قوارب الموت: تكديس المهاجرين للعبور الى الفردوس المزيف
عبد الامير رويح
2017-06-17 05:06
ما بين قوارب الموت ورمال الصحراء المحرقة تتواصل معاناة المهاجرين غير الشرعيين، الذين اجبرتهم الظروف ترك بلدانهم وركوب المخاطر من اجل البحث عن حياة جديدة، خصوصا مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة التي تفاقمت بسبب الاهمال الحكومي واتساع دائرة العنف المسلح في العديد من دول اسيا وافريقيا، وهو ما دفع الكثير من الناس إلى الهجرة غير الشرعية، التي اصبحت اليوم مصدر مالي مهم للعديد من العصابات وشبكات التهريب، فتجارة الهجرة غير الشرعية وإن باتت مصدر ثراء للعديد من الاشخاص خصوصا في ليبيا. هذا البلد الذي تحول بسبب الفوضى السياسية والأمنية الكبيرة، إلى سوق للتهريب والاتجار بالبشر ومركز جذب لآلاف الناس الراغبين في الهجرة من بلدانهم نحو أوروبا.
فمن يمتلك وكما نقلت بعض المصادر، سيارة رباعية الدفع ويكون خبيرا في مسالك الصحراء أو قاربا ويكون خبيرا في البحر ومن تكون لديه علاقات متينة وروابط قوية في المنطقة تتكفل بتأمينه يمكن أن يصبح مهربا في ليبيا وينخرط عبر سلسلة تهريب متكاملة تبدأ من وراء حدود ليبيا البرية لتنتهي عند حدودها البحرية. ويعبر الحدود البرية لليبيا، التي أصبحت قبلة الراغبين في الهجرة وتحقيق أحلامهم بعيدا عن قارة إفريقيا، عدد كبير من المهاجرين قادمين خاصة من دول جنوب الصحراء الافريقية، عن طريق شبكات من المهربين موجودة في السودان والنيجر تتعاون مع شبكات تهريب أخرى موزعة داخل المدن الليبية، ولا تخلو الرحلة التي يقطعها المهاجرون من مصاعب حيث يتعرضون خلالها إلى عدة انتهاكات ومعاملات قاسية وأعمال عنف من قبل شبكات التهريب أو عصابات المجرمين، كما يعيشون خلالها أوضاعا معيشية صعبة قبل أن يتمكنوا من ركوب قوارب الهجرة غير الشرعية.
وقال تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية صدر "إن عدة انتهاكات ارتكبت في حق المهاجرين حيث تعرضوا إلى العنف الجنسي والتعذيب والضرب وكذلك الاستغلال والاغتصاب من قبل المهربين والجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية. هذه القضية اثارت ايضا قلق ومخاوف العديد من المنظمات الانسانية التي المجتمع الدولي باحترام قوانين حقوق الانسان، خصوصا وان بعض الدول الاوروبية قد سعت ومع ازدياد اعداد المهاجرين الى تشديد اجراءاتها القانونية ضدهم.
بين البحر والصحراء
وفي هذا الشأن نقلت الأمم المتحدة عن مهاجرين نجوا من قارب مطاطي غادر ليبيا في وقت سابق قولهم إن ما يصل إلى 30 شخصا غرقوا أو ماتوا دهسا تحت أقدام ركاب آخرين ليرتفع عدد المهاجرين الذين لقوا حتفهم في البحر المتوسط هذا العام إلى أكثر من 1700 شخص. وقال الناجون الذين وصلوا إلى بوتسالو بإيطاليا إن محرك قاربهم تعطل وتقطعت بهم السبل في المياه لساعات بعد مغادرة ليبيا.
وسقط البعض في البحر وغرقوا بينما لقي آخرون حتفهم دهسا تحت أقدام ركاب أصابتهم نوبة هلع مما أسفر عن مقتل بين 20 و30 شخصا بينهم طفل. وارتفع عدد المهاجرين الوافدين عبر البحر إلى إيطاليا هذا العام بمعدل الثلث ليصل إلى حوالي 60 ألفا. وسجلت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين مقتل وفقدان أكثر من 1700 شخص. وذكرت المفوضية أن أكثر من 50 جثة نقلت إلى إيطاليا في الأيام القليلة الماضية فيما يخشى أن يكون عشرات غيرهم لقوا حتفهم.
