في العراق.. اصلاحات جوفاء لتدوير النفايات السياسية
عبد الامير رويح
2016-04-13 11:52
يبدو ان إصلاح النظام السياسي في العراق مع وجود الاحزاب والكيانات السياسية الحالية التي تهيمن على المشهد السياسي منذ 2003 هو امر مستحيل وغير خاضع للنقاش كما يرى بعض الخبراء في الشأن العراقي، الذين اكدوا على اصلاحات وتحركات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وحكومة التكنوقراط التي أعلن عنها، هي مجرد وعود غير قابلة لتنفيذ الهدف منها امتصاص غضب الشارع العراقي، الذي اصبح يعاني الكثير من الازمات والمشاكل الاقتصادية والامنية، بسبب فشل الحكومات المتعاقبة المبنية على المحاصصة والتوافقات الطائفية والحزبية التي دمرت البلاد.
ولعل التطورات والاحداث الاخيرة هي دليل واضح على ان النظام السياسي في العراق لن يتغير ابدا في ظل وجود قوى واحزاب المحاصصة، التي ستسعى الى افشال جميع التحركات والخطط الهادفة الى بناء وطن جديد، خصوصا وانها تعتمد على دستور خاص شرع لها كل ما تريد واعطاها حرية تقرير المصير.
ويرى بعض المراقبين ان العراق ربما سيكون مقبلا على أزمة سياسية حادّة تضاعف المخاطر المحدقة به جرّاء الأزمتين الأمنية والاقتصادية. خصوصا وان رئيس الوزراء العراقي قد خسر الكثير من الفرص المهمة، ومنها الدعم المطلق من قبل الشعب والقيادة الدينية التي اعطت العبادي القوة ومنحته الحصانة ضد أي معارضة محتملة، وهو ما جعل الكتل السياسية اكثر قوة فيما بعد خصوصا وانها عمدت الى اضعاف دور رئيس الوزراء الذي يواجه اليوم تحديات كثيرة في ظل اتساع رقعة الفساد وضعف الاجراءات.
وكان رئيس الوزراء العراقي قدّم في وقت سابق إلى رئاسة البرلمان قائمة أسماء مقترحة لشغل المناصب الوزارية، لكنها لقيت اعتراض الكتل السياسية التي ترفض أن تفقد حصصها من المناصب. وقد اضطر العبادي، للتقدم قائمة بديلة من اقتراح الكتل السياسية ذاتها، لكن بعض تلك الكتل اعترضت عليها مجدّدا وعلى رأسها كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، التي تدعوا الى اجراء تغيرات جذرية يعارضها الخصوم. وتمتلك الكتلة 34 نائبا بالبرلمان لكن وزنها الحقيقي وكما تنقل بعض المصادر، يوجد في الشارع الذي اصطف مؤخرا وراء زعيم التيار، مقتدى الصدر في موجة احتجاجات اقتربت من المنطقة الخضراء موضع أهم المقرات السيادية والسفارات الأجنبية بالعاصمة بغداد.
تشكيل الحكومة
في هذا الشأن رفع مجلس النواب العراقي جلسة على امل التوصل لاتفاق من اجل التصويت على قائمة مرشحي رئيس الوزراء حيدر العبادي نظرا لانعدام الاتفاق بين الكتل البرلمانية حول المرشحين. وكان من المقرر ان يناقش المجلس بحضور رئيس الوزراء ومن خلال لجان برلمانية ،اسماء 14 مرشحا قدمهم العبادي بعد الاتفاق مع الكتل السياسية. وعقد العبادي اجتماعا مغلقا ضم رئيس المجلس سليم الجبوري ورؤساء عدد من الكتل السياسية، وفقا لمصدر برلماني.
وقال النائب عقيل عبد الحسين من التيار الصدري، للصحافيين " للاسف انتهى اجتماع رئاسة مجلس النواب ورؤساء الكتل مع الرئيس ولم يثمر الى ما يتطلع اليه الشعب العراقي بولادة حكومة تنكوقرط مستقلين". واضاف "للاسف مازالت المحاصصة وتدخلات الكتل السياسية مستمرة في تشكل الحكومة". وكان الجبوري قال في تغريدة على تويتر، في وقت سابق "استلمنا اسماء المرشحين من رئيس الوزراء (حيدر العبادي) وبامكان النواب التصويت بالرفض او القبول على الاسماء التي ستعرض".
