مستقبل الاسد في سوريا.. حل لازمتها أم خلاف يعقدها؟
عبد الامير رويح
2016-02-15 03:52
الخلاف على بقاء أو رحيل الرئيس السوري بشار الاسد، لا يزال من اهم النقاط الخلافية التي تعيق الوصول الى تسوية سلمية من اجل انهاء الحرب المستمر منذ نحو 5 سنوات، والتي أودت بحياة اكثر من ربع مليون نسمة وساقت أكثر من عشرة ملايين آخرين بعيداً عن ديارهم كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على التطورات الاخيرة التي شهدتها الحرب في سوريا، وخصوصا بعد التدخل الروسي العسكري المباشر، يضاف اليها اتساع العمليات الارهابية لتنظيم داعش في العديد من دول العالم، قد اسهمت بتغير بعض المواقف والآراء السابقة بخصوص مصير الاسد، حيث ادركت بعض الحكومات ان رحيل الرئيس السوري وفي ظل وجود معارضة منقسمة ربما سيسهم بتعقيد المشهد الحالي، تلك التطورات ايضا قد دفعت تركيا وبعض الدول العربية السنية، الداعمة للجماعات المسلحة التي تحارب الأسد، الى تغير خططها وتحركاتها مع اصرارها على تصعيد الحرب الاعلامية والتحدث نيابة عن الشعب السوري، مطالبة في الوقت ذاته الدول الاخرى الداعمة لدمشق الابتعاد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة!
ويرى بعض الخبراء أن هذه الدول ومنها المملكة العربية السعودية، تسعى ومن خلال هذه التحركات الى تجنب أي هزيمة سياسية أو معنوية في سوريا، والثأر من النظام الحاكم بعد أن استثمرت المليارات وخمس سنوات من الجهود السياسية والعسكرية لإطاحته، كما انها تسعى الى تعزيز نفوذها الاقليمي من خلال تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية سنية لمواجهة ايران احد اهم حلفاء الرئيس بشار الاسد.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد اعتبر الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة ان الحرب الدائرة في بلاده يمكن ان تنتهي "خلال اقل من عام" بشرط ان يركز الحل على مكافحة الارهاب عوضا عن محاولة "التخلص من هذا الرئيس أو الإطاحة به". وقال الرئيس السوري في مقابلة بالانكليزية مع قناة "ان بي او 2" الهولندية انه "إذا اتخذت البلدان المسؤولة التدابير اللازمة لوقف تدفق الإرهابيين والدعم اللوجستي أستطيع أن أضمن أن الأمر سينتهي خلال أقل من عام".
واضاف الاسد بحسب نص المقابلة الذي نشرته وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" ان هذا الحل لن يتحقق لان المسؤولين في هذه الدول "ما زالوا يدعمون الإرهابيين (...) لأن الحل الذي يريدونه.. ما يسمونه حلا سياسيا.. ينبغي أن ينتهي بتغيير هذه الدولة والتخلص من هذا الرئيس أو الإطاحة به.. وما إلى ذلك.. لهذا السبب فإن الأزمة ستستمر". وردا على سؤال عن الدول القادرة على المساهمة في حل الازمة قال الاسد "وحدهم روسيا وإيران وحلفاؤهما والبلدان الأخرى التي تقدم الدعم السياسي للحكومة السورية أو الشرعية السورية قادرة على ذلك.. أما في الغرب فليس هناك أي طرف مستعد لذلك.. هناك بلدان قليلة مستعدة لذلك.. لكنها لا تجرؤ على التواصل مع سوريا لحل المشكلة ما لم تفرض الولايات المتحدة أجندتها عليهم وعلينا".
وبدا الاسد خلال المقابلة مرتاحا، حتى انه لجأ الى التهكم للإجابة على سؤال يتعلق بالتغيير الذي طرأ اخيرا على موقف الغرب بشأن التخلي عن المطالبة بوجوب رحيله فورا. وقال "شكرا لهم لقولهم هذا.. لقد كنت أحزم أمتعتي وأحضر نفسي للرحيل.. أما الآن فيمكنني أن أبقى.. إننا لا نكترث لما يقولونه.. إنهم يقولون الشيء نفسه منذ أربع سنوات.. هل تغير شيء في ما يتعلق بهذه القضية… لم يتغير شيء". واوقعت الحرب الدائرة في سوريا منذ اربع سنوات ونصف اكثر من ربع مليون قتيل.
الغرب والسعودية وقطر
من جانب اخر قال الرئيس السوري بشار الأسد في حوار أجراه مع التلفزيون التشيكي إن عودة السلام إلى بلاده يتوقف على "وقف دعم دول مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسعودية وقطر وبلدان أخرى للإرهابيين". واتهم الأسد السعودية بأنها "أكبر داعمي الإرهاب في العالم". واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن السلام يمكن أن يعود الى سوريا فور توقف الدول الغربية والسعودية عن دعم الإرهابيين.
وقال أنه في حال توقف هذا الدعم "فإن الوضع سيتغير في اليوم التالي وستصبح الأوضاع أفضل خلال بضعة شهور، وسيكون هناك سلام شامل في سوريا". وتابع أن السلام يمكن ان يتحقق "خلال بضعة شهور إن توقفوا عن ذلك، أما إذا لم يتوقفوا ووضعوا العراقيل فإن ذلك يتغير". وتعتبر العديد من الدول الغربية أن الرئيس السوري مسؤول عن اندلاع الحرب في سوريا، والتي أوقعت ما لا يقل عن ربع مليون قتيل خلال أكثر من أربع سنوات، كما أجبرت الملايين على ترك منازلهم.
وأعرب الرئيس السوري في مقابلته عن تشكيكه في إمكان قيام ائتلاف واسع ضد الإرهاب. وأضاف "لماذا لم يتعلموا من الهجوم الذي وقع على شارلي إيبدو؟ إنه المبدأ نفسه والمفهوم نفسه. قلنا حينذاك إن تلك كانت قمة الجبل الجليدي، لا يمكنك محاربة الإرهاب بينما تقدم الدعم للإرهابيين بشكل مباشر من خلال تقديم السلاح والتحالف مع أكبر داعمي الإرهاب في العالم، أي السعودية".
واعتبر الأسد أن الرد الفرنسي على هجمات باريس في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي"لم يكن ردا جديا، في حين أن الروس يظهرون جدية كبيرة جدا في محاربة الإرهاب وثمة تعاون بينهم وبين الجيش السوري". وردا على سؤال حول تعليقه على قيام الطيران العسكري التركي بإسقاط طائرة روسية، اعتبر الأسد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "فقد أعصابه لأن التدخل الروسي غير توازن القوى على الأرض، وبالتالي فإن فشل أردوغان في سوريا وفشل مجموعاته الإرهابية يعني نهاية حياته السياسية". بحسب فرانس برس.
وردا على سؤال حول احتمال تسلل إرهابيين إلى أوروبا من ضمن اللاجئين السوريين قال الأسد "هناك بالطبع عمليات تسلل للإرهابيين في أوساط اللاجئين لكننا لا نستطيع معرفة عدد هؤلاء"، مضيفا "إلا أنني أعتقد أن هناك بعض الأدلة على الإنترنت، هناك صور ومقاطع فيديو تثبت أن بعض الأشخاص الذين كانوا يقتلون الناس هنا ويقطعون الرؤوس أحيانا قد غادروا إلى أوروبا كمواطنين مسالمين".
غارات غير قانونية
في السياق ذاته اكد الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز ان الغارات الجوية التي بدأتها المملكة المتحدة على تنظيم داعش في سوريا "غير قانونية" و"ستشكل دعما للارهاب". واكد الاسد في المقابلة التي نشرتها الصحيفة، ونقلتها وكالة الانباء السورية سانا، ان الضربات "ستكون ضارة وغير قانونية وستشكل دعما للارهاب"، في اشارة الى الغارات التي اجازها البرلمان البريطاني.
وقال "لا يمكن إلحاق الهزيمة بـ داعش من خلال الضربات الجوية وحسب دون التعاون مع القوات على الأرض (...) لا يمكن إلحاق الهزيمة بهم دون مشاركة الحكومة والناس بشكل عام". كما سخر من تاكيد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وجود "70 الف مقاتل سوري معتدل" يمكن للائتلاف الدولي لمواجهة تنظيم داعش الاعتماد عليهم ميدانيا. وقال الاسد "أين هؤلاء الـ70 ألف معتدل الذين يتحدث عنهم (...) ليس هناك سبعون ألفا ولا سبعة آلاف ولا ربما عشرة.. من هؤلاء الذين يتحدث عنهم؟"
من جهة اخرى اشاد الرئيس السوري بالتدخل الروسي في بلاده معتبرا انه "قانوني" لانه جرى لتلبية "طلب" منه. وتابع "كم من الخلايا الارهابية توجد الآن في أوروبا. كم من المتطرفين صدرتم من أوروبا إلى سورية. هنا يكمن الخطر. يكمن الخطر في وجود حاضنة ويستطيع الروس رؤية ذلك بوضوح. إنهم يريدون حماية سورية والعراق والمنطقة وأنفسهم بل وحماية أوروبا. ولا أبالغ حين أقول إن الروس يحمون أوروبا اليوم". بحسب فرانس برس.
وردا على سؤال حول احتمال تنفيذ الجيش الروسي تدخلا بريا قال الرئيس السوري "لم نناقش ذلك بعد ولا أعتقد أننا بحاجة لذلك الآن لأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح". كما ابقى الباب مفتوحا امام التعاون مع الدول الغربية. وقال "إذا كانوا مستعدين وجديين ومخلصين في مكافحة الإرهاب فإننا نرحب بأي بلد في العالم وبكل جهد سياسي يهدف إلى ذلك. نحن لسنا متشددين في هذا الصدد بل براغماتيون تماما. في المحصلة نحن نريد تسوية الوضع في سورية ومنع المزيد من سفك الدماء".
مواقف ومتغيرات
من جانب اخر قال علي أكبر ولايتي كبير مستشاري السياسة الخارجية للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن الشعب السوري وحده هو الذي يحدد مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد مضيفا أن هذا الأمر يمثل "الخط الأحمر" بالنسبة لطهران. ومصير الأسد نقطة خلاف في المحادثات بين القوى العالمية التي تسعى للتوصل لحل سياسي للأزمة في سوريا. وتريد إيران وروسيا أن يبقى الأسد في السلطة لحين إجراء انتخابات في حين تقول القوى الغربية والعربية إنه يجب أن يرحل.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (ارنا) عن ولايتي قوله "الرئيس السوري الأسد يعتبر الخط الأحمر للجمهورية الإسلامية فهو الذي انتخبه الشعب السوري. "الشعب السوري هو فقط من يجب أن يقرر مصيره ولا أحد آخر خارج الحدود السورية يمكنه الاختيار بدلا من الشعب السوري." وقال ولايتي أيضا إن إيران يجب أن تحاول تخفيف التوترات بين تركيا وروسيا. وتابع "تصاعد التوترات لا يفيد المنطقة. يجب ألا ننحاز لأي طرف ومن واجبنا تهدئة التوترات بين هذين البلدين."
على صعيد متصل قال الوزير الفرنسي لصحيفة "لوبروغريه دو ليون" إن "مكافحة داعش أمر حاسم، لكنها لن تكون فعالة تماما إلا إذا اتحدت كل القوى السورية والإقليمية"، متسائلا "كيف يكون ذلك ممكنا طالما بقي في الرئاسة بشار الأسد الذي ارتكب كل هذه الفظائع ويقف ضده جزء كبير من السكان؟". إلا أنه أضاف أن الوصول إلى "سوريا موحدة يتطلب انتقالا سياسيا. هذا لا يعني أن الأسد يجب أن يرحل قبل الانتقال لكن يجب أن تكون هناك ضمانات للمستقبل".
وتبحث الولايات المتحدة وفرنسا، الدولتان العضوان في التحالف الذي ينفذ عمليات قصف ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، عن حلول سياسية أو عسكرية بمشاركة أطراف محليين أو إقليميين لإنهاء النزاع المستمر منذ حوالى خمس سنوات في سوريا. وتقترح باريس خصوصا إشراك قوات سورية في مكافحة الجهاديين، على ألا يكون الأسد قائد هذه القوات. بحسب فرانس برس.
وكان فابيوس صرح "من غير الممكن العمل مع الجيش السوري طالما أن الأسد على رأسه. لكن انطلاقا من اللحظة التي يكون فيها انتقال سياسي ولا يكون بشار قائدا للجيش، يمكننا العمل مع ما سيكون الجيش السوري، لكن في إطار عملية انتقال سياسي جارية". من جهته قال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون إن الخلافات بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد لا ينبغي أن تعرقل محاولات التوصل لوقف إطلاق نار لأغراض إنسانية أو لاتفاق أشمل لإنهاء الحرب في سوريا. وقال بان "أعتقد أن مستقبل سوريا أو مستقبل كل محادثات السلام هذه.. لا ينبغي أن يكون رهنا بمستقبل شخص واحد." وأضاف "أعتقد أن الأمر يعود للشعب السوري ليقرر مستقبل الرئيس الأسد."
في السياق ذاته قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير انه يمكن للرئيس السوري بشار الاسد البقاء في السلطة الى حين تشكيل حكومة انتقالية في سوريا. لكن الجبير اكد انه "يجب ان يتنحى الاسد بعد تشكيل الهيئة الحكومية الانتقالية". واضاف "يجب الا يكون للاسد اي دور في الحل السياسي"، مشيرا الى انه يستطيع البقاء خلال عملية تشكيل السلطة الانتقالية "ولكن ما ان تشكل هذه الهيئة وتصبح قادرة على الحكم، لا دور للاسد حينها". وتابع "اذا تم الامر اليوم او بعد اسبوع او خلال شهر، الشعب السوري هو من يقرر، ولكن الواضح منذ بداية (النزاع) ان لا مستقبل للاسد في سوريا".