الجمهورية الاسلامية والمملكة العربية.. تشريح الشرق الاوسط بحرب الوكالة
عبد الامير رويح
2016-05-17 11:30
الخصومة المزمنة بين إيران والسعودية والتي تحولت إلى أزمة مفتوحة بين البلدين وصلت الى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بعد احراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، بسبب قيام المملكة بتنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وما تبعها من احداث وقرارات لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان هذه الخلافات كما يرى بعض المراقبين، قد اسهمت وبشكل فاعل في خلق ازمات ومشاكل كبيرة في منطقة الشرق الاوسط وجعلت الامور أصعب بكثير، حيث تستمر المواجهة غير المباشرة بين طهران والرياض في نزاعات عدة من اجل تغير موازين القوى وتعزيز النفوذ في المنطقة وخصوصا في سوريا والعراق واليمن.
وكانت السعودية كما تنقل بعض المصادر قد أعلنت قطع علاقاتها مع إيران تبعها بذلك عدة دول عربية في هذا القرار، ويتوقع بعض الخبراء أن تؤدي الأزمة الجديدة، وهي الثانية بعد قطع مماثل للعلاقات بين 1987 و1991 إثر مواجهات دامية بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية في مكة، إلى زيادة مواجهات الحرب بالوكالة التي تدور بين الرياض وطهران في المنطقة.
كما يرى بعض المحللين أن الرياض ستسعى وفي ظل القيادات الحالية، الى تصعيد مواقفها ضد ايران واستفزازها حيث اكدوا ان المملكة وبعد تولي الملك سلمان العرش، اصبحت تعتمد سياسة جديدة تختلف جذريا مع السياسة الخارجية الهادئة التي اعتمدتها لعقود، كما انها عمدت الى تكوين تحالفات عربية واسلامية جديدة على اسس طائفية من اجل اضعاف وتحجيم دور ايران وضرب مصالحها.
من جانها عمدت طهران ومع وجود الشخصيات المتشددة، الى اتخاذ مواقف مضادة لمواجهة النفوذ السعودي، الامر الذي سيسهم بتعقيد الامور التي قد تخرج عن السيطرة، خصوصا وان الحرب الحالية بين الطرفين قد اتسعت بشكل كبير، وفيما يخص بعض تطورات هذا الملف فقد أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن على إيران تغيير سلوكها في حال أرادت علاقات طبيعية مع بلاده. وقال الجبير "لقد مددنا يدنا لإيران منذ 35 عاما، منذ ثورة الخميني في العام 1979 ولم نتلق شيئا في المقابل". وأضاف "لقد أردنا أن تكون لدينا علاقات سلمية مع إيران (...) لكننا واجهنا تدخلا في شؤوننا الداخلية، وتعطيل مناسك الحج، واغتيال أحد دبلوماسيينا، والهجمات ضد سفارتنا والخلايا الإرهابية التي زرعتها إيران في بلادنا والدول المجاورة". وتابع الجبير أنه "إذا غيرت إيران سلوكها، فإن الباب سيكون مفتوحا أمام علاقات طبيعية". وتتهم السعودية ودول الخليج ايران بدعم الشيعة في اليمن، فضلا عن محاولة زعزعة استقرار انظمتهم. كما انها تدعم المعارضة في الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا في حين تدعم طهران نظام الرئيس بشار الاسد.
تأثيرات الخلاف
من جانب اخر قالت مصادر إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لم تتفق بعد على استراتيجية طويلة المدى في الوقت الذي تعارض فيه السعودية اقتراحا من خصمها اللدود إيران بأن تهدف المنظمة لتعزيز السيطرة على سوق النفط بما يشير إلى اشتداد الخلافات على النهج الذي تتبعه أوبك في المستقبل.
واجتمع مجلس محافظي أوبك في فيينا لبحث المسودة الجديدة لاستراتيجيتها الطويلة الأمد. وقال مصدران في أوبك إنه بينما أحرز أعضاء المنظمة تقدما في بعض القضايا لم توافق السعودية أكبر منتج في أوبك على اقتراح طهران بوضع "الإدارة الفعالة للإنتاج" ضمن التحديات التي تواجه المنظمة. وقال مصدر طلب عدم ذكر اسمه "إيران والسعودية لم تتفقا."