وقد دعا العبادي الى اجراء تغييرات جذرية في المواقع الوزارية من اجل تعيين "تكنوقراط مستقلين واكاديميين" بدلا عن الوزراء الحاليين المرتبطين باحزاب سياسية. وتهيمن الاحزاب الكبيرة على السلطة في البلاد، من خلال المحاصصة السياسية وتتقاسم الامتيازات، وقد تقاسمت جميع المناصب العليا، الامر الذي من شانه ابعاد الكفاءات. وتبقى مساعي العبادي لتحقيق الاصلاح مهددة بالفشل بسبب هيمنة الاحزاب على السلطة من خلال المحاصصة السياسية وتقاسم الاحزاب للمناصب العليا في الدولة.
ويرى البعض إن الكتل السياسية غير الراضية عن اقتراح العبادي بتعيين تكنوقراط مستقلين بدلا من ممثليهم تفضل طرح أسماء بديلة للحفاظ على التوازن الحزبي الحالي. وفي 31 مارس آذار طلب العبادي من البرلمان إما قبول أو رفض أو تعديل التشكيلة التي قلصت أيضا عدد المناصب الوزارية من 22 إلى 16. وقال المشرعون إنهم سيحتاجون إلى ما يصل إلى عشرة أيام للرد. وانقضت تلك المهلة دون صدور قرار.
وقال النائب الشيعي عباس البياتي "لا يوجد اتفاق على اللائحة..الكتل السياسية تحاول أن تجد بدلاء لوزرائهم في الكابينة (التشكيل الوزاري) يكونون في نفس الوقت تكنوقراط ومحترفين." وقال نائب شيعي كبير آخر إن الأمر قد يتطلب عشرة أيام أخرى أو أكثر قبل أن يصوت البرلمان على قائمة منقحة. وقال حامد المطلك وهو نائب سني "إني لا أرى ردا واضحا من الكتل السياسية."
واعتذر اثنان على الأقل من الذين رشحهم العبادي عن عدم تولي حقيبتي وزارتي المالية والنفط. واعتذر أيضا الوزراء الثلاثة الذين ينتمون للكتلة السياسية التي يقودها رجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر وبرروا موقفهم بالشعور بالإحباط من رفض الأحزاب الأخرى التخلي عن مناصبها. ويحث الصدر العبادي على تعيين مستقلين بدلا من الوزراء المنتمين للأحزاب. وقال بيان من كتلة الأحرار إن وزراء المياه والصناعة والمعادن والإسكان والتشييد قرروا عدم حضور اجتماعات الحكومة أو الذهاب إلى مكاتبهم. واتخذ وزير النفط العراقي خطوة مماثلة قبل ثلاثة أسابيع طالبا من نائبه القيام بمهامه.
ويأتي التعديل الوزاري في إطار إجراءات لمكافحة الفساد صدرت بشأنها وعود منذ وقت طويل. ويتعين على العبادي تنفيذ تلك الإجراءات أو المخاطرة بإضعاف حكومته في وقت تستعد فيه القوات العراقية لمحاولة استعادة مدينة الموصل الشمالية من تنظيم داعش. وحث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على عدم السماح للأزمة السياسية بالتداخل مع الحرب ضد المتشددين المسلحين وعبر عن دعم واضح لرئيس الوزراء. بحسب رويترز.
وجاء اقتراح العبادي للتشكيلة الوزارية الجديدة في جزء منه تحت ضغط من رجال دين من الأغلبية الشيعية ونتيجة لسخط شعبي إزاء نقص الخدمات العامة الأساسية في بلد يواجه أزمة اقتصادية جراء تراجع أسعار النفط العالمية. ووافق الصدر على إنهاء اعتصام دخل فيه أنصاره منذ أواخر فبراير شباط بعد أن قدم العبادي تشكيلته الحكومية. ويقول أعضاء بالبرلمان مقربون من الصدر إنه لن يعترض على تشكيلة معدلة ما دام الوزراء من التكنوقراط وليس من السياسيين.
