسئلة الطلاب بشأن التقاليد العلمانية في فرنسا والمواطنة والانتماء مع نظام للإنذار المبكر لتحديد السلوكيات المثيرة للقلق ومعالجتها.
التجريد من الجنسية
في السياق ذاته قضت المحكمة العليا في فرنسا أن من الممكن إسقاط جنسية رجل فرنسي مغربي حصل على الجنسية الفرنسية لكنه أدين بتهم إرهاب مما يمهد الطريق لفقدان مزيد من الجهاديين مزدوجي الجنسية لجوازات سفرهم. وكشفت بريطانيا العام الماضي عن إجراءات لتجريد المتشددين الإسلاميين المشتبه بهم من جوازات سفرهم مؤقتا إلا أن فرنسا لم تصل حتى الآن إلى حد استخدام هذا الاجراء بصورة منهجية رغم أن مئات من الجهاديين ينضمون إلى جماعات إسلامية في سوريا والعراق.
ويأتي هذا التحرك بعدما كشفت الحكومة الاشتراكية للرئيس فرانسوا أولوند عن مجموعة من الاجراءات الأمنية الجديدة. وكان أحمد السحنوني اليعقوبي المغربي الأصل الذي حصل على الجنسية الفرنسية في 2013 لجأ إلى المحكمة الدستورية لالغاء قرار تجريده من جنسيته حين أدين في 2013 بتهمة التآمر لارتكاب أعمال إرهابية.
وقال مشرع إن القانون المدني يسمح بتجريد شخص حصل على الجنسية من جواز سفره الفرنسي إذا أدين بتهم ارهاب لكن الاجراء لم يستخدم سوى في ثماني حالات منذ عام 1998. وجادل محامي اليعقوبي بأن تجريده من جواز سفره الفرنسي ينتهك حقوق الانسان لأنه يمثل تمييزا ضده بالمقارنة مع المواطنين المولودين في فرنسا. وكتبت المحكمة الدستورية في بيان أنها "تأخذ بعين الاعتبار ان من حصلوا على الجنسية الفرنسية ومن منحت لهم الجنسية الفرنسية عند الميلاد لهم نفس الوضع.. لكن الفرق في المعاملة الذي استحدث لمحاربة الإرهاب لا ينتهك مبدأ المساواة." بحسب رويترز.
وانتقد نور الدين مسيسي محامي اليعقوبي القرار قائلا أنه اتخذ في "أجواء عاطفية" غير مواتية لموكله. وستتخذ اجراءات لترحيل اليعقوبي إلى المغرب بعد إدانته بتجنيد جهاديين عبر الانترنت وخاصة للقتال في أفغانستان. لكن بالنظر إلى تعليق التعاون القضائي بين فرنسا والمغرب منذ فبراير شباط 2014 فمن الممكن أن تستغرق الإجراءات وقتا طويلا.
اليهود والمسلمين في فرنسا
على صعيد متصل ندد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي يضم عدة هيئات إسلامية فرنسية، بتصريحات روجيه كوكيرمان، رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، والتي قال فيها إن المسلمين وراء جميع الجرائم العنيفة، وقاطع العشاء السنوي الذي تقيمه الجماعة اليهودية والذي كان من المقرر سلفا أن يتحدث فيه فرانسوا هولاند. وخلال العشاء السنوي هذا، حث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند شركات الإنترنت مثل "غوغل" و"فيس بوك"، على محاربة خطاب الكراهية على الإنترنت، لكن حديثه الموجه لجماعة يهودية، شابه خلاف بين زعماء الجاليتين اليهودية والمسلمة في فرنسا.
وأشعل الخلاف التوترات من جديد في بلد تعيش فيه أكبر جالية يهودية وأكبر جالية مسلمة في أوروبا، بعد أسابيع من دعوة الزعماء إلى التحلي بروح "الوحدة الوطنية"،. وكان روجيه كوكيرمان، رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، قال لراديو أوروبا 1 "هناك أمور لا بد من إعلانها بوضوح: كل أعمال العنف اليوم يرتكبها شبان مسلمون." وتابع قائلا "بالطبع إنهم (هؤلاء الشبان) أقلية ضئيلة والجالية المسلمة والمسلمون هم أوائل الضحايا."
ودعا هولاند الذي لم يتطرق مباشرة في كلمته في عشاء المجلس التمثيلي إلى خلاف الممثلين للطائفتين، بأن يكونوا أكثر حذرا في تصريحاتهم. وقال في كلمة ركزت على التمييز، إن قانونا جديدا ضد التطرف الإسلامي الجهادي سيكشف عنه النقاب. وحث أيضا شركات الإنترنت الكبيرة مثل غوغل وفيس بوك، على الاتفاق حول كيفية محاربة انتشار خطاب الكراهية في مؤتمر سيعقد في أبريل/نيسان القادم. بحسب فرانس برس.