وكانت إيران اقترحت تعديل أول التحديات العشرة التي وضعتها أوبك لنفسها وهي "الحفاظ على استقرار سوق النفط" ليشير إلى إدارة الإمدادات بدلا من ذلك وفقا لمسودة سابقة لاستراتيجية الأمد الطويل. وكتبت إيران في تلك المسودة "التحدي الأول يمكن التعبير عنه بطريقة أكثر وضوحا كالتالي ‘استدامة أسعار النفط عند المستويات الأمثل والحفاظ على الإدارة الفعالة للإنتاج في ضوء الظروف الديناميكية للسوق‘."
وما يثير التساؤلات في الأساس هو ما إذا كانت أوبك ستضع دورها التقليدي المتمثل في كبح الإمدادات لتعزيز الأسعار - وهو دور تفضله إيران وأعضاء آخرون مثل الجزائر - على رأس جدول أعمالها. أو أن المنظمة ستتراجع عن محاولة إدارة السوق في ضوء تزايد إمدادات المعروض من خارج المنظمة وهي رؤية تتماشى مع طريقة تفكير السعودية التي قادت التحول في استراتيجية أوبك في نوفمبر تشرين الثاني 2014 حين أحجمت المنظمة عن خفض الإنتاج. وهذا التحول في السياسة ما زال يثير شقاقا في المنظمة حيث يختلف الأعضاء بشأن الحاجة لدعم سعر عادل للنفط وتعزيز الإيرادات.
وتضمنت مسودة استراتيجية الأمد الطويل في نوفمبر تشرين الثاني تعقيبات من إيران والجزائر بخصوص إجراءات لدعم الأسعار مثل وضع هدف أو حد أدنى للأسعار وعودة أوبك لنظام الحصص. وتعارض السعودية وحلفاؤها الخليجيون في أوبك العودة لنظام الحصص الذي تخلت عنه المنظمة في 2011. ويتولى إعداد تقرير الاستراتيجية الطويلة المدى فريق أبحاث أوبك في فيينا وهو في العادة ينبه إلى أن التقرير لا يمثل الموقف النهائي لأوبك أو أي من الدول الأعضاء بخصوص أي قرارات مقترحة يتضمنها.
وذكرت المصادر أن من المقرر أن يجتمع مسؤولو أوبك مجددا هذا العام في مسعى للتوصل إلى اتفاق على استراتيجية الأمد الطويل. ووصف مصدران من أوبك نقاط الخلاف بأنها ضئيلة نسبيا. وما زال احتمال عودة أوبك إلى إدارة الإنتاج يبدو ضعيفا. ففي وقت سابق فشل كبار المنتجين في أوبك وخارجها في الاتفاق على تثبيت الإنتاج بعدما طالبت السعودية بمشاركة إيران. بحسب رويترز.
ورفضت إيران الحد من الإنتاج في الوقت الذي تسعى فيه لاستعادة حصتها السوقية في اعقاب رفع العقوبات الغربية عنها في يناير كانون الثاني وإن كانت مصادر قالت إن طهران ستوافق على تقييد الإنتاج فور عودتها إلى مستويات ما قبل العقوبات. وسيعقد وزراء نفط دول أوبك اجتماعهم القادم في الثاني من يونيو حزيران في فيينا لبحث سياسة الإنتاج.
مناسك الحج
على صعيد متصل ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء أن الإيرانيين لن يتمكنوا من أداء مناسك الحج هذا العام لعدم اتفاق الرياض وطهران على التفاصيل التنظيمية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في يناير كانون الثاني. وقالت الوكالة الإيرانية الرسمية إن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي علي جنتي حمل الرياض مسؤولية فشل المحادثات. ووقع خلال موسم الحج الماضي حادث تدافع أسفر عن مقتل أكثر من ألفي شخص 464 منهم إيرانيون.
