العنف في مصر: بداية تطهير أم تصفية حسابات؟

عبد الامير رويح

2017-09-21 05:36

الاحكام القضائية المستمرة في مصر ماتزال تحظى باهتمام واسع من قبل اهتمام منظمات حقوق الإنسان، خصوصا وان هذه الأحكام وكما نقلت بعض المصادر، قد أثارت تساؤلات كثيرة حول ارتباط بعضها بخلافات سياسية مع النظام الحاكم، لا سيما أن بعض المحاكم تصدر أحكاما متناقضة في قضايا متشابهة، وهو ما يؤكد عدم استقلال السلطة القضائية، التي اصبحت وسيلة لتصفية الخصوم والمعارضين، وخصوصا أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وباقي الجماعات الإسلامية الأخرى، الذين صدرت بحق المئات منهم احكام مختلفة تراوحت بين السجن المؤبد والإعدام. وهو امر يعارضه البعض من الخبراء والمراقبين، الذين اكدوا ان القضاء المصري مستقل وأحكامه تصدر دون تدخل من أي جهة أو مؤسسة داخل الدولة أو خارجها.

وقد أثارت احكام قضائية سابقة بإحالة أوراق مئات من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي على مفتي البلاد لاستطلاع رأيه على خلفية أعمال عنف أعقبت فض اعتصامي أنصار مرسي، ردود فعل دولية واسعة وانتقادات حقوقية. وأعرب عدد من المنظمات الحقوقية عن الاستياء من هذه الاحكام المتشددة التي تؤكد وجود خلل جسيم في نظام العدالة في مصر. خصوصا وان القضاء المصري قد اغفل ايضا محاسبة أي من أفراد الجيش والشرطة المتهمين بارتكاب جرائم وممارسات قمعية.

احكام جديدة

وفي هذا الشأن عاقبت محكمة جنايات القاهرة مئات من قادة وأعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بالسجن بين خمس سنوات والمؤبد في قضية أحداث عنف وقعت في القاهرة في أغسطس آب 2013 بعد ستة أسابيع من عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للجماعة. وقال رئيس المحكمة شبيب الضمراني في جلسة النطق بالحكم إن المحكمة قضت بالسجن المؤبد حضوريا على 22 متهما وغيابيا على 21، وقضت بالسجن المشدد 15 عاما على 17 متهما حضوريا وقضت على 54 متهما بالسجن المشدد عشر سنوات حضوريا وعلى 13 بنفس العقوبة غيابيا. ومن بين من حكم عليهم بالسجن المؤبد حضوريا عبد الرحمن البر الأستاذ الجامعي ومفتي الجماعة.

وأضاف رئيس المحكمة أن 216 متهما عوقبوا حضوريا بالسجن المشدد 5 سنوات بينما عوقب 88 متهما غيابيا بالسجن المشدد عشر سنوات كما عوقب حدثان بالسجن 10 سنوات غيابيا وعوقب ستة أحداث بالسجن خمس سنوات حضوريا. وبرأت المحكمة 52 متهما. وعرفت الأحداث إعلاميا بأحداث مسجد الفتح الموجود في أطراف ميدان رمسيس أحد أشهر ميادين العاصمة المصرية وقتل فيها عشرات بينهم أحد أبناء المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع ورجل شرطة.

وقضت المحكمة أيضا ببراءة الأيرلندي إبراهيم حلاوة وهو طالب. وقال رئيس المحكمة‭‭‭‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬‬‬‬إن ثلاث شقيقات له نلن البراءة أيضا من التهم الموجهة إليهن في القضية. ونال البراءة أيضا مصري يحمل الجنسية الأمريكية. ورحب رئيس وزراء أيرلندا ليو فاردكار بتبرئة حلاوة وقال إن القضية التي اتهم فيها استمر نظرها لوقت طويل على نحو استثنائي. وقال في بيان ”الآن وقد نال إبراهيم البراءة من كل التهم أتوقع الإفراج عنه في أقرب وقت ممكن وأن يعود إلى الوطن حيث أسرته. الحكومة ستسهل عودته إلى الوطن في أقرب فرصة“. وكان حلاوة في السابعة عشرة من عمره عندما ألقي القبض عليه مع مئات آخرين في 2013 في إطار حملة على الاحتجاجات وبقي قيد الحبس الاحتياطي منذ ذلك الوقت وقال إنه تعرض للتعذيب. وقالت مايا فوا مديرة جماعة (ريبريف) الحقوقية التي تساعد حلاوة إن الحكم الذي صدر تأخر كثيرا.

وقالت ”إبراهيم ألقي القبض عليه وهو طفل بسبب ‘جريمة‘ المشاركة في احتجاج وعذب وحوكم وواجه عقوبة الإعدام مع بالغين في محاكمة جماعية غير عادلة“. وأضافت ”هذه الإجراءات القضائية التي استهدفت معاقبة المعارضة السياسية لسنوات قللت من شأن العدالة. لا بد أن يناشد المجتمع الدولي الأوسع، بما فيه الاتحاد الأوروبي الذي يساعد في تمويل المحاكم المصرية، مصر إنهاء استخدام المحاكمات الجماعية غير القانونية“.