وقال إنه "يتعين على شركات الإنترنت أن تضطلع بمسؤولياتها". وأضاف أنه يتعين على المحاكم الجنائية أن تتعامل مع قضايا خطاب الكراهية بدلا من المحاكم المختصة في قضايا الحريات الصحفية. وأشارت جماعات تدافع عن المسلمين إلى تزايد في الأعمال المعادية للمسلمين، بينها أعمال تشويه للمساجد. وندد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بتصريحات كوكيرمان ووصفها بأنها "غير مسؤولة وغير مقبولة" وقال إنه لن يحضر العشاء السنوي للمجلس التمثيلي. وقال عبد الله زكري، رئيس الوحدة المعنية برصد حوادث العداء للمسلمين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، لتلفزيون بي.إف.إم. "لا أظن أن السيد كوكيرمان من الشخصيات التي تساهم في أن نتعايش معا سلميا." وقال كوكيرمان الذي لم يتطرق في كلمته في العشاء إلى تصريحاته السابقة إن اليهود والمسلمين في قارب واحد وإنه يأمل أن ينتهي هذا الخلاف سريعا.
حزب المساواة والعدالة
من جانب آخر لن يخوض حزب"وحدة الديمقراطيين المسلمين في فرنسا" بمفرده الانتخابات الإقليمية بل سيتنافس أيضا مع حزب فرنسي إسلامي ثاني يدعى حزب "المساواة والعدالة" الذي تأسس مؤخرا في شرق فرنسا، آخذا من مدينة ستراسبورغ مقرا له. وما يميز هذا الحزب هو أنه يضم في صفوفه غالبية الأتراك الفرنسيين الذين يتمركزون بقوة في مدن الشرق الفرنسي.
وسيكلف هذا الحزب الجديد عشرين مرشحا لخوض غمار الانتخابات الإقليمية في المدن الشرقية للبلاد، أبرزها مدينة ستراسبورغ وبلفور وبزنسون وكولمار، إضافة إلى مدن وأقاليم أخرى. ومن أولى أهداف الحزب حسب فتيح كراكايا أحد مؤسسيه، إلغاء القانون الذي يمنع ارتداء الحجاب في المدارس الذي أقره المشرع الفرنسي في عهد الرئيس جاك شيراك في 2004 وإلى جعل عيد الأضحى يوم عطلة على المستوى الوطني، فضلا عن فرض وجبات غذائية "حلال" في المدارس الفرنسية.
ويسعى حزب "المساواة والعدالة" إلى استقطاب الشبان الفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية والذين يصوتون عادة لصالح الأحزاب الفرنسية التقليدية، مثل الحزب الاشتراكي الحاكم وحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" المعارض. كما يدافع هذا الحزب، الذي يضم نحو 200 مناضل سياسي في صفوفه، على مبدأ العلمانية وعلى قيم العائلة التقليدية المسلمة، فيما يدعو إلى تكييف قانون 1905 الذي يكرس التفرقة بين الدين والدولة، مع حياة المسلمين في فرنسا وإلى إلغاء قانون "زواج مثليي الجنس".
وبالرغم من أن حظوظ الفوز ولو بإقليم واحد تبدو ضئيلة للغاية، إلا أن هذا الحزب يعول كثيرا على الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في مايو/أيار 2017 ليكتسح الساحة السياسية ويستقطب عددا أكبر من المسلمين. وبفضل الاحتكاك مع المسلمين في الأحياء الشعبية و المساجد، يطمح حزب " المساواة والعدالة" في رفع عدد مناضليه إلى 5000 شخص على الأقل في حلول 2017 ولعب دور هام في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال مؤسس الحزب في....: "نفكر فقط في احتمال انتخاب في يوم من الأيام مواطنا فرنسيا مسلما رئيسا للبلاد. وفي حال تحقق هذا، فبدون شك، سيعود بالخير على فرنسا". هذا، ووصفت مين غونباي، وهي نائبة لرئيسة بلدية ستراسبورغ حزب "المساواة والعدالة" بالحزب "الإسلامي المحافظ" ، فضلا أنه يدافع على برنامج سياسي لا يتماشى مع قيم الجمهورية الفرنسية، متهمة إياه بتقاربه السياسي والفكري مع حزب "العدالة والتنمية" الذي أسسه طيب رجب أردوغان ، رئيس تركيا. بحسب فرانس برس.
وجدير بالذكر أن الأسرة السياسية الفرنسية لم تستقبل بصدر رحب ظهور أحزاب إسلامية على الساحة الفرنسية. وبالرغم من أن هذين الحزبين "الإسلاميين" يؤمنان بالديمقراطية ويدافعان عنها، إلا أن أغلب الشخصيات السياسية، سواء كانت من اليمين أو من اليسار، تعتبرهما أحزابا منغلقة على نفسها وطائفية".