الحقوق والحريات في ايران.. مفترق طرق نحو التغيير في الداخل

كمال عبيد

2015-03-07 08:13

كشفت الصراعات الداخلية بين الاصلاحيين والمحافظين في ايران، عن الوجه السلبي للحقوق والحريات لاسيما الحريات المدنية كحرية التعبير والصحافة وحريات استخدام الانترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن الاحكام القضائية التي توصف بالتعسفية كالسجن والملاحقة والاعدام، كل هذه القضايا فاقمت من حدة الصراعات والانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الخصوم السياسيين في الداخل، وكلٌ منهما يجري من أجل طموحاته ومصالحه في مارثون تنافسي شرس لكسب هيمنة طرف على حساب الآخر، وهو ما انعكس جليا في المشهد السياسي على الصعيد الداخلي في ايران خلال الآونة الاخيرة، فقد ظهرت مؤشرات انقسام وصراع حقيقية بصبغة جدلية بين الاصلاحيين والمتشددين في الجمهورية الاسلامية فيما يتعلق بملف الحريات والحقوق، وهذا ما اكده تصريح علي يونسي وزير الاستخبارات السابق (2000-2005) ومستشار روحاني لشؤون الأقليات الدينية والإثنية الذي قال: "اليوم أيضا هناك الكثير من الانتهاكات في السجون والمحاكم وأماكن أخرى حيث نشهد نفوذ عناصر متطرفة، ينبغي أن تكون الجمهورية الإسلامية قادرة على التخلص منهم".

ويرى المراقبون الحقوقيون أن إيران تواجه باستمرار انتقادات من لدن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان بسبب انتهاكاتها، وخصوصا في المجال القضائي، حيال المعارضين السياسيين والصحافيين وأفراد المجتمع المدني، وترفض طهران هذه الاتهامات معتبرة أنها منحازة ومسيسة.

كما بدأت السلطات الإيرانية بتشديد الخناق على الانترنت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، إذ تفرض الجمهورية الإسلامية رقابة مشددة على الإنترنت لكن الإيرانيين ممن يجيدون التعامل مع التكنولوجيا يتمكنون من التغلب على القيود المفروضة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" و"تويتر" باستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (‭vpn‬)، وبموجب الخطة الجديدة فإن طهران يمكن أن ترفع حظرها الشامل على هذه المواقع وتلجأ بدلا من ذلك إلى الرقابة على محتواها.

وتأتي هذه السياسة على ما يبدو استنادا إلى مسعى الرئيس حسن روحاني لتخفيف بعض القيود الاجتماعية لكن لم يتضح ما إذا كان هذا سيعني زيادة أو تراجع حرية الإنترنت. وعبر إيرانيون على الإنترنت عن قلقهم من أن تحاول الحكومة في إطار السياسة الجديدة منع استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة للدخول إلى هذه المواقع.

وتمنع إيران الاتصال بمواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب للتواصل الاجتماعي لكن ملايين الإيرانيين يلتفون على ذلك بسهولة باستخدام الاتصال عبر الشبكات الخاصة الافتراضية (في.بي.إن)، لكن ذلك لا يجعل الايرانيين آمنين من الرقابة الحكومية حيث استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في تنظيم مظاهرات كبيرة مناهضة للحكومة عام 2009 والتي قالت طهران إن قوى خارجية حرضت عليها.

وهذا بدوره يؤجج صراع الحريات هناك، باعتبارها خطوة تمنع الوصول الى الحريات الأساسية مثل التعبير والصحافة والتواصل الاجتماعي والحصول على المعلومات، بينما تعد إيران هذه قيود بما فيها انحسار الخصوصيات، ضمن اطار التحصين الأمن الإلكتروني للدولة.

على صعيد ايجابي صدرت في ايران صحيفة اصلاحية جديدة تحمل اسم "مردوم امروز" (اي الشعب اليوم) بهدف نشر الحقيقة الحلوة والمرة" كما قال مؤسسوها، ويرى المراقبون الحقوقيون انها اضاءة من شأنها ان تشكل بادرة ايجابية نحو انفتاح وحرية اعلامية اكثر مما هو معهود.