وتقول الحكومة المصرية إن القضاء مستقل وإنها لا تحاول التدخل في عمله. كما تنفي أن هناك تعذيبا ممنهجا في السجون ومراكز الاحتجاز الأخرى وتقول إنها تقدم من يثبت عليه ارتكاب تلك الجريمة للمحاكمة. وكان مؤيدو جماعة الإخوان المسلمين قد نظموا مظاهرات في ميدان رمسيس والشوارع المؤدية إليه بعد يومين من فض اعتصامين مؤيدين للجماعة في القاهرة والجيزة ومقتل مئات المعتصمين وعدد من رجال الأمن. وعقدت جلسات المحاكمة في مجمع سجون وادي النطرون شمال غربي القاهرة لأسباب أمنية.

وقال المحامي أحمد خطاب أحد من ترافعوا عن المتهمين ”كان الحكم متوقعا وسنطعن عليه أمام محكمة النقض“. ولمحكمة النقض، وهي أعلى محكمة مدنية مصرية وأحكامها نهائية وباتة، أن تؤيد الحكم أو تعدله ولها أن تلغيه وتحاكم المتهمين بنفسها. وظهر المتهمون في ستة أقفاص زجاجية في قاعة المحكمة وهتفوا بعد النطق بالحكم ”حسبي الله ونعم الوكيل“. وخلال النطق بالحكم طرق متهمون على جدران أحد الأقفاص.

وكانت المظاهرات قد نظمت يوم 16 أغسطس آب وتحولت إلى العنف عندما وقعت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين وحوصر خلالها المئات في مسجد الفتح الذي اتخذه الإخوان مستشفى ميدانيا نقل إليه مصابون بجانب جثث قتلى. واستمر حصار المسجد إلى اليوم التالي عندما سمحت قوات الأمن بخروج المتظاهرين الذين ألقي القبض على عدد كبير منهم. وأحالت النيابة العامة المتهمين للمحاكمة بتهم تخريب جامع الفتح وتعطيل إقامة الصلاة فيه والقتل العمد والشروع في القتل. بحسب رويترز.

وشملت التهم التجمهر والبلطجة وتخريب منشآت عامة وخاصة وحيازة أسلحة نارية آلية وخرطوش وذخائر ومفرقعات. كما شملت منع المرور في الشوارع المؤدية إلى ميدان رمسيس وتعطيل المواصلات العامة وتعريض سلامة مستقليها للخطر. وكان الجيش قد أعلن عزل مرسي في الثالث من يوليو تموز 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما. وبعد عزله ألقت السلطات القبض على أغلب قادة الجماعة بينهم بديع وآلاف من أعضائها ومؤيديها وقدمتهم للمحاكمة. كما حظرت الجماعة وأعلنتها منظمة إرهابية. والسجن المؤبد 25 عاما في مصر ويقول خبراء قانونيون إن السجن المشدد يحرم المحكوم عليه من إلغاء جزء من العقوبة.

مرسي والتخابر مع قطر

الى جانب ذلك أصدرت محكمة النقض المصرية حكما نهائيا على الرئيس السابق محمد مرسي بالسجن المؤبد في قضية اتهم فيها بالتخابر مع قطر عندما كان في الحكم. وكانت محكمة جنايات القاهرة قد عاقبته العام الماضي بالسجن 40 عاما في القضية، وقبلت محكمة النقض طعنا أقامه مرسي على الحكم وعدلته إلى السجن المؤبد وهو 25 عاما. وينفذ مرسي، الذي حكم مصر لمدة عام، حكما نهائيا سابقا بالسجن 20 عاما في قضية قتل متظاهرين بمحيط القصر الرئاسي نهاية 2012 عندما كان رئيسا.

وفي نفس القضية عدلت محكمة النقض الحكم على ثلاثة متهمين من الإعدام والسجن 15 عاما إلى الإعدام. كما خفضت الحكم على متهم من السجن 40 عاما إلى السجن المؤبد وعلى متهم من السجن 30 عاما وغرامة عشرة آلاف دولار إلى السجن 15 عاما والغرامة نفسها. وأيدت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة مدنية مصرية وأحكامها نهائية وباتة، السجن المؤبد على أحمد عبد العاطي الذي شغل منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية خلال حكم مرسي والمتهم في القضية.

والمحكوم عليهم بالإعدام هم أحمد علي عفيفي وهو منتج أفلام وثائقية، وأحمد إسماعيل ثابت وهو معيد جامعي، ومحمد عادل كيلاني ويعمل مضيفا جويا. وعزل الجيش مرسي في منتصف 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه. وتلى ذلك فض اعتصامين مؤيدين له في القاهرة والجيزة ومقتل مئات المعتصمين وإلقاء القبض على أغلب قادة جماعة الإخوان المسلمين وآلاف من أعضائها ومؤيديها وإحالتهم إلى المحاكمة.