ودفع التوتر بين الخصمين الإقليميين الرياض إلى قطع علاقتها الدبلوماسية بطهران في يناير كانون الثاني بعد تعرض بعثاتها الدبلوماسية هناك إلى هجوم من جانب إيرانيين كانوا يحتجون على اعدام السعودية لرجل دين شيعي بارز. وقال جنتي الذي تشرف وزارته على ترتيبات حج الإيرانيين "لم نتوصل إلى ترتيبات والآن تأخر الوقت" مضيفا أن "تخريب (هذا الأمر) جاء من الجانب السعودي."
ونأى الرئيس الإيراني حسن روحاني بنفسه عن الهجوم على السفارة السعودية وألمح إلى أن عناصر أجنبية نظمته. وقال مسؤولون إيرانيون إن المسؤولين الإيرانيين والسعوديين أجروا محادثات لحل القضية لكنهم فشلوا حتى الآن في إحراز أي تقدم. وقال جنتي إن السعوديين "لم يقبلوا اقتراحاتنا بشأن الأمن والنقل وإصدار التأشيرات للحجاج الإيرانيين." ورفضت الرياض طلب إيران بأن تصدر التأشيرات لحجاجها عبر السفارة السويسرية في طهران التي تتولى رعاية المصالح السعودية هناك. بحسب رويترز.
وقال جنتي "يقول المسؤولون السعوديون إنه يتعين على الحجاج الإيرانيين الحصول على التأشيرات السعودية من دولة ثالثة طالما أن بعثات الرياض الدبلوماسية مغلقة في طهران." وقال مسؤول في وزارة الثقافة إن إيران "قلقة للغاية على أمن الإيرانيين خلال المناسك المقدسة." وعبرت طهران عن غضبها الشديد مما حدث في موسم الحج العام الماضي. ويؤدي مناسك الحج سنويا نحو مليوني شخص من جميع أنحاء العالم وألمح سياسيون في طهران إلى أن الرياض عاجزة عن إدارة هذه المناسك.
الى جانب ذلك قالت الهيئة العامة للطيران المدني السعودية إن المملكة علقت التراخيص الممنوحة لشركة ماهان إير الإيرانية لتمنعها بذلك من استخدام مجالها الجوي أو الهبوط في مطاراتها بسبب ما وصفتها بانتهاكات لقواعد السلامة. وكانت مصادر جوية قالت إن حوالي 150 رحلة جوية مباشرة بين إيران والسعودية كانت تقل آلاف الحجاج شهريا قد توقفت بعد أن قطعت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع طهران.
وقالت هيئة الطيران المدني إن رحلات ماهان إير إلى المملكة تضمنت عدة انتهاكات فيما يتعلق بالسلامة الجوية "مما استدعى إيقاف التصاريح الممنوحة للشركة". وقال البيان "القرار يأتي في إطار حرص الهيئة على سلامة المسافرين والحفاظ على أرواحهم." ولم يرد تعليق رسمي فوري من المسؤولين الإيرانيين. وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد قال أن المملكة أوقفت التجارة والرحلات الجوية مع إيران في إطار الرد الدبلوماسي على اقتحام محتجين إيرانيين للسفارة السعودية في طهران إثر قيام الرياض بإعدام رجل دين شيعي سعودي بارز. والتجارة بين السعودية وإيران ضئيلة قياسا إلى حجم اقتصاديهما لكن عشرات الآلاف من الإيرانيين كانوا يسافرون إلى المملكة في كل عام لأداء شعيرتي الحج والعمرة.
الأردن والبحرين
في السياق ذاته قامت المملكة الأردنية باستدعاء سفيرها لدى طهران للتشاور، وذلك لعدم استجابة طهران لمطالب المملكة بعدم "التدخل في الشؤون العربية واحترام سيادة الدول". وقال محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، في بيان رسمي أن الحكومة "استدعت السفير الأردني في طهران للتشاور".
وأضاف أنه عقب الاتفاق النووي مع إيران "صدر عنها أو عن مسؤولين فيها (...) جملة أفعال وأقوال تشكل تدخلات مرفوضة في الشؤون الداخلية لدول عربية شقيقة وعلى الأخص دول الخليج". وأشار إلى أنه عقب الاعتداء على سفارة السعودية في طهران "عبرنا للحكومة الإيرانية عبر سفير إيران في عمان خلال استدعائه لوزارة الخارجية حينها، عن احتجاجنا وإدانتنا الشديدة لتلك الاعتداءات (...) وطالبناها بالتوقف الكامل عن التدخل في الشؤون العربية واحترام سيادة الدول".
