شؤون ايرانية.. انقسام داخلي على وقع صراع الانتخابات

عبد الامير رويح

2016-02-16 02:22

مع اقتراب موعد الانتخابات تعيش ايران حالة من الصراع الداخلي بسبب تصاعد وتيرة الخلاف بين المحافظين والإصلاحيين، خصوصا ان هذه الانتخابات وكما يقول بعض المراقبين تكتسب أهمية خاصة، حيث يسعى المحافظون اصحاب الكلمة الفصل الى ابقاء هيمنتهم المطلقة على مصدر القرار في ايران، بينما يسعى خصوهم الى الاستفادة من الانجازات المهمة التي حققها الرئيس الحالي حسن روحاني من اجل تعزيز نفوذهم وانتزاع أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ومجلس الخبراء، الامر الذي سيمكنهم من ممارسة سلطاتهم بحرية ودون قيود، لذا فقد سعى اعضاء التيار المتشدد الى شن حرب داخلية واعتماد خطط واجراءات خاصة في سبيل اقصاء وتهميش دور باقي الخصوم ومنعهم من تحقيق مكاسب سياسية ضدهم.

وفيما يخص بعض اخر التطورات فقد قال التلفزيون الرسمي الإيراني إن الرئيس حسن روحاني دعا النخبة الإيرانية المنقسمة للعمل على التوصل لتوافق في الآراء بعد أن استبعدت هيئة محافظة آلاف المرشحين المعتدلين من المنافسة في انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء. وتحدث روحاني وهو رجل عملي يسعى الآن لإعادة العلاقات مع الخارج بعد إبرام الاتفاق النووي العام الماضي مع القوى العالمية الست والذي أنهى العقوبات الاقتصادية على إيران أمام حشود في ساحة أزادي بطهران في ذكرى الثورة الإسلامية التي قامت عام 1979.

وجاءت الذكرى في ظل خلافات داخلية بعد أن منع مجلس صيانة الدستور القوي المرشحين المعتدلين من الترشح لانتخابات البرلمان وانتخابات مجلس الخبراء الذي يختار الزعيم الأعلى المقبل للبلاد. وقال روحاني "ينبغي أن تنأى الفصائل السياسية بنفسها عن المواجهة.. نحتاج الآن للتوافق في الآراء... لا تديروا ظهوركم لصناديق الاقتراع." ودافع روحاني أيضا عن الاتفاق النووي الذي يعتبره المحافظون إذعانا للضغوط من واشنطن. وقال روحاني إن الاتفاق يحمي حقوق الجمهورية الإسلامية في الحصول على الطاقة النووية ويعزز مكانة البلاد على الساحتين الدولية والإقليمية.

وقال "الإيرانيون لن يخضعوا أبدا لأي ضغط. انتصارنا النووي أظهر للعالم أن الإيرانيين قادرون على الفوز في أي معركة بما في ذلك المعارك الدبلوماسية." وخرجت إيران من عزلتها عندما رُفعت العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل مقابل التزام طهران بالحد من طموحاتها النووية بموجب الاتفاق النووي. وتجري إيران الانتخابات يوم 26 فبراير شباط الجاري لاختيار 290 نائبا للبرلمان بالإضافة إلى أعضاء مجلس الخبراء الذي يبلغ عدد مقاعده 88.

خامنئي والانتخابات

الى جانب ذلك اعتبر المرشد الاعلى لجمهورية ايران الاسلامية آية الله علي خامنئي ان الانتخابات المقبلة المرتقبة في ايران يجب الا تنسي المسائل الاخرى الهامة وخصوصا الاقتصاد، داعيا الى "احباط مخططات العدو". واعتبر المرشد الاعلى امام مسؤولين عسكريين "ان الانتخابات مسألة في غاية الاهمية" لكن "هذه القضية مرحلية رغم كل اهميتها وان ما يبقى بعد بضعة اسابيع هي قضايا البلاد الاساسية ومنها تحصين اقتصاد البلاد".