وقال مصدر في محكمة النقض إن المحكمة قضت أيضا بإحالة أوراق القضية مجددا إلى النائب العام ”لاتخاذ اللازم قانونا نحو التحقيق والتصرف فيما نسب فيها إلى رئيس شبكة قنوات الجزيرة القطرية من أفعال تنطوي على جرائم جنائية مؤثمة قانونا بقصد الإضرار بمصلحة البلاد“. وكانت نيابة أمن الدولة العليا قد أحالت مرسي والمتهمين الآخرين إلى محكمة جنايات القاهرة في 2014 بتهمة إفشاء أسرار خاصة بأمن البلاد إلى قطر والتخابر معها وقيادة جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، والانضمام إليها.

وتضمنت تفاصيل الاتهامات إفشاء أسرار عسكرية لقطر وطلب مليون دولار من ممثلين لها والعمل مع ضابط بالمخابرات القطرية لارتكاب أعمال تضر بمصر. وعقدت محكمة الجنايات عددا من جلساتها سرا وأدلى الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة بشهادته في إحداها. وأمر رئيس المحكمة برفع الجلسة يوم 29 يونيو حزيران 2015 عندما علم باغتيال النائب العام هشام بركات الذي كان قد أحال المتهمين إلى المحاكمة.

ودعمت قطر حكم مرسي إلى أن عزل. وبعد عزله فترت علاقاتها مع مصر وسط اتهامات مصرية لها بمواصلة دعم الإخوان ليعودوا إلى الحكم. وكانت قطر قد انتقدت بشدة الحكم الذي عدلته محكمة النقض ونفت ما جاء في أوراق القضية من اتهامات لها. وقطعت مصر والسعودية والإمارات والبحرين العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر في الخامس من يونيو حزيران متهمة إياها بتمويل الإرهاب والتقرب من إيران، وهو ما تنفيه الدوحة. وكان قد حوكم في قضية التخابر مع قطر أمام محكمة الجنايات 11 متهما بينهم أربعة غيابيا، منهم ثلاثة صدر عليهم حكم بالإعدام. وعوقبت متهمة بالسجن 15 عاما. بحسب رويترز.

والثلاثة المحكوم عليهم بالإعدام غيابيا هم الأردني علاء عمر سبلان الذي جاء في الأوراق أنه معد بقناة الجزيرة، وأسماء محمد الخطيب وتعمل مراسلة صحفية في شبكة رصد الإعلامية، وإبراهيم محمد هلال الذي جاء في الأوراق أنه رئيس قطاع في قناة الجزيرة. وتعاد محاكمة من صدرت عليهم أحكام غيابيا إذا ألقت الشرطة القبض عليهم أو سلموا أنفسهم.

اعضاء في داعش

من جانب اخر قالت مصادر قضائية إن محكمة جنايات القاهرة أحالت أوراق سبعة من المنتمين لتنظيم داعش إلى المفتى تمهيدا للحكم بإعدامهم لإدانتهم في قضية قتل 20 مسيحيا مصريا في ليبيا في 2015. وحوكم في القضية التي بدأ نظرها في مارس آذار 20 متهما بينهم أربعة غيابيا.

وقالت النيابة العامة في أمر إحالة المتهمين للمحاكمة إن اثنين منهم، أحدهما هارب، شاركا في قتل المسيحيين الذين بث تنظيم داعش شريط فيديو يصور قطع رؤوسهم في فبراير شباط 2015. وقال المصدر إن الاثنين من بين السبعة الذين أحيلت أوراقهم إلى المفتي. وتعني إحالة أوراق سبعة إلى المفتي أن باقي المتهمين سيعاقبون بالسجن أو ينالون البراءة.

وبعد أن يصدر الحكم يحق للمحكوم عليهم الحاضرين الطعن عليه أمام محكمة النقض أعلى محكمة مدنية مصرية ولها أن تؤيده أو تعدله أو تلغيه وتحاكم المتهمين بنفسها. وشملت الاتهامات التي وجهت للمتهمين احتجاز المسيحيين العشرين في ليبيا قبل قتلهم للتأثير على السلطة العامة في مصر والالتحاق بتنظيم داعش في ليبيا وعبور الحدود إلى ليبيا بالطريق غير القانوني وتأسيس جماعة على نحو مخالف للقانون في محافظة مطروح في أقصى شمال غرب مصر. بحسب رويترز.

ونسبت لهم النيابة أيضا تهم حيازة أسلحة وذخائر دون ترخيص ومحاولة تخريب منشأة شرطية في المحافظة المتاخمة لليبيا. وأعلن التنظيم مسؤوليته عن قتل 80 أغلبهم مسيحيون في تفجيرات استهدفت ثلاث كنائس بمصر منذ ديسمبر كانون الأول 2016. وكان التنظيم المتشدد الذي أجبر مئات المسيحيين على الهجرة من محافظة شمال سيناء أوائل العام الجاري قد أعلن أنه يستهدف المسيحيين. وينشط التنظيم في المحافظة المتاخمة لإسرائيل وقطاع غزة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا