لماذا نعظّم الشعائر الحسينية؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2025-07-28 05:26
(إن قضية الإمام الحسين عليه السلام ليست خاصة بالمسلمين فحسب
بل هي للبشرية كلها) الإمام الشيرازي
هناك من يسأل (لأنه قد لا يعرف السبب) لماذا تُعظَّم الشعائر الحسينية، وطرح الأسئلة ليس ممنوعا على أحد، ومن واجب ذوي الشأن وهم معروفين، أن يجيبوا السائل المستفهِم عن الأسباب التي تقف وراء دفع المؤمنين بالحسين عليه السلام، أن يحيوا الشعائر الحسينية في شهريّ محرّم وصفر، بل هناك عادات يعرفها ويطبقها كثيرون يقيمون المجالس الحسينية في كل أسبوع أو كل شهر، وأحيانا تُقام مرتان في الأسبوع الواحد.
لذلك من حق الآخرين أن يسألوا ومن واجب الإنسان المنتمي والمعني بهذا السؤال أن يجيب عليه بوضوح، لذلك دأب الشيعة منذ قرون بعيدة على أداء هذه الشعائر وإحيائها باستمرار، لأنها تمثل بالنسبة لهم واجبا دينيا يصب في إحياء ذكرى استشهاد الحسين عليه السلام، كما أن هذه الشعائر لها ارتباط بالآية القرآنية التي تقول: (ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) سورة الحج، الآية 32.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يُسأل عن ماهيّة الشعائر الحسينية ويجيب عن ذلك في كتابه القيّم الموسوم بـ (رؤى من نهضة الإمام الحسين عليه السلام) بالقول:
(ما هو المقصود من شعائر الإمام الحسين عليه السلام؟، إن كل أنواع العزاء المتعارف إقامته عند الشيعة والمحبين للإمام الحسين عليه السلام هو من مصاديق الشعائر الحسينية وتشملها الآية الكريم: ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
وهناك جملة من القضايا علينا أن نفهمها ونتمسك بها، وأول هذه الأمور أن نقرأ بعمق سيرة الإمام الحسين عليه السلام، وأن نفهم شخصيته العظيمة، ومن ثم علينا أن ندرك جيدا ما الأهداف التي تصدت لها النهضة الحسينية، ومن ثم المطلوب أن ندرس ونفهم كافة القوانين الحياتية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وآله لينقذ بها الناس الجهل والضلال.
مواجهة الاستبداد والظلم
ومن ثم واصلَ أئمة أهل البيت عليهم السلام نشر وتوضيح ما أتى به الرسول الأكرم، من قيم ومضامين أعطت للإنسان قيمته، وحافظت على كرامته، وصانت حقوقه وحرياته، لذلك أعلن الإمام الحسين عليه السلام سبط الرسول صلى الله عليه والله، مواجهة الاستبداد والظلم، والمحاولات الخبيثة التي حاولت تغيير المسار الصحيح للإسلام، وهكذا قدم أغلى ما يملك في سبيل ما أوصى به جده، قدم نفسه ودمه واهله وصحبه قربانا للحرية والقيم العظيمة.
يقول الإمام الشيرازي:
(واجبنا اليوم هو أن نتعرف على عظمة شخصية الإمام الحسين عليه السلام، وعلى أهداف نهضته المباركة وأن نسعى للعمل بكل قوانين الحياة التي أتى بها جده رسول الله صلى الله عليه وآله، وبيّنها أهل بيته عليهم السلام، ورعاها عليه السلام بشهادته وسقاها بدمه الطاهر).
كما مطلوب من كل حسينيّ يعلن تمسكه بخط الحسين عليه السلام، ومن كل إنسان ينتمي إلى الخير، أن يقوم بعرض صورة الشعائر الحقيقية ويوصلها إلى أبعد نقطة في العالم كي تكون الوسيلة السليمة التي تضاعف من إيمان الإنسان، وتجعله باحثا عن قم النهضة الحسينية متمسكا بها وعاملا بمضامينها، ليس بالقول المجرد وإنما بالتطبيق العملي المشهود في أرض الواقع.
كذلك مطلوب أيضا إظهار الأفكار والمبادئ التي أعلنها الأئمة الأطهار وطبقوها في حياتهم، وطلبوا تعميمها ونشرها، وتقديمها للعالم بما يليق بها من صور الخير، وجودة القيم، وسلامة الأهداف، وتعميما لمحافل الخير في كل مكان من العالم، حتى ينتصر الخير على أعدائه من أرباب الخبث والشر، أولئك الذين لا يفهمون أهداف النهضة الحسينية ولا يقتربون منها بل يقفون بالضد منها كونها تهدد مصالحهم في الطغيان والانحراف.
لهذا يقول الإمام الشيرازي:
(علينا أن نعرض صورة الشعائر وصورة الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) بجمالها اللائق ونورها المتألق إلى العالم كله).