واكد ان على المسؤولين "العمل لدفع عجلة تقدم البلاد الى الامام من خلال توجيه الارصدة نحو الانتاج الصناعي والزراعي وتحقيق ازدهار الانتاج وحل مشكلة الركود ليدرك العدو تاليا بان لا جدوى من وراء الحظر"، كما اكد "ضرورة الحذر الكامل والدائم من مخططات واهداف جبهة الاعداء الواسعة". واضاف خامنئي في هجوم جديد على الحكومة الاميركية "ان الادارة الاميركية وقحة الى الحد الذي ترتكب معه ابشع الاعمال ومن ثم تبتسم في وجهك. ألا ينبغي اتخاذ الحيطة والحذر من هكذا عدو؟". واكد "ان المشاركة الشاملة للشعب في الانتخابات التشريعية وانتخاب مجلس الخبراء بضخها لدماء جديدة ستضمن عزة واقتدار الجمهورية الاسلامية وتحبط مخططات العدو المخادع".

وتابع "ان اصراري على مشاركة الجميع في الانتخابات يعود الى ان المشاركة الجماعية تمنح البلاد العزة وتضمن مستقبلها، لذا فان المشاركة في هذا الحدث العظيم تعتبر واجبا على الجميع". ومنذ ابرام الاتفاق النووي بين ايران والقوى الكبرى في تموز/يوليو 2015 الذي سمح برفع العقوبات الدولية التي فرضت على البلاد منذ عشر سنوات، لا يكف المرشد الاعلى عن التحذير من "التسلل" الاقتصادي والثقافي للدول الغربية الى ايران، وفي مقدمها الولايات المتحدة. بحسب فرانس برس.

وستكون الانتخابات التشريعية بمثابة اختبار هام للرئيس المعتدل حسن روحاني الذي يأمل في الحصول على غالبية من النواب المؤيدين لسياسة الانفتاح التي ينتهجها في البرلمان الذي يهمين عليه حاليا المحافظون. كذلك، يعد انتخاب اعضاء مجلس الخبراء في اليوم نفسه اساسيا لان هذه المؤسسة المؤلفة من رجال دين منوط بها تعيين المرشد الاعلى للجمهورية ومراقبته واحتمالا عزله. كما سيكون له دور هام في حال وفاة اية الله خامنئي الذي يبلغ 76 عاما من العمر.

حفيد الخميني

على صعيد متصل اعلن حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله الخميني والقريب من الاصلاحيين في ايران، انه خسر طعنه في قرار استبعاد ترشيحه لانتخابات مجلس الخبراء. وورد على حسابه على موقع تلغرام للرسائل القصيرة الآنية انه "استنادا الى المعلومات التي وردتنا (...) فان مجلس صيانة الدستور رفض مرة جديدة ترشيح السيد حسن الخميني لمجلس الخبراء". وكان الخميني بين مئات المرشحين الذين استبعدهم مجلس صيانة الدستور من خوض الانتخابات لدخول مجلس الخبراء، الهيئة التي تشرف على عمل مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي والمسؤولة عن انتخاب خلف له.

واعتبر مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون والذي يشرف على الانتخابات، ان حسن الخميني ليست لديه الالمام الكافي بشؤون الفقه لترشيح نفسه للانتخابات. واعلن حفيد الامام الخميني البالغ من العمر 43 عاما في 29 كانون الثاني/يناير انه سيستانف القرار لكن من غير ان تساوره اوهام حول نتيجة الاستئناف. وكتب حينها على موقع تلغرام "لا اعتقد ان الاستئناف سيفتح ابوابا جديدة" واذا كان اعضاء مجلس الخبراء "لم يتمكنوا من التحقق من مؤهلاتي من خلال شهادات عدد من آيات الله العظمى ومؤتمراتي وكتاباتي، فانه من غير المرجح ان يتمكنوا من ذلك في المستقبل". بحسب فرانس برس.

ولا يشغل حسن الخميني منصبا سياسيا رسميا وهو مكلف فقط ادارة ضريح الامام الخميني في جنوب طهران، الا ان ترشيحه مثير للجدل بسبب علاقاته مع الاصلاحيين وبينهم محمد خاتمي الذي تولى رئاسة البلاد من 1997 حتى 2005. وخاض المسؤولون الاصلاحيون ووسائل الاعلام الاصلاحية حملة نشطة من اجل ترشيحه وهو يتمتع بشعبية كبيرة بين الناخبين المعتدلين ويتعرض في المقابل لانتقادات متكررة من المحافظين المتشددين.

