العوامية.. رسالة الألم الشيعي وغياب المُستلم!
محمد علي جواد تقي
2017-05-18 08:17
عرفت قضايا الشعوب نحو الاستقلال والتحرر ومطالب أخرى، حملات التضامن من مؤسسات ومنظمات من الجوار أو من البلاد الاخرى في العالم، وتستفيد هذه الشعوب من ذلك في التعريف بعدالة قضيتها وايضاً بما تعيشه من تحديات وضغوطات من الطرف المقابل، سواءً كان نظاماً ديكتاتورياً غاشماً، او احتلال عسكري غاشم، وكلما وجدت قواسم مشتركة بين هذه الشعوب والمتضامين معها، كانت التفهّم اكبر والتفاعل أعمق، ومن ثم خلق رأي عام عالمي وتعبئة القوى لتحقيق الاهداف المنشودة.
ومع التطور الحاصل في وسائل الاتصال عبر العالم، بما يسهّل عملية تبادل المعلومات وتسريع التواصل والتفاعل، بيد أننا نلاحظ مع غير قليل من العجب ان قضايا كبيرة وذات ابعاد واسعة مع مصداقية على ارض الواقع، مثل قضايا الاقليات الشيعية في البلاد الاسلامية، مثل قضية الشيعة في كشمير وفي باكستان وفي البحرين وفي المنطقة الشرقية من السعودية وفي سوريا وايضاً في نيجيريا وبلاد اخرى بالعالم، يتابعها المثقفون والاعلاميون في بلادنا على شكل احداث متفرقة تنقل عبر وسائل الاعلام، مثل اخبار الاحتجاجات المستمرة في معظم بلاد العالم حول الضمان الاجتماعي او رفع الاجور او الضرائب او الاحتجاج على بعض السياسات الاقتصادية.
بينما المتابع الحقيقي لأوضاع الشيعة، ومثالنا ما يجري في بلدة العوامية بمحافظة القطيف، بإمكانه اكتشاف الابعاد الحقيقية للصدام الحاصل بين الأهالي والنظام السعودي، وكذلك الحال لما يجري في البحرين، فالقضية لا تتعلق بالماء والكهرباء والخدمات العامة او الرواتب والتعليم والصحة، وإن وجدت بعض سياسات التمييز في هذا المجال، بيد أن جذور القضية تمتد الى الهوية والانتماء وحقوق اساسية مثل حرية التعبير والعقيدة الى جانب مطالب اساسية اخرى مثل العدالة في توزيع الثروة والمساواة في فرص النمو والتطور للجميع.
هذه الجذور العميقة لقضايا الشيعة تساعدنا على تشكيل فهم مشترك لمجمل الاحداث التي نتابعها من الشرق (كشمير) وحتى افريقيا (نجيريا) مروراً بمنطقتنا الملتهبة، فما يواجهه الشيعة في هذه البلاد يشترك في خطاب معادي واحد يهدف الى التهميش والتضعيف وإن لزم الأمر التصفية الجسدية بالتفجيرات تارةً على يد الجماعات الارهابية والتكفيرية أو بالاعتقالات والاعدامات على يد سلطات حاكمة، فلا حوار ولا تعاطي سلمي وتفهّم للمطالب، إنما هو قمع ثم قمع ثم موت!
وهذا يفسّر الطريقة المشتركة للقمع والتصفية الدموية البشعة في جميع البلاد ذات الوجود الشيعي، بغض النظر عن الاختلاف في الظروف والاجواء الظاهرية لكل بلد، وإلا فان الذي يتحدث عن الخطر المحتمل من شيعة البحرين او شيعة السعودية على الانظمة الحاكمة، وعن وجود طموحات سياسية تثير المخاوف الاقليمية والدولية، ولكن؛ ما الذي يشكله شيعة كشمير وباكستان ونيجيريا من خطر على الانظمة السياسية في بلادهم، وهم يقومون بطقوسهم الدينية في الحسينيات والمساجد؟
وهذا يذكرني بأحد الاصدقاء المحامين في ثمانينات القرن الماضي تبرّع وجازف بمتابعة قضية ثلاثة أخوة من المعارضين لنظام صدام تم اعتقالهم في اليونان، وكان يتنقل بين المنظمات الحقوقية لكسب المزيد من المواقف الضاغظة للإفراج عنهم، وتفاجأ بتفاعلهم مع كون احد الأخوة من الكُرد، مما أثار اهتمامه اكثر من الاخوين الآخرين وهم العرب، فهذا الأخ المعارض الذي لم يكن يعمل ضمن تنظيم كردي، استفاد بالمجان وربما بالصدفة الطيبة، من حملات التعبئة الاعلامية والحقوقية والسياسية في اوربا والغرب التي قام بها الكرد لنشر قضيتهم ومعاناتهم وحتى طموحاتهم المستقبلية.
إن ما يجري اليوم في بلادنا، تشتت في الجهود الاعلامية والسياسية حول العالم للحديث عن هذه القضية او تلك، ولذا فان الشيعي العراقي – مثلاً- سواءً في بلده، او في أي مكان بالعالم، ربما لايسمع بما يجري لإخوانه في كشمير او نيجيريا وحتى في البحرين والقطيف، ونفس الشيء طبعاً يحصل، وإلا اذا كان لدينا تضامن شيعي عبر العالم، لما بقي ملايين الناس في العراق خلف صورة واحدة لشخص مثل صدام حسين يملأ عيون العالم، الى درجة أن يكاد حاج من اندونيسيا يبكي أمام حاج عراقي لمجرد سماعه بانه من العراق، وهو يقول مختنقاً بعبرته معرباً استنكاره للعقوبات الاقتصادية على العراق : "اللهم انصر حسين صدام..."!! ثم أوضح له الحاج العراقي بأنه لم يأت من العراق وإنما هو مهجّر ومضطهد من قبل "حسين صدام"!
وهذا يعني – مما يعنيه- أنه بقدر استمرار التباعد في استشعار المسؤولية الحضارية والانسانية المشتركة، بنفس القدر نكون امام سيول الدماء واستمرار الآهات والمعاناة لنا جميعاً، فما جرى في العراق في عقد السبعينات والثمانينات ثم التسعينات، من اعتقالات ومطاردات وهدم وتدمير، تكرر بشكل غريب في السعودية والبحرين، وما جرى من ذبح وقتل وحرق في كشمير وباكستان وافغانستان في الثمانينات، تكرر في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام.
هنا؛ تبدو مهمة المثقف والاعلامي في عموم بلادنا الاسلامية كبيرة وخطيرة في آن، فهو مسؤول أولاً؛ عن تأسيس قناة اعلامية موحدة تنشر حقيقة ما يجري على ارض الواقع في هذا البلد او ذاك، وبالامكانات المتوفرة حتى يكون المصدر الاقرب الى الرأي العام، ولا يترك الساحة لوسائل الاعلام العالمية ذات الاجندة الطائفية المفضوحة، لأن تتحدث عن "مشتددين" في بلدة العوامية –مثلاً- أو الاشارة بخبث الى "اقلية شيعية" او "أقلية سنية" أو تسليط الضوء على "مقتل رجل أمن" وهكذا...
وثانياً: فهو مسؤول عن رسم صورة متكاملة للمتلقي عبر مختلف وسائل الاعلام والاتصال السريع (وسائل التواصل الاجتماعي) عن حالات القمع والاضطهاد التي تمارسها الانظمة الديكتاتورية، فهذا من شأنه ان يوسع مساحة الوعي بالحقوق المشروعة، ليس فقط للشيعة وانما لعموم المسلمين كون هذه الحقوق والمطالبات إنما هي جزء من الحياة الطبيعية التي يجب ان تسود البلاد الاسلامية جمعاء، لتشكيل رأي عام ضاغط نحو تصحيح الاوضاع او تغييرها بشكل جذري يحقق المطالب العادلة.