ولهذا السبب أيضا أوضح أئمة أهل البيت في جميع رواياتهم، تلك الأهمية القصوى التي تنطوي عليها الشعائر الحسينية، كونها تحيي الإيمان في قلوب المسلمين، وتجعلهم أقرب إلى الدين، وتحافظ على تلك الوشائج التي تربط الناس بدينهم، لهذا هناك تأكيدات كثيرة على أهمية إقامة مجالس العزاء الحسيني ليس في الحسينيات وحدها، أو في المواكب، بل في أي مكان يمكن أن تُقام به هذه الشعائر.
لكي تبقى ذكريات الطف ماثلة أمام العيون والقلوب والبصائر، ولكي يتذكر الناس حالات الشر التي قام بها أعداء الحسين، بحيث وصلت بهم الأمور إلى تخريب الإسلام وتعاليمه وأحكامه وعقائده وأطلقوا بدلا من ذلك البدع والتوافه الصغيرة، كل هذا يحصل لأنهم من اهل الدنيا ولم يحسبوا للدار الأخرى أي حساب.
الإمام الشيرازي يذكر في كتابه نفسه هذه الأمور فيقول:
(لقد أكّد الأئمة الطاهرون (صلوات الله عليهم أجمعين) في روايات كثيرة على أهمية هذه الشعائر وعلى لزوم إقامة مجالس الحزن والعزاء وإحياء ذكريات عاشوراء وتجديد الحداد على مصائب أبي عبد الله الحسين عليه السلام).
أوصِلوا الشعائرَ لأبعد نقطة في الأرض
ولابد لنا أن نعرف ذلك الثواب العظيم لإحياء الشعائر، فهي تعود لمن يقوم بها من الناس، بعظيم الأجر والثواب، كونها تحفز الناس على الإيمان، وتحرك وعيهم وتفتح عقولهم كي يعرفوا مقاصد الخبثاء والظالمين من الحكام والحكومات، حتى لا يسمحوا لهم باستعبادهم، فالنهضة الحسينية آزرت حرية الإنسان أولا، وطالبته بأن يكون شجاعا وقادر على الدفاع عن حقوقه، وطُولِب بالقيم التي تزيد من وحدة الأمة ويتم ذلك بتعميم الشعائر.
بالإضافة إلى ذكر أئمة أهل البيت، وإحياء أمرهم، وذلك من خلال القيام به وتجسيده عمليا في التعاملات وفي تعضيد العلاقات الاجتماعية، لذا فإن تعظيم الشعائر الحسينية يعود علينا بكل هذه الفوائد الفردية والجمعية في نفس الوقت.
الإمام الشيرازي يقول في هذا المجال:
(لقد بين أهل البيت عليهم السلام ما للشعائر من عظيم الأجر وجزيل الثواب عند الله تبارك وتعالى. قال الإمام الصادق عليه السلام: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيى أمرنا)، لذا يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تعظيم شعائر الإمام الحسين بشكل أقوى وأفضل).
وإذا سأل أحدهم عن طبيعة الشعائر وكيف تُقام وهل هناك قضايا تنظيمية معينة لها، فهي في الواقع معروفة كون الناس يتناقلونها فيما بينهم، ويتعلمون من بعضهم، فمنها من يٌُام في كل موسم، وخصوصا في شهريّ محرم وصفر، وفي المناسبات والزيارات الدينية، وفي المنازل أيضا، وهناك الخطب والمجالس التي تقام بشكل دوري أسبوعيا وحتى يوميا أيضا.
المهم في هذا الجانب والذي يؤكد عليه الإمام الشيرازي، مضاعفة مجالس العزاء الحسيني، والخطب عبر المنابر، حتى تتوفر فرص كثيرة للناس كي يتعلموا ويعرفوا كيفية مواجهة الظالمين من خلال الالتزام بالطريق الحسيني المعروف.
يقول الإمام الشيرازي:
(من الشعائر التي يمكن أن يشار إليها هي مجالس العزاء الموسمية والأسبوعية التي تقام لإحياء مصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام في المنازل وفي المحلات العامة وفي الهيئات والحسينيات وفي المساجد والعتبات، وذلك بكل أشكالها وكافة صورها وأنواعها).
والآن بعد أن وصلنا نهاية هذه الكلمة، لابد أن السائل يعرف الآن ويفهم الأسباب التي تجعلنا مطالَبين بإحياء الشعائر الحسينية وتعظيمها، لأن الهدف الأهم في ذلك بناء شخصية حسينية فردية (لكل فرد) وجمعية (لكل الأمة)، هذه الشخصية تستمد قوّتها وثباتها وشجاعتها وصبرها من شخصية الإمام الحسين عليه السلام، ومن الثبات على مبادئه وإحياء شعائره وتعميمها حتى تصل إلى أبعد نقطة من الأرض.