وقال أفراد مجموعة ثانية نجت من رحلة قارب مطاطي للمفوضية العليا إنهم يخشون مقتل 82 شخصا بعد سقوطهم في المياه إثر غرق قاربهم. وفينفس الوقت تم انتشال 33 جثة بينهم 13 امرأة وسبعة أطفال بعدما شارف قارب خشبي على الغرق مما دفع 200 شخص تقريبا للقفز إلى المياه مع بدء عمليات الإغاثة. وقال المهاجرون الفارون من العنف وشظف العيش في أنحاء أفريقيا مرارا إن لجوئهم إلى البحر هو الطريقة الوحيدة للهرب من الأسر والاستغلال في ليبيا حيث ينشط مهربو البشر في مأمن من العقاب. بحسب رويترز.
وقال بابار بالوش المتحدث باسم مفوضية اللاجئين في جنيف إن "عددا من اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إلى لامبيدوسا كانوا يعانون من إصابات جراء طلقات نارية". وأضاف "قال رجل لأفراد طاقمنا إن أفرادا من ميليشيا ليبية أطلقوا النار عليه فأصابوه في ساقه وسرقوا مقتنياته". وتابع "كما أطلق مهرب النار على رجل آخر في ذراعه وعذبه للاستياء على أمواله. وقال كثير من الناجين إنهم شهدوا إطلاق النار على أصدقاء لهم أو مقتلهم بينما كانوا في ليبيا".
الى جانب ذلك قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن أكثر من 40 مهاجرا من غرب أفريقيا لاقوا حتفهم في الصحراء الكبرى بعد أن تعطلت شاحنتهم في شمال النيجر المقفر. وقال لاوال طاهر مسؤول الصليب الأحمر بمنطقة بيلما إن ستة ناجين ساروا إلى قرية نائية حيث قالوا إن 44 شخصا معظمهم من غانا ونيجيريا وبينهم ثلاثة رضع وطفلان توفوا بسبب العطش. وزادت أعداد المهاجرين الذين يعبرون الصحراء الكبرى في السنوات القليلة الماضية إذ يجازف أبناء غرب أفريقيا الفقراء بأرواحهم سعيا للوصول إلى أوروبا.
مناشدات مستمرة
في السياق ذاته قال رئيس منظمة خيرية للإنقاذ إن سفن الدورية التابعة للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط تعرض أرواحا للخطر بالعمل في مناطق بعيدة جدا عن الساحل الليبي حيث يبدأ المهاجرون الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا. وتحاول أعداد متزايدة من المهاجرين عبور البحر المتوسط في مراكب مكتظة ومتهالكة. وقالت وكالة إغاثة تابعة للأمم المتحدة إن حوالي تسعة آلاف شخص معظمهم أفارقة تم إنقاذهم في الأيام القليلة الماضية.
وقال كريس كاترامبون وهو رجل أعمال أمريكي شارك في تأسيس محطة مساعدة المهاجرين في البحر (مواس) مع زوجته الإيطالية ريجينا في 2014 "يجب على أوروبا أن تنقذ الناس لأنها لا يمكنها أن تتركهم يموتون على بابها الخلفي." وكان يتحدث بالهاتف من سفينة الإنقاذ فينيكس التابعة لمواس التي قامت بنشاط محموم وتتجه صوب صقلية وعلى متنها 463 مهاجرا من بينهم 170 امرأة وطفلا وسبع جثث انتشت من البحر.
والعبور من ليبيا إلى إيطاليا هو الآن الطريق الرئيسي الذي يسلكه المهاجرون إلى أوروبا. ووصل أكثر من 181 ألفا إلى شواطئ إيطاليا العام الماضي وعدد من وصلوا منذ بداية العام الحالي مرتفع بحوالي الثلث عن الفترة نفسها من 2016. ومنذ تخلت إيطاليا عن مهمتها للبحث والإنقاذ في 2014 تولت وكالة مراقبة حدود الاتحاد الأوروبي (فرونتكس) مهمة القيام بدوريات في البحر المتوسط لكن سفنها تبقى بعيدة عن الساحل الليبي.
وقالت فرونتكس وممثل إدعاء في صقلية إنه يجب على المنظمات غير الحكومية ألا تعمل على مسافة قريبة من ليبيا لأنها بذلك تجعل من الأيسر على المهاجرين المجيء إلى أوروبا. وأضافا أن بعض المنظمات غير الحكومية ربما كانت على اتصال مع مهربين. وقالت فرونتكس إنها أنقذت أكثر من 1400 شخص في وقت محدود. وأضافت الوكالة إن المهربين يستغلون وجود سفن المنظمات غير الحكومية على مسافة قريبة لاستخدام قوارب غير آمنة وتكديسها بالمهاجرين.