إذ يرى الكثير من المحليين ان حسن روحاني يمثل فرصة ممكنة لحل المشكلات الداخلية والخارجية، إلا أن الصدام المستمر مع المتشددين في الداخل بشأن الحقوق والحريات وغيرها من الملفات الاخرى، لا يعطي مؤشرات ايجابية في تقدم الحقوق والحريات بسرعة نحو الافضل، مما يمهد لمعركة سياسية طويلة الامد بين الاصلاحيين والمتشددين قد تضع الجمهورية الإسلامية على مفترق طرق نحو التغيير الداخلي.

صراع السلطة

في سياق متصل اعترف علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان في بلاده، وأرجع ذلك إلى "نفوذ عناصر متطرفة" في السلطة داعيا إلى أن "تكون الجمهورية الإسلامية قادرة على التخلص منهم"، مشيرا إلى أن عناصر "متطرفة" داخل النظام ارتكبتها، لكن البلد برمته يدفع ثمنها على الساحة الدولية. بحسب فرانس برس.

وأعلن علي يونسي وزير الاستخبارات السابق (2000-2005) ومستشار روحاني لشؤون الأقليات الدينية والإثنية "اليوم أيضا هناك الكثير من الانتهاكات في السجون والمحاكم وأماكن أخرى حيث نشهد نفوذ عناصر متطرفة، ينبغي أن تكون الجمهورية الإسلامية قادرة على التخلص منهم".

وقال يونسي في مقابلة مع وكالتي الأنباء الرسمية والطلابية نشرتها صحف عدة "هناك متطرفون لا أحد يسيطر عليهم، والكثيرون منهم تسللوا إلى مراكز السلطة ويعملون وكأنهم يستمعون إليها، لكن إيران هي من يتحمل المسؤولية بالتأكيد".

وأخذ يونسي مثال المصورة الصحافية الكندية من أصل إيراني زهرة كاظمي، التي قضت في العاشر من تموز/يوليو 2003 جراء نزيف دماغي إثر ضربات تعرضت لها أثناء احتجازها، وأدت وفاتها إلى تدهور كبير في العلاقات الدبلوماسية بين طهران وأوتاوا، وعوقب المسؤولون عن وفاتها، لكن "هذا الحادث وقع بإرادة شخصية لا تزال الجمهورية تدفع ثمنه اليوم"، بحسب يونسي، ونددت صحيفة "جوان" المحافظة بهذه التصريحات، وعنونت الصحيفة "يونسي يتفق مع أحمد شهيد ومناهضي الثورة"، في إشارة إلى مقرر الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في إيران.

الإعدامات مستمرة

على صعيد ذي صلة قالت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي عن سجل حقوق الانسان في إيران إن طهران نفذت العام الماضي عددا من عمليات الاعدام "يثير انزعاجا عميقا" ولم تف بوعدها بحماية الأقليات العرقية والدينية، وأورد التقرير الذي رفعه مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون لمجلس حقوق الانسان التابع للمنظمة الدولية مخاوف الأمم المتحدة بشأن انتهاكات للحقوق في ايران ضد النساء والأقليات الدينية والصحفيين والنشطاء. بحسب وكالة رويترز.

ونشر التقرير بينما يقترب موعد نهائي للتوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الكبرى تقول طهران إنه سينهي العقوبات المفروضة عليها، وشكا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للمجلس من "ازدواجية المعايير" و"الإصرار شبه الخارج عن السيطرة" على تسييس القضايا، وقال التقرير إن من المعتقد أن إيران أعدمت 500 شخص على الأقل بين يناير كانون الثاني ونوفمبر تشرين الثاني 2014 وربما عدد اكبر من هذا كثيرا، وأضاف أن معظم الضحايا لم يحصلوا على محاكمات عادلة وأن اكثر من 80 في المئة ممن أعدموا من مرتكبي جرائم المخدرات، وأضاف "لايزال الأمين العام منزعجا للغاية من استمرار الأعداد الكبيرة من الإعدامات بما في ذلك السجناء السياسيين والقصر" مكررا دعوة الأمم المتحدة إلى تعليق العمل بعقوبة الإعدام وحظر إعدام الشباب.

وقال إن ايران لم تنفذ وعد الرئيس حسن روحاني بأن "تشمل الحماية كل الجماعات الدينية وتعديل تشريع يميز ضد الأقليات"، وقال التقرير "الالتزامات المذكورة أعلاه... لم تترجم إلى نتائج"، وتابع "الأفراد الذين يسعون لمزيد من الاعتراف بحقوقهم الثقافية واللغوية يجازفون بمواجهة عقوبات قاسية بما في ذلك الإعدام"، وأضاف أن طهران مازالت تشن حملة على حرية التعبير بعد أن حجبت خمسة ملايين موقع الكتروني وسجنت صحفيين.

وقال إن منع محامي حقوق الانسان من ممارسة المهنة والاعتداء على النشطاء يمثلان "انتكاسة للبلد بأكمله"، وهناك مزاعم بأن المشتبه بهم يعذبون وتساء معاملتهم ويحتجزون لشهور في حبس انفرادي دون مقابلة محام ويتعرضون لخطر عقوبة الإعدام عن جرائم مثل "الإفساد في الأرض" و"الحرابة"، وذكر التقرير أن إيران تبدي مزيدا من التعاون في مجال معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الانسان ودعت مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان الأمير زيد رعد بن الحسين لزيارتها، لكنها لم توجه الدعوة لمحقق الأمم المتحدة في حقوق الانسان بإيران كما أن 24 من جملة 29 تحقيقا للمنظمة الدولية في قضايا لحقوق الانسان لم تسفر عن نتيجة، وقال التقرير إن ثلثي النساء يعانين من العنف الأسري. وأضاف أن الفتيات يجبرن على الزواج في سن صغيرة وأن نحو 48450 تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما تزوجن عام 2011 وأن ما لا يقل عن 1537 طفلة دون سن العاشرة تزوجن عام 2012. بحسب وكالة رويترز.

الرقابة الذكية

من جهة أخرى قالت حكومة إيران إنها ستوسع ما تسميه "الرقابة الذكية" على الإنترنت وهي سياسة تنطوي على الرقابة على المحتوى غير المرغوب فيه للمواقع الإلكترونية دون حظرها بالكامل كما كانت تفعل، ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء عن وزير الاتصالات محمود واعظي قوله: "في الوقت الحالي فإن خطة الرقابة الذكية تطبق فقط على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي وهي في مرحلة الدراسة التجريبية وستستمر هذه العملية تدريجيا لحين تطبيق الخطة على كافة الشبكات". بحسب فرانس برس.

وكان يشير على ما يبدو إلى موقع "إنستغرام" لتبادل الصور المملوك لـ "فيس بوك" وهو يخضع للرقابة وليس محجوبا، وقال واعظي في مؤتمر صحفي: "بتطبيق خطة الرقابة الذكية فإننا نحاول منع المحتوى الإجرامي وغير الأخلاقي لمواقع الإنترنت بينما سيتمكن الجمهور من استخدام المحتويات العامة لتلك المواقع". وقال إن هذه السياسة ستطبق بالكامل بحلول يونيو-حزيران 2015.

كما اعلن وزير الاتصالات الايراني ان طهران بصدد اعداد نظام يسمح بـ"التعرف" على هوية مستخدمي الانترنت عندما يتواصلون مع الشبكة، وفق ما افادت وكالة ايسنا، وقال الوزير محمود فائزي "في المستقبل، عندما يريد اشخاص استخدام الانترنت سيتم التعرف عليهم وسنعرف هوية كل شخص يستخدم الانترنت" دون توفير توضيحات حول الوسائل التقنية التي تسمح بذلك، وقد اعلن فائزي في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر انه سيبدأ قريبا العمل بنظام لمراقبة الانترنت يسمح باختيار بعض محتويات شبكات التواصل الاجتماعي وليس عرقلة المواقع كليا، واضاف ان "اول مرحلة في التصفية الذكية للانترنت ستكون جاهزة في غضون شهر"، وتعمل ايران منذ نحو سنتين على التوصل الى مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي بدلا من تعطيل كامل للمواقع التي لا تروق لسلطات الجمهورية الاسلامية.