واشنطن وطهران
في السياق ذاته دخلت الولايات المتحدة وإيران في تحالف ضمني لدعم رئيس وزراء العراق وهو يتحدى النخبة الحاكمة بخطط لتشكيل حكومة من غير السياسيين يتصدى بها لفساد يأتي على ما تبقى من استقرار اقتصادي وسياسي في البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وكانت الأصوات تتعالى في الداخل مطالبة بتنحي رئيس الوزراء حيدر العبادي -ومنها صوت سلفه نوري المالكي- بينما كان هو يسعى لتعديل وزاري يهدف للوقوف في وجه الفساد الذي أصبح قضية رئيسية بعد انهيار أسعار النفط في 2014 والذي أثر بقوة على موارد الحكومة التي تشن حملة مكلفة للتصدي لتنظيم داعش.
ويقول سياسيون ودبلوماسيون ومحللون إن الخصمين العتيدين -واشنطن وطهران- مارستا ضغوطا على حلفائهما بالعراق كي لا يسعوا لتنحية العبادي في وقت يسعى فيه لتشكيل حكومة تكنوقراط. وذكرت مصادر قريبة من الأمر أن المساعي الأمريكية والإيرانية ساعدت على وأد محاولة لإبعاد العبادي عن منصبه قام بها المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الذي يسيطر على حوالي ثلث مقاعد البرلمان. وينفي المالكي قيامه بمثل هذه المحاولة. وبعيدا عن الولايات المتحدة وإيران.. نال العبادي أيضا تأييدا من مصادر قوية في الداخل. فآية الله العظمى علي السيستاني -أكبر مرجعية شيعية في البلاد- بارك في الصيف الماضي قيامه بإصلاحات بعد احتجاجات بالشوارع تطالب بتحسين الخدمات العامة. ويقول سياسيون ومحللون إن مساندة السيستاني له لم تتزعزع وإن كان قد خاب ظنه حين لم يتخذ رئيس الوزراء إجراء حاسما.
وقال سجاد جياد وهو محلل يقدم المشورة لرئيس الوزراء إن الأمريكيين والإيرانيين والسيستاني كان لهم جميعا نفس الرأي: "يبقى العبادي في السلطة ويعين وزراء جددا." وإعلان العبادي عن تشكيلته الوزارية الجديدة أشار المالكي إلى أن رئيس الوزراء قد يطاح به بموافقة تكتلات أخرى وذلك حسبما صرح مسؤولون كبار. وقال حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي في الحكومة المنتهية ولايتها إن المالكي كان يطالب بتغيير كامل لمجلس الوزراء يشمل العبادي نفسه. وذكر النائب الشيعي البارز موفق الربيعي أن الأمر بلغ بالمالكي حد أنه كان مستعدا لقبول شخصية تحل محل العبادي حتى ولو من خارج حزب الدعوة.
ونفى متحدث باسم المالكي أنه حاول إبعاد العبادي لكنه قال إن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه لن يمنع أحزابا أخرى من أن تحل محله ما دام سير العملية السياسية محفوظا. وقال "لا نعارض إذا شكل الدكتور العبادي الكابينة الوزارية. أما إذا كانت رغبة القوى السياسية استبدال الدكتور العبادي فإن دولة القانون لا تقف موقفا معارضا طالما تمت المحافظة على سير العملية السياسية." لكن العبادي صمد وقد دعمته دعوة أطلقها بايدن وقال جياد إن مغزاها كان "أنت أملنا الأخير بالعراق."
وحين سئل أحد مساعدي بايدن في واشنطن عن الدعوة امتنع عن التعليق. وقال "أشارت الإدارة على كافة المستويات إلى أن مساعي إبدال رئيس الوزراء أو... اتخاذ خطوات أخرى من شأنها أن تشل حركة الحكومة ستأتي بآثار عكسية تماما بالنسبة لاستقرار العراق والحملة المشتركة لدحر" تنظيمداعش. وقال دبلوماسي غربي إن المساعي الأمريكية لضمان عدم سقوط العبادي كانت "حثيثة". وقال الربيعي إن الأمر يتطلب استمرار هذا لاقتناص موافقة الأكراد والسنة على الحكومة الجديدة.
وناقش بريت مكجيرك المبعوث الأمريكي للتحالف المناهض لتنظيم داعش الأزمة السياسية مع مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق قبل أن يزور بغداد لإجراء محادثات مع مسؤولين آخرين. والتقى أيضا وفد زائر من الكونجرس الأمريكي بمسؤولين من الحكومة والجيش من بينهم العبادي. وقال دبلوماسي أمريكي كبير في بغداد إن هناك رغبة في وجود حكومة عراقية قوية يرأسها العبادي يمكنها أن تواصل الحرب على داعش. ونقلت إيران رسالة مماثلة للمسؤولين العراقيين. وقال سياسي شيعي إن سليماني اجتمع مع ممثلين للمالكي ومع عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي. بحسب رويترز.
وتشجع العبادي أيضا في اتخاذ خطوة تغيير وزرائه بعد ضغوط أنصار رجل ديني شيعي قوي آخر هو مقتدى الصدر. وكان السيستاني قد قرر في أوائل فبراير شباط التوقف عن التحدث عن السياسة في خطبته الأسبوعية إعرابا عن استيائه من بطء خطى الإصلاح ولدفع العبادي للتحرك. وسرعان ما كسر الصدر -الذي بزغ اسمه قبل عشر سنوات حين قاتل أتباعه القوات الأمريكية- دائرة الصمت. فقد حشد أنصاره للاعتصام عند مدخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد والتي تضم سفارات ومقر الحكومة ومبنى البرلمان.
ثم بدأ هو نفسه اعتصاما في خيمة داخل المنطقة الخضراء لإرغام العبادي على تشكيل حكومة تكنوقراط وحذر القيادات الحزبية من أنها ستواجه احتجاجات بالشوارع إن هي اعترضت سبيله.
جلسة طارئة
من جانب اخر أكد مسؤول في البرلمان العراقي ان "رئيس البرلمان سليم الجبوري وبعد تلقيه طلبا موقعا من 61 نائبا في البرلمان، سيدعو لعقد جلسة طارئة لمناقشة ازمة التصويت على التشكيلة الوزارية". ويعتصم عدد من النواب من مختلف الكتل السياسية داخل مبنى البرلمان منذ رفع الجلسة احتجاجا على التاجيل.
وذكرت مصادر صحفية من داخل البرلمان ان "رئيسه سليم الجبوري حاول التفاوض مع المعتصمين من خلال وسطاء واقناعهم بانه سيدعو لجلسة طارئة، الا ان النواب المعتصمين رفضوا التجاوب مع الوسطاء وهددوا بسحب الثقة عن الرئاسات الثلاث". وقالت قناة العراقية الرسمية إن "رئيس الوزراء حيدر العبادي قدم للبرلمان قائمتين باسماء الوزراء الجدد ليتم التصويت على احداهما، احداها قدمتها لجنة الخبراء لأختيار المرشحين والاخرى قدمتها الكتل السياسية ".
وواجه العبادي، خلال الأيام الماضية، جبهة كبيرة من الكتل المعترضة على طريقته في إجراء التعديلات، بعدما اقترح 16 مرشحاً لتولي الحقائب الوزارية تعرضوا للانتقاد والتشهير وانسحب بعضهم. وقد اتفقت رئاستا الدولة والبرلمان ورؤساء الكتل السياسية في البرلمان باستثناء ممثلي الأكراد والتيار الصدري على مشاركة العبادي في اختيار حكومة التكنوقراط الجديدة. وتخشى الكتل السياسية من إقدام رئيس الوزراء على تكرار سيناريو 31 الشهر الماضي عندما عرض عليها قائمة مرشحين اختارهم بنفسه في محاولة لوضع الجميع أمام الأمر الواقع.
ويرى محللون إن نجاح الكتل السياسية في رفض تشكيلة العبادي وفرض رأيها في الحكومة الجديدة سيمكنها من ترشيح وزرائها والمحافظة على نفوذها الواسع في السلطة وإبقاء الوضع كما هو عليه، بما يضمن عدم ملاحقة أي من المسؤولين في الدولة المرتبطين بها من المحاسبة والملاحقة بتهم الفساد، مثلما كان العبادي يخطط لذلك تحت ضغط الشارع والمظاهرات التي عمت البلاد خلال الاشهر القليلة الماضية والتي قادها التيار الصدري. ورفض جواد الجبوري المتحدث باسم الهيئة السياسية لـ"تيار الأحرار" التابع لرجل الدين مقتدى الصدر "الالتفاف على مطالب المعتصمين التي نادت بضرورة تشكيل حكومة (تكنوقراط) بعيدة عن المحاصصة السياسية". وأضاف أن "تقديم الكتل السياسية لمرشحين للحكومة الجديدة هي عودة بطريقة جديدة للمحاصصة السياسية، لذا سيبقى الوضع على ماهو عليه، من خلال تعطل دور البرلمان في التشريع، ونحن لانؤيد هذا الإجراء".