وأكد المومني "لم نلمس من الحكومة الإيرانية استجابة لهذه المطالبات ولمطالب مجلس جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في بياناتهما وقرارتهما الأخيرة". وتابع "أمام هذا الواقع، خلصت الحكومة الى ضرورة إجراء وقفة تقييمية في هذه المرحلة وفي ضوء هذه المعطيات والتطورات، اقتضت اتخاذ القرار باستدعاء السفير الأردني في طهران للتشاور". بحسب فرانس برس.
وهاجم متظاهرون في وقت سابق مبنى السفارة السعودية في طهران وألقوا باتجاهه قنابل حارقة تعبيرا عن غضبهم إثر إعدام الرياض رجل الدين الشيعي السعودي الشيخ نمر باقر النمر، ودان الأردن بشدة ذلك الهجوم. وأعلنت الرياض، أحد أكبر المانحين للأردن في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تشكيل تحالف عسكري إسلامي من 34 دولة معظمها ذات غالبية سنية بينها الأردن بهدف "محاربة الإرهاب".
كما اكد الملك الاردني عبد الله الثاني وولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان رفضهما ل"سياسة التدخل التي تنتهجها ايران في المنطقة" والتي "تشعل الفتن الطائفية وتنمي الارهاب"، بحسب ما افاد بيان مشترك نشره الديوان الملكي الاردني. وقال البيان، ان الملك عبد الله الثاني عقد اجتماعا في مدينة العقبة مع ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان".
واضاف ان "الجانبين عبرا عن أهمية تعزيز التشاور السياسي بين البلدين تجاه القضايا والأزمات الإقليمية"، مشددين على "أهمية الأخذ بخيار الحل السياسي لها، وعلى أهمية المحافظة على وحدة أراضي دول المنطقة وسيادتها واستقرارها، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية". وتابع ان "الجانبين اكدا رفضهما لسياسة التدخل التي تنتهجها إيران في المنطقة، والتي تشعل الفتن الطائفية وتنمي الإرهاب، وحذرا إيران من استمرار نهجها الحالي الذي يعمق النزاعات والصراعات في المنطقة ويستهدف استقرارها".
كما اتفق الجانبان على "تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والتنقيب عن اليورانيوم، وإنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة النووية". كما اتفقا على "زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وفتح مزيد من الفرص أمام الصادرات الأردنية إلى السوق السعودية، وتعزيز دور رجال الأعمال في مجال التعاون التجاري بين البلدين" و"تعزيز الاستثمارات المشتركة" و"توقيع مذكرة تفاهم بخصوص تأسيس صندوق استثماري مشترك بين البلدين" و"التعاون في مجال النقل، خصوصا في ما يتعلق بنقل البضائع بين البلدين ووضع الخطط المناسبة لتحقيق ذلك".
من جانب اخر قال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة إن دول الخليج العربية مستعدة لمواجهة إيران بشأن سياستها الخارجية وإن على طهران التخلي عن دعمها لمنظمات في الشرق الأوسط. وقلل الشيخ خالد من أهمية أي خلافات مع الولايات المتحدة بشأن تصريحات الرئيس باراك أوباما التي قال فيها للسعودية وإيران أن "يعثروا على طريقة فعالة للتعايش كجارتين." وقال الشيخ خالد "العلاقة مع الولايات المتحدة علاقة تاريخية قديمة."
وقطعت البحرين العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد يوم من قطع السعودية للعلاقات مع الجمهورية الإسلامية. وقال خالد "نحن نرسل رسالة إلى إيران ولكل أتباعها نحن الآن جادون في مواجهتها وليس لنا أي تردد في الدفاع عن دولنا وشعوبنا وعن مصالحنا وعن إخواننا في المنطقة لأن هذه المسألة بالنسبة لنا مسألة حيوية".