وتعطل السلطات باستمرار الوصول الى شبكات التواصل الاجتماعي لا سيما تويتر وفيسبوك منذ التظاهرات الكبيرة في حزيران/يونيو 2009 احتجاجا على اعادة انتخاب الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، وكان المعارضون يستخدمون بكثافة تلك الشبكات لتعبئة انصارهم. كما تعطل السلطات مواقع اخرى تعتبرها غير اسلامية ومسيئة للنظام. بحسب فرانس برس.

ويدعو الرئيس المعتدل حسن روحاني المنتخب في حزيران/يونيو 2013 الى تليين الرقابة على الانترنت التي يستعملها ثلاثون مليون ايراني من اصل 77 مليون يلجأون بأعداد كبيرة الى استخدام تطبيقات معينة للالتفاف على الرقابة.

وقد امهلت لجنة مكلفة الرقابة على الانترنت في تشرين الثاني/نوفمبر الحكومة شهرين كي تراقب انستغرام لتقاسم الصور تحت طائلة تعطيله، وأمهل القضاء في ايلول/سبتمبر الحكومة شهرا لمنع شبكات التواصل الاجتماعي المجانية مثل فيبر وتانغو وواتساب بعد رسائل اعتبرت مهينة لمسؤولي الجمهورية الاسلامية لكن تلك الشبكات ما تزال متوفرة، وتشكلت شرطة مكافحة "الجريمة عبر الانترنت" وكلفت بمراقبة المحتويات المحرمة والمدونات المعارضة بحيث تم اعتقال العديد من الناشطين في تلك المواقع.

صدور صحيفة اصلاحية جديدة

على صعيد مختلف صدرت في ايران صحيفة اصلاحية جديدة تحمل اسم "مردوم امروز" (اي الشعب اليوم) بهدف نشر "الحقيقة (...) الحلوة والمرة" كما قال مؤسسوها، وفي بيان نشرته وكالة الانباء الطلابية اوضح المدير العام للصحيفة احمد ستاري انه يأنل في "انشاء بنية (...) تحقق مصالحة بين الناس والصحافة وستسمح للشعب بالاطلاع على الحقيقة في بلده حلوة كانت او مرة، وسيسمعها من مصادر وطنية جديرة بالثقة". بحسب فرانس برس.

وعبر الرئيس حسن روحاني رجل الدين المعتدل الذي انتخب في حزيران/يونيو 2013، عن امله في مزيد من الحريات في الشؤون الثقافية والاجتماعية وخصوصا في الصحف، لكنه يواجه معارضة من المحافظين الذين يسيطرون على عدد كبير من صحف السلطة وينتقدون باستمرار مواقف الحكومة التي يعتبرونها مفرطة في ليبراليتها، ومنذ انتخاب روحاني،تم اغلاق ثلاث صحف اصلاحية نهائيا.

ورئيس تحرير الصحيفة الجديدة هو محمد غورشاني (38 عاما) وهو اسم معروف في الصحافة الايرانية، وقد شغل المنصب نفسه في عدة صحف اصلاحية معروفة من بينها شرق، وقال مؤخرا في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الايرانية الرسمية ان "هذه الصحيفة تريد الدفاع عن مصالح البلاد وروحها اصلاحية"، واضاف "في الوقت الحالي نحتاج في هذا البلد الى فهم الحركة الديموقراطية التي تعتمد على الاعتدال"، مؤكدا ان الصحيفة تدعم سياسة الرئيس روحاني.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي