محادثات موسكو.. من اجل ازمة سوريا او مكاسب روسيا
كمال عبيد
2015-02-02 01:36
تظهر المستجدات الاخيرة في القضية السورية، مؤشرات غامضة حول المحادثات السورية التي عقدت في روسيا التي فشلت في تحقيق اي خطوة ايجابية بسبب هوة الخلافات والانقسامات الشاسعة بين أطراف النزاع المستمر منذ اربع سنوات تقريبا.
فعلى الرغم مما تشهده سوريا خلال الآونة الاخيرة من تحولات سياسية امنية، تجسدت بالجهود الدولية الخارجية، والتحولات الامنية الداخلية، الا انها هذه التحولات البطئية الحركة لم تنجح في فتح كوة في الازمة السورية الاعقد في الشرق الاوسط.
لكن يرى بعض المحللين أن طرح مبادرة محادثات موسكو قد تفتح بوابة جديدة لحل للازمة السورية العنيفة وتعطي امالا لإنهاء الصراع الدموية الذي تسبب بمآسي إنسانية ارعبت الشعب السوري طوال السنوات القليلة الماضية.
فيما يرى محللون آخرون أن استضافة روسيا لممثلين عن النظام والمعارضة في سوريا على امل استئناف محادثات تضع حد للنزاع في البلاد لاتعطي مؤشرات فعالة لفتح آفاق وتحولات ايجابية بين طرفي الخصام، فلم تحرز محادثات موسكو الاخيرة أي تقدما يذكر اذ لم يشارك بها معارضون كبار ولم تنضم لها جماعات المعارضة المسلحة الرئيسية التي تقاتل في سوريا.
وتأتي هذه المبادرة من الحليف الاقوى للنظام السوري وسط اشارات بان واشنطن ربما ستعيد النظر في استراتيجيتها بحيث تعطي الاولوية لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية الذي يزداد نشاطه داخل الاراضي السورية، بدلا من رحيل الاسد.
وهناك من ان روسيا ستستغل اللقاء لتظهر للغرب انها قادرة على التعامل مع النظام السوري ودعمه، حيث تأمل موسكو بتحسين صورتها كوسيط دبلوماسي مع انها لا تزال في مواجهة مع الغرب حول النزاع في اوكرانيا.
وتقول روسيا إن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون أولوية رئيسية في سوريا. ودعت موسكو المعارضة لتوحيد صفوفها مع الأسد لأجل هذا الغرض وانتقدت واشنطن لرفضها التعاون مع دمشق فيما يتصل بالغارات الجوية التي تقودها ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرى اغلب المحللين بأن هناك دوافع عديدة لتمسك روسيا بسوريا ابرزها حاجة روسيا لحليف في الشرق الأوسط بعد التمدد الغربي خصوصا بعد نشر منظومة الدفاع الصاروخي على مقربة من حدودها، إذ تشكل سوريا الخط الدفاع الأمامي لروسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما تعد سوريا اهم مشتري لصادرات الأسلحة الروسية، بحسب ما تشير الإحصاءات والأرقام بإن 90٪ من السلاح السوري مصنوع في روسيا، فضلا عن العلاقات الاقتصادية المتمثلة بشركات النفط والغاز الروسية وصفقات العقود ضخمة مع الحكومة السورية، كما ترى روسيا في سورية حليفاً عسكرياً لها، لأنها تدرك بأن هنالك أجندة غربية تهدف الى ضرب مصالحها في المنطقة من خلال إقصاء حلفائها عن مركز القرار، وهذا من شانه ان يضعف النفوذ الروسي بشكل عام، فعلى الرغم من كل الضغوط والانتقادات الدولية ما زالت روسيا متمسكة بمواقفها اتجاه سوريا، خصوصا وان هذه الدولة العربية باتت مكانا مستهدفا من لدن الدول العدائية، كـ تركيا ودول الخليج وبعض الدول الإقليمية، ناهيك عن اللاعب الأساسي الدول الغربية، لجعلها بؤرة الصراع في الشرق الأوسط.
في حين اعتبر العديد من الخبراء أن غياب المعارضة وغياب الحماس في جانب الحكومة وقرار الرئيس السابق للائتلاف الوطني معاذ الخطيب بمقاطعة المؤتمر، كلها عوامل قوَّضت الآمال في تحقيق نتائج ايجابية من هذه المحادثات، فما أظهرته البداية المتواضعة جدا للجولة الاولى من محدثات موسكو يبقي حدوث الانفراجة لهذا المؤتمر صعبة التحقيق حتى المدى البعيد.
وعليه تظهر المستجدات الأخيرة في القضية السورية، مفارقات وتباينات متعددة المقاصد من لدن بعض الدول الإقليمية والعالمية المشاركة بشكل مباشر في هذه القضية الدولية، حيث تسعى تلك الى إيجاد حل سياسي لتسوية الازمة في سوريا بالظاهر، بينما تذكي الازمة وتزيد من تعقديها بالخفاء، مما وضع النزاع السوري داخل حلقة مفرغة تساعد على ديمومة الصراع الذي يغذي العنف وينشر الدمار في البلاد، وهذا ما جعل منها أزمة بالغة الضخامة لها أبعاد إقليمية ودولية، قد تكون الأخطر على السلم والأمن العالميين منذ الحرب العالمية الثانية، ليبقى المشهد السوري غامضا حتى اللحظة الراهنة.
عقد جولة جديدة
من جهته قال قدري جميل الذي شارك في المحادثات السورية التي عقدت في روسيا هذا الأسبوع إن الاجتماع القادم بين بعض شخصيات المعارضة السورية وحكومة دمشق في موسكو سيعقد خلال شهر تقريبا.
وقال جميل وهو عضو بالمعارضة الداخلية التي لا ترفضها الحكومة وكان نائبا لرئيس الوزراء من عام 2012 الى 2013 إن المهم هو أن العملية بدأت تتحرك. وكان يتحدث من خلال مترجم في مؤتمر صحفي، وفي ختام المحادثات قدم الوسيط الروسي فيتالي نعومكين ما سماها "مبادىء موسكو" وهي قائمة من البنود قال إن ممثلي الحكومة والمعارضة يوافقون عليها من حيث المبدأ. بحسب رويترز.
وقال ماجد حبو من هيئة التنسيق الوطني المعارضة من خلال مترجم إن المشاركين كانوا يأملون تحقيق نتائج افضل من تلك التي تم التوصل اليها في النهايةـ وأضاف أن المحادثات مهمة لأنها توفر ظروفا افضل لمواصلة عملية جنيف.
وتدعو "مبادىء موسكو" الى مكافحة الإرهاب في سوريا. لكنها لا تشمل دعوات المعارضة للإفراج عن السجناء السياسيين والتعامل مع مشكلة المخطوفين او المفقودين، وقال رئيس وفد الحكومة السورية بشار الجعفري في السفارة السورية في موسكو عقب المحادثات إن المشاركين من أعضاء المعارضة فشلوا في تبني موقف موحد.
والتوقعات بتحقيق انفراجة ضعيفة. ورفضت فصائل المعارضة الرئيسية المحادثات التي لا تضم جماعات رئيسية تقاتل على الأرض في سوريا، وحتى الروس كانت توقعاتهم متواضعة بالنسبة للمحادثات التي يتوقع أن ينضم إليها ممثلو الحكومة السورية.
وقال فاتح جاموس وهو شيوعي سوري متحالف الآن مع قدري جميل المسؤول الحكومي السابق الذي انضم للمعارضة "أعتقد أننا سنتفق على مواصلة المحادثات على الرغم من الخلافات... وأن نتفق على إطار لمحادثات في المستقبل"، ولكن مصير الأسد ما زال نقطة شائكة كبيرة في الصراع الذي يسيطر فيه متشددو الدولة الإسلامية الآن على مساحات واسعة من سوريا والعراق المجاور.
محادثات دون امل
من جانبه قال بوريس دولغوف الباحث في مركز الدراسات العربية والاسلامية في معهد الدراسات الشرقية "اذا تم التوصل الى اتفاق خلال اللقاء وهو ما نامل به فهذا سيعزز من شرعية بشار الاسد كرئيس لسوريا". بحسب فرانس برس.
وكان لافروف اشار هذا الاسبوع الى الجهود التي تبذلها الحكومة السورية من اجل تدمير مخزونها من الاسلحة الكيميائية وهو من شانه ان يدحض الاتهامات بان دمشق ليس شريكا يمكن الاعتماد عليه، وقال لافروف "مثل هذه الحجج لم تعد صالحة".
واشاد لافروف ايضا بالرئيس الاميركي باراك اوباما في ما اعتبره ادراك اميركي متزايد بان مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية هم من يشكل التهديد الاخطر وليس نظام الاسد، وقال انه لمس تغيرا في موقف واشنطن من الازمة في سوريا وذلك في اشارة الى خطاب اوباما حول حالة الاتحاد والذي طلب فيه من اعضاء الكونغرس اعطائه السلطات اضافية لمحاربة التنظيم الجهادي، واعتبر لافروف انه "امر جيد ان هذا الفهم للامور في ازدياد".
وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري اشار الى ان القضاء على التنظيم يشكل "التحدي الحالي"، وذلك في اعقاب الاعتداءات التي اوقعت 17 قتيلا في باريس هذا الشهر، وسترى موسكو اي تغيير ممكن في سياسة واشنطن ازاء سوريا بمثابة تاكيد على رايها بان الجهاديين هم الخطر الاساسي على الامن الاقليمي للمنطقة.
وقال فلاديمير ايسايف الاستاذ في معهد الدراسات الاسيوية والافريقية في جامعة موسكو لوكالة فرانس برس "لقد بداوا يدركون في الولايات المتحدة مدى صحة القول +عدو عدوي هو صديقي+"، واضاف ان الاسد وبالمقارنة مع التنظيم الجهادي ليس من الصعب التكهن بمواقفه، ورحبت واشنطن بالمحادثات التي ستستضيفها موسكو لكنها اعتبرت ان قرار المشاركة يعود الى المعارضة، وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جنيفر بساكي "لقد اعربنا بالطبع عن دعمنا لحضورهم الاجتماعات"، الا ان الائتلاف الوطني في المنفى واحمد معاذ الخطيب احد ابرز وجوه المعارضة السورية اعلنوا عدم مشاركتهم في اللقاءات.