كيف عالج الإسلام خطر الجوع؟
جميل عودة ابراهيم
2017-04-26 08:02
تُعد حاجة الإنسان للطعام إحدى الحاجات الفسيولوجية الأساسية اللازمة لبقاء الانسان على قيد الحياة ولحمايته؛ فنفاذ الطعام أو قلته يُعرض حياته للخطر. فكما أن الانسان بحاجة إلى الهواء لكي يتنفس، وبحاجة إلى الماء لكي يرتوي، فانه بحاجة إلى الطعام لكي يشبع.
وقد ورد في الإعلان العالمي بشأن استئصال الجوع وسوء التغذية أن "لكل رجل وامرأة وطفل حق، غير قابل للتصرف، في أن يتحرر من الجوع وسوء التغذية، لكي ينمي قدراته الجسدية والعقلية إنماء كاملا ويحافظ عليها. إن مجتمع اليوم يملك فعلا من الموارد والقدرات التنظيمية والتكنولوجيا، وبالتالي من الكفاءة، ما يكفي لتحقيق هذا الهدف، ولذلك فإن استئصال الجوع هدف مشترك لكافة بلدان المجتمع الدولي، وخاصة منها البلدان المتقدمة النمو والبلدان الأخرى القادرة على المساعدة".
ومع ذلك، مازال الجوع الخطر الأول الذي يهدد حياة الإنسان وصحته بشكل مستمر؛ إذ تشير إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة "فاو" إلى أن "هناك نحو 795 مليون شخص في العالم لا يجدون طعاماً كافياً للتمتع بحياة صحية نشطة، أي ما يعادل حوالي واحد من كل تسعة أشخاص في العالم. ويعيش الأغلبية العظمى من الجياع في العالم في البلدان النامية، حيث يعاني 12.9 في المائة من السكان من نقص التغذية. ويتسبب سوء التغذية في حوالي نصف عدد حالات الوفيات (45%) بين الأطفال دون سن الخامسة – أي حوالي 3.1 مليون حالة وفاة كل عام. ويعاني واحد من كل ستة أطفال –حوالي 100 مليون طفل-في البلدان النامية من نقص الوزن".
ماذا نعني بمصطلح "الجوع" ومصطلح "نقص التغذية"؟ وماهي علاقته بظاهرة "الفقر"؟ وكيف ينظر المجتمع الدولي إلى الجوع، وماهي حلوله؟ هل عالج الدين الإسلامي مسألة الجوع؟ وإذ كان الأمر كذلك؛ ما بال الشعوب الإسلامية والعربية تتصدر قائمة الجياع في العالم مع أن ثرواتها تفوق ثروات تلك الشعوب المرفهة؟
يُستخدم مصطلح "الجوع" كمرادف لـ "نقص التغذية المزمن" وهو المصطلح الذي يستخدم لوصف حالة الأشخاص الذين لا يحتوي ما يتناولونه من طعام على عنصر غذائي معين أو أكثر بكمية كافية، لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم اللازمة، لإمدادهم بالطاقة والنشاط والنمو وتجديد الأنسجة التالفة، وتنظيم العمليات الحيوية لديهم.
ويقول العديد من الخبراء إنه لابد من توافر ثلاثة شروط محددة قبل إعلان حالة المجاعة في بلد ما، وهي: أن تواجه 20% من الأسر على الأقل، نقصاً شديداً في الغذاء مع قدرة محدودة على التعامل الأزمة. وأن يتجاوز مدى انتشار سوء التغذية الحاد في العالم أكثر من 30%. وأن يتجاوز معدل الوفيات يوميا حالتين وفاة لكل 10,000 شخص. وقد أعلنت الأمم المتحدة عن مجاعة جديدة في جنوب السودان (فبراير/شباط 2017)، لنحو مئة ألف شخص، وهي الأولى، منذ ست سنوات.
ليس هناك سبب معين لحدوث مشكلة "الجوع" وقد تمثل الحروب والصراعات المسلحة في أرجاء مختلفة من العالم سببا رئيسيا وأساسيا للمجاعات المنتشرة في بقاع عدة من المعمورة، وتأتي الكوارث الطبيعية كالجفاف وغيره في مرحلة تالية، كما يساهم الفقر وضعف البنية التحتية الزراعية والاستغلال المفرط لها في انتشار المجاعة في بلدان عديدة. وتدفع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب أجزاء من العالم في فترات مختلفة، إلى انتشار مساحات الجوع في مناطق من العالم، وتساهم في إيقاع الكثرين في شرك المجاعة.
ويرى المختصون أن "الجوع لا يؤثر -فقط -على الفرد، بل يفرض أيضا عبئا أخلاقيا وإنسانيا واقتصاديا هائلا على العالم النامي، حيث يقدر الاقتصاديون أن كل طفل يعاني من ضعف النمو الجسدي والعقلي بسبب الجوع وسوء التغذية يتعرض لخسارة 5-10% من دخله المكتسب مدى الحياة. وتهدد التوترات والمشاكل الناجمة عن الجوع الاستقرار الأمني والسياسي في بلدان عديدة، رغم أن الجوع يمثل -في حد ذاته-نتيجة من نتائج عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي يضرب مناطق كثيرة في العالم. ويتسبب الجوع في تراجع النمو ويعوق التطور المعرفي، ويؤدي إلى هجرات جماعية وإلى خلل كبير في البنى الاجتماعية والتوازنات الديمغرافية والسكانية في بلدان كثيرة".
يعد النمو الاقتصادي في نظر الأمم المتحدة عاملا أساسيا في مكافحة الجوع –فالبدان التي تصبح أكثر غنى تكون أقل عرضة لانعدام الامن الغذائي، وتأسيس نظم الحماية الاجتماعية، حيث تتيح الحماية الاجتماعية لمدقعي الفقر المشاركة في عملية النمو من خلال وصول أفضل إلى العمل اللائق، بالإضافة إلى تبني مفهوم الحوكمة الجيدة، والاستقرار السياسي، وسيادة القانون، وغياب النزاعات والحروب الاهلية أو الصدمات المناخية أو التقلب المفرط لأسعار الأغذية.
مع أن هناك جهود مضنية بذلت من طرف المجتمع الدولي وحكومات الدول للتقليل من حالات الجوع ونقص الغذاء، إلا أن غالبية الدراسات والاستراتيجيات التي وضعت لمكافحة ظاهرة الجوع لم تأت اكلها، ولم تحقق نتائجها المرجوة، رغم إنفاق مبالغ طائلة.
ربما نظرة الإسلام للجوع والفقر وعلاجهما تختلف عن توجهات الأمم المتحدة، فمن حكمة الله تعالى في خلق البشر أنه جعلهم يحتاجون إلى سدِّ أفواههم، وملء أجوافهم، وتسكين جوعهم بالطعام، وأن الله تعالى حين خلق البشر وجعل الطعام قواماً لهم، وسببا لاستمرار حياتهم؛ رزقهم أنواع المآكل ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا﴾[عبس: 27]، وفي آية أخرى ﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾[النحل: 5]. وجعل الله تعلى أن من أسباب النجاة من عذاب النار بذل الطعام للمحتاج إليه﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾[البلد: 14] أي: بذله في المجاعة.
من هذا المنطلق، يرى الاسلام أن الفقر والجوع ليس منشؤهما ندرة موارد الانتاج وبخل الطبيعة، انما منشؤهما الإنسان نفسه. يقول تعالى: "الله الذي خلق السماوات والارض، وأنزل من السماء ماء، فاخرج به من الثمرات رزقا لكم، وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمه الله لا تحصوها. إن الانسان لظلوم كفار" سورة إبراهيم-32".
إن هذه الآيات الكريمة، بعد أن استعرضت مصادر الثروة التي انعم الله تعالى بها على الانسان، اكدت أنها كافية لإشباع الانسان وتحقيق كل حاجاته "وآتاكم من كل ما سألتموه". فالمشكلة الواقعية لم تنشأ من بخل الطبيعة، أو عجزها عن تلبيه حاجات الانسان، وانما نشأت من الانسان نفسه، عندما يكفر ويشذ عن النظام الإلهي العادل "إن الانسان لظلوم كفار". فظلم الانسان في توزيع الثروة وكفرانه للنعمة بعدم استغلال جميع المصادر التي تفضل الله بها عليه، هما السببان المزدوجان للمشكلة التي يعيشها الانسان منذ أقدم عصور التاريخ.
تنطلق نظره الاسلام الى المال من حقيقة عميقة، وهي أن المال هو في الاصل مال الله، وكل مال في أيدينا قد اعطاه الله لنا على نحو التوكيل، وليس التمليك. فالمؤمن موظف على ماله ليستخدمه فيما امر الله وأراد، فاذا هو لم يستخدمه وفق ذلك، فقد اساء التصرف.
ولقد جعل سبحانه وجود الفقير والغنى، كل منهما ابتلاء للآخر. فوجود الفقراء هو امتحان لسماحه الاغنياء وشكرهم وعدم تعلقهم بالدنيا ومادياتها. كما أن وجود الاغنياء هو امتحان لعفة الفقراء وعزتهم، فكم من فقير بالمال غنى بالنفس، وكما قال سبحانه: يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف "البقرة-273". وقال الامام علي (عليه السلام): وقدر الارزاق فكثرها وقللها، وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها "الخطبة 89 نهج".
وبما أن كلا من الغنى والفقر امتحان، فعلى الغني أن يحذر الغنى الذي صار فيه، ويفهم أنه استدراج وامتحان، تماما كما على الفقير أن يتحسب من فقره، ويعلم أنه ابتلاء واختبار. يقول الامام على (عليه السلام): ورب منعم عليه مستدرج بالنعمى، ورب مبتلى مصنوع له بالبلوى "أي ان بليته هي معروف اسداه الله إليه" "الحكمة 273 نهج".
وبعد ان زود الاسلام جميع افراده بالمبادئ الأخلاقية وشحنهم بالمثل الاعتقادية التي تجعل الانسان اخا الانسان، يكفله ويواسيه ولا يخذله، وضع التشريعات الضرورية لمن ينحرف عن اهدافه ومعانيه، فحرم الاستغلال والاحتكار وتبديد المال واساءه استخدامه.
يرى السيد مرتضى الشيرازي في كتابه "استراتيجيات انتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الامام علي عليه السلام" أن الالتزام باتباع فلسفة الله في الكون هي إحدى أهم الحلول الاستراتيجية للقضاء على الفقر والجوع، وهي تعني ببساطة التجاوب والتفاعل مع قوله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) فكل الثروات لكل الناس، وهذا يعني أن الدولة لا تملك: الأراضي والمعادن، والبحار والأجواء، ... بل هذه كلها للناس مباشرة فمن حاز شيئاً كان له، وعلى الدولة أن تنظم فقط هذه العملية.
أن مسألة الفقر والجوع ونقص الغذاء ترتبط من وجهة نظر الإسلام -بحسب الشيرازي- بعدة عوامل منها:
• عوامل فردية-شخصية، يمتلك الافراد التحكم فيها، وذلك مثل القمار، الربا، الإسراف والتبذير، الصدقة، وصلة الارحام...
• وعوامل ترتبط بالدولة وقوانينها ومنهجها في الحكم والإدارة الاقتصادية، وطريقة تحكمها في الثروات وكيفية تعاملها مع الفقراء والأثرياء، ومع عامة الناس مثل: ملكية الدولة، وسرقة الحكومة، كثرة الموظفين، التسليح، سوء التوزيع، التوازن بين الريف والحضر، والمرونة في الضرائب...
• وعوامل ترتبط بكل من الدولة والناس كـترشيد الانفاق، والتكافل الاجتماعي، والضمان الاجتماعي، والتقوى والنزاهة، والفساد المالي والاحتكار وغيرها.
.....................................