وفي حين أن سفن المنظمات غير الحكومية تميل إلى العمل خارج المياه الإقليمية الليبية مباشرة والتي تمتد 12 ميلا بحريا من الساحل فإن سفن فرونتكس تعمل في مسافات أبعد إلى الشمال ويمكن أن تستغرق نصف يوم أو أكثر للوصول إلى القوارب التي تكون في مأزق. وقال كاترامبون "يجب أن تكون الأولوية لإنقاذ الأرواح وليس حراسة حدود صورية. كلما بقيت سفن (فرونتكس) بعيدة كلما زاد عدد الأشخاص الذين سيموتون. القول بأنه يوجد عامل جذب للمهاجرين لا يعدو أن يكون جهالة. إنه تملص من المسؤولية." بحسب رويترز.
واتخذت كل مراكب المنظمات غير الحكومية العاملة في البحر المتوسط وعددها حوالي 12 مركبا مواقف مماثلة في الأسابيع القليلة الماضية. وقالت إحداها، وهي منظمة أطباء بلا حدود، في تغريدة "ما هو عدد الأرواح التي كان يمكن إنقاذها في العامين الماضيين لو أن الاتحاد الأوروبي نفذ عملية بحث وإنقاذ نشطة؟ أين فرونتكس." وقالت نفس المنظمة في تغريدة إنها بصدد إرسال سفينة لمسافة 164 ميلا للاستجابة لنداء استغاثة. "أين زوارق الاتحاد الأوروبي؟"
عصابات التهريب
على صعيد متصل قال مدعون في المجر إن سائق الشاحنة التي عثر بداخلها على 71 مهاجرا متوفين بجانب طريق سريع في النمسا سمع صراخهم واستغاثاتهم مع نفاد الأوكسجين لكنه أبقى عليهم داخلها. وقال المدعون في بيان إنهم وجهوا تهما إلى 11 شخصا على صلة بالحادث الذي وقع في أغسطس آب 2015 منها تهمة القتل لأربعة منهم وتهمة تهريب البشر للجميع.
وقال مكتب مدعى منطقة باكس-كيستون التي انطلقت منها الشاحنة إن الرجال الأربعة شاركوا في نقل المهاجرين مباشرة في حين يشارك الباقون في شبكة جنت مئات الآلاف من اليورو من تهريب البشر. ونظمت العصابة 31 رحلة على الأقل عبر الحدود بين المجر والنمسا خلال الفترة بين فبراير شباط وأغسطس آب 2015 لمهاجرين من بين مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين الذين عبروا منطقة البلقان في ذلك العام. وذكر بيان المدعي أن المتهمين كانوا ينقلون الناس غالبا "في عربات فان مغلقة ومعتمة وخالية من التهوية لا تناسب نقل الركاب وكانوا يكدسونهم في ظروف قاسية وغير إنسانية".
من جهة اخرى قالت الشرطة الإيطالية إنها اعتقلت رجلا ليبيا يشتبه بضلوعه في قتل مهاجر بالرصاص عندما رفض خلع قبعته. وأضافت الشرطة في جزيرة صقلية أن مجموعة من المهاجرين كانت تبحر في زورق مطاطي من ليبيا إلى إيطاليا عندما اقتربت منهم مجموعة من مهربي البشر وأمرتهم بخلع قبعاتهم. وبعد لحظات أطلق أحد المهربين النار على السيراليوني كيلي عثمان الذي يبلغ من العمر 21 عاما. بحسب رويترز.
وذكرت الشرطة في بيان أن المسلح لم يجر تحديد هويته لكنها قالت إن تسجيلا مصورا التقط من الجو أظهر أن المشتبه به الليبي أبوزيد نور الدين الهادي استقل قارب المهاجرين من قارب للمهربين وحاول الاندساس بين المهاجرين. وقالت الشرطة إن ليبيا ثانيا استقل قاربا آخر محملا بالمهاجرين واعتقلته السلطات أيضا ويواجه اتهامات بتهريب البشر. وانتهزت العصابات الليبية فرصة انهيار القانون والنظام في ليبيا للقيام بنشاط مربح عبر تحميل أفارقة من دول جنوب الصحراء في قوارب متداعية متجهة إلى جنوب أوروبا.
وفي إطار منفصل قالت الشرطة إن ثلاثة نيجيريين اعتقلوا في صقلية ويواجهون تهما تتعلق بمزاعم قتل وتعذيب واعتداء جنسي على أفارقة آخرين بينما كانوا محاصرين في ليبيا انتظارا لعبورهم إلى إيطاليا. وقال ناجون إن الرجال الثلاثة الذين وصلوا إلى صقلية مع مئات من المهاجرين عملوا سجانين في قاعدة عسكرية مهجورة في صبراتة بليبيا حيث جرى احتجاز مهاجرين طلبا للفدى. وتعرض بعض من سجنائهم للضرب المبرح وتوفوا لاحقا. وتثور مزاعم أيضا أن الثلاثة تقاضوا أموالا مقابل وضع مهاجرين في قوارب متداعية.