البرلمان الإيراني

من جانب اخر قرر مجلس صيانة الدستور في إيران السماح لمئات آخرين من المرشحين بخوض الانتخابات البرلمانية المقررة في خطوة أحيت آمال الإصلاحيين والمعتدلين. واحتدم الصراع في إيران بين المحافظين والإصلاحيين منذ رُفعت العقوبات الدولية عن طهران بعد اتفاقها النووي مع الغرب. ويخشى المتشددون أن يميل الناخبون الإيرانيون الآن لمكافأة المرشحين الإصلاحيين. ورحب بالقرار الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الحليف المقرب من الرئيس الحالي حسن روحاني.

ونقلت وكالة أنباء فارس عن رفسنجاني قوله "الخبر الجيد للمرشحين المستبعدين أن 25 بالمئة منهم سيسمح لهم الآن بالترشح في الانتخابات.. لذلك سنشهد انتخابات تنافسية في فبراير." وكان مجلس صيانة الدستور الذي يتشكل من علماء دين وخبراء قانونيين قد استبعد آلاف الساعين للترشح في الانتخابات البرلمانية وأربعة أخماس الطامحين لعضوية مجلس الخبراء الذي سيتولى اختيار المرشد الأعلى لإيران فيما وصف آنذاك بأنها انتكاسة لروحاني ورفسنجاني.

لكن المجلس إنه وافق على 1500 مرشح آخرين للانتخابات البرلمانية. ولا يزال المجلس ينظر شكاوى مرشحين استبعدوا من الترشح لعضوية مجلس الخبراء الذي يتشكل من 88 عضوا. وذكرت وكالة العمال الإيرانية للأنباء أن محسن وفاطمة ابنا رفسنجاني من المرشحين الذين لا يزالون في قوائم المستبعدين. وكان رفسنجاني الذي تولى رئاسة إيران بين 1989 و1997 قد انتقد استبعاد المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين واتهم مجلس صيانة الدستور- الذي تربطه صلات وثيقة بالزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي- بإقصاء المنافسين. بحسب رويترز.

ورغم أن غالبية المستبعدين ينتمون للتيار الإصلاحي والمعتدل فإن عددا قليلا من المتشددين منعوا من الترشح أيضا كعضو البرلمان حامد رضائي. وقال المتحدث باسم اللجنة المركزية للإشراف على الانتخابات إن 55 بالمئة من المرشحين أجيز الآن ترشحهم وإن عدد من سيسمح لهم بالتنافس على كل مقعد من مقاعد البرلمان -وعددها 299 مقعدا- زاد من 16 إلى 20 مرشحا.

بين الرجاء والإحباط

على صعيد متصل منح رفع العقوبات المفروضة على ايران محمد صادق زاده الأمل في انقاذ مصنع النسيج المتعثر الذي يملكه إذا كان أثر هذه التغيرات سيظهر بسرعة. وقال "العقوبات خربت أعمالي. سيتوقف نشاطي في غضون ستة أشهر إذا استمر الحال على هذا المنوال. نحتاج لرؤية بعض النتائج الملموسة." وأثار قرار الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي رفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني مقابل تقييد البرنامج مشاعر فرح بين الايرانيين.

لكن كثيرين يشعرون بالإحباط لأنهم لم يروا تغيرات فورية بعد انتهاء عزلة ايران ويخشون ألا تصبح الفوائد محسوسة قبل فترة طويلة إذ تخطو البنوك والشركات والحكومات الأجنبية خطوات مشوبة بالحذر خوفا من مخالفة العقوبات الأمريكية الباقية. وقال رجل أعمال في مدينة تبريز ذكر أن اسمه حشمت "أرجو برفع العقوبات أن أتمكن من استخدام البنوك مثل الدول الأخرى المتحضرة. وأملي الوحيد أن أكون جزءا من مجتمع الأعمال العالمي." وقال حشمت الذي تم تعطيل حسابه في بنك فرنسي في أوائل عام 2013 "لكن مازال أمامنا مشوار طويل. أخشى إذا استمر الوضع الحالي حتى مارس (آذار) أننى سأضطر لإغلاق نشاطي."

وكانت العقوبات الغربية قطعت مصادر التمويل من الخارج ورفعت كلفة الاقتراض في ايران وأضرت بكثير من الشركات من خلال منع التحويلات عن طريق البنوك الأجنبية. واعتاد حشمت أن يجلب الأموال في لفات كبيرة من الأوراق فئة 100 دولار عبر رحلات جوية من تركيا ومناطق أخرى. وانسحبت البنوك الغربية من ايران بعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على القطاعين المالي والنفطي عام 2012 ليصبح من شبه المستحيل على كثيرين من أفراد الطبقة الوسطى في ايران تحويل الأموال لأبنائهم الذين يدرسون في الخارج.

وعجز كثير من الايرانيين عن فتح حسابات في الخارج أو الاحتفاظ بحساباتهم في الخارج وواجه الايرانيون الذين يحملون جنسيات أخرى أيضا مشاكل خارج بلادهم في الاحتفاظ بحساباتهم حتى لو لم يحولوا قط أموالا إلى إيران أو منها. وقالت مريم صادقيان الايرانية التي تنتمي للطبقة المتوسطة إنها شعرت بأنها ستتواصل من جديد مع العالم الخارجي عندما رفعت العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي. وأضافت "لكن فرحتي لم تدم طويلا. فقد اتصلت ببنكي في ميونيخ حيث كان لي حساب على مدى عشر سنوات لكي أفتح حسابا جديدا. غير أن الرد كان سلبا. وقيل لي إنه لا تغيير في السياسة."

أما بالنسبة لمحسن دادبينيا الموظف الحكومي السابق فقد شعر بخيبة أمل لأنه لم يتمكن حتى الآن من تحويل أموال لابنته في ايطاليا. وقال "بعد انتقال ابنتي إلى ايطاليا عام 2013 كان إرسال المال لها كابوسا. فقد كان علي أن أعثر على متعاملين موثوق بهم في السوق السوداء لتحويل المال." وصادفت تارانة مقدم المهندسة المعمارية من مدينة شيراز بوسط ايران ممارسات في ظل العقوبات تأمل أن تنتهي الآن. فقد اضطرت للذهاب إلى لندن لاسترداد 300 ألف دولار نقدا عام 2013 عندما حذرها البنك أنه سيغلق حسابها في غضون أسبوع "لأنك تعيشين في ايران". وقالت "كنت في حالة يأس واضطررت لحمل النقد في حقيبتي إلى ايران" مضيفة أنها عجزت عن فتح حساب في أي بنك غربي آخر حتى رغم أنها تحمل الجنسيتين الايرانية والبريطانية.

ويأمل الرئيس حسن روحاني - الذي قال خلال حملته الانتخابية عام 2013 إنه سيعمل على تعزيز الاقتصاد الايراني - أن يسهل رفع العقوبات عودة ايران إلى سوق النفط العالمية وجذب استثمارات أجنبية البلاد في أمس الحاجة إليها. لكن التوقعات أن تأتي الحلول سريعا ضئيلة إذ تطغى المخاوف القانونية لدى كثير من الشركات والبنوك على إغراء الاستفادة من ثراء ايران بالموارد وارتفاع نسبة المتعلمين بين سكانها البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة. ولأن كثيرا من وكالات ائتمان التصدير الغربية انسحبت من ايران فإن المديرين التنفيذيين الايرانيين يواجهون مشاكل في فتح خطابات الاعتماد التي تعد أداة حيوية في التجارة باستخدام عناوين ايرانية.

وقال مدير تنفيذي بقطاع البناء في مدينة اصفهان بوسط البلاد "أنا سعيد لبلادي لإبرام الاتفاق. لكن ستمضى شهور إن لم يكن سنوات قبل أن نشعر بالنتيجة." وأضاف "الاقتصاد لا يمكن إصلاحه بهذه السهولة. فسنوات العزلة لا يمكن أن تنتهي في طرفة عين. وأولئك المستثمرين الأجانب يحرصون على مصالحهم هم. يجب ألا نعرض بلادنا للبيع." ومع ذلك يرى بعض الايرانيين الأمل في عدد الشركات الأجنبية التي أرسلت بعثات استكشافية إلى ايران. بحسب رويترز.

وقال الوكيل العقاري حامد أفشر في شمال طهران "بعض الشركات الأجنبية التي تسعى لفتح فروع في طهران بدأت تبحث عن مكاتب وشقق لموظفيها الأجانب الذين سيعيشون في طهران." وأضاف "كثير من الايرانيين يفضلون المستأجرين الأجانب لأن الايجار سيكون بالعملة الاجنبية." وقال فريشته بهري زاده (25 عاما) إنه مستعد لانتظار الفوائد التي ستتحقق بعد انتهاء عزلة ايران إذ يشعر بالتحمس لامكانية تسهيل سفر الايرانيين للخارج. وتابع "لم نعد بلدا معاديا. فنحن نريد السفر للخارج بحرية وأن نلقى الاحترام في الخارج."

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا